الخيال العلمي وسيلة البشر لمعالجة وجودية متجددة
محمد الحممصي
يشتهر الخيال العلمي بأنه مجال صعب التعريف، فقد فسر على وجوه مختلفة؛ تارة باعتباره مزيجا من الرومانسية والعلم والتنبؤ (هوجو جيرنسباك)، وتارة باعتباره “تخمينا واقعيا لأحداث مستقبلية” (روبرت هاينلاين)، وتارة باعتباره نوعا أدبيا يعتمد على بديل متخيل لبيئة القارئ (داركو سوفين). وقد اعتبره البعض نوعا من الأدب القصصي العجائبي، وسمي أيضا أدبا تاريخيا.
كتاب أستاذ الأدب الأميركي بجامعة ليفربول ديفيد سيد “الخيال العلمي: مقدمة قصيرة جدا” يرى أن تصنيف الخيال العلمي كنوع أدبي أدى إلى إثارة عدد من المشكلات، لأن ذلك التصنيف لا يعترف بالطبيعة المختلطة التي تميز كثيرا من أعمال الخيال العلمي، ومن ثم يساعدنا أكثر اعتباره نمطا أدبيا أو مجالا تتقاطع فيه أنواع أدبية رئيسية وفرعية مختلفة.
مفاهيم الخيال العلمي
الكتاب يركز في المقام الأول على الأدب المطبوع، إلى جانب السينما، الوسيلة الإعلامية اللصيقة الصلة بالخيال العلمي
يركز سيد في كتابه، الذي ترجمته نيفين حلمي عبدالرؤوف وراجعته هبة عبدالمولى أحمد ليصدر عن مؤسسة هنداوي، على الفرضية التي تذهب إلى أن ما نعتبره الآن خيالا علميا بدأ يظهر في أواخر القرن التاسع عشر مع زيادة مفاجئة وضخمة في روايات اليوتوبيا (المدن الفاضلة) وحروب المستقبل، إلى جانب نماذج من أنواع أدبية أخرى يمكن حشدها تحت مظلة الخيال العلمي.
وبعيدا عن انتشار التعليم الذي أسس قاعدة تجارية لمجموعة من كتاب الخيال العلمي في بريطانيا، فإن الفترة بين عام 1870 تقريبا حتى الحرب العالمية الأولى شهدت تغيرا تكنولوجيا سريعا واستثنائيا، مع شيوع استخدام الكهرباء للمرة الأولى، وشيوع الطائرات، واختراع الراديو والسينما، فضلا عن انتشار الصحافة الشعبية. وقد شهدت هذه الفترة كذلك بزوغ دور أميركا في المشهد العالمي كقوة إمبريالية، وتنافسها مع إمبراطوريات أوروبا وآسيا الأقدم. ويلاحظ خلال تلك السنوات انبثاق مجموعة كبيرة من الكتابات ذات اهتمامات وخصائص مميزة، وما زالت تشكل سمة من سمات صناعة الثقافة تتميز بوضوح معالمها، وقابلية استخدامها تجاريا، وأرباحها الكبيرة في بعض الأحيان. وأصبحت هذه المجموعة من الكتابات تعرف باسم الخيال العلمي.
كما يركز سيد في المقام الأول على الأدب المطبوع، إلى جانب السينما، الوسيلة الإعلامية اللصيقة الصلة بالخيال العلمي، ففور اختراع الفيلم، بدأت التجارب التي تتناول موضوعات الخيال العلمي مثل فيلم “رحلة إلى القمر” الذي أخرجه جورج ميلييس عام 1902، وقد سار تطور هاتين الوسيلتين الإعلاميتين ـ الأدب المطبوع والسينما ـ في خطوط متوازية، ويتجلى ذلك عبر الكم الكبير من روايات الخيال العلمي التي قدمت في أعمال سينمائية منذ الحرب العالمية الثانية.
يقول الباحث “حاول عدد من الكتاب ربط هذا الأدب القصصي بالعلم، بل واستخدامه كوسيلة لترويج المعرفة العلمية، وهو اتجاه مستمر لوقتنا هذا فيما أصبح معروفا ﺑ’الخيال العلمي الصارم’. لقد نوقشت العلوم التطبيقية ـ التكنولوجيا ـ على نطاق أوسع بكثير في الخيال العلمي، لأن كل ابتكار تكنولوجي يؤثر على بنية مجتمعنا وطبيعة سلوكنا. وقد ربط الخيال العلمي التكنولوجيا مرارا وتكرارا بالمستقبل، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن قصص الخيال العلمي تحكي عن المستقبل. إن أبسط قراءة لرواية خيال علمي هي التي تستدعي سؤالا مثل ‘هل أخطأ آرثر سي كلارك في حكمه؟’ إذ يتمحور الخيال العلمي حول حاضر الكاتب، أي إن أي لحظة تاريخية ستتضمن منظومتها الخاصة من التوقعات والميول الملموسة. أما العوالم المستقبلية التي يقدمها الخيال العلمي فهي تجسد بعده التخميني، ومن هذا المنظور يتحول الخيال العلمي إلى ‘أدب احتمالات؛ ماذا لو؟’ حسب تعبير جوانا روس”.
الخيال العلمي بات سمة من سمات صناعة الثقافة نظرا إلى قابلية استخدامه تجاريا، وأرباحه الكبيرة في بعض الأحيان
ويرى أن الخيال العلمي يرتبط لدى العامة بتطور التكنولوجيا، التي يقصد بها عادة الأدوات أو الأجهزة، ويرجع ذلك جزئيا إلى أسباب تاريخية تتعلق بسياسة الترويج للذات السائدة في أوائل القرن العشرين. رغم ذلك، يقدم مفهوم المؤرخ الثقافي الأميركي لويس مامفورد عن “الأساليب الفنية” عونا أكبر، لأنه أوسع نطاقا ويتضمن انتقالا للمعلومات. وإحدى الأفكار الأكثر تكررا في الخيال العلمي هي استعراض علاقة البشرية بمنشآتها المادية الخاصة احتفاء بالتقدم أحيانا. لكن في أحيان أخرى يسود تلك الموضوعات انطباع أكثر سلبية يرتبط بما وصفه إسحاق أزيموف مرارا بفوبيا التكنولوجيا، وتنعكس في الأدب الذي يعبر عن مخاوف الاستبدال البشري. حيث أصبحت المدينة تجسيدا محوريا لتكنولوجيا مستقبلية، وتحولت إلى متاهة أو فضاء مفكك، حسب وصف عالم الاجتماع الألماني فالتر بنيامين، مما شجع على تنفيذ عمليات إدراكية حضرية متميزة لسكانها.
ويعتبر سيد أن التكنولوجيا مؤشر مركزي على التغير الذي يشهده مجال الخيال العلمي. وفي الواقع يعرف روجر لاكهيرست الخيال العلمي، أثناء عرضه لتاريخ هذا النوع الأدبي، بأنه “أدب المجتمعات المشبعة تكنولوجيا”، ويبادر إلى تتبع أثر هذا الاتجاه منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى الآن.
إن الجهود الرائدة لكاتب ومحرر الخيال العلمي هوجو جيرنسباك التي هدفت إلى وضع التكنولوجيا في قلب هذا النوع الأدبي، ساهمت جزئيا في تنظيم العدد الضخم من الإشارات إلى الابتكارات التكنولوجية التي امتلأ بها أدب الخيال العلمي مع بداية القرن، مثل الإشارة إلى التلغراف والوسائل المرئية لنقل المعلومات، والتطبيقات الأولى للكهرباء، والآلات الطائرة، والأسلحة العسكرية الجديدة، والأجهزة المضادة للجاذبية. وقد بدأت الأخيرة تظهر في قصص رحلات الفضاء متخذة شكلا تعوزه الحماسة في المعتاد، لكن على الأقل أدرك الكتاب الحاجة إلى تقديم تفسير رمزي لإمكانية السفر عبر الفضاء.
سفينة الفضاء
معالجة سينمائية معروفة لفكرة السايبورج
يؤكد سيد أن الخيال العلمي أبدى منذ مرحلة مبكرة من تطوره ميلا متجددا إلى المحاكاة الذاتية الساخرة. ومن بين الشخصيات الهامة في مسار تطور الخيال العلمي الأولي إدجار ألان بو، الذي تعتمد قصته الخادعة “مغامرة هانز فال الفريدة” (1835) على نمط قائم بالفعل يتناول الرحلات الخرافية إلى ما وراء الأرض بهدف إحداث تأثير كوميدي. تقدم القصة حكاية “منقحة” يرويها عالم هولندي عن طيرانه إلى القمر بمساعدة مكثف للهواء، وهو عبارة عن حقيبة محكمة الغلق تحيط بالجهاز.
إن الإطار التحريري الزائف الذي تقدم عبره القصة هو استراتيجية استخدمها الكتاب من أجل موازنة المحتوى المدهش لرواياتهم طوال القرن التاسع عشر حتى عصر إتش جي ويلز. وقد استخدمه بو بهدف إضفاء مصداقية هزلية على قصته التي تحاكي ببراعة الوصف العلمي لتضاؤل حجم الأرض وزيادة حجم القمر أثناء الرحلة الفضائية.
إلا أن أبرز روائيي الرحلات في القرن التاسع عشر هو جول فيرن، الذي ما زالت علاقته بالخيال العلمي محل جدل، فقصصه التي نشرها ضمن سلسلة “رحلات عجيبة” لا تقع أحداثها في المستقبل، بل تعرض محاولات تراكمية لتحديد موقع مناطق مختلفة من الأرض، والسفر هو الوسيلة الرئيسية لتحقيق هذه الغاية.
تشيد ثنائية فيرن الروائية، التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالخيال العلمي، “من الأرض إلى القمر” وتتمتها “حول القمر” بالإبداع الأميركي، فتحكي إحداهما عن نادي سلاح تأسس أثناء الحرب الأهلية الأميركية بدافع تطوير الأسلحة، وتربط الرواية هذا الدافع بالجاذبية الخيالية للوصول إلى القمر. وبعد الاستشهاد بمجموعة من الكتاب الذين يخلطون بين ما هو خيالي وما هو واقعي، ومن بينهم بو، وفلاماريون، بل وحتى مقالات 1835 المنسوبة زيفا إلى العالم هيرشل، أعلن رئيس نادي السلاح باربيكان، إطلاق بعثة إلى القمر عبر مدفع ضخم. أطلق على القذيفة اسم كلومبياد، وهو اسم أحد مدافع الجيش الأميركي، ويعكس كذلك ارتباطات ملحمية بمكتشف أميركا، تتضح في قصيدة جويل بارلو التي نشرها عام 1807 وتحمل الاسم نفسه.
ويلفت سيد إلى أنه منذ فيلم جورج ميلييس “رحلة إلى القمر” عام 1902 فصاعدا، أصبحت سفينة الفضاء إحدى أيقونات الخيال العلمي الرئيسية، بتصميمها الأنيق الصاروخي الشكل، ومفاهيم الحرية والهرب اللذين تعد بهما. ويصور فيلم “امرأة على القمر” 1928 للمخرج فريتس لانج رحلة أدت في النهاية إلى ترك حبيبين على القمر بلا سبيل للعودة إلى الأرض. وفي المشهد الأخير، يتعانق الحبيبان في ذروة عاطفية تشير إلى موتهما الوشيك. كان الفيلم هو أول عمل يستخدم العد التنازلي عند إطلاق الصاروخ، حسبما ذكر توماس بنشون في روايته “قوس قزح الجاذبية” (1973) التي تناولت صواريخ في 2، واعتمد على النصائح التكنولوجية التي قدمها مهندس الصواريخ هيرمان أوبرست.
وفي رواية “عندما تتصادم العوالم” لإدوين بالمر وفيليب وايلي التي نشرت عام 1933، تلعب سفينة الفضاء دور السفينة المنقذة. تدور أحداث الرواية حول اكتشاف كوكبين منحرفين عن مسارهما يتجهان نحو الأرض، ومع اقتراب أحدهما تتزايد المؤشرات الكارثية مثل الموجات المدية العملاقة، والرياح الجبارة، والحرائق المفاجئة، لذا تبنى سفينة فضاء كي تحمل القلة الباقية المنقذة للجنس البشري بعيدا عن الخطر. وحالما تنطلق السفينة، يشهد المسافرون دمار الأرض، لكنهم يكتشفون في الواقع أن الكوكب الثاني صالح للعيش، بل وبه آثار تدل على أنه كان مأهولا من قبل، وتنتهي الرواية بعبارات مبتهجة تشير إلى البدايات الجديدة، التي يحجب تفاؤلها العدد اللا نهائي من الأسئلة العملية المتعلقة بقدرتهم على البقاء.
فكرة السايبورج
ويرى أن السايبورج يختلف عن الروبوت في أنه تكوين هجين. ابتكر مصطلح السايبورج عام 1960 في سياق يتعلق بالبقاء على قيد الحياة في الفضاء، فهو كائن سايبرنيتيكي، ببساطة مزيج بين الإنسان والآلة. تدور أحداث رواية مارتن كيدن “سايبورج”، الصادرة عام 1972، حول طيار يعاني من إصابات بشعة إثر حادث تحطم طائرة، ويتولى مكتب العمليات الإستراتيجية الحكومي السري مهمة إعادة بناء جسده شريطة أن يعمل لصالحهم. تستكشف القصة أحد أكثر تطبيقات الكائنات السايبرنيتيكية شيوعا، مجال الطب تحديدا، وتطبقه على هياكل القوة المعاصرة.
إحدى المعالجات المماثلة والأكثر شهرة هي فيلم “الشرطي الآلي” الذي عرض عام 1987 ويحكي عن ضابط شرطة من مدينة ديترويت يخضع لعملية إعادة إنشاء على يد شركة أومني كونسيومر برودكتس، التي سيطرت على قوة الشرطة بالمدينة وأعادت البطل إلى الشارع بعدما تحول إلى شرطي آلي، أي الضابط المطبق للقانون الذي لا يمكن مقاومته على الإطلاق والذي يشبه راعي بقر مدرعا. لكن مسار التجربة ينحرف، ليعكس النموذج السردي المستخدم في رواية “فرانكنشتاين” رغم عدم تناولها لمفهوم السايبورج. فبما أن ذاكرة الشرطي الآلي الأصلية لم تمح، يتتبع النصف الثاني من الفيلم محاولاته للانتقام من قاتليه.
ويضيف “قدمت سلسلة أفلام ‘المدمر’، التي قام ببطولتها أرنولد شوارزنيجر، أفضل معالجة سينمائية معروفة لفكرة السايبورج. في أول أفلام السلسلة، تقع الأحداث في وقت قريب (عام 1984) إلى أن تقتحمها شخصيتان من عام 2029 المستقبلي، وهما المدمر وخصمه. إن المدمر عبارة عن آلة قتل مدرعة من الداخل تغطيها طبقة من الأنسجة البشرية الحية، أي إنه بعبارة أخرى قاتل سايبرنيتيكي. ونظرا إلى قدرته على إصلاح نفسه، ترى دونا هاراواي، أستاذة تاريخ العلوم والبيولوجيا، أنه يمثل “الأداة ذات التحكم الذاتي والقدرة على التجدد بكل تنويعاتها اللا نهائية ذات الهوية الذاتية”.
وعلاوة على ذلك، خرج الفيلم عن إطار المألوف في أفلام الحركة عندما عرض هزيمة المدمر على يد ضحيته الأنثوية التي كان يستهدفها. وقدمت دونا هاراواي العمل التنظيري الرئيسي لمفهوم السايبورج في مقالها “إعلان مبادئ السايبورج” الذي نشرته عام 1985، وعرضت من خلاله المفهوم باعتباره أداة جدلية تستخدم لتحطيم الفروق ذات الوضوح الزائف، مثل تلك التي تفصل بين البشر والآلة. وتستخدم هاراواي كتابات الخيال العلمي النسوية لأديبات مثل جوانا روس وغيرها لإعطاء السايبورج مركزية ثقافية باعتبار أنه يمثل الطبيعة الهجينة التي تميز وجودنا المعاصر.
العوالم المستقبلية التي يقدمها الخيال العلمي تجسد بعده التخميني ما يحول الخيال العلمي إلى أدب احتمالات “ماذا لو؟”
ويتابع أن “تصميم الروبوتات والسايبورج بالشكل البشري يشير إلى أن التكنولوجيا تعمل في الكثير من الأحيان في الخيال العلمي على تجزئة الجسد وتفكيكه لأغراض إعادة البناء والتعديل. ويزعم ناقدون مثل جيه بي تيلوت أن تلك هي الفكرة التكنولوجية الرئيسية والأهم في الخيال العلمي، وترجع أصولها بالطبع إلى رواية “فرانكنشتاين”، التي اعتبرها برايان ألديس وآخرون نصا أوليا من نصوص الخيال العلمي.
إن موقف النص المتردد حيال التجريب ينعكس عبر اختراق فرانكنشتاين لحرمة الموت من أجل تصميم شخص من أجزاء الموتى وعبر حقيقة أن “الوحش” (أو “الشيطان” كما يطلق عليه) لا يملك اسما، ومن ثم لا يمكن إدراكه بمعزل عن فرانكنشتاين. ويدعم تبديل المنظور بين الخالق والمخلوق هذا التأثير ليس إلا. في قصص الخيال العلمي المبكرة التي تتناول الهندسة الحيوية، تتكرر هذه الازدواجية بين من يجري التجربة ومن يخضع لها، وتسفر في النهاية عن نتائج مميتة تقع على رأس الشخص القائم بإجراء التجربة، كما يتضح في حالة جيكل وهايد، ودكتور مورو وشعبه المتوحش في قصة ويلز، والجراحين وهاري بنسون في رواية مايكل كرايتون “رجل الأقطاب الكهربائية” (1972).
ويشير سيد إلى أن مصطلح “الواقع الافتراضي” يرتبط ارتباطا مباشرا بالتصورات الخيالية للفضاء. ويرجع ترويج مصطلح الواقع الافتراضي على أنه عقار إلكتروني ترفيهي في المقام الأول إلى ثمانينات القرن العشرين، ففي عام 1990 وصفته مجلة وول ستريت جورنال بأنه “عقار هلوسة إلكتروني”، في تشبيه تجلى عبر شخصية فيجوال مارك في رواية باتريشيا كاديجن التي صدرت عام 1991 تحت عنوان “ساينرز”، فمارك مدمن لتكنولوجيا الواقع الافتراضي ويحلم بالهروب من القيود أو الحدود حتى يستطيع “التحليق عبر الكون إذا أراد ذلك”.
تقدم كاديجن وصفا حيا وبارعا لتجربة غامرة بمعنى الكلمة، وهي تجربة ارتداء “رأس فيديو”، أي خوذة واقع افتراضي إلكترونية، وعلاوة على ذلك تعكس التسمية “رأس فيديو” تورية واضحة تشير إلى الإدمان. وترتدي شخصية جينا واحدة من تلك الخوذات وسرعان ما تبدأ في التعرض لتحولات غريبة في الشعور والزمن، فتفقد السيطرة على ما يحدث وعلى زمن حدوثه.
إن الانتقال السريع بين المشاهد وتغير مدتها يستدعي إلى الذهن المشاهد الشبيهة بالأحلام في رواية دي كوينسي “اعترافات آكل أفيون إنجليزي” (1821). وبالفعل عندما عادت جينا من “رحلتها” في الواقع الافتراضي، يوصف الحدث وكأنها استيقظت. وعلى العكس من ذلك، في رواية نيل ستيفنسون “انهيار ثلجي” (1992) يتقاسم الناس المكان الذي يعرف باسم “الشارع”، وهو الطريق الخاص بإجراء صفقات المعلومات في ما يطلق نيل عليه “الكون المتعدد”، وهو مصطلح ابتكر في الأصل على يد ويليام جميس للإشارة إلى تنوع الطبيعة، لكنه يشير ها هنا إلى تعددية الواقع نفسه