انسمامات
Intoxication - Intoxication
الانسمامات
الانسمام intoxication حالة مرضية تصيب الشخص نتيجة دخول كمية قليلة من إحدى المواد الغريبة إلى جسمه، وقد تنتهي هذه الحال المرضية في الانسمامات الشديدة بالوفاة، أو قد تترك بعض العقابيل الدائمة بعد الشفاء.
ويشترط أن تبلغ الجرعة المأخوذة من السم حداً معيناً خاصاً بكل مادة حتى تظهر على الشخص الأعراض التي تزداد شدتها مع زيادة الجرعة. وبذلك يختلف الانسمام عن عدم التحمل الذي ينجم أيضاً عن دخول مادة غريبة إلى جسم الإنسان، إلا أن ظهور الأعراض وشدتها في هذه الحال لا علاقة لهما بمقدار المادة الغريبة الداخلة إلى الجسم.
تصنيف السموم
يضم الوسط الذي نعيش فيه عدداً كبيراً من السموم يصعب حصره لذلك عمد الباحثون في هذا المجال إلى تصنيف السموم تسهيلاً لدراستها. إلا أن هناك تصنيفات كثيرة تختلف باختلاف الأساس الذي تقوم عليه. فالكيميائيون يقسمون السموم إلى أربع فئات بحسب الطرق المستعملة لاستخلاصها وكشفها وهي:
ـ السموم الغازية مثل أكسيد الفحم وأكاسيد الآزوت، والسموم الطيارة مثل الكحول الإتيلي وحمض سيان الماء، والسموم المعدنية وتشمل المعادن وأشباهها كالرصاص والزرنيخ وأملاحها، والسموم العضوية وتضم القسم الأعظم من المستحضرات الدوائية والسموم المستعملة في الزراعة.
وهناك من يقسم السموم بحسب مصدرها إلى: سموم حيوية سواء كانت من منشأ حيواني أو نباتي أو جرثومي (الذيفانات)، وسموم صناعية يتعرض لها العاملون في الصناعات المختلفة ولاسيما الصناعات الكيمياوية، وسموم دوائية أكثر ضحاياها من المرضى الذين يتناولونها بمقادير تزيد على الحد المقرر.
وهناك تصنيفات تستند إلى طبيعة تأثير السم في الجسم أو إلى الغاية التي يستعمل السم من أجلها.
يدخل السم الجسم عن طريق الأنبوب الهضمي في الغالبية العظمى من الحالات، ويسبب في هذه الحال الإقياء والإسهالات التي تساعد على طرح كمية من السم قبل امتصاصها وتخليص الجسم من أثرها السيء. أما دخول السم عن طريق الرئتين فأقل مصادفة إلا أنه شديد الخطورة لأن السم في هذه الحال يصل بسرعة إلى الجهاز الدوراني وينتشر في سائر الجسم، وهو ما يحصل عند استنشاق الأبخرة والغازات السامة. يسمح الجلد بدخول أبخرة بعض السموم كالزئبق واليود، كما أن المواد الوَلوع بالشحوم يمكنها أن تجتازه. أما التسمم عن طريق الزرقات الوريدية أو تحت الجلد فأمر نادر جداً.
يتوزع السم بعد وصوله إلى الدورة الدموية في أنحاء الجسم المختلفة إلا أن تركيزه يكون عالياً جداً في بعض الأعضاء كما هو الحال في المنومات والمخدرات التي تتوضع في الجملة العصبية خاصة، كما أن الكبد تثبت عدداً كبيراً من السموم المعدنية كالرصاص والزرنيخ تمهيداً لطرحها عن طريق الصفراء. تقوم الكبد بدور رئيس في تخريب السموم وتحويلها إلى مركبات أقل سمية قبل طرحها، ويتم ذلك بإخضاع تلك السموم لبعض التفاعلات الكيماوية كالأكسدة والإرجاع والْمتيَلة methylation والتحليل المائي أو إضافة أحد الحموض العضوية أو المعدنية إليها مما يجعلها أكثر ذوباناً في الماء وأكثر طرحاً عن طريق الكليتين. والكلية هي العضو الرئيس الذي يقوم بطرح السموم ومستقلباتها مع البول، كما تطرح الكبد السموم المعدنية مع الصفراء، أما السموم الغازية والطيارة كأكسيد الفحم والكحول فتطرح عن طريق الرئتين مع هواء الزفير.
آلية تأثير السم
تؤثر السموم في مختلف أعضاء الجسم في آن واحد إلا أن التأثيرات السامة قد تكون أكثر شدة في عضو من الأعضاء، مما يؤدي إلى ظهور أعراض إصابة خطيرة في هذا العضو قد تنتهي بالوفاة. فأملاح السيانور مثلاً تعطل خميرة السيتوكروم أوكسيداز في جميع خلايا الجسم مما يؤدي إلى الوفاة السريعة، في حين تؤثر سموم أخرى في الكبد خاصة، مثل رابع كلور الفحم والفسفور وذيفان الفطر المسمى الأمانيت القضيبي Amanita phalloides، مما يؤدي إلى ظهور أعراض القصور الكبدي الخاطف أما غاز أول أكسيد الفحم فيتحد بالهيموغلوبين الدموي مؤلفاً الكاربوكسي هيموغلوبين، وهو مركب شديد الثبات يعوق تزويد الأنسجة بالأكسجين اللازم لعملها ومن ثم حدوث الوفاة. وتؤثر سموم أخرى مثل غاز الهدروجين الزرنيخي في الكريات الدموية الحمر فتحلها ويؤدي ذلك أيضاً إلى الموت.
ومن السموم ما يؤثر في العضلة القلبية مباشرة ويعطل عملها كما يحصل عند استنشاق أبخرة البنزين أو الفحوم المفلورة fluoro-carbon التي تجعل ألياف العضلة القلبية تتقلص تقلصاً غير متواقت يعجز معها القلب عن دفع الدم إلى الأعضاء المحيطة مما يسبب الوفاة المفاجئة. ومع أن الدراسات والتجارب التي أجريت كثيرة فما تزال آلية عمل كثير من السموم مجهولة حتى اليوم.
الأنواع الطبية الشرعية للانسمام
وهي تشمل الانسمامات الإرادية والعارضة والجنائية:
الانسمامات الإرادية: إن تناول إحدى المواد السامة قصداً طريقة مألوفة في الانتحار، كأن يتناول الشخص الذي يحاول الانتحار ما يقع تحت يده من مواد سامة كالأدوية مثل الأسبرين والمنومات والمهدئات والمركنات ومضادات الاكتئاب، وكلها أدوية شائعة الاستعمال جداً وكثيراً ما يؤدي الانسمام بها إلى الوفاة.
ومن المواد الشائعة الاستعمال في الانتحار أيضاً المستحضرات الجاهزة التي تستعمل في المنازل للتنظيف وإزالة البقع أو التلوين أو التجميل بسبب احتوائها على مواد كيماوية سامة. أما في الأوساط الريفية فيكثر استعمال مبيدات الحشرات والقوارض أو مبيدات الأعشاب في الانسمام الإرادي لسهولة الحصول على هذه المواد في تلك الأوساط. وتدل الإحصاءات في بعض الدول على أن أكثر من نصف الانسمامات المميتة سببها الانتحار. وتقع أكثر حوادث الانتحار في مرحلة الكهولة الباكرة (بين 18 و25 سنة)، ويتوزع بالتساوي بين الرجال والنساء.
الانسمامات العارضة: وسببها الإهمال وقلة الاحتراز اللذان يؤديان إلى تناول بعض المواد السامة خطأ بمقادير مرتفعة. والانسمام العارض قد يكون دوائياً عندما يتناول المرضى خطأ كمية من الدواء تزيد على الجرعة المقررة. ويزداد إمكان حدوث الانسمام في هذه الحالات إذا كانت الجرعة الدوائية الفعالة قريبة من الجرعة السامة. والشيوخ معرضون أكثر من غيرهم للانسمامات الدوائية العارضة بسبب ما يقعون فيه من أخطاء في حساب الجرعات الدوائية المأخوذة. يحصل الانسمام العارض في المنازل أيضاً بالمنظفات وغيرها من المستحضرات الجاهزة أو مبيدات الهوام pesticides على اختلافها، ومما يساعد على ذلك وضع هذه المواد في عبوات لا تحمل اسم المادة التي فيها مما يسبب الالتباس واستعمالها خطأ في تحضير الطعام أو الشراب. والأطفال عموماً، أكثر الناس تعرضاً للانسمامات العارضة في المنازل سواء بالأدوية أو غيرها من المواد الكيماوية السامة التي يبتلعونها من دون تمييز. ويقدر بعض المختصين أن واحداً بالألف من هذه الانسمامات العارضة عند الأطفال ينتهي بالوفاة. تحدث الانسمامات العارضة أيضاً في المصانع حيث يتعرض العمال لتناول بعض المواد السامة أو استنشاقها بكميات كبيرة كما يحصل عند انثقاب الأنابيب الناقلة لهذه المواد، أو انكسار الأواني التي تحفظ فيها. ولكن لوحظ أن هذه الانسمامات الصناعية بدأت بالتراجع في العقود الأخيرة بسبب تطور أساليب الوقاية وازدياد اللجوء إلى الآلة في العمليات الصناعية الخطرة. وأكثر ما تصادف هذه الانسمامات في صناعة الأصبغة والمذيبات وفي معامل المواد المتفجرة.
الانسمامات الجنائية: وقد كانت شائعة في الماضي للقضاء على الخصوم، وكان المتسمم يقضي نحبه بعد أن تظهر عليه أعراض مرضية شديدة كانت تعزى إلى الإصابة ببعض الأمراض الحادة المعروفة بخطورتها. إلا أن هذه الطريقة في القتل قلت كثيراً في الوقت الحاضر بسبب تطور الكيمياء التحليلية الذي جعل كشف هذه الانسمامات ممكناً مهما كانت كمية السم المعطاة قليلة، وأصبح الالتباس بين الانسمام والأمراض العضوية الأخرى ذات الأعراض المشابهة أمراً بعيد الاحتمال. وقد كان الزرنيخ وما يزال من أكثر السموم استعمالاً لهذه الغاية، وكذلك المبيدات الحشرية والسموم الزراعية عامة. ويمكن أن يدخل في هذا الباب أيضاً السموم الحربية التي يقذف بها المتحاربون للقضاء على حياة خصومهم أو لشل حركتهم وإفقادهم القدرة على متابعة القتال. ومع أن استعمال السموم في الحرب أمر حرّمته المعاهدات الدولية فإن وسائل الإعلام تحمل من آن إلى آخر أنباء استعمال هذه السموم في الحروب الداخلية والدولية على حد سواء.
الأشكال السريرية للانسمامات
يمكن تقسيم الانسمامات اعتماداً على أعراضها السريرية قسمين رئيسين:
1ـ الانسمامات الحادة: وهي التي تنجم عن تناول كمية كبيرة من السم دفعة واحدة مما يدعو لظهور الأعراض المرضية الحادة بعد مدة قصيرة نسبياً من دخول السم إلى الجسم وتتطور هذه الأعراض بسرعة، وقد ينتهي الانسمام في الحالات الخطيرة بالوفاة.
يضطرب عمل جميع أجهزة الجسم بفعل المادة السامة، وتظهر على المتسمم أعراض تشير إلى إصابة مختلف أعضاء جسمه، إلا أن أكثر الأجهزة تأثراً في الانسمامات الحادة هو:
أ - الجهاز الهضمي: تظهر الأعراض الهضمية عندما يدخل السم الجسم عن طريق الفم وهو ما يحدث في الغالبية العظمى من الحالات، وتتجلى على شكل آلام بطنية شديدة مع إقياء متكرر وإسهالات حادة مما يسبب نقصاً شديداً في سوائل الجسم قد ينتهي نهاية سيئة. وقد يوحي لون القيء بنوع السم المأخوذ مثل اللون الأزرق الذي يشير إلى الانسمام باليود، كما أن بعض السموم يتصف برائحة خاصة مميزة يمكن تعرُّفها في القيء كالسيانور والفسفور والكحول.
ب - الجهاز العصبي: وتتظاهر إصابته بالسبات الذي قد يكون سباتاً هادئاً يشبه النوم العميق كما هي الحال في الانسمام بالمنومات ومثبطات الجملة العصبية المركزية عموماً، أو أنه سبات يترافق باختلاجات كما هي الحال في التسمم بمركبات الكلور العضوية المستعملة في إبادة الحشرات مثل (د.د.ت). وقد يترافق السبات في بعض الانسمامات بالهياج كما في الانسمام بالكوكائين ومضادات الهستامين وغيرها.
ج - الجهاز التنفسي: ويصاب خاصة عند استنشاق الغازات أو الأبخرة السامة وتتجلى أعراض الإصابة في سعال وزُلَّة تنفسية (ضيق النفس) وزرقة. إلا أن الأعراض التنفسية قد تكون هي المسيطرة على اللوحة السريرية في بعض الانسمامات التي يدخل فيها السم عن غير طريق التنفس كالانسمام بمركبات الفسفور العضوية (باراثيون) الشائعة الاستعمال في إبادة الحشرات الزراعية التي تسبب وذمة رئوية حادة أو الانسمام بالمورفين ومشتقاته التي تثبط التنفس بشدة.
تضطرب وظيفة الكلية في كثير من الانسمامات ويبدو ذلك في قلة البول أو انقطاعه وما يرافق ذلك من أعراض عامة.
وتتأثر الكبد في كثير من الانسمامات، ويشير إلى ذلك ظهور اليرقان وتضخم الكبد. وتترافق أكثر الانسمامات الشديدة بوهَط قلبي دوراني يكون السبب المباشر في الوفاة.
Intoxication - Intoxication
الانسمامات
الانسمام intoxication حالة مرضية تصيب الشخص نتيجة دخول كمية قليلة من إحدى المواد الغريبة إلى جسمه، وقد تنتهي هذه الحال المرضية في الانسمامات الشديدة بالوفاة، أو قد تترك بعض العقابيل الدائمة بعد الشفاء.
ويشترط أن تبلغ الجرعة المأخوذة من السم حداً معيناً خاصاً بكل مادة حتى تظهر على الشخص الأعراض التي تزداد شدتها مع زيادة الجرعة. وبذلك يختلف الانسمام عن عدم التحمل الذي ينجم أيضاً عن دخول مادة غريبة إلى جسم الإنسان، إلا أن ظهور الأعراض وشدتها في هذه الحال لا علاقة لهما بمقدار المادة الغريبة الداخلة إلى الجسم.
تصنيف السموم
يضم الوسط الذي نعيش فيه عدداً كبيراً من السموم يصعب حصره لذلك عمد الباحثون في هذا المجال إلى تصنيف السموم تسهيلاً لدراستها. إلا أن هناك تصنيفات كثيرة تختلف باختلاف الأساس الذي تقوم عليه. فالكيميائيون يقسمون السموم إلى أربع فئات بحسب الطرق المستعملة لاستخلاصها وكشفها وهي:
ـ السموم الغازية مثل أكسيد الفحم وأكاسيد الآزوت، والسموم الطيارة مثل الكحول الإتيلي وحمض سيان الماء، والسموم المعدنية وتشمل المعادن وأشباهها كالرصاص والزرنيخ وأملاحها، والسموم العضوية وتضم القسم الأعظم من المستحضرات الدوائية والسموم المستعملة في الزراعة.
وهناك من يقسم السموم بحسب مصدرها إلى: سموم حيوية سواء كانت من منشأ حيواني أو نباتي أو جرثومي (الذيفانات)، وسموم صناعية يتعرض لها العاملون في الصناعات المختلفة ولاسيما الصناعات الكيمياوية، وسموم دوائية أكثر ضحاياها من المرضى الذين يتناولونها بمقادير تزيد على الحد المقرر.
وهناك تصنيفات تستند إلى طبيعة تأثير السم في الجسم أو إلى الغاية التي يستعمل السم من أجلها.
يدخل السم الجسم عن طريق الأنبوب الهضمي في الغالبية العظمى من الحالات، ويسبب في هذه الحال الإقياء والإسهالات التي تساعد على طرح كمية من السم قبل امتصاصها وتخليص الجسم من أثرها السيء. أما دخول السم عن طريق الرئتين فأقل مصادفة إلا أنه شديد الخطورة لأن السم في هذه الحال يصل بسرعة إلى الجهاز الدوراني وينتشر في سائر الجسم، وهو ما يحصل عند استنشاق الأبخرة والغازات السامة. يسمح الجلد بدخول أبخرة بعض السموم كالزئبق واليود، كما أن المواد الوَلوع بالشحوم يمكنها أن تجتازه. أما التسمم عن طريق الزرقات الوريدية أو تحت الجلد فأمر نادر جداً.
يتوزع السم بعد وصوله إلى الدورة الدموية في أنحاء الجسم المختلفة إلا أن تركيزه يكون عالياً جداً في بعض الأعضاء كما هو الحال في المنومات والمخدرات التي تتوضع في الجملة العصبية خاصة، كما أن الكبد تثبت عدداً كبيراً من السموم المعدنية كالرصاص والزرنيخ تمهيداً لطرحها عن طريق الصفراء. تقوم الكبد بدور رئيس في تخريب السموم وتحويلها إلى مركبات أقل سمية قبل طرحها، ويتم ذلك بإخضاع تلك السموم لبعض التفاعلات الكيماوية كالأكسدة والإرجاع والْمتيَلة methylation والتحليل المائي أو إضافة أحد الحموض العضوية أو المعدنية إليها مما يجعلها أكثر ذوباناً في الماء وأكثر طرحاً عن طريق الكليتين. والكلية هي العضو الرئيس الذي يقوم بطرح السموم ومستقلباتها مع البول، كما تطرح الكبد السموم المعدنية مع الصفراء، أما السموم الغازية والطيارة كأكسيد الفحم والكحول فتطرح عن طريق الرئتين مع هواء الزفير.
آلية تأثير السم
تؤثر السموم في مختلف أعضاء الجسم في آن واحد إلا أن التأثيرات السامة قد تكون أكثر شدة في عضو من الأعضاء، مما يؤدي إلى ظهور أعراض إصابة خطيرة في هذا العضو قد تنتهي بالوفاة. فأملاح السيانور مثلاً تعطل خميرة السيتوكروم أوكسيداز في جميع خلايا الجسم مما يؤدي إلى الوفاة السريعة، في حين تؤثر سموم أخرى في الكبد خاصة، مثل رابع كلور الفحم والفسفور وذيفان الفطر المسمى الأمانيت القضيبي Amanita phalloides، مما يؤدي إلى ظهور أعراض القصور الكبدي الخاطف أما غاز أول أكسيد الفحم فيتحد بالهيموغلوبين الدموي مؤلفاً الكاربوكسي هيموغلوبين، وهو مركب شديد الثبات يعوق تزويد الأنسجة بالأكسجين اللازم لعملها ومن ثم حدوث الوفاة. وتؤثر سموم أخرى مثل غاز الهدروجين الزرنيخي في الكريات الدموية الحمر فتحلها ويؤدي ذلك أيضاً إلى الموت.
ومن السموم ما يؤثر في العضلة القلبية مباشرة ويعطل عملها كما يحصل عند استنشاق أبخرة البنزين أو الفحوم المفلورة fluoro-carbon التي تجعل ألياف العضلة القلبية تتقلص تقلصاً غير متواقت يعجز معها القلب عن دفع الدم إلى الأعضاء المحيطة مما يسبب الوفاة المفاجئة. ومع أن الدراسات والتجارب التي أجريت كثيرة فما تزال آلية عمل كثير من السموم مجهولة حتى اليوم.
الأنواع الطبية الشرعية للانسمام
وهي تشمل الانسمامات الإرادية والعارضة والجنائية:
الانسمامات الإرادية: إن تناول إحدى المواد السامة قصداً طريقة مألوفة في الانتحار، كأن يتناول الشخص الذي يحاول الانتحار ما يقع تحت يده من مواد سامة كالأدوية مثل الأسبرين والمنومات والمهدئات والمركنات ومضادات الاكتئاب، وكلها أدوية شائعة الاستعمال جداً وكثيراً ما يؤدي الانسمام بها إلى الوفاة.
ومن المواد الشائعة الاستعمال في الانتحار أيضاً المستحضرات الجاهزة التي تستعمل في المنازل للتنظيف وإزالة البقع أو التلوين أو التجميل بسبب احتوائها على مواد كيماوية سامة. أما في الأوساط الريفية فيكثر استعمال مبيدات الحشرات والقوارض أو مبيدات الأعشاب في الانسمام الإرادي لسهولة الحصول على هذه المواد في تلك الأوساط. وتدل الإحصاءات في بعض الدول على أن أكثر من نصف الانسمامات المميتة سببها الانتحار. وتقع أكثر حوادث الانتحار في مرحلة الكهولة الباكرة (بين 18 و25 سنة)، ويتوزع بالتساوي بين الرجال والنساء.
الانسمامات العارضة: وسببها الإهمال وقلة الاحتراز اللذان يؤديان إلى تناول بعض المواد السامة خطأ بمقادير مرتفعة. والانسمام العارض قد يكون دوائياً عندما يتناول المرضى خطأ كمية من الدواء تزيد على الجرعة المقررة. ويزداد إمكان حدوث الانسمام في هذه الحالات إذا كانت الجرعة الدوائية الفعالة قريبة من الجرعة السامة. والشيوخ معرضون أكثر من غيرهم للانسمامات الدوائية العارضة بسبب ما يقعون فيه من أخطاء في حساب الجرعات الدوائية المأخوذة. يحصل الانسمام العارض في المنازل أيضاً بالمنظفات وغيرها من المستحضرات الجاهزة أو مبيدات الهوام pesticides على اختلافها، ومما يساعد على ذلك وضع هذه المواد في عبوات لا تحمل اسم المادة التي فيها مما يسبب الالتباس واستعمالها خطأ في تحضير الطعام أو الشراب. والأطفال عموماً، أكثر الناس تعرضاً للانسمامات العارضة في المنازل سواء بالأدوية أو غيرها من المواد الكيماوية السامة التي يبتلعونها من دون تمييز. ويقدر بعض المختصين أن واحداً بالألف من هذه الانسمامات العارضة عند الأطفال ينتهي بالوفاة. تحدث الانسمامات العارضة أيضاً في المصانع حيث يتعرض العمال لتناول بعض المواد السامة أو استنشاقها بكميات كبيرة كما يحصل عند انثقاب الأنابيب الناقلة لهذه المواد، أو انكسار الأواني التي تحفظ فيها. ولكن لوحظ أن هذه الانسمامات الصناعية بدأت بالتراجع في العقود الأخيرة بسبب تطور أساليب الوقاية وازدياد اللجوء إلى الآلة في العمليات الصناعية الخطرة. وأكثر ما تصادف هذه الانسمامات في صناعة الأصبغة والمذيبات وفي معامل المواد المتفجرة.
الانسمامات الجنائية: وقد كانت شائعة في الماضي للقضاء على الخصوم، وكان المتسمم يقضي نحبه بعد أن تظهر عليه أعراض مرضية شديدة كانت تعزى إلى الإصابة ببعض الأمراض الحادة المعروفة بخطورتها. إلا أن هذه الطريقة في القتل قلت كثيراً في الوقت الحاضر بسبب تطور الكيمياء التحليلية الذي جعل كشف هذه الانسمامات ممكناً مهما كانت كمية السم المعطاة قليلة، وأصبح الالتباس بين الانسمام والأمراض العضوية الأخرى ذات الأعراض المشابهة أمراً بعيد الاحتمال. وقد كان الزرنيخ وما يزال من أكثر السموم استعمالاً لهذه الغاية، وكذلك المبيدات الحشرية والسموم الزراعية عامة. ويمكن أن يدخل في هذا الباب أيضاً السموم الحربية التي يقذف بها المتحاربون للقضاء على حياة خصومهم أو لشل حركتهم وإفقادهم القدرة على متابعة القتال. ومع أن استعمال السموم في الحرب أمر حرّمته المعاهدات الدولية فإن وسائل الإعلام تحمل من آن إلى آخر أنباء استعمال هذه السموم في الحروب الداخلية والدولية على حد سواء.
الأشكال السريرية للانسمامات
يمكن تقسيم الانسمامات اعتماداً على أعراضها السريرية قسمين رئيسين:
1ـ الانسمامات الحادة: وهي التي تنجم عن تناول كمية كبيرة من السم دفعة واحدة مما يدعو لظهور الأعراض المرضية الحادة بعد مدة قصيرة نسبياً من دخول السم إلى الجسم وتتطور هذه الأعراض بسرعة، وقد ينتهي الانسمام في الحالات الخطيرة بالوفاة.
يضطرب عمل جميع أجهزة الجسم بفعل المادة السامة، وتظهر على المتسمم أعراض تشير إلى إصابة مختلف أعضاء جسمه، إلا أن أكثر الأجهزة تأثراً في الانسمامات الحادة هو:
أ - الجهاز الهضمي: تظهر الأعراض الهضمية عندما يدخل السم الجسم عن طريق الفم وهو ما يحدث في الغالبية العظمى من الحالات، وتتجلى على شكل آلام بطنية شديدة مع إقياء متكرر وإسهالات حادة مما يسبب نقصاً شديداً في سوائل الجسم قد ينتهي نهاية سيئة. وقد يوحي لون القيء بنوع السم المأخوذ مثل اللون الأزرق الذي يشير إلى الانسمام باليود، كما أن بعض السموم يتصف برائحة خاصة مميزة يمكن تعرُّفها في القيء كالسيانور والفسفور والكحول.
ب - الجهاز العصبي: وتتظاهر إصابته بالسبات الذي قد يكون سباتاً هادئاً يشبه النوم العميق كما هي الحال في الانسمام بالمنومات ومثبطات الجملة العصبية المركزية عموماً، أو أنه سبات يترافق باختلاجات كما هي الحال في التسمم بمركبات الكلور العضوية المستعملة في إبادة الحشرات مثل (د.د.ت). وقد يترافق السبات في بعض الانسمامات بالهياج كما في الانسمام بالكوكائين ومضادات الهستامين وغيرها.
ج - الجهاز التنفسي: ويصاب خاصة عند استنشاق الغازات أو الأبخرة السامة وتتجلى أعراض الإصابة في سعال وزُلَّة تنفسية (ضيق النفس) وزرقة. إلا أن الأعراض التنفسية قد تكون هي المسيطرة على اللوحة السريرية في بعض الانسمامات التي يدخل فيها السم عن غير طريق التنفس كالانسمام بمركبات الفسفور العضوية (باراثيون) الشائعة الاستعمال في إبادة الحشرات الزراعية التي تسبب وذمة رئوية حادة أو الانسمام بالمورفين ومشتقاته التي تثبط التنفس بشدة.
تضطرب وظيفة الكلية في كثير من الانسمامات ويبدو ذلك في قلة البول أو انقطاعه وما يرافق ذلك من أعراض عامة.
وتتأثر الكبد في كثير من الانسمامات، ويشير إلى ذلك ظهور اليرقان وتضخم الكبد. وتترافق أكثر الانسمامات الشديدة بوهَط قلبي دوراني يكون السبب المباشر في الوفاة.
تعليق