بتاني (محمد جابر)
Al-Battani (Muhammad ibn Jabir-) - Al-Battani (Mohammad ibn Jaber-)
البتَّاني (محمد بن جابر)
(نحو 244 ـ 317هـ/ 858 ـ 929م)
أبو عبد الله محمد بن جابر بن سنان البَتّاني الحرّانيّ الصابئ الفلكي المهندس، ويُعرف عند بعض الفرنجة باسم Albategni أو Albategnius أو Battenius. وُلد في بتّان من نواحي حرّان في شمالي سورية وتوفي في «الحضَر»، وهي مدينة قريبة من الموصل ومن تكريت، بين دجلة والفرات. وقد عاش معظم حياته في الرَّقة ببلاد الشام، ولهذا كان يلقب بالرَّقيّ، وقد تخلّى عن عقيدة الصابئة واعتنق الإسلام.
أجرى بحوثاً مبتكرة في علمي الجبر والمثلثات، ولكن ميدانه الحقيقي كان علم الفلك، وكان أعظم علماء عصره في هذا العلم الذي وقف حياته عليه منذ عام 264هـ، إلى أن وافته المنية وكان يرصد في الرَقَّة، على الضفة اليسرى من الفرات. ونظراً لإسهامه الضخم وتقصّيه البعيد في هذا العلم، فإن الكثير من مؤرخي العلوم يسمونه بطلميوس العرب، بل إن بعضهم يعدّونه أسمى منزلة من بطلميوس[ر]، إذ خالفه في الكثير من آرائه، مع بيان الأسباب الموضوعية التي دفعته إلى هذه المخالفة، ويكفي البتّاني فخراً أن كوبرنيك الذي غيّر النظرة إلى الكون بتفنيده للنظام البطلمي، بعد خمسة قرون استشهد ببحوث البتاني أكثر من 23 مرّة في كتابه الذائع الصيت «حول دوران الأفلاك السماوية» De revolutionibus orbium coelistium.
ومن منجزات البتاني الفلكية الشهيرة تحديد ميل فلك البروج (الدائرة الكسوفية) إذ وجد أنه يساوي 23 درجة و35 دقيقة. وظهر حديثاً أن خطأه في الحساب أقل من دقيقة واحدة وهذا يدل على أن آلات الرصد التي استعملها العرب آنذاك كانت جدّ متقنة، فضلاً عن عظمة الراصدين ودقة حساباتهم. وقد كشف البتّاني السَّمْت والنظير، وحدّد طول السنة الشمسية والفصول، وأصلح زمني الاعتدالين الصيفي والشتوي. وأثبت خلافاً لبطلميوس أن القطر الزاوي الظاهري للشمس يتغير، وبيّن احتمال حدوث الكسوف الحلقيّ. وتوصل إلى نظرية في بيان الأحوال التي يُرى فيها القمر عند ولادته. وقد انتقد البتاني اعتقاد بطلميوس بثبات أوج الشمس، وذلك قبل البيرونيّ[ر] بأكثر من قرن من الزمان، وأقام الدليل على تبعيّته لحركة المبادرة الاعتدالية.
وقد وقف البتاني شطرا كبيراً من حياته العلمية على رصد الكواكب وأفلاكها، وتوصل نتيجة جهود جبارة إلى تصحيح أرصاد القدماء للكثير من النجوم، إما لوقوع سابقيه في أخطاء لدى إجراء هذه الأرصاد، وإما بسبب تغير مواقع النجوم نفسها بالنسبة إلى الأرض. وله أرصاد رائعة في الخسوف والكسوف استند إليها كثير من فلكيي القرن الثامن عشر لدى دراستهم لتسارع القمر.
ومن أشهر مؤلفاته في علم الفلك زيجه المعروف باسم «زيج الصابىء» الذي يعدّ في أصح الأزياج، وهو محفوظ في مكتبة الفاتيكان، وقد ترجم إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر للميلاد، وطُبِع في نورمبرغ عام 1537م. وقد وجد «ريجيو مونتانوس» Regiomontanus أن هذه الترجمة تعج بالأخطاء فأصلحها، وطُبعت بعد ذلك في مدينة بولونية في إيطالية عام 1646م. كما أمر ألفونسو العاشر صاحب قشتالة بترجمته من العربية إلى الإسبانية مباشرة في القرن الثالث عشر للميلاد. وهذا المؤلَّفُ يحتوي على جداول توضيحية كاملة لحركات الكثير من الأجرام السماوية، وفيه أثبت البتاني استناداً إلى الأرصاد التي أجراها في الرقة وأنطاكية، وإلى أرصاد من سبقوه، أن النجوم ليست ثابتة، كما كان الاعتقاد سائداً، بل إنها متحركة، وهذا اكتشاف عظيم الشأن أحدث انعطافاً حاداً في علم الفلك. وقد جاء في المقدمة التي كتبها البتّاني لزيجه ما يلي:
«إن من أشرف العلوم منزلة علم النجوم، لما في ذلك من جسيم الحظّ وعظيم الانتفاع بمعرفة مدة السنين والشهور، والمواقيت وفصول الأزمان، وزيادة النهار والليل ونقصانهما، ومواضع النيّرين وكسوفهما، وسير الكواكب في استقامتها ورجوعها، وتبدّل أشكالها ومراتب أفلاكها، وسائر مناسباتها، وإني لمّا أطلت النظر في هذا العلم، ووقفت على اختلاف الكتب الموضوعة لحركات النجوم، وما تهيّأ على بعض واضعيها من الخلل فيما أوصلوه فيها من الأعمال، وما ابتغوه عليها، وما اجتمع أيضاً في حركات النجوم على طول الزمان لمّا قيست أرصادها إلى الأرصاد القديمة، وما وجد في ميل فلك البروج على فلك معدّل النهار من التقارب، وما تغير بتغيره من أصناف الحساب، وأقدار أزمان السنين وأوقات الفصول، واتصالات النيّرين، التي يستدل عليها بأزمان الكسوفات وأوقاتها، جريت في تصحيح ذلك وإحكامه على مذهب «بطلميوس» في الكتاب المعروف «بالمجسطيَّ»، بعد إنعام النظر وطول الفكر والرويّة مقتفياً أثره متبعاً ما رسمه، إذ كان قد تقصّى ذلك من وجوهه، ودلّ على الأسباب العارضة فيه، كالبرهان الهندسي العددي الذي لا تُدفع صحته ولا يشك في حقيقته، فأمر المحنة والاعتبار بعده، وذكر أنه قد يجوز أن يستدرك عليه في أرصاده على طول الزمان، كما استدرك هو على أبرخس وغيره من نظرائه...».
ومع أن زيج الصابىء هو أضخم مؤلف للبتاني، فقد كان له مؤلفات قيمة أخرى أهمها: «كتاب معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك» و«رسالة في مقدار الاتصالات» و«رسالة في تحقيق أقدار الاتصالات» و«شرح أربع مقالات لبطلميوس» و«كتاب تعديل الكواكب» وله كتب أخرى في الجغرافية، وقد عدّه الفلكي الفرنسي لالند Lalande أحد الفلكيين العشرين الأئمة الذين ظهروا في العالم كله.
وفضلاً عن طول باعه في علم الفلك، فإنه، كما يصفه كثير من مؤرخي العلوم، أبو علم المثلثات المستوية والكروية. وخلافاً لبطلميوس، فقد استخدم البتاني جيوب الزوايا بدلاً من أوتار الأقواس. وقد تمكن من اكتشاف قانون مهم في المثلثات الكروية، وأوجد دساتير جبرية تعطي قيم الزوايا في بعض المعادلات المثلثاتية بعد أن كان اليونان يحلونها هندسياً.
خضر أحمد
Al-Battani (Muhammad ibn Jabir-) - Al-Battani (Mohammad ibn Jaber-)
البتَّاني (محمد بن جابر)
(نحو 244 ـ 317هـ/ 858 ـ 929م)
أبو عبد الله محمد بن جابر بن سنان البَتّاني الحرّانيّ الصابئ الفلكي المهندس، ويُعرف عند بعض الفرنجة باسم Albategni أو Albategnius أو Battenius. وُلد في بتّان من نواحي حرّان في شمالي سورية وتوفي في «الحضَر»، وهي مدينة قريبة من الموصل ومن تكريت، بين دجلة والفرات. وقد عاش معظم حياته في الرَّقة ببلاد الشام، ولهذا كان يلقب بالرَّقيّ، وقد تخلّى عن عقيدة الصابئة واعتنق الإسلام.
أجرى بحوثاً مبتكرة في علمي الجبر والمثلثات، ولكن ميدانه الحقيقي كان علم الفلك، وكان أعظم علماء عصره في هذا العلم الذي وقف حياته عليه منذ عام 264هـ، إلى أن وافته المنية وكان يرصد في الرَقَّة، على الضفة اليسرى من الفرات. ونظراً لإسهامه الضخم وتقصّيه البعيد في هذا العلم، فإن الكثير من مؤرخي العلوم يسمونه بطلميوس العرب، بل إن بعضهم يعدّونه أسمى منزلة من بطلميوس[ر]، إذ خالفه في الكثير من آرائه، مع بيان الأسباب الموضوعية التي دفعته إلى هذه المخالفة، ويكفي البتّاني فخراً أن كوبرنيك الذي غيّر النظرة إلى الكون بتفنيده للنظام البطلمي، بعد خمسة قرون استشهد ببحوث البتاني أكثر من 23 مرّة في كتابه الذائع الصيت «حول دوران الأفلاك السماوية» De revolutionibus orbium coelistium.
ومن منجزات البتاني الفلكية الشهيرة تحديد ميل فلك البروج (الدائرة الكسوفية) إذ وجد أنه يساوي 23 درجة و35 دقيقة. وظهر حديثاً أن خطأه في الحساب أقل من دقيقة واحدة وهذا يدل على أن آلات الرصد التي استعملها العرب آنذاك كانت جدّ متقنة، فضلاً عن عظمة الراصدين ودقة حساباتهم. وقد كشف البتّاني السَّمْت والنظير، وحدّد طول السنة الشمسية والفصول، وأصلح زمني الاعتدالين الصيفي والشتوي. وأثبت خلافاً لبطلميوس أن القطر الزاوي الظاهري للشمس يتغير، وبيّن احتمال حدوث الكسوف الحلقيّ. وتوصل إلى نظرية في بيان الأحوال التي يُرى فيها القمر عند ولادته. وقد انتقد البتاني اعتقاد بطلميوس بثبات أوج الشمس، وذلك قبل البيرونيّ[ر] بأكثر من قرن من الزمان، وأقام الدليل على تبعيّته لحركة المبادرة الاعتدالية.
وقد وقف البتاني شطرا كبيراً من حياته العلمية على رصد الكواكب وأفلاكها، وتوصل نتيجة جهود جبارة إلى تصحيح أرصاد القدماء للكثير من النجوم، إما لوقوع سابقيه في أخطاء لدى إجراء هذه الأرصاد، وإما بسبب تغير مواقع النجوم نفسها بالنسبة إلى الأرض. وله أرصاد رائعة في الخسوف والكسوف استند إليها كثير من فلكيي القرن الثامن عشر لدى دراستهم لتسارع القمر.
ومن أشهر مؤلفاته في علم الفلك زيجه المعروف باسم «زيج الصابىء» الذي يعدّ في أصح الأزياج، وهو محفوظ في مكتبة الفاتيكان، وقد ترجم إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر للميلاد، وطُبِع في نورمبرغ عام 1537م. وقد وجد «ريجيو مونتانوس» Regiomontanus أن هذه الترجمة تعج بالأخطاء فأصلحها، وطُبعت بعد ذلك في مدينة بولونية في إيطالية عام 1646م. كما أمر ألفونسو العاشر صاحب قشتالة بترجمته من العربية إلى الإسبانية مباشرة في القرن الثالث عشر للميلاد. وهذا المؤلَّفُ يحتوي على جداول توضيحية كاملة لحركات الكثير من الأجرام السماوية، وفيه أثبت البتاني استناداً إلى الأرصاد التي أجراها في الرقة وأنطاكية، وإلى أرصاد من سبقوه، أن النجوم ليست ثابتة، كما كان الاعتقاد سائداً، بل إنها متحركة، وهذا اكتشاف عظيم الشأن أحدث انعطافاً حاداً في علم الفلك. وقد جاء في المقدمة التي كتبها البتّاني لزيجه ما يلي:
«إن من أشرف العلوم منزلة علم النجوم، لما في ذلك من جسيم الحظّ وعظيم الانتفاع بمعرفة مدة السنين والشهور، والمواقيت وفصول الأزمان، وزيادة النهار والليل ونقصانهما، ومواضع النيّرين وكسوفهما، وسير الكواكب في استقامتها ورجوعها، وتبدّل أشكالها ومراتب أفلاكها، وسائر مناسباتها، وإني لمّا أطلت النظر في هذا العلم، ووقفت على اختلاف الكتب الموضوعة لحركات النجوم، وما تهيّأ على بعض واضعيها من الخلل فيما أوصلوه فيها من الأعمال، وما ابتغوه عليها، وما اجتمع أيضاً في حركات النجوم على طول الزمان لمّا قيست أرصادها إلى الأرصاد القديمة، وما وجد في ميل فلك البروج على فلك معدّل النهار من التقارب، وما تغير بتغيره من أصناف الحساب، وأقدار أزمان السنين وأوقات الفصول، واتصالات النيّرين، التي يستدل عليها بأزمان الكسوفات وأوقاتها، جريت في تصحيح ذلك وإحكامه على مذهب «بطلميوس» في الكتاب المعروف «بالمجسطيَّ»، بعد إنعام النظر وطول الفكر والرويّة مقتفياً أثره متبعاً ما رسمه، إذ كان قد تقصّى ذلك من وجوهه، ودلّ على الأسباب العارضة فيه، كالبرهان الهندسي العددي الذي لا تُدفع صحته ولا يشك في حقيقته، فأمر المحنة والاعتبار بعده، وذكر أنه قد يجوز أن يستدرك عليه في أرصاده على طول الزمان، كما استدرك هو على أبرخس وغيره من نظرائه...».
ومع أن زيج الصابىء هو أضخم مؤلف للبتاني، فقد كان له مؤلفات قيمة أخرى أهمها: «كتاب معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك» و«رسالة في مقدار الاتصالات» و«رسالة في تحقيق أقدار الاتصالات» و«شرح أربع مقالات لبطلميوس» و«كتاب تعديل الكواكب» وله كتب أخرى في الجغرافية، وقد عدّه الفلكي الفرنسي لالند Lalande أحد الفلكيين العشرين الأئمة الذين ظهروا في العالم كله.
وفضلاً عن طول باعه في علم الفلك، فإنه، كما يصفه كثير من مؤرخي العلوم، أبو علم المثلثات المستوية والكروية. وخلافاً لبطلميوس، فقد استخدم البتاني جيوب الزوايا بدلاً من أوتار الأقواس. وقد تمكن من اكتشاف قانون مهم في المثلثات الكروية، وأوجد دساتير جبرية تعطي قيم الزوايا في بعض المعادلات المثلثاتية بعد أن كان اليونان يحلونها هندسياً.
خضر أحمد