عمرو مجدح
فريد الأطرش تملص من الزواج بـ سامية جمال ودعم ثوار سوريا ضد المحتل الفرنسي من مصر.
يروي الفنان السوري الراحل “فريد الأطرش”، الكثير من التفاصيل في مذكراته التي نشرتها دار الجماهير عام 1974، تزامناً مع رحيله، وحملت هذه المذكرات التي تعتبر الأخيرة للفنان الذي لُقب بـ”ملك العود”، الكثير من المعلومات والحقائق حول حياته التي كشفها للمرة الأولى، وفاة شقيقته “أسمهان”، وعدم زواجه من الراقصة “سامية جمال” رغم قصة الحب العاصفة التي جمعتهما، كما تحدث فيها عن ظروف سفر العائلة إلى “القاهرة” وإقامته حفلات غنائية ذهب ريعها للثوار السوريين ضد الاحتلال الفرنسي.
كتبت دار النشر في مقدمة الكتاب: «وكأنه كان يحس باقتراب اللحظة الأخيرة فكتب مذكراته هذه التي كانت جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الأغنية والموسيقى العربية ودفع بها إلى المحرر الفني لمجلة الأسبوع العربي سلمها بدوره لنا في دار الجماهير. وها هي ذي المذكرات تأخذ طريقها إلى أيدي القراء في نفس اللحظة التي يكف فيها عن الخفقان ذلك القلب الأخضر الكبير.
الحكاية بين الولادة والسفر كما رواها الأطرش
«ولدت في جبل الدروز بسوريا (جبل العرب) عام 1917. ذهبت إلى تركيا مع أبي حين كان حاكما لقضاء “ديمرجي” في العام 1920، ثم أمضيت طفولتي في لبنان، وها هو القطار يقلنا إلى القاهرة عبر “حيفا” و”يافا” و”غزة”. هل الحياة حقا تقتضي السفر من مكان إلى مكان ؟ لماذا لا يكون لنا بيت واحد؟ لماذا لا أحظى برؤية والدي وأنعم بعطفه شأن كل الأطفال؟»، يقول “الأطرش” في مذكراته.
يضيف المطرب السوري الذي عاش معظم حياته في “مصر”: «وصلنا إلى “القاهرة” فسكنا في حجرتين صغيرتين أشبه ما تكونان بأقفاص العصافير وفي “باب البحر” بدأت أتعرف إلى شريط الماضي وشريط الحاضر معا وعرفت أن سفرنا إلى “القاهرة” كان نجاتنا من ظلم الفرنسيين الذين كانوا يعتزمون اعتقالنا انتقاما لوطنية أبي وثورة أبناء عشيرتي وفهمت أن قدرنا هذا المأوى بعد أن كنا نغرق في نعيم الحياة، إن الحقيقة الأولى التي حدتني بالفعل هو هذا الواقع الذي صرنا إليه دفعة واحدة، كما أن الصدمة التي هزتني كان مشهد والدتي وهي تكد على شغل الإبرة إكراما لبعض هذا العيش».
ثوار جبل العرب
يتحدث “الأطرش” عن دوره في دعم الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي، والتي قادها في جبل العرب “سلطان باشا الأطرش”، قائلا: «كان الثوار العرب من الدروز قد بلغوا حدا كبيرا من التضحية فانعزلوا في الجبال والوديان وقد استهلكوا الكثير من السلاح والمؤونة، وفي هذا الوقت فكر أحمد زكي باشا شيخ العروبة في إقامة حفلة غنائية يعود ريعها للثوار، فيما أبدى أبناء سورية المقيمون في القاهرة حماسهم لبذل كل ما يلزم سواء من ناحية بيع التذاكر، أو من ناحية الإشراف على الحفلة وتنظيم فقراتها وحدث ماكنت أتوق إليه، لقد اقترح حبيب جاماتي الصحافي المعروف، أن أغني في هذه الحفلة فلقيت فكرته القبول عند أحمد زكي باشا وهكذا كان».
في الليلة المنتظرة، صعد “الأطرش” إلى المسرح دون أن ينكر خوفه الذي بلغ حجم المسرح، كما يقول، ويضيف: «لكن ما إن مددت يدي إلى العود ورحت أعزف منفردا حتى أصبحت شجاعتي بحجم المسرح وغنيت قصيدة وطنية تندد بفرنسا وتمجد الثوار وتعدهم بالنصر وكان نصيبي من النجاح أكثر مما كنت أتوقع».
أسمهان وجرح الغياب
يروي “الأطرش” عن التوأم الروحي والفني شقيقته “أسمهان” وبداية دخولها لعالم الطرب وسط اعتراض “فؤاد” الشقيق الأكبر، قائلا: «رفض شقيقي فؤاد احتراف أمي الغناء كذلك رفض أن تحترف شقيقتنا أسمهان الغناء .. كيف؟ وكيف؟ كأن كل تقاليد جبل الدروز مودعة أمانة في عنقه، وكأن الغناء عمل يتنافى مع الأخلاق».
«لكن أسمهان التي تتمتع بحنجرة غنائية صافية تجعل من الحلم حقيقة في متناول الأذن، لم يكن بالإمكان حجب صوتها»، يذكر “الأطرش” في مذكراته، ويضيف: «كانت أسمهان تغني في الجلسات العائلية فيطرب لها كل منا، وأصبحت تغني في سهراتنا فيعجب بها الجميع، وحدث في ذات ليلة أن سمعها عدد من الأصدقاء أمثال زكريا أحمد وداود حسني ومحمد القصبجي وغيرهم فتحمسوا لها ورأوا أنه قد أصبح من الملائم أن تغني للجمهور. هنا اعترض فؤاد ورفض ومن ثم كان عليه أن يرضخ أمام آراء الأكثرية: أمي وأسمهان وأنا».
لا ينسى “الأطرش” تفاصيل يوم 14 تموز عام 1944 الذي شهد وفاة شقيقته “أسمهان”، حيث دخل في اليوم ذاته برهان مع أحد الأصدقاء وفاز الحصان الذي اختاره، فقد كان يحب الخيول جداً، وكانت المفارقة أن الحصان الذي اختاره ربح السباق وخسرت شقيقته الحياة، يقول: «ذهبت أسمهان في رحلة طويلة.. وكدت أجن.. وبغياب اسمهان فتح جرح كبير في نفسي لم تنقذني منه – كما تخيلت في بادئ الأمر- إلا المقامرة وبعنف… كمن يريد أن ينتحر!»
فريد وسامية جمال والهوى
عاش “الأطرش” الكثير من قصص الحب التي وصلت حكاياتها إلى المجلات الفنية لكنه فضل العزوبية دوما وكانت له فلسفته الخاصة بما يخص الزواج ومن أشهر قصص حبه كانت الراقصة المصرية “سامية جمال”، يروي عنها في مذكراته قائلاً: «تطورت القصة وشاعت وتركزت الأضواء علينا طيلة سنوات، إلى أن توقفت عند النتيجة المعروفة، جاءت ذات يوم وسألتني: لماذا لا تتزوج، هل حقا كما يقولون لأنك أمير من أسرة الأطرش ولا يفترض بالأمير الزواج من راقصة؟، حاولت أن أشرح لها موقفي من الزواج، فأنا أعتقد أن الفنان لم يخلق للزواج الفنان يتزوج فنه، وهو ينجب ألحانا وأغنيات وأفلاما. إلا أن الثورة كانت اجتاحت سامية جمال فانتهى الحب بيننا بزواجها. تزوجت يومئذ من الأمريكي شبرد كنغ».
يذكر أن الفنان السوري “فريد الأطرش”، ولد في الـ19 من شهر تشرين الأول عام 1917، وتوفي يوم الـ26 من شهر كانون الأول عام 1974، وقد عاش معظم حياته في “مصر” واشتهر فيها، بأغانيه، مثل “قلبي ومفتاحه”، “وياك”، “ماتحرمش العمر منك”، “ياعوازل فلفلوا”، وغيرها الكثير، إضافة لعدة أفلام منها، حبيب العمر”، “عهد الهوى” ،”حكاية العمر كله”، “ودعت حبك”، وغيرها.