ما يشكل 68% من الكون قد لا يكون موجودًاّ!
منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، أصبح الفيزيائيون متأكدون أن الكون لا يتمدد فقط، بل يتمدد بمعدل متزايد، ويعتقد أن القوى الغامضة المسماة بالطاقة المظلمة مسؤولة عن التمدد المتسارع، لكن احتملت دراسة جديدة أن ما يبدوا نوعًا ما من الطاقة، قد يكون وهمًا سببه التغير في بنية الكون.
بدأ فيزيائيون من جامعة (لوراند-Loránd University ) في هنجاريا ومعهد الفلك في جامعة (هاواي- Hawaii) بالتساؤل حيال التقريبات في معادلة أينشتين التي قدمت آثارًا جانبية خطيرة أعطت وهمًا بوجود قوى هائلة مجهولة تسحب المكان بعيدًا، إذا كانت الطاقة المظلمة موجودة بالفعل، فإنها تشكل ما نسبته 68% من الطاقة في الكون المدرك، لكن ما يجعل من رصدها في المختبر أمرًا صعبًا، هو محاولة الرصد عند 10-27 كيلوجرام لكل متر مربع.
إضافة إلى إجابتها عن سؤال التسارع، تساعد الطاقة المظلمة على تفسير أشياء كالشكل التراكمي للكون وأنماط المادة التي نراها ممزقة عبر الفضاء، لكننا الآن نحتاج إلى أكثر من صندوق فارغ خالٍ من أي خصائص أخرى لوصف طبيعة الوجود، وإحدى الأمثلة الأخرى على هذا الصندوق هو الثابت الكوني، وهو جزء جوهري وافتراضي ممثل بالحرف الإغريقي لامبدا « Λ »، حيث افترض أينشتين في أوائل القرن العشرين ثابتًا كونيًا كنوع من المراوغة تفسيرًا منه لتشتت المادة في الكون وهدم انجذابها تحت تأثير الجاذبية.
وعندما أثبت (إدوين هابل -Edwin Hubble) أن الكون لا يقاوم الانهيار فقط، بل يتمدد، رمى بالثابت الكوني في طي النسيان، ونعلم اليوم أن الكون ينمو بمعدل أسرع مما كان عليه في بداياته، ما أفسح الطريق لدخول الثابت الكوني مرة أخرى كوسيلة لتفسير الزيادة في السرعة.
اِجمع الثابت الكوني مع عامل افتراضي آخر – أي المادة المظلمة المشكلة 27% من الكون المعروف – وستحصل على ما يسمى نموذج لامبدأ للمادة المظلمة الباردة ويرمز لها ب « ΛCDM»، وهو نموذج يفسر كيفية تطور الكون.
بينما كانت نسبية أينشتين مسؤولة عن أسس هذا النموذج، فإن الرياضيات ليست سهلة التطبيق دائمًا، مما دفع الفيزيائيين إلى معالجة الأعداد بالاستعانة بفرضيات بارعة، لكن في دراسات متأخرة، تجادل العلماء بأن هذه الفرضيات تجاهلت احتمال وجود تأُثيرات مهمة على مقاييس بنوية ضخمة في الكون.
نشر (لاسلو دوبوس- László Dobos) من جامعة (إيوتفوس لورلاند- Eötvös Loránd):
« تتصف معادلات إينشتاين للنسبية العامة التي تصف تمدد الكون بالتعقيد الرياضي لدرجة أن يجب علينا الانتظار لمئات الأعوام للتوصل إلى حلول تتعلق بالبنية الكونية»، وإذا كان من الممكن الوقوف على عتبة ما خارج الكون لوهلة والنظر إليه، سوف نرى صفوفًا من المجرات المسماة بالعناقيد الفائقة.
يفترض نموذج الـ لامبدأ بتمدّد المادة المظلمة تمددًا منتظمًا يتسارع بسبب الدفع المتزايد الذي يتخطي جذب كل من المادة المظلمة والمادة الطبيعية بشكل منتظم في الفضاء.
لكن وفقًا للفيزيائيين العاملين في هذا المجال، فإن البنى الكبيرة – عبارة عن فقاعات لما يبدو فضاء خاو ومجرات محيطة بها – ستخلق مناطق يتمدد فيها الكون بمعدلات متفاوتة.
بنمذجة تأثير الجاذبية على ملايين الجسيمات الممثلة للمادة المظلمة، تمكن الفريق من إعادة تحصيل مجاميع المادة في الكون المبكر بطريقة تشابه بنية المجرات، وبينما بقي الكون النموذج في كونهم يتمدد، فإن الاختلافات الفردية لكيفية تمدد هذه الفقاعات تعطي محصلة متوسطة تدل على التسارع.
يضيف دوبوس :
«تعتمد اكتشافاتنا على التخمين الرياضي والذي يسمح بحصول تمدد متفاوت في الكون يتسق مع النسبية العامة، بالإضافة إلى أنها تظهر كيف يؤثر تكوين البنى المعقدة للمادة على التمدد، لم تناقش هذه القضايا سابقًا لكن أخذها بالحسبان يمكن أن يفسر التسارع دون الحاجة إلى الطاقة المظلمة».
ما يميز هذا النموذج أنه يصنع افتراضاته اللازمة بنفسه، لكن إذا ما خضعت للتدقيق من الممكن أن تفسر لماذا يبدو تمدد الكون متسارعًا، دون الحاجة إلى ضغط سلبي، وبينما تكون الفكرة بحد ذاتها جديدة، فإن البحث عن طرائق لتفادي الحاجة إلى نوع غامض من الطاقة أنتج عددًا من الحلول الخلاقة خلال الأعوام الماضية.
مبكرًا من هذا العام، نشرت دراسة في مجلة (ساينس- Science) اقترحت إمكانية تفسيرالطاقة كنوع من القصور، وكأن الكون كان يسرب الطاقة عند نقطة معينة على مساره التطوري، وبينما يكسر هذا السلوك واحدة من القواعد الجوهرية في الفيزياء ( الطاقة لا تفنى ولا تستحدث)، فإنه سيتكفل في علامة التعجب لما يبدو أنه يشكل 68% من الكون.
لا شك أنه من الصعب فك أحجية الطاقة المظلمة، لذا ربما سيتطلب الأمر التفكير خارج الصندوق لإيجاد الحل.