كتابه (فن) Art of writing - Art d’écriture
الكتابة (فن ـ)
الكتابة فن التأثير بالكلام المتخير، الحسن الصياغة والتأليف، المتسم بالجمال، الهادف إلى إبلاغ رسالة للقارئ وإثارة المتعة الفنية في نفسه، ودفعه إلى اتخاذ موقف من القضية التي تحملها.
لذلك وجب على الكاتب أن يبذل جهداً فكرياً وأن يكون واعياً لبناء نصه، وأن يجيد التعبير ويزينه ويهذبه ليقنع القارئ ويستميل مشاعره ويمتعه.
ولتصبح الكتابة فنية لا بد أن تتمتع بمستوى رفيع من الكلام، وتتحلى بدرجة من الجمال والفن تسمو بها عن الكتابة النفعية الخالصة وكلام الحياة اليومية، وتعبر عن العقل والقلب والخيال بلغة توحد بين طبيعة الكتابة ووظيفتها في بناء لغوي منسجم ومتألق ومؤثر.
ويشتمل مفهوم الكتابة الفنية على عنصرين أساسيين، هما الفكر والجمال، يتجسدان في الفكرة المراد إيصالها إلى المتلقي، والعاطفة المتبدية في طريقة العرض، والخيال المبدع واللفظ المختار، ضمن مقومات فكرية تحوي ترتيب الأفكار وتسلسلها، والانتهاء من المقدمات إلى النتائج، والتركيز على مغزى الكلام، والدقة في التعبير، وحسن العرض.
ومقومات أسلوبية تتجلى في الوضوح الكافي لتواصل القارئ مع الكتابة، وفي إيفاء المعنى حقه من التعبير من غير إطالة مملة ولا إيجاز مخل، وفي توفير متعة القراءة.
ومقومات لغوية تتمثل في مراعاة أصول تركيب الكلام ومعرفة استخدام الألفاظ واختيار الفصيح منها، والصحة والسلامة وتحاشي الخطأ والضعف والركاكة.
ومقومات فنية تظهر مقاصد البلاغة في التعبير عن المعاني، والإفادة من الخيال، والزينة الأسلوبية.
وللكتابة الفنية ثلاثة أهداف، يحرص الكاتب على تحقيقها لتؤدي غايتها، أولها الإقناع العقلي الذي يتم في طريقة عرض الأفكار والمعلومات، وفي استخدام الخطاب العقلي بالاستشهاد والاحتجاج والتعليل، والاستنتاج داخل إطار المنطق الإنساني والتجربة الإنسانية المتراكمة في الفهم والإحاطة والإدراك.
وثانيها التأثير العاطفي القائم على ذكر تجارب شعورية مشتركة، والإيحاء بأشياء يحبها القارئ أو يكرهها، واستخدام ألفاظ ذات دلالات مفرحة أو محزنة، تدفع القارئ إلى اتخاذ موقف عاطفي من الموضوع المعالج في الكتابة، راضياً به أو نافراً منه.
وثالثها إشباع الحاجة الإنسانية إلى الجمال من خلال تجويد الكتابة وتزيينها باللفظ المتخير والعبارة الأنيقة، والإيقاع الظاهر من توازن الجمل وتقطيعها، والتحليق في الخيال، وبذلك تتوافر المتعة الفنية في الكتابة، الناجمة عن اللغة المنتقاة التي أبدع الكاتب في صياغتها، وعن الموسيقى المتأتية من تآلف الكلمات وانسجام العبارات، وعن الصور والتشبيهات المبهجة والمثيرة للخيال، فضلاً عن التعبير الرمزي البعيد عن المباشرة، الذي يحرض المتلقي على بذل الجهد لإدراك مقاصد الكاتب، فيشعر بلذة الاكتشاف والثقة بالنفس وقدرتها على الوصول إلى المستتر في الكتابة، وليس الاقتصار على الظاهر منها.
وليست الكتابة الفنية على شكل واحد وطريقة واحدة، بل تختلف باختلاف مواهب الكتاب ومهارتهم وتوجهاتهم الفنية وغاياتهم منها، وتتأثر الكتابة بتنوع مادتها والفن الذي تؤديه، فكتابة الرسائل تتباين عن كتابة الخواطر، والكتابة المسرحية تختلف عن الكتابة القصصية وسواها.
وفي الكتابة الفنية يكون لكل كلمة مهمتها، ولكل إشارة غاياتها، ولعلامات الترقيم أثرها، حتى شكل توضع الكتابة على الصفحة وتوزعها، فلا يرد شيء فيها إلا لغاية تعبيرية أرادها الكاتب وقصدها ولا تستكمل الكتابة الفنية إلا بعد أن تصل إلى شكلها الأخير الذي سيقف عليه القارئ.
ومن هنا تأتي مزية الكتابة وارتفاع شأنها على الكلام المباشر، لأنها تسمح للمرء أن يتأمل أفكاره وأن يتأنى في إيرادها والتعبير عنها، وأن يعيد النظر فيها مرة بعد مرة، حتى تصل إلى الصورة التي يرتضيها، في حين أن الكلام الملفوظ لا يتيح لصاحبه التفكر الطويل فيما يقوله، ولا الانتقاء والتمهل وإعادة النظر، فما إن تخرج اللفظة من فمه حتى تكون في شكلها النهائي الذي لا يراجع ولا يبدل إلا بالاستدراك المحرج.
فالكتابة الفنية ليست نشاطاً بسيطاً، يستطيع من ألم بمبادئها من إملاء وتشكيل للجمل أن يحترفها، بل هي عملية معقدة تحتاج إلى موهبة وثقافة ودربة ومهارة، تمكن صاحبها من إيصال مقاصده إلى المتلقين، وأن يمتعهم بجمالها في الوقت نفسه، لأن عنصر الجمال هو الذي يعطي الكتابة صفة الفن، ويميزها من الكتابة النفعية المقتصرة على مهمة الإيصال.
محمود سالم محمد
الكتابة (فن ـ)
الكتابة فن التأثير بالكلام المتخير، الحسن الصياغة والتأليف، المتسم بالجمال، الهادف إلى إبلاغ رسالة للقارئ وإثارة المتعة الفنية في نفسه، ودفعه إلى اتخاذ موقف من القضية التي تحملها.
لذلك وجب على الكاتب أن يبذل جهداً فكرياً وأن يكون واعياً لبناء نصه، وأن يجيد التعبير ويزينه ويهذبه ليقنع القارئ ويستميل مشاعره ويمتعه.
ولتصبح الكتابة فنية لا بد أن تتمتع بمستوى رفيع من الكلام، وتتحلى بدرجة من الجمال والفن تسمو بها عن الكتابة النفعية الخالصة وكلام الحياة اليومية، وتعبر عن العقل والقلب والخيال بلغة توحد بين طبيعة الكتابة ووظيفتها في بناء لغوي منسجم ومتألق ومؤثر.
ويشتمل مفهوم الكتابة الفنية على عنصرين أساسيين، هما الفكر والجمال، يتجسدان في الفكرة المراد إيصالها إلى المتلقي، والعاطفة المتبدية في طريقة العرض، والخيال المبدع واللفظ المختار، ضمن مقومات فكرية تحوي ترتيب الأفكار وتسلسلها، والانتهاء من المقدمات إلى النتائج، والتركيز على مغزى الكلام، والدقة في التعبير، وحسن العرض.
ومقومات أسلوبية تتجلى في الوضوح الكافي لتواصل القارئ مع الكتابة، وفي إيفاء المعنى حقه من التعبير من غير إطالة مملة ولا إيجاز مخل، وفي توفير متعة القراءة.
ومقومات لغوية تتمثل في مراعاة أصول تركيب الكلام ومعرفة استخدام الألفاظ واختيار الفصيح منها، والصحة والسلامة وتحاشي الخطأ والضعف والركاكة.
ومقومات فنية تظهر مقاصد البلاغة في التعبير عن المعاني، والإفادة من الخيال، والزينة الأسلوبية.
وللكتابة الفنية ثلاثة أهداف، يحرص الكاتب على تحقيقها لتؤدي غايتها، أولها الإقناع العقلي الذي يتم في طريقة عرض الأفكار والمعلومات، وفي استخدام الخطاب العقلي بالاستشهاد والاحتجاج والتعليل، والاستنتاج داخل إطار المنطق الإنساني والتجربة الإنسانية المتراكمة في الفهم والإحاطة والإدراك.
وثانيها التأثير العاطفي القائم على ذكر تجارب شعورية مشتركة، والإيحاء بأشياء يحبها القارئ أو يكرهها، واستخدام ألفاظ ذات دلالات مفرحة أو محزنة، تدفع القارئ إلى اتخاذ موقف عاطفي من الموضوع المعالج في الكتابة، راضياً به أو نافراً منه.
وثالثها إشباع الحاجة الإنسانية إلى الجمال من خلال تجويد الكتابة وتزيينها باللفظ المتخير والعبارة الأنيقة، والإيقاع الظاهر من توازن الجمل وتقطيعها، والتحليق في الخيال، وبذلك تتوافر المتعة الفنية في الكتابة، الناجمة عن اللغة المنتقاة التي أبدع الكاتب في صياغتها، وعن الموسيقى المتأتية من تآلف الكلمات وانسجام العبارات، وعن الصور والتشبيهات المبهجة والمثيرة للخيال، فضلاً عن التعبير الرمزي البعيد عن المباشرة، الذي يحرض المتلقي على بذل الجهد لإدراك مقاصد الكاتب، فيشعر بلذة الاكتشاف والثقة بالنفس وقدرتها على الوصول إلى المستتر في الكتابة، وليس الاقتصار على الظاهر منها.
وليست الكتابة الفنية على شكل واحد وطريقة واحدة، بل تختلف باختلاف مواهب الكتاب ومهارتهم وتوجهاتهم الفنية وغاياتهم منها، وتتأثر الكتابة بتنوع مادتها والفن الذي تؤديه، فكتابة الرسائل تتباين عن كتابة الخواطر، والكتابة المسرحية تختلف عن الكتابة القصصية وسواها.
وفي الكتابة الفنية يكون لكل كلمة مهمتها، ولكل إشارة غاياتها، ولعلامات الترقيم أثرها، حتى شكل توضع الكتابة على الصفحة وتوزعها، فلا يرد شيء فيها إلا لغاية تعبيرية أرادها الكاتب وقصدها ولا تستكمل الكتابة الفنية إلا بعد أن تصل إلى شكلها الأخير الذي سيقف عليه القارئ.
ومن هنا تأتي مزية الكتابة وارتفاع شأنها على الكلام المباشر، لأنها تسمح للمرء أن يتأمل أفكاره وأن يتأنى في إيرادها والتعبير عنها، وأن يعيد النظر فيها مرة بعد مرة، حتى تصل إلى الصورة التي يرتضيها، في حين أن الكلام الملفوظ لا يتيح لصاحبه التفكر الطويل فيما يقوله، ولا الانتقاء والتمهل وإعادة النظر، فما إن تخرج اللفظة من فمه حتى تكون في شكلها النهائي الذي لا يراجع ولا يبدل إلا بالاستدراك المحرج.
فالكتابة الفنية ليست نشاطاً بسيطاً، يستطيع من ألم بمبادئها من إملاء وتشكيل للجمل أن يحترفها، بل هي عملية معقدة تحتاج إلى موهبة وثقافة ودربة ومهارة، تمكن صاحبها من إيصال مقاصده إلى المتلقين، وأن يمتعهم بجمالها في الوقت نفسه، لأن عنصر الجمال هو الذي يعطي الكتابة صفة الفن، ويميزها من الكتابة النفعية المقتصرة على مهمة الإيصال.
محمود سالم محمد