أبو ذُؤَيب الهُذَلي (خُوَيلد بنخالد)
(نحو 41ق.هـ -27هـ/580-648م)
أبو ذؤيب، خُوَيْلد بن خالد بن مُحَرِّث من بني هُذَيل بن مُدْركة من مضر. شاعر فحل مخضرم. كان سيداً مطاعاً في قومه، فضلاً عن أنه كان ممن يتكهن، ويتعيَّف بالحيوان زاجراً إياه في باب التشاؤم والتفاؤل. عاش دهراً في الجاهلية، ثم أسلم وهو كبير السن نحو سنة 9هـ/630م، لهذا عيَّره بعض القوم بأنه صبأ على كبر سنه، وقد حسن إسلامه وثبت عليه.
لا تعرف سنة ولادته؛ لكن مكانته في قومه وخبر إسلامه يدلان على أنه كان يزيد على الخمسين من عمره، مما يرجح أن تكون سنة ولادته نحو 41ق.هـ/580م.
وكذلك لا يعرف عن أسرته شيء؛ غير أن شعره يوحي بأنه تزوج وأنجب، ولعل اسم زوجه هو (أميمة)، وقد ظهر في بداية قصيدته التي رثى بها أولاده الخمسة ـ وقيل: بل هم سبعة ـ ماتوا في عام واحد إثر خروجهم إلى مصر، فأصابهم الطاعون وأتى عليهم جميعاً. ولم يبق له من الولد إلا واحد يقال له (مازن) ويكنى أبا شهاب، وهو أحد شعراء هذيل.
وكان أبو ذؤيب ينزل وأهله في (وادي الرَّجيع) على مقربة من الحجاز، وقد ذكره في شعره، ثم وفد إلى المدينة فشهد وفاة النبي الكريم r، وانصرف إلى باديته وأقام بها زمناً، ثم رجع في أواخر خلافة عمر بن الخطاب (ت23هـ/644م) إلى المدينة فجعلها سكناً له ولذويه. وقد استشار الخليفة عمر في أحب الأعمال إلى الله فبين له - في خبر طويل - أن أحبها إليه - سبحانه - الإيمان ثم الجهاد في سبيله.
ولمَّا رأى أبو ذؤيب أنه آمن ولم يجاهد فقد حزم أمره على الجهاد، وخرج في خلافة عثمان بن عفان إلى إفريقية سنة (27هـ/647م) غازياً في جند عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح، وأبلى في الحرب بلاءً حسناً، حتى عهد ابن سعد إليه وإلى عبد الله بن الزبير بحمل بشارة الفتح مع الغنائم إلى الخليفة عثمان. حتى إذا بلغ مصر وافتـه منيتـه بهـا، ودفنه هناك عبد الله بن الزبير. وقيل مات وهو قافل من غزو الروم، وأراد ابنه وابن أخيه أبو عبيد أن يبقيا إلى جواره فاقترع قائد الجيش على من يبقى معه، فطارت القرعة لأبي عبيد، ومضى الناس ثم لحق بهم - في خبر طويل - بعد أن وارى عمه التراب، وكان قد رثى نفسه قائلاً:
أبا عُبَيد رُفع الكتابُ
واقترب الموعد والحسابُ
وعند رَحْلي جَملٌ نُجابُ
أحمرُ في حاركه انصبابُ
عَدَّ ابن سلام أبا ذؤيب الهذلي ثاني الطبقة الثالثة بعد النابغة الجَعْدي، وقبل الشمَّاخ ولبيد؛ وقال فيه: «كان شاعراً فحلاً، ولا غَمِيْزة فيه، ولا وَهْن». وهو فيما رواه عن أبي عمرو بن العلاء في خبر له عن حسان بن ثابت - وكان حسان التقاه في هذيل، وسمع له رجزاً «أن أشعر الناس حيّاً هذيل، وأشعر هذيل غير مدافع أبو ذؤيب».
وكذا هو أشعر العرب عند أبي عبيدة مَعْمر بن المثنى، ورأس طبقة أصحاب المراثي في جمهرة أشعار العرب فَصيح، كثير الغريب، متمكن في الشعر مُقَدَّم على جميع شعراء هذيل. فشعره كله على نمط في الجودة، وحسن السبك يحمل من الحِكم والتأمل والرصانة ما يحمله من العاطفة المتألمة، ولاسيما قصيدته العينية التي رثى بها أولاده، وتبلغ نحو سبعين بيتاً، عَدَّها بعض النقاد في المطبوع من شعر العرب ومطلعها:
أَمِنَ المَنُون ورَيْبها تتوجَّع
والدهر ليس بمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ
قالت أُميمة: ما لجسمك شاحباً
منذ ابْتَذَلت، ومثلُ مالِك ينفعُ
وفيها البيت الذي عَدَّه الأصمعي أَبْرع بيت قالته العرب، وهو:
والنفسُ راغبة إذا رغَّبْتها
وإذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تَقْنَعُ
فأبو ذؤيب يملك قدرة عجيبة وبديعة في فن الرثاء، وأكثر شعره فيه، وفي الوصف ولاسيما وصف النَّحْل والعسل، ثم السحاب والبرق والخمرة وكذلك له غزل جيد أكثره في امرأة علقته يقال لها أم عَمْرو، وكان يحبها ويتردد عليها، وقال فيها قصائد غزلية مستقلة بالغزل، وله أشعار في المدح والفخر، والهجاء والعتاب، ولعل ملاحاته مع ابن أخته خالد بن زهير أشبه بالنقائض.
ومن يتصفح شعره يجد أنه تقليدي، وأكثره من الشعر الجاهلي، بينما شعره الإسلامي قليل، وفيه بعض الملامح الإسلامية.
وقد طبع ديوانه المستشرق «يوسف هل» في هانوفر سنة 1926م، كما أن هناك دراسات عدة قامت حول الشاعر وشعره؛ منها «أبو ذؤيب الهذلي - حياته وشعره» -صدرت للباحثة نورة الشملان عن جامعة الرياض عام 1980م.
حسين جمعة
(نحو 41ق.هـ -27هـ/580-648م)
أبو ذؤيب، خُوَيْلد بن خالد بن مُحَرِّث من بني هُذَيل بن مُدْركة من مضر. شاعر فحل مخضرم. كان سيداً مطاعاً في قومه، فضلاً عن أنه كان ممن يتكهن، ويتعيَّف بالحيوان زاجراً إياه في باب التشاؤم والتفاؤل. عاش دهراً في الجاهلية، ثم أسلم وهو كبير السن نحو سنة 9هـ/630م، لهذا عيَّره بعض القوم بأنه صبأ على كبر سنه، وقد حسن إسلامه وثبت عليه.
لا تعرف سنة ولادته؛ لكن مكانته في قومه وخبر إسلامه يدلان على أنه كان يزيد على الخمسين من عمره، مما يرجح أن تكون سنة ولادته نحو 41ق.هـ/580م.
وكذلك لا يعرف عن أسرته شيء؛ غير أن شعره يوحي بأنه تزوج وأنجب، ولعل اسم زوجه هو (أميمة)، وقد ظهر في بداية قصيدته التي رثى بها أولاده الخمسة ـ وقيل: بل هم سبعة ـ ماتوا في عام واحد إثر خروجهم إلى مصر، فأصابهم الطاعون وأتى عليهم جميعاً. ولم يبق له من الولد إلا واحد يقال له (مازن) ويكنى أبا شهاب، وهو أحد شعراء هذيل.
وكان أبو ذؤيب ينزل وأهله في (وادي الرَّجيع) على مقربة من الحجاز، وقد ذكره في شعره، ثم وفد إلى المدينة فشهد وفاة النبي الكريم r، وانصرف إلى باديته وأقام بها زمناً، ثم رجع في أواخر خلافة عمر بن الخطاب (ت23هـ/644م) إلى المدينة فجعلها سكناً له ولذويه. وقد استشار الخليفة عمر في أحب الأعمال إلى الله فبين له - في خبر طويل - أن أحبها إليه - سبحانه - الإيمان ثم الجهاد في سبيله.
ولمَّا رأى أبو ذؤيب أنه آمن ولم يجاهد فقد حزم أمره على الجهاد، وخرج في خلافة عثمان بن عفان إلى إفريقية سنة (27هـ/647م) غازياً في جند عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح، وأبلى في الحرب بلاءً حسناً، حتى عهد ابن سعد إليه وإلى عبد الله بن الزبير بحمل بشارة الفتح مع الغنائم إلى الخليفة عثمان. حتى إذا بلغ مصر وافتـه منيتـه بهـا، ودفنه هناك عبد الله بن الزبير. وقيل مات وهو قافل من غزو الروم، وأراد ابنه وابن أخيه أبو عبيد أن يبقيا إلى جواره فاقترع قائد الجيش على من يبقى معه، فطارت القرعة لأبي عبيد، ومضى الناس ثم لحق بهم - في خبر طويل - بعد أن وارى عمه التراب، وكان قد رثى نفسه قائلاً:
أبا عُبَيد رُفع الكتابُ
واقترب الموعد والحسابُ
وعند رَحْلي جَملٌ نُجابُ
أحمرُ في حاركه انصبابُ
عَدَّ ابن سلام أبا ذؤيب الهذلي ثاني الطبقة الثالثة بعد النابغة الجَعْدي، وقبل الشمَّاخ ولبيد؛ وقال فيه: «كان شاعراً فحلاً، ولا غَمِيْزة فيه، ولا وَهْن». وهو فيما رواه عن أبي عمرو بن العلاء في خبر له عن حسان بن ثابت - وكان حسان التقاه في هذيل، وسمع له رجزاً «أن أشعر الناس حيّاً هذيل، وأشعر هذيل غير مدافع أبو ذؤيب».
وكذا هو أشعر العرب عند أبي عبيدة مَعْمر بن المثنى، ورأس طبقة أصحاب المراثي في جمهرة أشعار العرب فَصيح، كثير الغريب، متمكن في الشعر مُقَدَّم على جميع شعراء هذيل. فشعره كله على نمط في الجودة، وحسن السبك يحمل من الحِكم والتأمل والرصانة ما يحمله من العاطفة المتألمة، ولاسيما قصيدته العينية التي رثى بها أولاده، وتبلغ نحو سبعين بيتاً، عَدَّها بعض النقاد في المطبوع من شعر العرب ومطلعها:
أَمِنَ المَنُون ورَيْبها تتوجَّع
والدهر ليس بمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ
قالت أُميمة: ما لجسمك شاحباً
منذ ابْتَذَلت، ومثلُ مالِك ينفعُ
وفيها البيت الذي عَدَّه الأصمعي أَبْرع بيت قالته العرب، وهو:
والنفسُ راغبة إذا رغَّبْتها
وإذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تَقْنَعُ
فأبو ذؤيب يملك قدرة عجيبة وبديعة في فن الرثاء، وأكثر شعره فيه، وفي الوصف ولاسيما وصف النَّحْل والعسل، ثم السحاب والبرق والخمرة وكذلك له غزل جيد أكثره في امرأة علقته يقال لها أم عَمْرو، وكان يحبها ويتردد عليها، وقال فيها قصائد غزلية مستقلة بالغزل، وله أشعار في المدح والفخر، والهجاء والعتاب، ولعل ملاحاته مع ابن أخته خالد بن زهير أشبه بالنقائض.
ومن يتصفح شعره يجد أنه تقليدي، وأكثره من الشعر الجاهلي، بينما شعره الإسلامي قليل، وفيه بعض الملامح الإسلامية.
وقد طبع ديوانه المستشرق «يوسف هل» في هانوفر سنة 1926م، كما أن هناك دراسات عدة قامت حول الشاعر وشعره؛ منها «أبو ذؤيب الهذلي - حياته وشعره» -صدرت للباحثة نورة الشملان عن جامعة الرياض عام 1980م.
حسين جمعة