استبدال
هادي ياسين
بدأت حكاية ُ صناعةِ هذا الفيلم عندما سمع الكاتبُ السينمائي و التلفزيوني الأمريكي " ج. مايكل ستراشينسكي " ــ قبل نحو عشرين عاماً من صناعة الفيلم ــ أن شرطة ( لوس أنجلس ) على وشك أن تبدأ بحرق الوثائق القديمة في ارشيفها ، و قد أخبره الشخص الذي اتصل به بأنه قد يستفيد من هذه الوثائق ، التي استطاع فيما بعد أن يطلع عليها بمعونة أحد معارفه ، و من بين كل تلك الوثائق توقف " ستراشينسكي " عند محضر استماع لمجلس المدينة ، مكتوبٍ بخط اليد ، حول قضية السيدة " كريستين كولنز " التي تم اختطاف ابنها " والتر " في ظرف غامض ، و قد تعرضت الى ظلم كبير على يد شرطة ( لوس أنجلس ) ، فأثارت قضيتُها ضجة ً كبيرة ًــ حينها ــ لدى الرأي العام في المدينة . فعمل الكاتب على كتابة سيناريو فيلم سينمائي بعنوان ( قضية كريستين كولنز الغريبة ) ، غير أن " ستراشينسكي " لم يكن كاتباً معروفاً في ذلك الوقت ليجازف أحد الأستديوهات بانتاجه ، فرقد السيناريو في أدراج الكاتب ، حتى عثر عليه صدفةً بعد سنوات ، و قد أصبح كاتباً معروفاً و ذا مكانة فنية مرموقة ، فقرر أن يعيد صياغته من جديد ، و من أجل هذا راح يبحث في ملفات الشرطة و المحاكم و السجون و المستشفيات ، على مدى عام كامل ، فجمع نحو 6000 وثيقة حول قضية السيدة " كولنز " ، منحته فرصة أن يكتب سيناريواً جديداً يلمُّ بهذه القضية من جميع جوانبها ، سلّمه الى المخرج المخضرم " كلينت إيستوود " الذي باشر بإخراجه في ذات اليوم الذي انتهى فيه من قراءته ، لِما وجد فيه من قصةٍ مثيرة ، من شأنها أن تشغل الرأي العام الذي قد يدين ما أقدمت عليه شرطة ( لوس أنجلس ) عام 1928 ، و هو العام الذي حصلت فيه الواقعة . كما أن المخرجَ وافق على طلب " ستراشينسكي " في أن لا يغير شيئاً في السيناريو .
في البداية ، ترشحت لدور الأم " كرستين " كلٌ من الممثلتين الحاصلتين على الأوسكار " هيلاري سوانك " و " ريس وذرسبون " ، ولكن الإختيار وقع في النهاية على " انجلينا جولي " كون ملامحها قريبة ً من ملامح النساء الأمريكيات في حقبة عشرينيات القرن الماضي .. حيث حصلت الواقعة . ولكن " جولي " وافقت بعد أن كانت قد رفضت الدور كونه سبّبَ لها ألماً كأُم .. كما صرّحت بذلك .
استقبل النقاد هذا الفيلم بارتياح من الناحية الفنية ( التصوير ، الإخراج ، التمثيل ) عند عرضه الأول في مهرجان ( كان ) السينمائي الدولي عام 2008 ، ولكن البعض منهم رفض التصديق أن تكون هذه القصة حقيقية و اعتبروها من صنع خيال الكاتب " ستراشينسكي " ، أو أنها إضافات كبيرة على حادثة صغيرة ، و اعتبروا عبارة ( قصة حقيقية ) التي تظهر في بداية الفيلم عبارة ً تمويهية دعائية ، و قد أثارت هذه النقطة الجدل مما قلل من فرصة فوز الفيلم بالسعفة الذهبية ، الأمر الذي أغضب المخرج " كلينت إيستوود " حينها . ولكن تبيّن فيما بعد أنها قصة ٌ واقعية كانت قد هزت المجتمعَ الأمريكي ذلك الوقت ، و لم تكن حادثةً صغيرة ، بل أن خيوطاً كثيرة من هذه القصة العريضة مازالت قيدَ المجهول حتى هذه اللحظة .
تبدأ أحداث ُ الفيلم من صباح اليوم التاسع من شهر آذار / مارس 1928 ، و يُقدّمُ لنا المشهدُ الأول تصوراً عن البرنامج اليومي للسيدة " كرستين كولنز " ( انجلينا جولي ) ، و هي مُشرفة ٌ في دائرة الإتصالات ، حيث يبدأُ برنامجُها بالإستيقاظ في الساعة السادسة صباحاً ، و أول عمل تقومُ به هو ايقاظ ابنها " والتر " ( مثل دورَه " غاتلين غريفيث " ) كي يتهيّأ للذهاب الى مدرسته ، و ما أن ينهض حتى تأخذه الى الحائط و تؤشر طوله بالقلم الرصاص ( و هذه نقطة ستلعبُ دوراً مهماً جداً في القصة ) ، و بعد الإفطار تصطحبه معها في ذات الحافلة التي تذهب بها الى عملها ، و تُنزلُهُ عند مدرسته ثم تواصل طريقها ، و عند العودة تصطحبه معها أيضاً ، و هذا المشهد في الفيلم ، يريد أن يؤكد الحبَ الكبيرَ و الحرصَ الشديدَ لدى السيدة " كولينز " نحو وحيدها " والتر " الذي لا يعيش أبوه معهما ، كي يترجم لوعة الأم لاحقاً . و " والتر " يُعيّرُهُ أحدُ الطلبة بأن أباه رحل عنهما لأنه لا يحبه ، لكن الأم توضح له أن أباه لم يرَهُ ــ أصلاً ــ كي لا يحبه ( و الحقيقة ، أن الأب كان في السجن بسبب تهمة عملية سطو ) .
في اليوم التالي يختفي الصبي " والتر " الذي كانت أمه قد وعدته بالذهاب ذلك اليوم الى السينما لمشاهدة فيلمٍ لـ " تشارلي تشابلن " ، و بعد أن تيأس من البحث عنه تتصل بمركز الشرطة طالبة ً أن يأتي اليها أحدٌ لمساعدتها في العثور عليه ، غير أنّ الرَد يأتيها بأنهم لا يرسلون أحداً للبحث قبل مرور 24 ساعة ، و يخبرها الشرطيُ الذي على الطرف الآخر من الهاتف بأن 99% من الأطفال الذين يختفون في المساء يعودون في الصباح . فتستسلم الأمُ للأمر الواقع بلا حولٍ و لا قوة ، و عندما تأتي اليها الشرطة ُ في اليوم التالي فإنما جاءت لتمارس إجراءً روتينياً يكشف جزءاً من فساد شرطة المدينة .
بعد أسبوعين من محنة السيدة " كولنز " ، يظهر على الخط الناشط ُالإجتماعي و السياسي القس " غوستاف " ( لعب دورَه " جون مالكوفيتش " ) الذي يشن حملة ً على شرطة المدينة و يكشف فسادها و يعرّي حقيقة البؤس الإداري لمديرها الفاسد " جيمس ديفيس " ( لعب دوره " كولم فوريس " ) ، و يوضح أن قنوات المدينة باتت ملأى بالجثث ، بفضل فساد هذا المدير ، و يعلن أنه ( في كل يوم ، تغرقُ هذه المدينة ُ في بالوعة الخوف و التهديد و الفساد أكثرَ فأكثر ) ، و يدعو الى حملة تضامن مع السيدة " كولنز " ( رغم أنها ليست فرداً من رعيتنا ) .
دخولُ القس " غوستاف " على الخط هو الذي سيحرك القضية و يُـشعل الرأيَ العام برمتِهِ في ( لوس أنجلس ) ، و لا يؤدي الى الكشف عن هوية خاطف " والتر " حسب بل عن قضايا أخرى مماثلة و يميط اللثام عن قضايا التواطؤات و الفساد حتى في مستشفيات الأمراض النفسية ، و يؤدي ــ بالتالي ــ الى محاسباتٍ و فَضحٍ و اعفاءاتٍ من مناصب .. وصولاً الى الخاطف " جوردن نورثكوت " ( لعب دورَه " جاسون باتلر " ) و هو المجرمُ غيرُ الطبيعي الذي تبيّن أنه ذو سجل حافل بالجرائم البشعة مع الصبيان .
القصة الحقيقية
ما هي حقيقة ما جرى في الواقع و الذي التقطه الكاتب " ج. مايكل ستراشينسكي " من الوثائق التي وقعت بين يديه ، فكتب على أساسها سيناريو هذا الفيلم ؟
يوم 10 مارس / آذار 1928 ، و في حدود الساعة الخامسة عصراً ، و عقب خروج والدته الى العمل اضطراراً بعد تغيب إحدى العاملات بسبب المرض ، خرج الصبي " والتر كولنز " ذو التسع سنوات ذاهباً الى السينما بعد أن أعطته والدته عشرة سنتات . في طريقه لمحه الشاب " غوردن نورثكوت " الذي يعمل في المتجر الذي تتبضع منه السيدة " كولنز " ، فعرض على الصبي الذهاب معه للتمتع بركوب الخيل في المزرعة فوافق ، و منذ تلك اللحظة اختفى الصبي .. و الى الأبد .
" غوردن نورثكوت " مولود في كندا عام 1909 ، و في عام 1924 انتقل مع أهله الى أمريكا ، تحديداً في مدينة ( لوس أنجلس ) . و هناك ، و قد أصبح ــ عام 1926 ــ في السابعة عشرة من عمره ، أي في فترة فورة شبابه الجنسية ، حصل على مزرعة للدواجن في بلدة ( وينفل ) التي لا تبعد كثيراًعن ( لوس أنجلس ) ، اشتراها له أبوه " ستيوارت " الذي يعمل في مجال البناء ، و هذا الشاب كان مهووساً بممارسة الجنس مع الصبيان الصغار ، فاستخدم المزرعة لتحقيق مآربه ، و قد تبين ــ فيما بعد ــ أن والدته " سارة لويس " ، و قد دخلت على خط جرائمه ، كانت على علمٍ بنزعةِ ابنها الجنسية تجاه الصبيان .
كان هذا الشاب المهووس جنسياً شريراً ، و بكامل إرادته ، لذلك كان يخطط و يخطف الصبيان و يغتصبهم و يعذبهم ، و يتخلص منهم دون أن يترك أثراً لهم ، و بذكاء متكامل ، في غفلة من الشرطة و القانون و بعيداً عن أي عين . و قد اعترف في المحكمة أنه فعل ذلك مع عشرين صبياً ، ولكن الشرطة لم تعثر سوى على أربع جثث فقط لضحاياه ، فيما ظلت الأسئلة تحوم حول مصائرَ لأعدادٍ أكثر من الصبيان .. مازالت مجهولة . من جانبٍ آخر كان هذا المجرم ، عندما يكتفي من بعض ضحاياه ، يأخذهم الى المدينة و يبيعهم الى الأشخاص الأغنياء ممن يحملون ميولاً جنسية ً شبيهة ً بميوله .
من بين ضحايا هذا المجرم ، ثمة صبي عثرت الشرطةُ على جثته من دون رأس ، كان قد ألقاها قرب طريق عام فيما دفن الرأس في مكان لا أحد يدري أين ، كي يخفي هوية الضحية . حينها أطلقت الشرطة عليه تسمية ( الصبي المكسيكي ) لتمييزه ، و ثمة شقيقان أمريكيان هما ( " لويس " و " نيلسون " وينسلو ) ــ 10 و 12 عاما ــ اختفيا و هما في طريقهما الى مهرجان للقوارب ، ولكن الشرطة الغبية لم تربط بين اختفاء هذين الصبيين و بين اختفاء " والتر كولنز " الذي لا يبعد منزله عن منزلهما كثيراً ، ما يعني وجوب حصر دائرة الجريمة . و كان المجرم قد انتزع ورقة ً من كتاب و أملى عليهما رسالة ً الى والديهما يخبرانهما فيها بأنهما غامرا بالذهاب الى المكسيك بحثاً عن الذهب ، و مع أن الأبوين لم يقتنعا بمضمون هذه الرسالة ، لأن ابنيهما ليسا من النمط الذي يقدم على هكذا خطوة لا تتوافق مع وضعهما المادي و التربوي إلا أن الشرطة لم تلتقط الخيط .. مرة ً أخرى .
كيف تم اكتشاف المجرم ؟
كان " غوردن نورثكوت " قد زار شقيقته المتزوجة في كندا ، و أقنعها بسفر ابنها " سانفورد كلارك " معه الى أمريكا لغرض العمل و الدراسة ، خصوصاً و أنه يمتلك مزرعة ً للدواجن . ما أن وصل " سانفورد " حتى اكتشف طبائع خاله الشريرة ، و خلال ذلك زارت " سارة لويس " ابنها ، فوجدت أنه يحاول أن يمنعها عن الإقتراب من مزرعة دواجنه ، لكنها استغلت غيابه أثناء ذهابه الى المدينة ( ربما بحثاً عن ضحية جديدة ) فدخلت المزرعة ، و فيها عثرت على الصبي " والتر كولنز " في وضعٍ مُزرٍ ، و قد أدركت ما كان يفعله ابنُها بالصبي جنسياً . لذلك اقترحت عليه أن يتخلص منه كونه عرف وجهه و حفظ ملامحه ، و إذ قرر إطلاق النار عليه نصحه عقلها الشرير أن يتخلص منه بطريقة كاتمة بواسطة الفأس ، و هكذا هشـّما رأس الصبي " والتر " و فَتتا جسدَه .. بحضور " سانفورد " .
بعد فترة ، أرسلت والدة " سانفورد " ابنتها الى كندا للإطمئنان على شقيقها ، هناك روى " سانفورد " الحكاية بتفاصيلها لشقيقته ، التي أرادت اصطحاب شقيقها معها الى كندا ، لكن خالها منعها من ذلك ، فعادت وحدها . و ما أن وصلت حتى أخبرت والدتها بما أعلمها به شقيقها " سانفورد " ، فما كان من الأم إلا الإتصال بالقنصلية الأمريكية و إعلام المسؤولين فيها بحقيقة ما يجري ، فاتصلت القنصلية بدائرة الهجرة في كاليفورنيا حالاً ، فتحركت القوات الأمنية في ( لوس أنجلس ) باتجاه مزرعة دواجن " جوردن نورثكوت " ولكنه فرّ في اللحظة الحرجة الى كندا ، هو و أمه ، و في تلك المزرعة حكى " سانفورد " الحكاية كلها للشرطة التي لم تصدقه أول الأمر ، حتى عثرت على آثار الجرائم التي حصلت في المزرعة ، من فؤوس و دماء و شعر و بقايا أجساد بشرية . و تمكنت القوات الكندية من القبض على المجرمَين و سلمتهما الى السلطات الأمريكية التي أجرت محاكمة لـهما ، فحُكمَ على " غوردن " بالإعدام ، ليُنفـَّـذ صباحَ يوم 2 أكتوبر / تشرين الأول من عام 1930 ، فيما حُكمَ على الأم بالسَجن المؤبّد ، لكنها خرجت من السِجن عام 1940 لتفطس في العام 1944 . أما الشاب " سانفورد كلارك " فلم يُحكم عليه ، و نُظِر اليه كضحيةٍ من ضحايا خالهِ ، فعاش كإنسانٍ سَوي .. درس و عمل و أسس عائلة ً و أنجب ، و أثبت أن جيناته لا علاقة لها بجينات خاله و جدته ، و توفي عام 1991 بسلام عن 75 عاماً .
أما السيدة المكلومة " كريستين كولنز " فقد توفيت وحيدة ً في مكان مجهول في الستينيات من القرن الماضي ، دون أن ترى ابنها أبداً ، و كان زوجها قد توفي عام 1934 في السجن .
.......
تلك هي القصة الحقيقية التي اعتمدها فيلم ( استبدالChangeli ) .
رابط الفيلم
https://segavid.com/f447ww1z2uul.html?jwsource=cl
هادي ياسين
بدأت حكاية ُ صناعةِ هذا الفيلم عندما سمع الكاتبُ السينمائي و التلفزيوني الأمريكي " ج. مايكل ستراشينسكي " ــ قبل نحو عشرين عاماً من صناعة الفيلم ــ أن شرطة ( لوس أنجلس ) على وشك أن تبدأ بحرق الوثائق القديمة في ارشيفها ، و قد أخبره الشخص الذي اتصل به بأنه قد يستفيد من هذه الوثائق ، التي استطاع فيما بعد أن يطلع عليها بمعونة أحد معارفه ، و من بين كل تلك الوثائق توقف " ستراشينسكي " عند محضر استماع لمجلس المدينة ، مكتوبٍ بخط اليد ، حول قضية السيدة " كريستين كولنز " التي تم اختطاف ابنها " والتر " في ظرف غامض ، و قد تعرضت الى ظلم كبير على يد شرطة ( لوس أنجلس ) ، فأثارت قضيتُها ضجة ً كبيرة ًــ حينها ــ لدى الرأي العام في المدينة . فعمل الكاتب على كتابة سيناريو فيلم سينمائي بعنوان ( قضية كريستين كولنز الغريبة ) ، غير أن " ستراشينسكي " لم يكن كاتباً معروفاً في ذلك الوقت ليجازف أحد الأستديوهات بانتاجه ، فرقد السيناريو في أدراج الكاتب ، حتى عثر عليه صدفةً بعد سنوات ، و قد أصبح كاتباً معروفاً و ذا مكانة فنية مرموقة ، فقرر أن يعيد صياغته من جديد ، و من أجل هذا راح يبحث في ملفات الشرطة و المحاكم و السجون و المستشفيات ، على مدى عام كامل ، فجمع نحو 6000 وثيقة حول قضية السيدة " كولنز " ، منحته فرصة أن يكتب سيناريواً جديداً يلمُّ بهذه القضية من جميع جوانبها ، سلّمه الى المخرج المخضرم " كلينت إيستوود " الذي باشر بإخراجه في ذات اليوم الذي انتهى فيه من قراءته ، لِما وجد فيه من قصةٍ مثيرة ، من شأنها أن تشغل الرأي العام الذي قد يدين ما أقدمت عليه شرطة ( لوس أنجلس ) عام 1928 ، و هو العام الذي حصلت فيه الواقعة . كما أن المخرجَ وافق على طلب " ستراشينسكي " في أن لا يغير شيئاً في السيناريو .
في البداية ، ترشحت لدور الأم " كرستين " كلٌ من الممثلتين الحاصلتين على الأوسكار " هيلاري سوانك " و " ريس وذرسبون " ، ولكن الإختيار وقع في النهاية على " انجلينا جولي " كون ملامحها قريبة ً من ملامح النساء الأمريكيات في حقبة عشرينيات القرن الماضي .. حيث حصلت الواقعة . ولكن " جولي " وافقت بعد أن كانت قد رفضت الدور كونه سبّبَ لها ألماً كأُم .. كما صرّحت بذلك .
استقبل النقاد هذا الفيلم بارتياح من الناحية الفنية ( التصوير ، الإخراج ، التمثيل ) عند عرضه الأول في مهرجان ( كان ) السينمائي الدولي عام 2008 ، ولكن البعض منهم رفض التصديق أن تكون هذه القصة حقيقية و اعتبروها من صنع خيال الكاتب " ستراشينسكي " ، أو أنها إضافات كبيرة على حادثة صغيرة ، و اعتبروا عبارة ( قصة حقيقية ) التي تظهر في بداية الفيلم عبارة ً تمويهية دعائية ، و قد أثارت هذه النقطة الجدل مما قلل من فرصة فوز الفيلم بالسعفة الذهبية ، الأمر الذي أغضب المخرج " كلينت إيستوود " حينها . ولكن تبيّن فيما بعد أنها قصة ٌ واقعية كانت قد هزت المجتمعَ الأمريكي ذلك الوقت ، و لم تكن حادثةً صغيرة ، بل أن خيوطاً كثيرة من هذه القصة العريضة مازالت قيدَ المجهول حتى هذه اللحظة .
تبدأ أحداث ُ الفيلم من صباح اليوم التاسع من شهر آذار / مارس 1928 ، و يُقدّمُ لنا المشهدُ الأول تصوراً عن البرنامج اليومي للسيدة " كرستين كولنز " ( انجلينا جولي ) ، و هي مُشرفة ٌ في دائرة الإتصالات ، حيث يبدأُ برنامجُها بالإستيقاظ في الساعة السادسة صباحاً ، و أول عمل تقومُ به هو ايقاظ ابنها " والتر " ( مثل دورَه " غاتلين غريفيث " ) كي يتهيّأ للذهاب الى مدرسته ، و ما أن ينهض حتى تأخذه الى الحائط و تؤشر طوله بالقلم الرصاص ( و هذه نقطة ستلعبُ دوراً مهماً جداً في القصة ) ، و بعد الإفطار تصطحبه معها في ذات الحافلة التي تذهب بها الى عملها ، و تُنزلُهُ عند مدرسته ثم تواصل طريقها ، و عند العودة تصطحبه معها أيضاً ، و هذا المشهد في الفيلم ، يريد أن يؤكد الحبَ الكبيرَ و الحرصَ الشديدَ لدى السيدة " كولينز " نحو وحيدها " والتر " الذي لا يعيش أبوه معهما ، كي يترجم لوعة الأم لاحقاً . و " والتر " يُعيّرُهُ أحدُ الطلبة بأن أباه رحل عنهما لأنه لا يحبه ، لكن الأم توضح له أن أباه لم يرَهُ ــ أصلاً ــ كي لا يحبه ( و الحقيقة ، أن الأب كان في السجن بسبب تهمة عملية سطو ) .
في اليوم التالي يختفي الصبي " والتر " الذي كانت أمه قد وعدته بالذهاب ذلك اليوم الى السينما لمشاهدة فيلمٍ لـ " تشارلي تشابلن " ، و بعد أن تيأس من البحث عنه تتصل بمركز الشرطة طالبة ً أن يأتي اليها أحدٌ لمساعدتها في العثور عليه ، غير أنّ الرَد يأتيها بأنهم لا يرسلون أحداً للبحث قبل مرور 24 ساعة ، و يخبرها الشرطيُ الذي على الطرف الآخر من الهاتف بأن 99% من الأطفال الذين يختفون في المساء يعودون في الصباح . فتستسلم الأمُ للأمر الواقع بلا حولٍ و لا قوة ، و عندما تأتي اليها الشرطة ُ في اليوم التالي فإنما جاءت لتمارس إجراءً روتينياً يكشف جزءاً من فساد شرطة المدينة .
بعد أسبوعين من محنة السيدة " كولنز " ، يظهر على الخط الناشط ُالإجتماعي و السياسي القس " غوستاف " ( لعب دورَه " جون مالكوفيتش " ) الذي يشن حملة ً على شرطة المدينة و يكشف فسادها و يعرّي حقيقة البؤس الإداري لمديرها الفاسد " جيمس ديفيس " ( لعب دوره " كولم فوريس " ) ، و يوضح أن قنوات المدينة باتت ملأى بالجثث ، بفضل فساد هذا المدير ، و يعلن أنه ( في كل يوم ، تغرقُ هذه المدينة ُ في بالوعة الخوف و التهديد و الفساد أكثرَ فأكثر ) ، و يدعو الى حملة تضامن مع السيدة " كولنز " ( رغم أنها ليست فرداً من رعيتنا ) .
دخولُ القس " غوستاف " على الخط هو الذي سيحرك القضية و يُـشعل الرأيَ العام برمتِهِ في ( لوس أنجلس ) ، و لا يؤدي الى الكشف عن هوية خاطف " والتر " حسب بل عن قضايا أخرى مماثلة و يميط اللثام عن قضايا التواطؤات و الفساد حتى في مستشفيات الأمراض النفسية ، و يؤدي ــ بالتالي ــ الى محاسباتٍ و فَضحٍ و اعفاءاتٍ من مناصب .. وصولاً الى الخاطف " جوردن نورثكوت " ( لعب دورَه " جاسون باتلر " ) و هو المجرمُ غيرُ الطبيعي الذي تبيّن أنه ذو سجل حافل بالجرائم البشعة مع الصبيان .
القصة الحقيقية
ما هي حقيقة ما جرى في الواقع و الذي التقطه الكاتب " ج. مايكل ستراشينسكي " من الوثائق التي وقعت بين يديه ، فكتب على أساسها سيناريو هذا الفيلم ؟
يوم 10 مارس / آذار 1928 ، و في حدود الساعة الخامسة عصراً ، و عقب خروج والدته الى العمل اضطراراً بعد تغيب إحدى العاملات بسبب المرض ، خرج الصبي " والتر كولنز " ذو التسع سنوات ذاهباً الى السينما بعد أن أعطته والدته عشرة سنتات . في طريقه لمحه الشاب " غوردن نورثكوت " الذي يعمل في المتجر الذي تتبضع منه السيدة " كولنز " ، فعرض على الصبي الذهاب معه للتمتع بركوب الخيل في المزرعة فوافق ، و منذ تلك اللحظة اختفى الصبي .. و الى الأبد .
" غوردن نورثكوت " مولود في كندا عام 1909 ، و في عام 1924 انتقل مع أهله الى أمريكا ، تحديداً في مدينة ( لوس أنجلس ) . و هناك ، و قد أصبح ــ عام 1926 ــ في السابعة عشرة من عمره ، أي في فترة فورة شبابه الجنسية ، حصل على مزرعة للدواجن في بلدة ( وينفل ) التي لا تبعد كثيراًعن ( لوس أنجلس ) ، اشتراها له أبوه " ستيوارت " الذي يعمل في مجال البناء ، و هذا الشاب كان مهووساً بممارسة الجنس مع الصبيان الصغار ، فاستخدم المزرعة لتحقيق مآربه ، و قد تبين ــ فيما بعد ــ أن والدته " سارة لويس " ، و قد دخلت على خط جرائمه ، كانت على علمٍ بنزعةِ ابنها الجنسية تجاه الصبيان .
كان هذا الشاب المهووس جنسياً شريراً ، و بكامل إرادته ، لذلك كان يخطط و يخطف الصبيان و يغتصبهم و يعذبهم ، و يتخلص منهم دون أن يترك أثراً لهم ، و بذكاء متكامل ، في غفلة من الشرطة و القانون و بعيداً عن أي عين . و قد اعترف في المحكمة أنه فعل ذلك مع عشرين صبياً ، ولكن الشرطة لم تعثر سوى على أربع جثث فقط لضحاياه ، فيما ظلت الأسئلة تحوم حول مصائرَ لأعدادٍ أكثر من الصبيان .. مازالت مجهولة . من جانبٍ آخر كان هذا المجرم ، عندما يكتفي من بعض ضحاياه ، يأخذهم الى المدينة و يبيعهم الى الأشخاص الأغنياء ممن يحملون ميولاً جنسية ً شبيهة ً بميوله .
من بين ضحايا هذا المجرم ، ثمة صبي عثرت الشرطةُ على جثته من دون رأس ، كان قد ألقاها قرب طريق عام فيما دفن الرأس في مكان لا أحد يدري أين ، كي يخفي هوية الضحية . حينها أطلقت الشرطة عليه تسمية ( الصبي المكسيكي ) لتمييزه ، و ثمة شقيقان أمريكيان هما ( " لويس " و " نيلسون " وينسلو ) ــ 10 و 12 عاما ــ اختفيا و هما في طريقهما الى مهرجان للقوارب ، ولكن الشرطة الغبية لم تربط بين اختفاء هذين الصبيين و بين اختفاء " والتر كولنز " الذي لا يبعد منزله عن منزلهما كثيراً ، ما يعني وجوب حصر دائرة الجريمة . و كان المجرم قد انتزع ورقة ً من كتاب و أملى عليهما رسالة ً الى والديهما يخبرانهما فيها بأنهما غامرا بالذهاب الى المكسيك بحثاً عن الذهب ، و مع أن الأبوين لم يقتنعا بمضمون هذه الرسالة ، لأن ابنيهما ليسا من النمط الذي يقدم على هكذا خطوة لا تتوافق مع وضعهما المادي و التربوي إلا أن الشرطة لم تلتقط الخيط .. مرة ً أخرى .
كيف تم اكتشاف المجرم ؟
كان " غوردن نورثكوت " قد زار شقيقته المتزوجة في كندا ، و أقنعها بسفر ابنها " سانفورد كلارك " معه الى أمريكا لغرض العمل و الدراسة ، خصوصاً و أنه يمتلك مزرعة ً للدواجن . ما أن وصل " سانفورد " حتى اكتشف طبائع خاله الشريرة ، و خلال ذلك زارت " سارة لويس " ابنها ، فوجدت أنه يحاول أن يمنعها عن الإقتراب من مزرعة دواجنه ، لكنها استغلت غيابه أثناء ذهابه الى المدينة ( ربما بحثاً عن ضحية جديدة ) فدخلت المزرعة ، و فيها عثرت على الصبي " والتر كولنز " في وضعٍ مُزرٍ ، و قد أدركت ما كان يفعله ابنُها بالصبي جنسياً . لذلك اقترحت عليه أن يتخلص منه كونه عرف وجهه و حفظ ملامحه ، و إذ قرر إطلاق النار عليه نصحه عقلها الشرير أن يتخلص منه بطريقة كاتمة بواسطة الفأس ، و هكذا هشـّما رأس الصبي " والتر " و فَتتا جسدَه .. بحضور " سانفورد " .
بعد فترة ، أرسلت والدة " سانفورد " ابنتها الى كندا للإطمئنان على شقيقها ، هناك روى " سانفورد " الحكاية بتفاصيلها لشقيقته ، التي أرادت اصطحاب شقيقها معها الى كندا ، لكن خالها منعها من ذلك ، فعادت وحدها . و ما أن وصلت حتى أخبرت والدتها بما أعلمها به شقيقها " سانفورد " ، فما كان من الأم إلا الإتصال بالقنصلية الأمريكية و إعلام المسؤولين فيها بحقيقة ما يجري ، فاتصلت القنصلية بدائرة الهجرة في كاليفورنيا حالاً ، فتحركت القوات الأمنية في ( لوس أنجلس ) باتجاه مزرعة دواجن " جوردن نورثكوت " ولكنه فرّ في اللحظة الحرجة الى كندا ، هو و أمه ، و في تلك المزرعة حكى " سانفورد " الحكاية كلها للشرطة التي لم تصدقه أول الأمر ، حتى عثرت على آثار الجرائم التي حصلت في المزرعة ، من فؤوس و دماء و شعر و بقايا أجساد بشرية . و تمكنت القوات الكندية من القبض على المجرمَين و سلمتهما الى السلطات الأمريكية التي أجرت محاكمة لـهما ، فحُكمَ على " غوردن " بالإعدام ، ليُنفـَّـذ صباحَ يوم 2 أكتوبر / تشرين الأول من عام 1930 ، فيما حُكمَ على الأم بالسَجن المؤبّد ، لكنها خرجت من السِجن عام 1940 لتفطس في العام 1944 . أما الشاب " سانفورد كلارك " فلم يُحكم عليه ، و نُظِر اليه كضحيةٍ من ضحايا خالهِ ، فعاش كإنسانٍ سَوي .. درس و عمل و أسس عائلة ً و أنجب ، و أثبت أن جيناته لا علاقة لها بجينات خاله و جدته ، و توفي عام 1991 بسلام عن 75 عاماً .
أما السيدة المكلومة " كريستين كولنز " فقد توفيت وحيدة ً في مكان مجهول في الستينيات من القرن الماضي ، دون أن ترى ابنها أبداً ، و كان زوجها قد توفي عام 1934 في السجن .
.......
تلك هي القصة الحقيقية التي اعتمدها فيلم ( استبدالChangeli ) .
رابط الفيلم
https://segavid.com/f447ww1z2uul.html?jwsource=cl