الضمير
الضمير Conscience لغةً هو «المستور. أُطلق على العقل لكونه مستوراً عن الحواس، وضمير الشيء: عينه». أما في مجال الأخلاق، فإن العربَ أشاروا إلى مفهوم الضمير أو الوجدان بأسماء مختلفة، لعل أقربها إلى المفهوم الحديث هو معنى المروءة. فالمروءة مراعاة الأحوال التي تكون على أفضلها حتى لايظهر منها القبيح عن قصد، ولايتوجه إليها ذمّ باستحقاق.
وينعت الناس في لغة الحياة اليومية الضميرَ أو الوجدان أنه وجدان ظاهر، وضمير نقي، وشعور أخلاقي مرهف، ويرون أن هذا الوجدان أو الضمير أو الحس الأخلاقي: صوت باطني نبيل يدعو إلى الخير، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وهو الحكم الفيصل بين الفضيلة والرذيلة، ويميز بين الخير والشر، كما تميزُّ العين بين الأبيض والأسود.
ويُطلق الضميرُ على الملَكة التي تحدد موقف المرء حيال سلوكه، وتتنبأ بنتائج هذا السلوك. ويتجلى هنا بمنزلة الرادع اليقظ والآمر المطاع، والمرشد إلى العمل الصالح، ويحقق الإنسان حالَ البر والتقوى، وعلى هذا، يبدو الضمير حاكماً نزيهاً كونه قادراً على إصدار أحكامٍ أخلاقية، بل قيمية على أفعال الإنسان. يقول لالاند A.Lalande«الضمير الأخلاقي خاصة تمكّن الفكر البشري من إطلاق أحكام معيارية عفوية ومباشرة على القيمة الأخلاقية لبعض الأعمال الفردية المحددة».
فإذا أصدر الضمير حكماً على أفعال المستقبل ظهر في صوتٍ داخلي آمرٍ ناهٍ. يقول جان جاك روسو J.J.Rousseau «الضمير صوت الروح، والأهواء صوت الجسد» والضمير بالنسبة إلى الروح كالغريزة للجسد. ويقول أيضاً: «أيها الضمير… أيتها الغريزة الإلهية، أيها الصوت السماوي الخالد، أيها الحاكم المعصوم الذي يفرق بين الخير والشر، أنت الذي تجعل الإنسان شبيهاً بالله، فتخلق ما في طبيعته من سمو، وما في أعماله من خيرية، لولاك لما وجدت في نفسي ما يرفعني على الحيوان إلا شعوري المؤلم بالانتقال من ضلال إلى ضلال، بمعونة ذهنٍ لاقاعدة له، وعقل لامبدأ له».
أما إذا أصدر الضمير حكماً على الأفعال الماضية، فإنه يتجلى بشعور اللذة والألم، فاللذة هي شعور الفاعل الأخلاقي بالفرح (الارتياح)، أي أنه اتبعَ جادة الحق والصواب، وجاء فعله مطابقاً لقواعد ومبادئ الخير التي آمن بها.
وأما الألم فهو شعور بوخز الضمير والأسف والندم والتأنيب، وهو شعور ناشئ عن مجانبة الصواب ما ينبغي فعله.
ومن شأن الضمير أن يكون بحسب الأحوال واضحاً أو غامضاً أو شاكَّاً أو ضالاً أو حائراً، وهذا يدل على أن الضمير ليس دائماً بالحكم المعصوم، بل يعتريه النقص والغموض أو الخطأ ذاته، وهذه النقائص تشير إلى أن الضمير لايعمل صبحَ مساء على قدرٍ واحدٍ متساوٍ من الوضوح والجلاء في مختلف الظروف والأحوال. وليس بمحال، مع الأسف، أن يكبو الجواد، ويتعثر الإنسان في تدبر مواقفه الأخلاقية، فيضلّ ضميره عن قصد أو غير قصد، ويشك ويتردد، ويحار أمام مآزق الضمير، وتعارض الواجبات، ومنهم من يُصاب ضميره بالوساوس أو بالخدر أو بفرط الإرهاف أو بفرط اللامبالاة. إلا أن التغلب على الصعاب والنقائص يتم بوساطة التربية السليمة والصالحة التي تسعى إلى تجنب عثرات الشك والحيرة، وتحرض على صحة الضمير، وتتجه شطر ضمير مُعافى. بيد أن تربية الضمير هي تربية الإنسان بأسره، تربية الشخص بتوجيه ميوله لتلتقي وتتفاعل حيثما تلتقي القيم في الذروة وتتحد.
وينبغي على التربية الأخلاقية، في مراحلها وأساليبها ومستوياتها جميعاً، أن توقظَ الضمير بإحياء عاطفة الخير، وتنمية التطلع إلى الكمال، وأن خير تربية هي التربية الإيجابية التي لاتقتصر على التحذير من الشر والدعوة إلى الخير، بل تسوق إلى الخير بأداء الواجب ومحبة المثل الأعلى، والعمل على النهوض بالقيم الروحية في مجال النظر والعمل معاً. وتتمثل رسالة التربية السليمة في نقل الطفل الذي نشأ وترعرع في جو المنع والأخلاق السلبية إلى جو الحرية والرادع الباطني والانفتاح والإبداع.
حرية الضمير: تتجلى حرية الضمير في العمل على القبول والرفض في المجالات كافة (دينية وغيرها، أو اعتناق الآراء والمعتقدات التي يراها صائبة)، فالشعور الأخلاقي ينجبُ شعوراً بالحرية الحقيقية، حرية أن يختار المرء هذا العمل أو ذاك، وحرية أن يمنحَ الإنسان الطبيعة التي يريد، فيغدو إنساناً صالحاً أو طالحاً. والحرية تنطوي على مفهومين أساسيين هما: فكرة التحرر والانعتاق من ربقة الغرائز والأهواء، والتمرد على سلطانها والخروج على سيطرتها واستبدادها من جهة، وفكرة القدرة على الاختيار والمبادهة من جهة أخرى.
فالمفهوم الأول يدل على أن وحدة الهوى هي وحدة استعبادٍ لاتحرر، أما التحرر الحقيقي فهو وحده تطلُّع إلى قيمة لانهائية، يبني الإنسان في آفاقها شخصيته الحرة حقاً.
والحرية بمعناها الآخر هي حرية المبادهة والاختيار، فنجدها مضمرة في فاعلية الضمير واعترافه بأنه يقوم بمسؤوليته وينهض بها، فالضمير فاعلية حرة، وهذه حرية تحرر وحرية مبادهة معاً.
إن الأصل اللغوي لكلمة Conscienceالدالة على معنى الضمير أو الوجدان، يشير إلى معنى المعرفة المشتركة مع الآخرين. وهنا تظهر كلمات مثل: شاهد وشريك وصديق، وتختلف باختلاف نوع المشاركة، ولعل كلمة «شاهد» أقرب الكلمات إلى مايقصد بالقول اليوم: الوجدان أو الضمير أو الشعور. فهو معرفة حاضرة، هو حدس يطلع على ما يجري في الذهن والنفس من أعمال المعرفة والفهم والمشيئة والإرادة أو أنه هو الحدس الذي يصحب الشعور الباطني الحاضر بالحكم على موضوع المعرفة القائمة حالياً في الذهن.
ويعرب الضمير عن شعور غريزي بالخير والشر من قبل أية دراسة أخلاقية، ومن واجب الإنسان أن يرجع إلى ضميره حينما لايجد متسعاً من الوقت، أو لايتيسر له فحص القيمة الأخلاقية للعمل قبل الإقدام عليه فحصاً منهجياً.
وللضمير أو للشعور أنواع من حيث صلتها بالضمير الأخلاقي: كالشعور النفسي، وهو تأمل باطني، ومفتاح المعرفة بالأحوال النفسية، والوقائع الذهنية. والشعور الجمالي، وهو إحساس حافل بالقيم، وقطباه: القبيح والجميل. والشعور الديني: وهو يختلف عن الشعور النفسي والشعور الجمالي، لأن المعرفة النفسية تبتغي الحقيقة، والمتعة الفنية تتحرى الجمال، ولكن الشعور الديني أكثر تعقيداً لأنه يشترك مع الشعور الأخلاقي في أن المعرفة فيهما تخضع للاهتمام بمشاغل التأثير في الذات، والعاطفة الدينية تتفق والضمير الأخلاقي في أن غايتها تحري الصدق وطلب الخلاص والنجاة. والشعور الديني: مجموعة من العواطف والهيجانات الخاصة مصحوبة بالوعي بها، ويرافقها تصور في النفس. ويُعبّر الشعور الديني عن أعماقه بلغة الجوارح, فترمز الطقوس والعبادات والشعائر إلى الأفكار والعقائد والتصورات، ويُعرب سلوك الإنسان عن نظرته العميقة إلى قيمةٍ عليا، قيمة الدين، بالتطابق الصادق بين شعوره الباطني العميق، وتفاصيل حياته الملتزمة بعلاقات تشده إلى الله والكون والناس.
فالشعور الأخلاقي أو الضمير يشغل منزلة وسطى بين الشعور النفسي والشعور الجمالي. فالضمير يؤمن بالقيم الأخلاقية إيمانه بالإلهي والمقدس، ويطورها كما يطور الفن شعوره الجمالي بالابتكار والإبداع.
الضمير الأخلاقي والدين
أعرب المفكرون عن صعوبة انفصال الأخلاق عن الدين، بل يقرُّ بعضهم بتوحيد الأخلاق والدين, وكل مؤمن يحيا حياة دينه، ويعدُّ واجباته الأخلاقية أوامر إلهية، ويرى أن الضمير الأخلاقي هو في أعماقه ضمير ديني.
أما أنصار النزعة العلمانية فهم يؤكدون أن الضمير الأخلاقي قد يكون مرهفاً دقيقاً لدى إنسان غير مؤمن، إلا أن خصومهم يرون أن الإنسان مضطر إلى دعم قواعد سلوكه بتصور شامل حول الكون والمصير، أي هو بحاجة إلى الاستناد على المطلق، أو الله، ليستعين به على القيام بواجباته الراهنة، ولاسيما في حالات التضحية والعطاء.
أما أنصار الأخلاق الدينية فهم يذهبون إلى أن الضمير الأخلاقي لايمكن أن يستغني عن الضمير الديني.
أحمد أبو زايد
الضمير Conscience لغةً هو «المستور. أُطلق على العقل لكونه مستوراً عن الحواس، وضمير الشيء: عينه». أما في مجال الأخلاق، فإن العربَ أشاروا إلى مفهوم الضمير أو الوجدان بأسماء مختلفة، لعل أقربها إلى المفهوم الحديث هو معنى المروءة. فالمروءة مراعاة الأحوال التي تكون على أفضلها حتى لايظهر منها القبيح عن قصد، ولايتوجه إليها ذمّ باستحقاق.
وينعت الناس في لغة الحياة اليومية الضميرَ أو الوجدان أنه وجدان ظاهر، وضمير نقي، وشعور أخلاقي مرهف، ويرون أن هذا الوجدان أو الضمير أو الحس الأخلاقي: صوت باطني نبيل يدعو إلى الخير، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وهو الحكم الفيصل بين الفضيلة والرذيلة، ويميز بين الخير والشر، كما تميزُّ العين بين الأبيض والأسود.
ويُطلق الضميرُ على الملَكة التي تحدد موقف المرء حيال سلوكه، وتتنبأ بنتائج هذا السلوك. ويتجلى هنا بمنزلة الرادع اليقظ والآمر المطاع، والمرشد إلى العمل الصالح، ويحقق الإنسان حالَ البر والتقوى، وعلى هذا، يبدو الضمير حاكماً نزيهاً كونه قادراً على إصدار أحكامٍ أخلاقية، بل قيمية على أفعال الإنسان. يقول لالاند A.Lalande«الضمير الأخلاقي خاصة تمكّن الفكر البشري من إطلاق أحكام معيارية عفوية ومباشرة على القيمة الأخلاقية لبعض الأعمال الفردية المحددة».
فإذا أصدر الضمير حكماً على أفعال المستقبل ظهر في صوتٍ داخلي آمرٍ ناهٍ. يقول جان جاك روسو J.J.Rousseau «الضمير صوت الروح، والأهواء صوت الجسد» والضمير بالنسبة إلى الروح كالغريزة للجسد. ويقول أيضاً: «أيها الضمير… أيتها الغريزة الإلهية، أيها الصوت السماوي الخالد، أيها الحاكم المعصوم الذي يفرق بين الخير والشر، أنت الذي تجعل الإنسان شبيهاً بالله، فتخلق ما في طبيعته من سمو، وما في أعماله من خيرية، لولاك لما وجدت في نفسي ما يرفعني على الحيوان إلا شعوري المؤلم بالانتقال من ضلال إلى ضلال، بمعونة ذهنٍ لاقاعدة له، وعقل لامبدأ له».
أما إذا أصدر الضمير حكماً على الأفعال الماضية، فإنه يتجلى بشعور اللذة والألم، فاللذة هي شعور الفاعل الأخلاقي بالفرح (الارتياح)، أي أنه اتبعَ جادة الحق والصواب، وجاء فعله مطابقاً لقواعد ومبادئ الخير التي آمن بها.
وأما الألم فهو شعور بوخز الضمير والأسف والندم والتأنيب، وهو شعور ناشئ عن مجانبة الصواب ما ينبغي فعله.
ومن شأن الضمير أن يكون بحسب الأحوال واضحاً أو غامضاً أو شاكَّاً أو ضالاً أو حائراً، وهذا يدل على أن الضمير ليس دائماً بالحكم المعصوم، بل يعتريه النقص والغموض أو الخطأ ذاته، وهذه النقائص تشير إلى أن الضمير لايعمل صبحَ مساء على قدرٍ واحدٍ متساوٍ من الوضوح والجلاء في مختلف الظروف والأحوال. وليس بمحال، مع الأسف، أن يكبو الجواد، ويتعثر الإنسان في تدبر مواقفه الأخلاقية، فيضلّ ضميره عن قصد أو غير قصد، ويشك ويتردد، ويحار أمام مآزق الضمير، وتعارض الواجبات، ومنهم من يُصاب ضميره بالوساوس أو بالخدر أو بفرط الإرهاف أو بفرط اللامبالاة. إلا أن التغلب على الصعاب والنقائص يتم بوساطة التربية السليمة والصالحة التي تسعى إلى تجنب عثرات الشك والحيرة، وتحرض على صحة الضمير، وتتجه شطر ضمير مُعافى. بيد أن تربية الضمير هي تربية الإنسان بأسره، تربية الشخص بتوجيه ميوله لتلتقي وتتفاعل حيثما تلتقي القيم في الذروة وتتحد.
وينبغي على التربية الأخلاقية، في مراحلها وأساليبها ومستوياتها جميعاً، أن توقظَ الضمير بإحياء عاطفة الخير، وتنمية التطلع إلى الكمال، وأن خير تربية هي التربية الإيجابية التي لاتقتصر على التحذير من الشر والدعوة إلى الخير، بل تسوق إلى الخير بأداء الواجب ومحبة المثل الأعلى، والعمل على النهوض بالقيم الروحية في مجال النظر والعمل معاً. وتتمثل رسالة التربية السليمة في نقل الطفل الذي نشأ وترعرع في جو المنع والأخلاق السلبية إلى جو الحرية والرادع الباطني والانفتاح والإبداع.
حرية الضمير: تتجلى حرية الضمير في العمل على القبول والرفض في المجالات كافة (دينية وغيرها، أو اعتناق الآراء والمعتقدات التي يراها صائبة)، فالشعور الأخلاقي ينجبُ شعوراً بالحرية الحقيقية، حرية أن يختار المرء هذا العمل أو ذاك، وحرية أن يمنحَ الإنسان الطبيعة التي يريد، فيغدو إنساناً صالحاً أو طالحاً. والحرية تنطوي على مفهومين أساسيين هما: فكرة التحرر والانعتاق من ربقة الغرائز والأهواء، والتمرد على سلطانها والخروج على سيطرتها واستبدادها من جهة، وفكرة القدرة على الاختيار والمبادهة من جهة أخرى.
فالمفهوم الأول يدل على أن وحدة الهوى هي وحدة استعبادٍ لاتحرر، أما التحرر الحقيقي فهو وحده تطلُّع إلى قيمة لانهائية، يبني الإنسان في آفاقها شخصيته الحرة حقاً.
والحرية بمعناها الآخر هي حرية المبادهة والاختيار، فنجدها مضمرة في فاعلية الضمير واعترافه بأنه يقوم بمسؤوليته وينهض بها، فالضمير فاعلية حرة، وهذه حرية تحرر وحرية مبادهة معاً.
إن الأصل اللغوي لكلمة Conscienceالدالة على معنى الضمير أو الوجدان، يشير إلى معنى المعرفة المشتركة مع الآخرين. وهنا تظهر كلمات مثل: شاهد وشريك وصديق، وتختلف باختلاف نوع المشاركة، ولعل كلمة «شاهد» أقرب الكلمات إلى مايقصد بالقول اليوم: الوجدان أو الضمير أو الشعور. فهو معرفة حاضرة، هو حدس يطلع على ما يجري في الذهن والنفس من أعمال المعرفة والفهم والمشيئة والإرادة أو أنه هو الحدس الذي يصحب الشعور الباطني الحاضر بالحكم على موضوع المعرفة القائمة حالياً في الذهن.
ويعرب الضمير عن شعور غريزي بالخير والشر من قبل أية دراسة أخلاقية، ومن واجب الإنسان أن يرجع إلى ضميره حينما لايجد متسعاً من الوقت، أو لايتيسر له فحص القيمة الأخلاقية للعمل قبل الإقدام عليه فحصاً منهجياً.
وللضمير أو للشعور أنواع من حيث صلتها بالضمير الأخلاقي: كالشعور النفسي، وهو تأمل باطني، ومفتاح المعرفة بالأحوال النفسية، والوقائع الذهنية. والشعور الجمالي، وهو إحساس حافل بالقيم، وقطباه: القبيح والجميل. والشعور الديني: وهو يختلف عن الشعور النفسي والشعور الجمالي، لأن المعرفة النفسية تبتغي الحقيقة، والمتعة الفنية تتحرى الجمال، ولكن الشعور الديني أكثر تعقيداً لأنه يشترك مع الشعور الأخلاقي في أن المعرفة فيهما تخضع للاهتمام بمشاغل التأثير في الذات، والعاطفة الدينية تتفق والضمير الأخلاقي في أن غايتها تحري الصدق وطلب الخلاص والنجاة. والشعور الديني: مجموعة من العواطف والهيجانات الخاصة مصحوبة بالوعي بها، ويرافقها تصور في النفس. ويُعبّر الشعور الديني عن أعماقه بلغة الجوارح, فترمز الطقوس والعبادات والشعائر إلى الأفكار والعقائد والتصورات، ويُعرب سلوك الإنسان عن نظرته العميقة إلى قيمةٍ عليا، قيمة الدين، بالتطابق الصادق بين شعوره الباطني العميق، وتفاصيل حياته الملتزمة بعلاقات تشده إلى الله والكون والناس.
فالشعور الأخلاقي أو الضمير يشغل منزلة وسطى بين الشعور النفسي والشعور الجمالي. فالضمير يؤمن بالقيم الأخلاقية إيمانه بالإلهي والمقدس، ويطورها كما يطور الفن شعوره الجمالي بالابتكار والإبداع.
الضمير الأخلاقي والدين
أعرب المفكرون عن صعوبة انفصال الأخلاق عن الدين، بل يقرُّ بعضهم بتوحيد الأخلاق والدين, وكل مؤمن يحيا حياة دينه، ويعدُّ واجباته الأخلاقية أوامر إلهية، ويرى أن الضمير الأخلاقي هو في أعماقه ضمير ديني.
أما أنصار النزعة العلمانية فهم يؤكدون أن الضمير الأخلاقي قد يكون مرهفاً دقيقاً لدى إنسان غير مؤمن، إلا أن خصومهم يرون أن الإنسان مضطر إلى دعم قواعد سلوكه بتصور شامل حول الكون والمصير، أي هو بحاجة إلى الاستناد على المطلق، أو الله، ليستعين به على القيام بواجباته الراهنة، ولاسيما في حالات التضحية والعطاء.
أما أنصار الأخلاق الدينية فهم يذهبون إلى أن الضمير الأخلاقي لايمكن أن يستغني عن الضمير الديني.
أحمد أبو زايد