“عاشقة الضوء.. كريمة عبود”..
هي ظاهرة متفردة لامرأة عاشت في بدايات القرن العشرين، فحملت كاميرتها بكل شجاعة وجرأة لتثبت للعالم أن المرأة العربية والفلسطينية قادرة أن تقدم الكثير، وأن تبدع في مجالات كانت مقتصرة على الرجال، لا بل أن تأخذ دور الريادة.
إنها الفلسطينية كريمة عبود التي قدمت الكثير لقضيتها من خلال الصور التي التقطتها، وغدت وسيلة نضالها ووثيقة تأريخ لبلادها فلسطين في ذلك الوقت، لتقول إنها شعب وأرض، لا كما ادعى المحتل أنها أرض بلا شعب
طفولة على مقاعد الكنيسة.. ابنة بيت لحم
ولدت كريمة عبود في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1893 في مدينة بيت لحم، وهي ابنة القسيس سعيد عبود الذي خدم في كنيسة الميلاد الإنجيلية اللوثرية خمسين عاما، ودرس في مركز شنلر وهو أعلى تعليم قد يتلقاه الفلسطيني آنذاك، ووالدتها بربارة التي كانت تعمل مدرسة في ذلك الوقت.
يقول الدكتور القس متري الراهب: شبت كريمة وهي تجلس على مقاعد الكنيسة، تراقب مراسم التعميد والزواج، وترمق المصورين، وهكذا بدأ شغفها بالتصوير.
أخذت كريمة تتابع ما تتركه تأثيرات الشمس في فترات اليوم المختلفة من الشروق حتى الغروب، وتغير أشعة الشمس على اختلاف فصول العام، حتى اكتشفت أن لكل صورة شمسها الخاصة، فحملت الكاميرا وتجولت في أرجاء فلسطين وخارجها، وكان من الملفت في تلك الحقبة الزمنية أن تقود المرأة سيارتها الخاصة كما كانت تفعل كريمة، فكانت تتجول في أنحاء البلاد وذهبت إلى البيوت لتصور النساء.
يقول رمزي حيدر مؤسس دار المصور: التقطت كريمة الصور في فلسطين وبلاد الشام، وقد كانت مناضلة، وأرادت أن تقول إن المرأة العربية والفلسطينية حاضرة على كل المستويات.
“كانت امرأة ثورية وشجاعة ومثقفة”.. مقاومة الخطة الصهيونية
تزوجت كريمة عبود عام 1930 من يوسف طايع، وهو تاجر من مرج عيون، وأجرى مراسم الزواج والدها القس سعيد عبود. يقول الدكتور متري: لم تُذكر مهنة كريمة في عقد الزواج، بل مهنة زوجها فقط، فقد كان من المتعارف عليه حينها أن الرجل هو الذي يعمل
لكن كريمة استطاعت الدخول إلى البيوت بكاميرتها، وتمكنت من تصوير الحياة الخاصة، ونقلت صورة المرأة الفلسطينية بعيون امرأة فلسطينية، وهذا يظهر جانبا لا يمكن رؤيته بدون هذه الوساطة، وقد تناولت صورها مواضيع متنوعة، داخل البيوت وخارجها، وصورت الفلاحين والنزهات. يقول قريبها دعيبس عبود: لقد كانت امرأة ثورية وشجاعة ومثقفة، وعندها بعد نظر وسعة أفق.
نشرت كريمة عبود صور دعايات بالجرائد مثل جريدة الكرمل، وكانت تكتب على رأس العنوان “كريمة عبود مصورة شمس وطنية”. يقول المؤرخ الدكتور جوني منصور: واجهت كريمة مشروع التصوير الفوتوغرافي الاستعماري البريطاني الصهيوني الذي كان يبرمج الصور ليظهر أن هذه الأرض خاوية، أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض.
وبينت من خلال صورها أن هذه الأرض بها شعب، ونتيجة لذلك فقد دُمر الأستوديو الخاص بها في العام 1948، مع دخول الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وصودرت الصور واحتفظوا بها في أقبية أرشيف إسرائيل، لذا لم نسمع عنها إلا منذ عدة سنوات
*منقول.