هنري زغيب
قبل حفنة أَسابيع كانت مانهاتن (نيويورك) تودِّع سيدة في سنتها الثانية بعد المئة (1921-2023)، تاركةً إِرثًا تشكيليًّا غنيًّا، وكتابًا أَحدثَ ضجةً لدى صدوره (1964)، وبقي أَسابيعَ طويلةً على لائحة أَكثر الكُتُب مبيعًا في الولايات المتحدة.
الكتاب: "حياةٌ مع بيكاسو". والكاتبة: الرسَّامة الفرنسية فرنسواز جيلو Gilot التي عاشَت مع بيكاسو عشْر سنوات (1943- 1953) وَلَدَت له خلالَها صبيًّا (كلود - 6 سنوات) وبنْتًا (بالوما - 4 سنوات).
طيفه لم يفارقها
غادرَتْهُ بالطلاق النهائي سنة 1953، لكنَّ تأْثيره فيها وعلى ريشتها لم يغادرها مطلقًا. وهذا ما أَقرَّت به في خاتمة كتابها عن سيرتها ومسيرتها معه (وضعتْه اشتراكًا مع كارلتون لايك)، إِذ اعترفَتْ: "أَحرقَ جميع الجُسُور التي تربطني بماضيَّ معه، لكنه بذلك أَرغمني على اكتشاف ذاتي، وعلى شق طريقي لوحدي. لن أَنسى له هذا الفضل".
هذا الاعتراف الغريب غير المتوقَّع، يشير إِلى ضلوعه في حياتها حتى بعد طلاقها منه، كي تُكمل طريقها بخطاها الذاتية. وفي سائر صفحات الكتاب بيِّنةٌ ملامحُهُ وأَطياف الذكريات معه رجلًا زوجًا وفنانًا مبدعًا طبَعَ عصره وكانت معه في قمة شهرته. وكانت عاشت معه منذ عرفَتْه وهي في الحادية والعشرين وهو في الأَربعين، وجمعتْهُما قصةُ حب عاصفة.
تأْثيرات ريشته وما بعدها
طبعًا تأَثَّرَت ريشتُها بريشته التجريدية ونحَتْ صوبه أَكثر في أُسلوبه وغراباته التي خرجت عن كل تيار وكل مأْلوف، ولوحاتها طوال ستينات القرن الماضي بقيَت، كسواها من نتاج بعض الرسامين الفرنسيين، متأَثرة بمناخ بيكاسو.
بعد الستينات أَخذت تشق لها طريقًا مختلفًا نوعًا عن فترتها السابقة، من ذلك كتابتُها عن تجربتها التشكيلية حول لوحتها "حديقة من زمن آخر" (1979) بأَنها "زوغة أَلوان تعيدني إِلى حديقة جدتي لأَبي في نويِّــي حيث ولدتُ سنة 1921".
وتبدو من لوحتها الأشكالُ الخارجة خطوطًا وأَلوانًا عن مناخ بيكاسو، في حرية تنقُّلها بدون تأْثيرات مسبقة. وكانت لأَعمالها هيبة خاصة حتى أَنها سنة 2021 باعت لوحتين في مزاد سوثبيز وكريستيز بمبلغ مليون ونصف مليون دولار. وكتابها "حياة مع بيكاسو" باع ملايين النسخ في لغات عدة من العالم، وكذلك كتابها التالي "ماتيس وبيكاسو - صداقة فنية" (1990) وسيرتها الذاتية "الرسام والقناع" (1983).
إِعجابه بها
سنة 1943 شعر بيكاسو أَنْ بات في حاجة إِلى زوجة لا إِلى عشيقات، فلاحق طالبة الحقوق فرنسواز ذات الواحد والعشرين ربيعًا، والطامحة إِلى شق طريقها في الرسم. وهذا ما جعلها تتقرَّب منه، حتى أَنه رسمها في عدد من اللوحات الزيتية أَو الرسوم بالقلم الرصاص، وكانت تلك مشعةً بالأَلوان والنضارة الناضحة من وجه فرنسواز. ومن أَعماله عنها: "وجه فرنسواز" (1946)، "المرأَة الزهرة" (1946)، "المرأَة ذاتُ العقد الأَصفر" (1946) و"امرأَة في مقعد ذي متكأَين" (1948). فترتئذ كانت فرنسواز في عاصفة حب مع بيكاسو، حتى اكتشفت خياناته المتكررة، فسقطَت في انهيار عصبي مأْساوي.
زواجها التالي
بعد سنوات من انفصالها عن بيكاسو، تزوجت سنة 1970 العالِم الأَميركي جوناس سالْك (مخترع اللقاح ضد شلل الأَطفال)، وانتقلَت معه إِلى كاليفورنيا، وأَخذت من 1976 إِلى 1983 تدرّس صيفًا في جامعة جنوب كاليفورنيا. وبعد وفاة سالْك (1995) عادت تعيش في نيويورك.
ومع أَنها ابتعدت زمنًا عن بيكاسو، ظل خياله حولها حتى أَن "نيويورك تايمز" كتبَت في نعيها: "وفاة فرنسواز جيلو، الرسامة التي عاشت في ظل بيكاسو". بينما كتبَت كيتي هيسِّل في "الغارديان": "لا ضرورة للعودة بها إِلى الماضي، فمسيرتها الفنية وإِنجازاتها واسمها كافية للدلالة على سطوعها الفني".
عبثًا تبتعد
لكنها هي ذاتها لم تكن منفصلة عن تاريخها مع زوجها السابق. فعدا وضْعِها كتابين عنه، كانت سعيدة بعرض لوحة لها سنة 1987 في متحف بيكاسو - آننتيب (مدينة فرنسية بحرية بين نيس وكانّ على الريفييرا الفرنسية - الكوت دازور)، وأَن ترعى سنة 2012 معرضًا لأَعمالهما معًا في صالة غاغوسيان - نيويورك.
كانت ترضى بجمع اسمها باسمه، لكنها ترفض بحزم أَنها كانت "ملهمته" كما كتبَت يومًا "الواشنطن بوست"، ذلك أَنها الْتقتْهُ كفنان زميل لا أَن تكون مادة لإِلهامه.
ربما لذلك، في معرض بيكاسو لدى متحف بروكلن، لم يؤْتَ على ذكر امرأتين وسَمَتا حياته: فرنسواز جيلو ودورا مار. ذلك أَنْ كانت لبيكاسو زوجتان وعشيقات كثيرات. لكنَّ فرنسواز كانت المرأَة الوحيدة التي أَخذت هي مبادرة التخلِّي عنه، وهو ما فاجأَ بيكاسو عميقًا، لاعتقاده أَن الناس مهتمون بها لا لِذَاتها بل لأَنها زوجته. وكان تعدُّد عشيقاته سبب انفصالها عنه وابتعادها نهائيًّا مع ولَدَيها، وسَكَنها في بيتها الباريسي على الضفة اليُسرى من السين.
تكريم مئَويتها
بقيت تعمل وترسم وتتوهج، وتقيم المعارض حتى سنواتها الأَخيرة. وسنة 2012 كرّمتها مدينة نيم )جنوبي فرنسا) بمعرض استعادي كبير لها بعنوان: "فرنسواز جيلو تحت شمس نيم وبيكاسو".
سنة 2021، لمناسبة بلوغها المئة، كرَّمتْها مؤَسسة كريستيز للمزادات العلنية بمعرض في هونغ كونغ مع كاتالوغ كبير لمعظم أَعمالها. وفي السنة ذاتها كرَّمها متحف إِسترين (في سانت ريمي آن بروفانس - جنوبي فرنسا) بمعرض "فرنسواز جيلو - السنوات الفرنسية" لجميع الأَعمال التي أَنتجتها في فرنسا قبل انتقالها النهائي إِلى مانهاتن (نيويورك) ووفاتها في 6 حزيران/ يونيو .
قبل حفنة أَسابيع كانت مانهاتن (نيويورك) تودِّع سيدة في سنتها الثانية بعد المئة (1921-2023)، تاركةً إِرثًا تشكيليًّا غنيًّا، وكتابًا أَحدثَ ضجةً لدى صدوره (1964)، وبقي أَسابيعَ طويلةً على لائحة أَكثر الكُتُب مبيعًا في الولايات المتحدة.
الكتاب: "حياةٌ مع بيكاسو". والكاتبة: الرسَّامة الفرنسية فرنسواز جيلو Gilot التي عاشَت مع بيكاسو عشْر سنوات (1943- 1953) وَلَدَت له خلالَها صبيًّا (كلود - 6 سنوات) وبنْتًا (بالوما - 4 سنوات).
طيفه لم يفارقها
غادرَتْهُ بالطلاق النهائي سنة 1953، لكنَّ تأْثيره فيها وعلى ريشتها لم يغادرها مطلقًا. وهذا ما أَقرَّت به في خاتمة كتابها عن سيرتها ومسيرتها معه (وضعتْه اشتراكًا مع كارلتون لايك)، إِذ اعترفَتْ: "أَحرقَ جميع الجُسُور التي تربطني بماضيَّ معه، لكنه بذلك أَرغمني على اكتشاف ذاتي، وعلى شق طريقي لوحدي. لن أَنسى له هذا الفضل".
هذا الاعتراف الغريب غير المتوقَّع، يشير إِلى ضلوعه في حياتها حتى بعد طلاقها منه، كي تُكمل طريقها بخطاها الذاتية. وفي سائر صفحات الكتاب بيِّنةٌ ملامحُهُ وأَطياف الذكريات معه رجلًا زوجًا وفنانًا مبدعًا طبَعَ عصره وكانت معه في قمة شهرته. وكانت عاشت معه منذ عرفَتْه وهي في الحادية والعشرين وهو في الأَربعين، وجمعتْهُما قصةُ حب عاصفة.
تأْثيرات ريشته وما بعدها
طبعًا تأَثَّرَت ريشتُها بريشته التجريدية ونحَتْ صوبه أَكثر في أُسلوبه وغراباته التي خرجت عن كل تيار وكل مأْلوف، ولوحاتها طوال ستينات القرن الماضي بقيَت، كسواها من نتاج بعض الرسامين الفرنسيين، متأَثرة بمناخ بيكاسو.
بعد الستينات أَخذت تشق لها طريقًا مختلفًا نوعًا عن فترتها السابقة، من ذلك كتابتُها عن تجربتها التشكيلية حول لوحتها "حديقة من زمن آخر" (1979) بأَنها "زوغة أَلوان تعيدني إِلى حديقة جدتي لأَبي في نويِّــي حيث ولدتُ سنة 1921".
وتبدو من لوحتها الأشكالُ الخارجة خطوطًا وأَلوانًا عن مناخ بيكاسو، في حرية تنقُّلها بدون تأْثيرات مسبقة. وكانت لأَعمالها هيبة خاصة حتى أَنها سنة 2021 باعت لوحتين في مزاد سوثبيز وكريستيز بمبلغ مليون ونصف مليون دولار. وكتابها "حياة مع بيكاسو" باع ملايين النسخ في لغات عدة من العالم، وكذلك كتابها التالي "ماتيس وبيكاسو - صداقة فنية" (1990) وسيرتها الذاتية "الرسام والقناع" (1983).
إِعجابه بها
سنة 1943 شعر بيكاسو أَنْ بات في حاجة إِلى زوجة لا إِلى عشيقات، فلاحق طالبة الحقوق فرنسواز ذات الواحد والعشرين ربيعًا، والطامحة إِلى شق طريقها في الرسم. وهذا ما جعلها تتقرَّب منه، حتى أَنه رسمها في عدد من اللوحات الزيتية أَو الرسوم بالقلم الرصاص، وكانت تلك مشعةً بالأَلوان والنضارة الناضحة من وجه فرنسواز. ومن أَعماله عنها: "وجه فرنسواز" (1946)، "المرأَة الزهرة" (1946)، "المرأَة ذاتُ العقد الأَصفر" (1946) و"امرأَة في مقعد ذي متكأَين" (1948). فترتئذ كانت فرنسواز في عاصفة حب مع بيكاسو، حتى اكتشفت خياناته المتكررة، فسقطَت في انهيار عصبي مأْساوي.
زواجها التالي
بعد سنوات من انفصالها عن بيكاسو، تزوجت سنة 1970 العالِم الأَميركي جوناس سالْك (مخترع اللقاح ضد شلل الأَطفال)، وانتقلَت معه إِلى كاليفورنيا، وأَخذت من 1976 إِلى 1983 تدرّس صيفًا في جامعة جنوب كاليفورنيا. وبعد وفاة سالْك (1995) عادت تعيش في نيويورك.
ومع أَنها ابتعدت زمنًا عن بيكاسو، ظل خياله حولها حتى أَن "نيويورك تايمز" كتبَت في نعيها: "وفاة فرنسواز جيلو، الرسامة التي عاشت في ظل بيكاسو". بينما كتبَت كيتي هيسِّل في "الغارديان": "لا ضرورة للعودة بها إِلى الماضي، فمسيرتها الفنية وإِنجازاتها واسمها كافية للدلالة على سطوعها الفني".
عبثًا تبتعد
لكنها هي ذاتها لم تكن منفصلة عن تاريخها مع زوجها السابق. فعدا وضْعِها كتابين عنه، كانت سعيدة بعرض لوحة لها سنة 1987 في متحف بيكاسو - آننتيب (مدينة فرنسية بحرية بين نيس وكانّ على الريفييرا الفرنسية - الكوت دازور)، وأَن ترعى سنة 2012 معرضًا لأَعمالهما معًا في صالة غاغوسيان - نيويورك.
كانت ترضى بجمع اسمها باسمه، لكنها ترفض بحزم أَنها كانت "ملهمته" كما كتبَت يومًا "الواشنطن بوست"، ذلك أَنها الْتقتْهُ كفنان زميل لا أَن تكون مادة لإِلهامه.
ربما لذلك، في معرض بيكاسو لدى متحف بروكلن، لم يؤْتَ على ذكر امرأتين وسَمَتا حياته: فرنسواز جيلو ودورا مار. ذلك أَنْ كانت لبيكاسو زوجتان وعشيقات كثيرات. لكنَّ فرنسواز كانت المرأَة الوحيدة التي أَخذت هي مبادرة التخلِّي عنه، وهو ما فاجأَ بيكاسو عميقًا، لاعتقاده أَن الناس مهتمون بها لا لِذَاتها بل لأَنها زوجته. وكان تعدُّد عشيقاته سبب انفصالها عنه وابتعادها نهائيًّا مع ولَدَيها، وسَكَنها في بيتها الباريسي على الضفة اليُسرى من السين.
تكريم مئَويتها
بقيت تعمل وترسم وتتوهج، وتقيم المعارض حتى سنواتها الأَخيرة. وسنة 2012 كرّمتها مدينة نيم )جنوبي فرنسا) بمعرض استعادي كبير لها بعنوان: "فرنسواز جيلو تحت شمس نيم وبيكاسو".
سنة 2021، لمناسبة بلوغها المئة، كرَّمتْها مؤَسسة كريستيز للمزادات العلنية بمعرض في هونغ كونغ مع كاتالوغ كبير لمعظم أَعمالها. وفي السنة ذاتها كرَّمها متحف إِسترين (في سانت ريمي آن بروفانس - جنوبي فرنسا) بمعرض "فرنسواز جيلو - السنوات الفرنسية" لجميع الأَعمال التي أَنتجتها في فرنسا قبل انتقالها النهائي إِلى مانهاتن (نيويورك) ووفاتها في 6 حزيران/ يونيو .