الذكاء الصنعي
الذكاء الصنعي artificial intelligence علم يدرس المعاني والمفهومات والطرائق التي تجعل الآلات ذكية. لذا يهتم الذكاء الصنعي بدراسة السلوك «الذكي» للإنسان (المحاكمة أو الأعمال التي نصفها بالذكية) بغية نمذجة هذا السلوك أو محاكاته آلياً.
يقترب هذا المفهوم إلى حد ما من علم الفيزياء الذي يبحث عن نماذج رياضية للظواهر الطبيعية ومن ثم يقوم بإثبات صحة هذه النماذج.
يرتبط الذكاء الصنعي بعدة علوم كعلم الإدراك وعلم المنطق وعلم الجهاز العصبي وعلم المعلوماتية وغيرها من العلوم.
هناك أشياء يتميز بها الحاسوب عن العقل البشري وبمعنى أوضح هناك أعمال روتينية يستطيع الحاسوب أن يؤديها أفضل من الإنسان، ولهذا يقال يستطيع الإنسان إنجاز مهام وما يؤديه الإنسان أفضل من الحاسوب، في حين يستطيع الحاسوب أن يؤدي أعمالاً أفضل من الإنسان ومن هذه الأعمال ما يأتي:
الحسابات العددية numerical computations:
من أهم الأشياء التي يستطيع الحاسوب القيام بها بدقة عالية وبسرعة فائقة بالمقارنة مع قدرات الإنسان الحسابات العددية والتي كانت الهدف الرئيسي من اختراع الحاسوب. إن أي آلة حاسبة عادية تستطيع القيام بعملية حسابية مثل ضرب العدد 81946 في العدد 698257 في جزء من الثانية، أما الحواسيب الكبيرة فتستطيع القيام بحسابات يصعب على أي إنسان القيام بها باستخدام أي وسائل أخرى.
تخزين المعلومات واسترجاعها:
يستطيع الحاسوب تخزين آلاف السجلات التي يحوي كل سجل منها الكثير من البيانات، ويمكن استرجاع البيانات بمجرد إعطاء الحاسوب أمراً محدداً ليقوم بالبحث عن سجل ما وعرضه للمستخدم في بضع ثوان. وللقيام بهذا العمل من دون الحاسوب، على الإنسان استخدام آلاف الأوراق لكتابة هذه السجلات، وفي هذه الحالة تصبح عملية البحث عن أي سجل شاقة جداً وتستهلك وقتاً طويلاً.
العمليات التكرارية:
إذا طلب المستخدم من الحاسوب، على سبيل المثال، طباعة ألف نسخة من التقرير الشهري فسيقوم الحاسوب بهذه المهمة من دون ملل ويعطيه آخر تقرير بجودة التقرير الأول نفسها. أما إذا أُجري هذا العمل يدوياً فإن الإنسان سوف يمل بعد بضعة تقارير، وتقل كفاءة إخراج التقارير بعد ثاني أو ثالث تقرير، ومن ذلك يتضح أن الحاسوب يستطيع القيام بالأعمال التكرارية أفضل بكثير من الإنسان.
بعد أن اتضح أن الحاسوب يمكنه القيام بأعمال معينة أفضل من الإنسان، فما زال الإنسان يملك قدرات تفوق قدرات الحاسوب وهي تلك القدرات التي تتعلق بالذكاء، فالإنسان لا يقوم بمعالجة البيانات مثل الحاسوب فقط ولكنه أيضاً يقوم بفهم هذه البيانات، ويقوم أيضاً بالإحساس بالأشياء التي يراها ويسمعها، ليس هذا فحسب ولكن الإنسان يقوم بالحكم السليم على الأشياء، وكذلك يستطيع الإنسان أن يتعرّف محيطه بسرعة فائقة تفوق أفضل خوارزمية كُتبت إلى اليوم، إن هي أدت الغرض المطلوب!.
وعلى هذا، فإذا كان الإنسان أكثر ذكاء من الحاسوب، وإذا كان الهدف في مجال الذكاء الصنعي هو الارتقاء بأداء الحاسوب للقيام بالأشياء التي يقوم بها الإنسان، فإن عليه جعل الحواسيب أكثر ذكاء، أي على الإنسان أن ينتج حواسيب تستطيع محاكاة السلوك الذكي للإنسان.
الذكاء الصنعي وعلم الإدراك:
يهتم عالم الإدراك، من وجهة نظر علم الإدراك بفهم آلية عمل المخ البشري، إذ إنه يدرس إمكان نمذجة المحاكمة والتعلم ومشكلات الذاكرة.... ويكون الحاسوب أداة لتجربة وإثبات صحة نماذج آلية عمل المخ البشري التي يقترحها عالم الإدراك. ويمتاز البرنامج الحاسوبي بأنه يُحقق في آن واحد: نموذجاً للآلية المدروسة، وتجربة تُثبت صحة النموذج المقترح أو عدم صحته.
الذكاء الصنعي وعلم المنطق:
إن إمكان المحاكمة، من وجهة نظر النمذجة المنطقية، هي في صميم السلوك الذكي، ونمذجة المحاكمة الرمزية هي إحدى النقاط الجوهرية لعلم الذكاء الصنعي. وهذه النقطة عولجت من قبل علماء المنطق، لأن غايتهم إعداد نظرية للمحاكمة مستندة إلى الاستخدام المنهجي للرموز (المتحولات، الإسناديات، المؤثرات المنطقية)، في حين أن الذكاء الصنعي تجاوز إلى حد كبير إطار علم المنطق للسببين الآتيين:
لا تفي النمذجة الرمزية لآلية الاستنتاج المقترحة في إطار علم المنطق بالغرض في تناول جميع جوانب المحاكمة البشرية، وهذا ما يفسر ظهور نماذج جديدة أصبحت تقليدية في علم الذكاء الصنعي مثل النظم الخبيرة وشبكات الاستدلال والمنطق الترجيحي وغيرها.
ثم إنه لو قُبل بأن المنطق هو نمذجة وافية للمحاكمة البشرية، فإن برهان أي نظرية يكون يدوياً. في الواقع، إن الكثير من المشكلات تُطرح عند التطرق لمسألة البرهان الآلي للنظريات، إذ إن برهان نظرية انطلاقاً من مجموعة مسلَّمات هو عملياً إيجاد تسلسل معين بين كل التسلسلات المحتملة، لخطوات الاستنتاج التي تقود من المسلِّمات إلى النظرية. يتصف هذا الإجراء بخلوه من أي حتمية deterministic لتوليد تسلسل الحل، كما أنه في كل خطوة من الحل تكون الخيارات عدة ويُخشى من الوصول إلى تراكيب هائلة من الطرائق، إلا أن مبرهن النظريات البشري لديه خبراته المكتسبة أو استراتيجياته heuristic التي تسمح له بحصر الخيارات وتقليصها، والذكاء الصنعي يبحث بطريقة استغلال مثل هذه الخبرات البشرية في البرامج الحاسوبية.
الذكاء الصنعي والمعلوماتية:
إن الهدف، من وجهة نظر المعلوماتية، هو توسيع مقدار إسهام الحاسوب في الأعمال المعروفة بالذكاء. فالذكاء الصنعي هو علم من علوم المعلوماتية يعنى بتصميم نظم حواسيب ذكية، بمعنى تصميم نظم لها خصائص الذكاء في السلوك الإنساني.
يبدأ إذن علم الذكاء الصنعي حيث تقف المعلوميات التقليدية: إن أي مسألة لا يوجد لها حل بخوارزمية معروفة أو معقولة تنتمي بشكل أولي لعلم الذكاء الصنعي.
وبالطبع يُمكن كتابة «برامج» الذكاء الصنعي باستخدام لغات البرمجة المعروفة مثل C أو ++C أو Pascal أو لغة جافا Java. أو باستخدام اللغات التخصصية للذكاء الصنعي، والتي صُممت لتعالج الرموز عوضاً عن الأرقام، ومن أهم هذه اللغات:
LISP (LISt Processing) والتي تعتمد القوائم كبنية المعطيات الأساسية فيها.
PROLOG (PROgrammation LOGic)والتي تعتمد طرائق المنطق في الاستنتاج.
الحاسوب والمخ البشري:
يختلف الحاسوب عن المخ البشري في العديد من الأمور الأساسية. فالمخ البشري يحتوي ما يقرب من 40 بليون خلية عصبيةneurons، وتمثل الخلية العصبية تقريباً واحد بايت (حرفاً) من المعلومات، بينما تحوي الحواسيب الشخصية عادة ذاكرة رئيسية تصل إلى ما يقارب 256 مليون بايت (256 ميغابايت)!. ومع أن اتخاذ القرار والتعلّم وبعض الأعمال التي تحتاج إلى الذكاء تستخدم نسبياً نسبة صغيرة من السعة الكلية للمخ، تراوح ما بين 10% إلى 30% والتي تمثل ما يكافئ نحو 10 بليون بايت (10 غيغابايت)، فإن هذه السعة مازالت تفوق إلى حد كبير جداً أي سعة ذاكرة رئيسية لأي حاسوب موجود حالياً، بما فيها الحواسيب ذات المعالجات المتوازية المكثفة massively parallel processors.
ومن ناحية أخرى فإن كل خلية عصبية تحوي ما بين ألف إلى عشرة آلاف دخل وخرج بإجمالي ما يقرب من 100 تريليون وصلة interconnections فيما بينها، وبالمقابل نجد أن حواسيب اليوم لا تتعدى الوصلات بين مكوناتها الأساسية عدداً محدوداً جداً. فكل بوابة منطقية logic gate لا تزيد وصلات الدخل الخاصة بها على أربع. ومن جهة أخرى، بينما تبلغ سرعة النبضات العصبيةneural impulses عشر أميال في الساعة، فإن الإلكترونات في الدارات الإلكترونية تتحرك بسرعة تقترب من سرعة الضوء (186 ألف ميل في الثانية). هذا بالإضافة إلى أن الخلايا العصبية للمخ تطلق نبضاتها عادة بناء على أساس حدّ الأغلبية majority threshold، في حين تعمل مكوّنات الحاسوب بناء على أسس منطقية ثنائية binary logic basis، ومن هنا يتضح تفوق الحاسوب على الإنسان بسرعته الفائقة ودقته الشديدة بينما يتفوق العقل البشري في عدد الوصلات بين خلاياه العصبية.
تطبيقات الذكاء الصنعي:
من أهم تطبيقات الذكاء الصنعي في المعلوماتية هي:
معالجة اللغات الطبيعية NLP، ومسائل التنظيم والترتيب والجدولة (خوارزميات البحث الذكية)، وقواعد المعرفة Knowledge Base والمنطق الصوري Formal Logic (تمثيل المعرفة والمحاكمة)، ومسائل الرؤية الصنعيةComputer Vision، وتعرّف الأشكال النمطيةPattern Recognition، والتخطيط وبرمجة الإنسان الآلي Robotic & Planning، وبرامج الألعاب، والتعلّم الآلي Learning.
أما أهم المسائل التي يعالجها علم الذكاء الصنعي فهي صنف المسائل «كثيرة التعقيد»، أي تلك التي لا يُمكن حلها بشكل نظامي. وهي بشكل أساسي المسائل NP أي المسائل التي لا يوجد لحلها خوارزمية بتعقيد من مرتبة كثير حدود، كمسائل الجدولة وتلبية المتطلبات أو مسائل الألعاب (كلعبة الشطرنج مثلاً).
تكون هذه المسائل ذات تعقيد أسي بشكل عام، وبالتالي فمن المستحيل حلها بشكل نظامي وتام، إلا أنها تُحل يومياً بذكاء من قبل الأشخاص الخبراء.
وبالتالي يبحث الذكاء الصنعي في التقاط الخبرات التي يستخدمها الإنسان للوصول إلى الحل «بسرعة»، ومن ثم استخدام هذه الخبرات في خوارزميات تسمح بالوصول إلى حل في زمن معقول.
ترتكز طريقة الذكاء الصنعي لمعالجة مثل هذه المسائل على البديهية الأساسية الآتية: ليس من المعقول سبر كل فضاء الحلول:
يوجد ضرورة بصنع الخيار، دون التأكد من الحصول على الخيار الأفضل.
الخيارات المطلوبة موجهة من قبل استراتيجيات مناسبة تسمح، في أغلب الأحيان، بالحصول على حل في زمن معقول (على شكل كثير حدود من مرتبة n) من أجل مسألة ذات حل نظامي مكلف.
بالمقابل، يجب توقع العودة إلى أي خيار لأنه يمكن بلوغ حالات ذات طريق مسدود؛ أو التخلي عن بلوغ الحل «الأمثل» -في كل مرة- والاكتفاء بالحلول «الحسنة» التي نحصل عليها بسرعة.
تحديات الذكاء الصنعي:
يمكن كذلك تعريف علم الذكاء الصنعي بالأهداف التالية:
ـ إيجاد خوارزميات من أجل مسائل من نوع NP، التي في أغلب الأحيان، تعطي نتائج في أزمان حدودية من مرتبة n بفضل استراتيجيات جيدة.
ـ التخلي عن الحل الأمثل والاكتفاء بالحلول «الجيدة» التي نحصل عليها بسرعة.
ونورد فيما يأتي أمثلة من المسائل التي تعتبر من تحديات علم الذكاء الصنعي:
ـ معالجة اللغات الطبيعية (لتعقد المسألة ولكون آلية المعالجة شبه مجهولة).
ـ التشخيص (الطبي أو غيره): ليس ثمة خوارزمية معروفة لحل مثل هذا النوع من المسائل، لكن هناك خبراء ذوي خبرة في هذه المجالات يمكن الإفادة من خبرتهم بهدف الحصول على نظم خبيرة.
ـ لعبة الشطرنج: مع أن هذه اللعبة تتألف من عدد منته من الحالات؛ فإن إيجاد خوارزمية توصل إلى الحل يتطلب سبر كل الضربات الممكنة. مثل هذه الخوارزمية غير معقولة لأنها تتطلب آلاف السنين من زمن الحساب على الحواسيب (من نوع Von Neumann) الأكثر تطوراً .
ـ مسائل الجدولة، تلبية متطلبات (بناء جدول زمني)، مسائل التحسين للمسافات أو للحمولة (مسائل NP).
محمد بسام الكردي
الذكاء الصنعي artificial intelligence علم يدرس المعاني والمفهومات والطرائق التي تجعل الآلات ذكية. لذا يهتم الذكاء الصنعي بدراسة السلوك «الذكي» للإنسان (المحاكمة أو الأعمال التي نصفها بالذكية) بغية نمذجة هذا السلوك أو محاكاته آلياً.
يقترب هذا المفهوم إلى حد ما من علم الفيزياء الذي يبحث عن نماذج رياضية للظواهر الطبيعية ومن ثم يقوم بإثبات صحة هذه النماذج.
يرتبط الذكاء الصنعي بعدة علوم كعلم الإدراك وعلم المنطق وعلم الجهاز العصبي وعلم المعلوماتية وغيرها من العلوم.
هناك أشياء يتميز بها الحاسوب عن العقل البشري وبمعنى أوضح هناك أعمال روتينية يستطيع الحاسوب أن يؤديها أفضل من الإنسان، ولهذا يقال يستطيع الإنسان إنجاز مهام وما يؤديه الإنسان أفضل من الحاسوب، في حين يستطيع الحاسوب أن يؤدي أعمالاً أفضل من الإنسان ومن هذه الأعمال ما يأتي:
الحسابات العددية numerical computations:
من أهم الأشياء التي يستطيع الحاسوب القيام بها بدقة عالية وبسرعة فائقة بالمقارنة مع قدرات الإنسان الحسابات العددية والتي كانت الهدف الرئيسي من اختراع الحاسوب. إن أي آلة حاسبة عادية تستطيع القيام بعملية حسابية مثل ضرب العدد 81946 في العدد 698257 في جزء من الثانية، أما الحواسيب الكبيرة فتستطيع القيام بحسابات يصعب على أي إنسان القيام بها باستخدام أي وسائل أخرى.
تخزين المعلومات واسترجاعها:
يستطيع الحاسوب تخزين آلاف السجلات التي يحوي كل سجل منها الكثير من البيانات، ويمكن استرجاع البيانات بمجرد إعطاء الحاسوب أمراً محدداً ليقوم بالبحث عن سجل ما وعرضه للمستخدم في بضع ثوان. وللقيام بهذا العمل من دون الحاسوب، على الإنسان استخدام آلاف الأوراق لكتابة هذه السجلات، وفي هذه الحالة تصبح عملية البحث عن أي سجل شاقة جداً وتستهلك وقتاً طويلاً.
العمليات التكرارية:
إذا طلب المستخدم من الحاسوب، على سبيل المثال، طباعة ألف نسخة من التقرير الشهري فسيقوم الحاسوب بهذه المهمة من دون ملل ويعطيه آخر تقرير بجودة التقرير الأول نفسها. أما إذا أُجري هذا العمل يدوياً فإن الإنسان سوف يمل بعد بضعة تقارير، وتقل كفاءة إخراج التقارير بعد ثاني أو ثالث تقرير، ومن ذلك يتضح أن الحاسوب يستطيع القيام بالأعمال التكرارية أفضل بكثير من الإنسان.
بعد أن اتضح أن الحاسوب يمكنه القيام بأعمال معينة أفضل من الإنسان، فما زال الإنسان يملك قدرات تفوق قدرات الحاسوب وهي تلك القدرات التي تتعلق بالذكاء، فالإنسان لا يقوم بمعالجة البيانات مثل الحاسوب فقط ولكنه أيضاً يقوم بفهم هذه البيانات، ويقوم أيضاً بالإحساس بالأشياء التي يراها ويسمعها، ليس هذا فحسب ولكن الإنسان يقوم بالحكم السليم على الأشياء، وكذلك يستطيع الإنسان أن يتعرّف محيطه بسرعة فائقة تفوق أفضل خوارزمية كُتبت إلى اليوم، إن هي أدت الغرض المطلوب!.
وعلى هذا، فإذا كان الإنسان أكثر ذكاء من الحاسوب، وإذا كان الهدف في مجال الذكاء الصنعي هو الارتقاء بأداء الحاسوب للقيام بالأشياء التي يقوم بها الإنسان، فإن عليه جعل الحواسيب أكثر ذكاء، أي على الإنسان أن ينتج حواسيب تستطيع محاكاة السلوك الذكي للإنسان.
الذكاء الصنعي وعلم الإدراك:
يهتم عالم الإدراك، من وجهة نظر علم الإدراك بفهم آلية عمل المخ البشري، إذ إنه يدرس إمكان نمذجة المحاكمة والتعلم ومشكلات الذاكرة.... ويكون الحاسوب أداة لتجربة وإثبات صحة نماذج آلية عمل المخ البشري التي يقترحها عالم الإدراك. ويمتاز البرنامج الحاسوبي بأنه يُحقق في آن واحد: نموذجاً للآلية المدروسة، وتجربة تُثبت صحة النموذج المقترح أو عدم صحته.
الذكاء الصنعي وعلم المنطق:
إن إمكان المحاكمة، من وجهة نظر النمذجة المنطقية، هي في صميم السلوك الذكي، ونمذجة المحاكمة الرمزية هي إحدى النقاط الجوهرية لعلم الذكاء الصنعي. وهذه النقطة عولجت من قبل علماء المنطق، لأن غايتهم إعداد نظرية للمحاكمة مستندة إلى الاستخدام المنهجي للرموز (المتحولات، الإسناديات، المؤثرات المنطقية)، في حين أن الذكاء الصنعي تجاوز إلى حد كبير إطار علم المنطق للسببين الآتيين:
لا تفي النمذجة الرمزية لآلية الاستنتاج المقترحة في إطار علم المنطق بالغرض في تناول جميع جوانب المحاكمة البشرية، وهذا ما يفسر ظهور نماذج جديدة أصبحت تقليدية في علم الذكاء الصنعي مثل النظم الخبيرة وشبكات الاستدلال والمنطق الترجيحي وغيرها.
ثم إنه لو قُبل بأن المنطق هو نمذجة وافية للمحاكمة البشرية، فإن برهان أي نظرية يكون يدوياً. في الواقع، إن الكثير من المشكلات تُطرح عند التطرق لمسألة البرهان الآلي للنظريات، إذ إن برهان نظرية انطلاقاً من مجموعة مسلَّمات هو عملياً إيجاد تسلسل معين بين كل التسلسلات المحتملة، لخطوات الاستنتاج التي تقود من المسلِّمات إلى النظرية. يتصف هذا الإجراء بخلوه من أي حتمية deterministic لتوليد تسلسل الحل، كما أنه في كل خطوة من الحل تكون الخيارات عدة ويُخشى من الوصول إلى تراكيب هائلة من الطرائق، إلا أن مبرهن النظريات البشري لديه خبراته المكتسبة أو استراتيجياته heuristic التي تسمح له بحصر الخيارات وتقليصها، والذكاء الصنعي يبحث بطريقة استغلال مثل هذه الخبرات البشرية في البرامج الحاسوبية.
الذكاء الصنعي والمعلوماتية:
إن الهدف، من وجهة نظر المعلوماتية، هو توسيع مقدار إسهام الحاسوب في الأعمال المعروفة بالذكاء. فالذكاء الصنعي هو علم من علوم المعلوماتية يعنى بتصميم نظم حواسيب ذكية، بمعنى تصميم نظم لها خصائص الذكاء في السلوك الإنساني.
يبدأ إذن علم الذكاء الصنعي حيث تقف المعلوميات التقليدية: إن أي مسألة لا يوجد لها حل بخوارزمية معروفة أو معقولة تنتمي بشكل أولي لعلم الذكاء الصنعي.
وبالطبع يُمكن كتابة «برامج» الذكاء الصنعي باستخدام لغات البرمجة المعروفة مثل C أو ++C أو Pascal أو لغة جافا Java. أو باستخدام اللغات التخصصية للذكاء الصنعي، والتي صُممت لتعالج الرموز عوضاً عن الأرقام، ومن أهم هذه اللغات:
LISP (LISt Processing) والتي تعتمد القوائم كبنية المعطيات الأساسية فيها.
PROLOG (PROgrammation LOGic)والتي تعتمد طرائق المنطق في الاستنتاج.
الحاسوب والمخ البشري:
يختلف الحاسوب عن المخ البشري في العديد من الأمور الأساسية. فالمخ البشري يحتوي ما يقرب من 40 بليون خلية عصبيةneurons، وتمثل الخلية العصبية تقريباً واحد بايت (حرفاً) من المعلومات، بينما تحوي الحواسيب الشخصية عادة ذاكرة رئيسية تصل إلى ما يقارب 256 مليون بايت (256 ميغابايت)!. ومع أن اتخاذ القرار والتعلّم وبعض الأعمال التي تحتاج إلى الذكاء تستخدم نسبياً نسبة صغيرة من السعة الكلية للمخ، تراوح ما بين 10% إلى 30% والتي تمثل ما يكافئ نحو 10 بليون بايت (10 غيغابايت)، فإن هذه السعة مازالت تفوق إلى حد كبير جداً أي سعة ذاكرة رئيسية لأي حاسوب موجود حالياً، بما فيها الحواسيب ذات المعالجات المتوازية المكثفة massively parallel processors.
ومن ناحية أخرى فإن كل خلية عصبية تحوي ما بين ألف إلى عشرة آلاف دخل وخرج بإجمالي ما يقرب من 100 تريليون وصلة interconnections فيما بينها، وبالمقابل نجد أن حواسيب اليوم لا تتعدى الوصلات بين مكوناتها الأساسية عدداً محدوداً جداً. فكل بوابة منطقية logic gate لا تزيد وصلات الدخل الخاصة بها على أربع. ومن جهة أخرى، بينما تبلغ سرعة النبضات العصبيةneural impulses عشر أميال في الساعة، فإن الإلكترونات في الدارات الإلكترونية تتحرك بسرعة تقترب من سرعة الضوء (186 ألف ميل في الثانية). هذا بالإضافة إلى أن الخلايا العصبية للمخ تطلق نبضاتها عادة بناء على أساس حدّ الأغلبية majority threshold، في حين تعمل مكوّنات الحاسوب بناء على أسس منطقية ثنائية binary logic basis، ومن هنا يتضح تفوق الحاسوب على الإنسان بسرعته الفائقة ودقته الشديدة بينما يتفوق العقل البشري في عدد الوصلات بين خلاياه العصبية.
تطبيقات الذكاء الصنعي:
من أهم تطبيقات الذكاء الصنعي في المعلوماتية هي:
معالجة اللغات الطبيعية NLP، ومسائل التنظيم والترتيب والجدولة (خوارزميات البحث الذكية)، وقواعد المعرفة Knowledge Base والمنطق الصوري Formal Logic (تمثيل المعرفة والمحاكمة)، ومسائل الرؤية الصنعيةComputer Vision، وتعرّف الأشكال النمطيةPattern Recognition، والتخطيط وبرمجة الإنسان الآلي Robotic & Planning، وبرامج الألعاب، والتعلّم الآلي Learning.
أما أهم المسائل التي يعالجها علم الذكاء الصنعي فهي صنف المسائل «كثيرة التعقيد»، أي تلك التي لا يُمكن حلها بشكل نظامي. وهي بشكل أساسي المسائل NP أي المسائل التي لا يوجد لحلها خوارزمية بتعقيد من مرتبة كثير حدود، كمسائل الجدولة وتلبية المتطلبات أو مسائل الألعاب (كلعبة الشطرنج مثلاً).
تكون هذه المسائل ذات تعقيد أسي بشكل عام، وبالتالي فمن المستحيل حلها بشكل نظامي وتام، إلا أنها تُحل يومياً بذكاء من قبل الأشخاص الخبراء.
وبالتالي يبحث الذكاء الصنعي في التقاط الخبرات التي يستخدمها الإنسان للوصول إلى الحل «بسرعة»، ومن ثم استخدام هذه الخبرات في خوارزميات تسمح بالوصول إلى حل في زمن معقول.
ترتكز طريقة الذكاء الصنعي لمعالجة مثل هذه المسائل على البديهية الأساسية الآتية: ليس من المعقول سبر كل فضاء الحلول:
يوجد ضرورة بصنع الخيار، دون التأكد من الحصول على الخيار الأفضل.
الخيارات المطلوبة موجهة من قبل استراتيجيات مناسبة تسمح، في أغلب الأحيان، بالحصول على حل في زمن معقول (على شكل كثير حدود من مرتبة n) من أجل مسألة ذات حل نظامي مكلف.
بالمقابل، يجب توقع العودة إلى أي خيار لأنه يمكن بلوغ حالات ذات طريق مسدود؛ أو التخلي عن بلوغ الحل «الأمثل» -في كل مرة- والاكتفاء بالحلول «الحسنة» التي نحصل عليها بسرعة.
تحديات الذكاء الصنعي:
يمكن كذلك تعريف علم الذكاء الصنعي بالأهداف التالية:
ـ إيجاد خوارزميات من أجل مسائل من نوع NP، التي في أغلب الأحيان، تعطي نتائج في أزمان حدودية من مرتبة n بفضل استراتيجيات جيدة.
ـ التخلي عن الحل الأمثل والاكتفاء بالحلول «الجيدة» التي نحصل عليها بسرعة.
ونورد فيما يأتي أمثلة من المسائل التي تعتبر من تحديات علم الذكاء الصنعي:
ـ معالجة اللغات الطبيعية (لتعقد المسألة ولكون آلية المعالجة شبه مجهولة).
ـ التشخيص (الطبي أو غيره): ليس ثمة خوارزمية معروفة لحل مثل هذا النوع من المسائل، لكن هناك خبراء ذوي خبرة في هذه المجالات يمكن الإفادة من خبرتهم بهدف الحصول على نظم خبيرة.
ـ لعبة الشطرنج: مع أن هذه اللعبة تتألف من عدد منته من الحالات؛ فإن إيجاد خوارزمية توصل إلى الحل يتطلب سبر كل الضربات الممكنة. مثل هذه الخوارزمية غير معقولة لأنها تتطلب آلاف السنين من زمن الحساب على الحواسيب (من نوع Von Neumann) الأكثر تطوراً .
ـ مسائل الجدولة، تلبية متطلبات (بناء جدول زمني)، مسائل التحسين للمسافات أو للحمولة (مسائل NP).
محمد بسام الكردي