ضغط نسوي لتمكين الأمهات في المغرب من الولاية على الأبناء
محمد ماموني العلوي
ولاية الأمهات على الأبناء مقيدة
يمنح القانون المغربي للمرأة المطلقة حق حضانة أبنائها، لكن هذه الحضانة تظل مقيدة ومشروطة، ما اعتبرته حقوقيات تمييزا ضد النساء يتجلى في أن المرأة لا يمكنها التصرف في مصالح أبنائها دون إذن من الأب الولي، ولا يمكنها السفر معهم أو نقلهم من مكان إلى آخر حتى داخل المغرب دون موافقته. وتضغط منظمات نسوية من أجل أن تحصل النساء على حق الولاية على أبناهن.
الرباط - تزامنا مع النقاش الذي تشهده المملكة حول تعديل مرتقب لمدونة الأسرة، تضغط منظمات نسائية في المغرب لتعديل قوانين الأسرة التي تعيق ولاية المرأة على الأبناء وتمنحها بشكل مطلق للرجل.
وفي هذا الصدد قررت مجموعة من الناشطات المنتميات إلى جمعية المرأة المناضلة إطلاق حملة، تحت شعار “بالنون والقانون.. المساواة جاء وقتها”، من أجل تعديل المقتضيات المتعلقة بولاية الأم على الأبناء، معتبرات أنها “تعكس عدم التوازن بين الزوجين في ما يخص المسؤولية عن الأبناء من جهة أولى، والتفاوت الذي يطبع تصور مشرع المدونة لالتزامات الزوجين وحقوقهما ولمصلحة الأطفال من جهة ثانية”.
وتستهدف المبادرة، وفق ملخص مشروع الحملة، الذي تتوفر “العرب” على نسخة منه، تغيير المواد 230 و231 و236 و237 من مدونة الأسرة وتعديلها “لتشمل حق الأم في الولاية القانونية على أبنائها في مساواة تامة مع الأب، عملا بالالتزامات الدولية التي صادق عليها المغرب وتعهد بتنفيذها في ما يخص حقوق النساء والأطفال”، مستحضرة أن ذلك يأتي في سياق الخطاب الملكي الداعي إلى تعديل مدونة الأسرة وبعثه الأمل بتجديد المضامين.
الحملة لا تهدف إلى إسقاط ولاية الأب بل إلى تنزيل نص قانوني يحفظ المساواة للطرفين، ويكون هدفه الأول الأطفال
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد دعا في خطاب بمناسبة عيد العرش، في يوليو من العام الماضي، إلى إعادة النظر في مدونة الأسرة من خلال “تجاوز الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود، التي تم الانحراف بها عن أهدافها، إذا اقتضى الحال ذلك”.
وقالت الناشطات إن المغرب سعى “لتكريس مبدأ المناصفة وتحقيق المساواة بين المرأة والرجل على كافة المستويات والأصعدة، ووضع لذلك آليات عديدة تصون وتحمي حقوق المرأة، غير أن هذه الحركية التي حاولت الاستجابة لواقع أصبحت تقوم فيه المرأة بدور مهم في الحياة العامة، تعوقها بعض التشريعات التي لا تخرج عن قاعدة البنية القانونية التقليدية التي تميزت ببسط مظاهر التعسف والحيف والإقصاء في حق النساء”.
وأوردت شيماء شنيك، الناشطة الحقوقية المشاركة في الحملة، أن “هذه الحملة لا تهدف إلى إسقاط ولاية الأب بل أن يتم تنزيل نص قانوني يحفظ المساواة للطرفين، وأن يكون هدفه الأول الأطفال”.
في قضية إسقاط ولاية الأب التي رفعتها الفنانة جميلة الهوني ضد طليقها الفنان أمين الراجي، التي قالت إنها سبب عدم زيارة الأب لابنه منذ يناير 2015 و”تعنته” في مجموعة من القرارات التي لا تخدم المصلحة الفضلى للطفل، قررت المحكمة الابتدائية الاجتماعية بالدار البيضاء في فبراير الماضي، عدم قبول إسقاط ولاية الراجي عن ابنه.
ويرى أعضاء فيدرالية رابطة حقوق النساء بالمغرب أن بموجب القانون المغربي، تحصل المرأة على حق الحضانة بعد الطلاق، لكن هذه الحضانة تظل تابعة لولاية الأب، معتبرين أن التمييز ضد النساء يتجلى في أن المرأة حتى مع حصولها على حق حضانة أبنائها لا يمكنها التصرف في مصالحهم دون إذن من الأب الولي، ولا يمكنها السفر مع أبنائها أو نقلهم من مكان إلى آخر حتى داخل المغرب دون إذن من الأب.
وتمنح مدونة الأسرة الولاية للأب الذي يعد وليا شرعيا على ابنه القاصر دون منازع، ويمارس الولاية من ولادة الطفل إلى بلوغه سن الرشد القانوني (18 سنة)، أو إلى أن تنتهي سواء كان ذلك بوفاة القاصر أو بوفاة الأب نفسه أو بتجريد هذا الأخير من ولايته بحكم قضائي، أما الأم فلا يمكنها أن تمارس الولاية على أبنائها القاصرين إلا في حالات خاصة.
وتسقط النيابة الشرعية عن الأبناء عن الأب وتعود إلى الأم في حالة فقدانه للأهلية، من خلال إصابته بمشاكل على مستوى سلامته العقلية، أو في حالة ثبوت تورطه في قضايا جنائية معينة من قبيل زنا المحارم أو “البيدوفيليا” أو غيرها، حيث يقرر القاضي إسقاط الولاية الشرعية عنه حماية للطفل.
حضانة مشوطة بولاية الأب
وعلى المستوى التشريعي قدم حزب الأصالة والمعاصرة بالبرلمان مقترح قانون يقضي بتغيير المادتين 236 و238 من مدونة الأسرة، اللتين تتضمنان مقتضيات تهم الولاية على الأبناء، ويأتي مقترح القانون الذي توصلت “العرب” بنسخة منه في سياق العوائق التي تواجهها الأم في ما يتعلق باستخراج عدد من الوثائق التي تهم أبناءها في ظل عدم وجود الأب، وتماشيا مع ما تقتضيه المصلحة الفضلى للطفل المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب، لاسيما ما هو مرتبط بالحقوق الأساسية في الصحة والتمدرس.
ونصت المادة 236 من مدونة الأسرة على أن “الأب هو الولي على أولاده بحكم الشرع، ما لم يجرد من ولايته بحكم قضائي، وللأم أن تقوم بالمصالح المستعجلة لأولادها في حالة حصول مانع للأب”، أي إن المشرع أعطى الولاية للأب على أولاده القاصرين منذ الولادة إلى غاية بلوغهم سن الرشد القانوني.
وفي ما يتعلق بالمادة 238 التي تحدد شروط ولاية الأم على أولادها، نص مقترح القانون على أنه “يشترط لولاية الأم على أولادها عدم وجود الأب بسبب وفاة أو غياب أو فقدان للأهلية، أو مبحوث عنه من أجل جنحة إهمال الأسرة أو أثناء قضائه عقوبة سجنية بسبب جنحة أو جناية، أو بغير ذلك”.
وأشارت المذكرة التقديمية لمقترح القانون إلى أن الواقع أبان وجود عدة صعوبات أمام الأم في إثبات مانع تواجد الأب، لاسيما عندما يتعلق الأمر بمصلحة المحضون، سواء أثناء قيام العلاقة الزوجية، كحالات إهمال الأب لبيت الزوجية، أو بعد الطلاق وإسناد الحضانة للأم، إذ يمنع عليها الحصول على الوثائق الضرورية الخاصة بأبنائها، كالقيام بإنجاز جواز السفر، أو استخراج الوثائق الثبوتية الخاصة بالمحضون، أو بطاقة الاستشفاء أو التمدرس أو غيرها من الوثائق الإدارية المرتبطة بالأمور الأساسية المتعلقة بالأبناء، بما يصون مصلحتهم الفضلى.
وتعتقد النائبة البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة حورية ديدي أن هذه المبادرة التشريعية تأتي بناء على الصعوبات التي تواجه الأمهات في الحصول على الوثائق الإدارية لأطفالهن سواء الوثائق الثبوتية أو الخاصة بالاستشفاء والتمدرس، أو استخراج جواز السفر.
وأكد اتحاد العمل النسائي بالمغرب أن ولاية الأب على الأبناء قد تتحول في الكثير من الأحيان إلى ورقة ابتزاز في وجه الأم، خاصة خلال فترة النزاع في العلاقة الزوجية أو بعد الطلاق، حيث تجد العديد من النساء أنفسهن مضطرات إلى التنازل عن مستحقات النفقة مقابل الحصول على تصريح الوالد لتنفيذ الإجراء.
محمد ماموني العلوي