علاء زريفة
لطالما شكلت المقاهي الثقافية جزءاً أثيراً في يوميات السوريين والدمشقيين تحديداً، ولا سيما المشتغلين في ميادين الثقافة والأدب والصحافة، بما تتسع له من جدل ثقافي ومعرفي وفني في جو من الألفة والحميمية.
مساحة اللقاء هذه وفّرت لهم الاطلاع على الجديد في الساحة الثقافية والأدبية والفنية، وتبادل الآراء والنقاشات حولها وتنشيط آليات الثقافة والفكر والموسيقى.
هذه الظاهرة ضمت فئة الشباب في شكل كبير، باعتبارها فرصة للتعارف والتسلية من جهة، وفضاء يعبر عن يومياتهم وأحلامهم وانكساراتهم من جهة أخرى.
عُرفت تلك المقاهي في بدايات نشأتها كحالة اجتماعية موازية للصالونات الأدبية التي يلازمها أبناء الطبقة الأرستقراطية، وكانت أشبه بمنتديات ثقافية لأبناء الطبقة الوسطى والفقيرة من مثقفيها، قبل أن يتحول المقهى في ما بعد إلى "مركز فيه حرية الرأي"، كما يصف الكاتب الفرنسي لوميير مقاهي الشرق بصفة عامة.
وعلى الرغم من كون المقاهي هي أماكن تقدم القهوة وسواها من المشروبات، كما يدلّ اسمها، لكنها تحولت مع الوقت إلى ما يشبه "البرلمان"، لما يحدث فيها من نقاشات عن الأحوال العامة والسياسة والتجارة تدور على ألسنة رواده، سواء من عامة الناس أو الشخصيات السياسية والفكرية. ومن أبرزها سابقاً: "الكمال، الطاحونة الحمراء، الفاروق، الأزبكية، الزهور... واليوم: الروضة، الهافانا، البرازيل، زرياب".
ومع إغلاق هذا الأخير، أي مقهى زرياب، ما أحوال المقاهي الثقافية اليوم؟ كيف تبدل دورها؟ وما سبب التخلص منها بدلاً من اعتبارها نقاط جذب حيوية في المدن؟
متحف لصورة دمشق الخالدة
مقهى زرياب الذي يقع في حي القيمرية الدمشقي، يحمل اسم الموسيقي والشاعر الذي أضاف وتراً خامساً للعود، كان يبدو زاوية للخروج من الواقع إلى الحلم، ومن الحرب التي كانت تدور خارج جدرانه إلى فسحة من السلام والأمل، بما ينظم فيه من أمسيات شعرية وموسيقية، والذين تركوا قصاصاتهم معلقة على شجرة أمنياته، أو أعادوا الدفء لأرواحهم على "صوبية الحطب" خلال شتاءات الحرب.
في السابع والعشرين من آب/أغسطس الحالي، بعد مرور ثلاثة عشر عاماً على افتتاحه، أعلن صاحبه السيد برنار جمعة المشهور بلقب (أبو بحر) الذي أعلن إغلاقه "ولو بصورة مؤقتة" بسبب مشكلات تتعلق بالعقار والاستثمار فيه بالوقت الحالي، أو "إعادة بناء"، وكإجازة في سبيل العودة مرة أخرى، سواء بالموقع ذاته أو بمكان آخر.
واعتبر أن زرياب ليس مقهى بقدر ما هو "فكرة" جمعت رواده في لحظات قاسية وحزينة لصنع الأمل واستعادة وجه المدينة التي أحبوها. كما عبر في حديثه لإذاعة "شام إف إم" المحلية السورية، خلال تقرير مصور في العشرين من آب/أغسطس الحالي بعنوان "الأيام الأخيرة قبل إغلاق مقهى زرياب في دمشق القديمة"
الأستاذ والكاتب الصحافي بديع صنيج يتحدث لـ"النهار العربي" عن المقهى معبراً عن أسفه لخبر الإغلاق قائلاً: "خصوصية زرياب تتأتى من خلال نوعية الموسيقى والحفلات التي يقدمها في سعي منه لرفع الذائقة الفنية. وكذلك، باحتضانه لمواهب شابة شقت طريقها في ما بعد لتأسيس مشروعها وفرقها الخاصة. وما أنجزه من ورشات عمل، سواء للتصوير الفوتوغرافي أو مسرح خيال الظل المجانية التي تقدم خدمة مجتمعية، هدفها احتضان الشباب وإبعادهم من جو الحرب وأصوات القذائف". معتبراً أن المقهى يفقد جزءاً كبيراً من روحانيته وحميميته بدون برنار جمعة، مستذكراً بعض التفاصيل: "كنت في بداية التأسيس مع برنار، وأتذكر جهده في تحويل المكان من إسطبل إلى مقهى. وعنايته بالتفاصيل من الحجر إلى الجدران، إلى السقف، والمطبخ والطاولات دون الاستعانة بأحد".
هل هناك "مقهى ثقافي"؟
بديع صنيج لا يؤمن كثيراً بتسمية "المقهى الثقافي"، سواء "هنا أو في مكان بالعالم"، على اعتبار أنها "مغلوطة". ولكن يفند العبارة متحدثاً: "درجت العادة أن أي مقهى يحتوي على مكتبة، أو لوحات تشكيلية وفوتوغرافية أو عروضاً فنية يطلق عليه مقهى ثقافياً". فبرأيه: "لا تستوي الثقافة مع النرجيلة أو القهوة السادة فحسب".
أيضاً بالنسبة لصنيج صاحب كتاب (روح وريحان-نزهات دمشقية)، فإن "البعد السياسي سابقاً هو من أعطى للمقاهي طابعها الثقافي، والجدل السياسي بين الأحزاب المتنافرة، حتى أن بعضها كانت تخرج منه التظاهرات. لكن اليوم انتفى هذا البعد اليوم تماماً".
ورغم حضور بعض المثقفين ووجودهم في المقاهي، لكن ذلك لا يجعلها "ثقافية" بالضرورة، بقدر ما قد تكون "منفّرة ومقزّزة"، خصوصاً مع الضوضاء و"طاولات النرد وورق اللعب (الشدة) وقرقعة الأراكيل وصياح الزبائن".
ويتابع متحدثاً عن واقع المقاهي اليوم: "ربما قد تسعد بوجود أِشخاص يحملون كتاباً، كما السابق عندما كان بعضهم يدخل المقهى وبصحبة جريدة يقرأها مع فنجان قهوة. ربما، هذا أحد أسباب تسمية هذه المقاهي بـ"الثقافية"!".
ولدى سؤالنا له عن مدى إمكان اعتبار بعض المقاهي كـ"ملاذ لليسار" يوضح متحدثاً: "لا أعتقد أن هذا التوصيف دقيق، فقد كانت ملاذاً لشتى التيارات السياسية ومن ضمنها اليسارية. ربما حيك بها ما يعاكس السائد في الأروقة الرسمية لكنها لم تشكل أبداً تياراً ثقافياً يسارياً، لأن الثقافة ببساطة لا تخرج من المقهى". ويتابع: "ربما ارتباطها كما ذكرت سابقاً بالبعد السياسي، ومن ضمنهم رواد اليسار من المثقفين، هو ما منحها هذه الصورة التي تبدو غير واقعية".
على الله تعود"
بهذا العنوان تبدأ الأستاذة الإعلامية والصحافية السورية سلوى عباس مداخلتها لـ"النهار العربي" عن أثر المقاهي الثقافية في الذاكرة قائلةً: "حافظ المقهى الأدبي على ترابط الأجيال، إذ يذكرنا برائحة الزمن وبقصة كفاح الإنسان وشوقه للحوار، هذه المقاهي التي تحكي ألف حكاية وحكاية وتصلنا بالماضي وبنضالات الأدباء والمفكرين وبالسجالات الأدبية والفكرية والسياسية التي دارت وأمتعت وصنعت فكراً وحضارة، وكان كل مقهى من هذه المقاهي يمثل حياة كاملة، حياة زاخرة بالأفكار والحوادث والشخصيات التي كانت نجوماً للفكر والفن والثقافة".
وعن تجربتها الخاصة خلال فترة إقامتها وممارستها العمل الصحافي في دمشق تقول: "خلال وجودي في دمشق، وبحكم عملي كنت أتردد على مقهى "الروضة" الذي كان إلى فترة من الزمن ليست ببعيدة ملجأ للأدباء والمثقفين من كل المحافظات، وكان شاهداً على الكثير من الأحاديث والاتفاقات بينهم، وشاهداً حتى على وشوشاتهم وضحكاتهم، فاكتست ملامحه طابعاً ثقافياً وفكرياً ارتسم حتى على ملامح نُدُله الذين أصبحوا يمثلون جزءاً من المكان، وبالتالي نشأت بينهم وبين رواد المقهى حالة من الألفة حتى أصبحوا يدلون برأيهم في أي حديث يتناهى إلى أسماعهم أثناء خدمتهم لزبائن المقهى". ليتحول اليوم كما تقول عباس: "إلى مقهى عادي يرتاده الناس كاستراحة من تعب أو لموعد ما يتفقون عليه فيه."
وتتابع متحدثة أيضاً عن مقهى شهير آخر هو "الهافانا" شارحة تجربتها الخاصة: "مقهى الهافانا الذي كان في فترة ثمانينات وتسعينات القرن الماضي من أهم المقاهي في دمشق وعلامة فارقة من علاماتها، اكتسب حالة فكرية أرستقراطية استمدها من طبيعة رواده، وفي هذا المقهى تعرفت إلى أكثر أدباء ومثقفي سوريا والعالم العربي، تحاورت معهم حول الكثير من القضايا الثقافية والأدبية، ونشأت بيننا صداقة كان المقهى كمكان وأشخاص الشاهد الأول على تفاصيلها".
لكنّ الأحوال تبدلت اليوم وتغيرت مقارنة بتلك الصورة الوردية الراسخة عنه، فتقزل: "هذان المقهيان وغيرهما من المقاهي التي كان لها حضورها الثقافي والفكري اختلف دورها الآن، وتحديداً في هذه الظروف العصيبة التي تعانيها منطقتنا، إذ تحولت الى مقاهٍ عادية قد يؤمها بعض مثقفي هذا العصر وأدبائه ليستعيدوا من خلالها ذكريات زمن ما زالت رائحته تعبق في المكان، فهل سيأتي يوم يعود لهذه المقاهي ألقها الذي افتقدته وتستعيد دورها الفكري والثقافي من جديد... على الله تعود".
لطالما شكلت المقاهي الثقافية جزءاً أثيراً في يوميات السوريين والدمشقيين تحديداً، ولا سيما المشتغلين في ميادين الثقافة والأدب والصحافة، بما تتسع له من جدل ثقافي ومعرفي وفني في جو من الألفة والحميمية.
مساحة اللقاء هذه وفّرت لهم الاطلاع على الجديد في الساحة الثقافية والأدبية والفنية، وتبادل الآراء والنقاشات حولها وتنشيط آليات الثقافة والفكر والموسيقى.
هذه الظاهرة ضمت فئة الشباب في شكل كبير، باعتبارها فرصة للتعارف والتسلية من جهة، وفضاء يعبر عن يومياتهم وأحلامهم وانكساراتهم من جهة أخرى.
عُرفت تلك المقاهي في بدايات نشأتها كحالة اجتماعية موازية للصالونات الأدبية التي يلازمها أبناء الطبقة الأرستقراطية، وكانت أشبه بمنتديات ثقافية لأبناء الطبقة الوسطى والفقيرة من مثقفيها، قبل أن يتحول المقهى في ما بعد إلى "مركز فيه حرية الرأي"، كما يصف الكاتب الفرنسي لوميير مقاهي الشرق بصفة عامة.
وعلى الرغم من كون المقاهي هي أماكن تقدم القهوة وسواها من المشروبات، كما يدلّ اسمها، لكنها تحولت مع الوقت إلى ما يشبه "البرلمان"، لما يحدث فيها من نقاشات عن الأحوال العامة والسياسة والتجارة تدور على ألسنة رواده، سواء من عامة الناس أو الشخصيات السياسية والفكرية. ومن أبرزها سابقاً: "الكمال، الطاحونة الحمراء، الفاروق، الأزبكية، الزهور... واليوم: الروضة، الهافانا، البرازيل، زرياب".
ومع إغلاق هذا الأخير، أي مقهى زرياب، ما أحوال المقاهي الثقافية اليوم؟ كيف تبدل دورها؟ وما سبب التخلص منها بدلاً من اعتبارها نقاط جذب حيوية في المدن؟
متحف لصورة دمشق الخالدة
مقهى زرياب الذي يقع في حي القيمرية الدمشقي، يحمل اسم الموسيقي والشاعر الذي أضاف وتراً خامساً للعود، كان يبدو زاوية للخروج من الواقع إلى الحلم، ومن الحرب التي كانت تدور خارج جدرانه إلى فسحة من السلام والأمل، بما ينظم فيه من أمسيات شعرية وموسيقية، والذين تركوا قصاصاتهم معلقة على شجرة أمنياته، أو أعادوا الدفء لأرواحهم على "صوبية الحطب" خلال شتاءات الحرب.
في السابع والعشرين من آب/أغسطس الحالي، بعد مرور ثلاثة عشر عاماً على افتتاحه، أعلن صاحبه السيد برنار جمعة المشهور بلقب (أبو بحر) الذي أعلن إغلاقه "ولو بصورة مؤقتة" بسبب مشكلات تتعلق بالعقار والاستثمار فيه بالوقت الحالي، أو "إعادة بناء"، وكإجازة في سبيل العودة مرة أخرى، سواء بالموقع ذاته أو بمكان آخر.
واعتبر أن زرياب ليس مقهى بقدر ما هو "فكرة" جمعت رواده في لحظات قاسية وحزينة لصنع الأمل واستعادة وجه المدينة التي أحبوها. كما عبر في حديثه لإذاعة "شام إف إم" المحلية السورية، خلال تقرير مصور في العشرين من آب/أغسطس الحالي بعنوان "الأيام الأخيرة قبل إغلاق مقهى زرياب في دمشق القديمة"
الأستاذ والكاتب الصحافي بديع صنيج يتحدث لـ"النهار العربي" عن المقهى معبراً عن أسفه لخبر الإغلاق قائلاً: "خصوصية زرياب تتأتى من خلال نوعية الموسيقى والحفلات التي يقدمها في سعي منه لرفع الذائقة الفنية. وكذلك، باحتضانه لمواهب شابة شقت طريقها في ما بعد لتأسيس مشروعها وفرقها الخاصة. وما أنجزه من ورشات عمل، سواء للتصوير الفوتوغرافي أو مسرح خيال الظل المجانية التي تقدم خدمة مجتمعية، هدفها احتضان الشباب وإبعادهم من جو الحرب وأصوات القذائف". معتبراً أن المقهى يفقد جزءاً كبيراً من روحانيته وحميميته بدون برنار جمعة، مستذكراً بعض التفاصيل: "كنت في بداية التأسيس مع برنار، وأتذكر جهده في تحويل المكان من إسطبل إلى مقهى. وعنايته بالتفاصيل من الحجر إلى الجدران، إلى السقف، والمطبخ والطاولات دون الاستعانة بأحد".
هل هناك "مقهى ثقافي"؟
بديع صنيج لا يؤمن كثيراً بتسمية "المقهى الثقافي"، سواء "هنا أو في مكان بالعالم"، على اعتبار أنها "مغلوطة". ولكن يفند العبارة متحدثاً: "درجت العادة أن أي مقهى يحتوي على مكتبة، أو لوحات تشكيلية وفوتوغرافية أو عروضاً فنية يطلق عليه مقهى ثقافياً". فبرأيه: "لا تستوي الثقافة مع النرجيلة أو القهوة السادة فحسب".
أيضاً بالنسبة لصنيج صاحب كتاب (روح وريحان-نزهات دمشقية)، فإن "البعد السياسي سابقاً هو من أعطى للمقاهي طابعها الثقافي، والجدل السياسي بين الأحزاب المتنافرة، حتى أن بعضها كانت تخرج منه التظاهرات. لكن اليوم انتفى هذا البعد اليوم تماماً".
ورغم حضور بعض المثقفين ووجودهم في المقاهي، لكن ذلك لا يجعلها "ثقافية" بالضرورة، بقدر ما قد تكون "منفّرة ومقزّزة"، خصوصاً مع الضوضاء و"طاولات النرد وورق اللعب (الشدة) وقرقعة الأراكيل وصياح الزبائن".
ويتابع متحدثاً عن واقع المقاهي اليوم: "ربما قد تسعد بوجود أِشخاص يحملون كتاباً، كما السابق عندما كان بعضهم يدخل المقهى وبصحبة جريدة يقرأها مع فنجان قهوة. ربما، هذا أحد أسباب تسمية هذه المقاهي بـ"الثقافية"!".
ولدى سؤالنا له عن مدى إمكان اعتبار بعض المقاهي كـ"ملاذ لليسار" يوضح متحدثاً: "لا أعتقد أن هذا التوصيف دقيق، فقد كانت ملاذاً لشتى التيارات السياسية ومن ضمنها اليسارية. ربما حيك بها ما يعاكس السائد في الأروقة الرسمية لكنها لم تشكل أبداً تياراً ثقافياً يسارياً، لأن الثقافة ببساطة لا تخرج من المقهى". ويتابع: "ربما ارتباطها كما ذكرت سابقاً بالبعد السياسي، ومن ضمنهم رواد اليسار من المثقفين، هو ما منحها هذه الصورة التي تبدو غير واقعية".
على الله تعود"
بهذا العنوان تبدأ الأستاذة الإعلامية والصحافية السورية سلوى عباس مداخلتها لـ"النهار العربي" عن أثر المقاهي الثقافية في الذاكرة قائلةً: "حافظ المقهى الأدبي على ترابط الأجيال، إذ يذكرنا برائحة الزمن وبقصة كفاح الإنسان وشوقه للحوار، هذه المقاهي التي تحكي ألف حكاية وحكاية وتصلنا بالماضي وبنضالات الأدباء والمفكرين وبالسجالات الأدبية والفكرية والسياسية التي دارت وأمتعت وصنعت فكراً وحضارة، وكان كل مقهى من هذه المقاهي يمثل حياة كاملة، حياة زاخرة بالأفكار والحوادث والشخصيات التي كانت نجوماً للفكر والفن والثقافة".
وعن تجربتها الخاصة خلال فترة إقامتها وممارستها العمل الصحافي في دمشق تقول: "خلال وجودي في دمشق، وبحكم عملي كنت أتردد على مقهى "الروضة" الذي كان إلى فترة من الزمن ليست ببعيدة ملجأ للأدباء والمثقفين من كل المحافظات، وكان شاهداً على الكثير من الأحاديث والاتفاقات بينهم، وشاهداً حتى على وشوشاتهم وضحكاتهم، فاكتست ملامحه طابعاً ثقافياً وفكرياً ارتسم حتى على ملامح نُدُله الذين أصبحوا يمثلون جزءاً من المكان، وبالتالي نشأت بينهم وبين رواد المقهى حالة من الألفة حتى أصبحوا يدلون برأيهم في أي حديث يتناهى إلى أسماعهم أثناء خدمتهم لزبائن المقهى". ليتحول اليوم كما تقول عباس: "إلى مقهى عادي يرتاده الناس كاستراحة من تعب أو لموعد ما يتفقون عليه فيه."
وتتابع متحدثة أيضاً عن مقهى شهير آخر هو "الهافانا" شارحة تجربتها الخاصة: "مقهى الهافانا الذي كان في فترة ثمانينات وتسعينات القرن الماضي من أهم المقاهي في دمشق وعلامة فارقة من علاماتها، اكتسب حالة فكرية أرستقراطية استمدها من طبيعة رواده، وفي هذا المقهى تعرفت إلى أكثر أدباء ومثقفي سوريا والعالم العربي، تحاورت معهم حول الكثير من القضايا الثقافية والأدبية، ونشأت بيننا صداقة كان المقهى كمكان وأشخاص الشاهد الأول على تفاصيلها".
لكنّ الأحوال تبدلت اليوم وتغيرت مقارنة بتلك الصورة الوردية الراسخة عنه، فتقزل: "هذان المقهيان وغيرهما من المقاهي التي كان لها حضورها الثقافي والفكري اختلف دورها الآن، وتحديداً في هذه الظروف العصيبة التي تعانيها منطقتنا، إذ تحولت الى مقاهٍ عادية قد يؤمها بعض مثقفي هذا العصر وأدبائه ليستعيدوا من خلالها ذكريات زمن ما زالت رائحته تعبق في المكان، فهل سيأتي يوم يعود لهذه المقاهي ألقها الذي افتقدته وتستعيد دورها الفكري والثقافي من جديد... على الله تعود".