الكثير منا يتمنى وجود كائنات فضائيّة؛ الخضراء منها والوردي والبني الرمادي، أو ربما روبوتات ذكيّة مثل فولكانز (Vulcans)، وكلينغوس (Klingons)، أو حتى كائنًا ذو الطاقة النقية. فإن أيًّ منها سوف يحاول الاتصال.
ولهذا، كل تذبذب حيوي أو إشارة غامضة تصل من مكان ما في الكون وتُرصد من واحد أو العديد من التلسكوبات لدينا، فإنَّ عناوين الأخبار تندلع عبر وسائل الإعلام: هل كَشفنا أخيرًا عن إشارات الفضائيين؟ أو هل اكتشف علماء الفلك كائنًا فضائيًا ضخمًا؟، ولكن الأشخاص ذوي التفكير العملي يعرفون أننا ربما نتقدّم على أنفسنا.
وبالتأكيد، فإنَّ الشك سيحكم هذا اليوم عندما يأتي ويتربّع عناوين الأخبار، والأحداث التي تنتج عنه.
هذه هي الطريقة التي ينبغي أن يكون، لأننا دائمًا ما نجد أكثر من سبب ممل لأي إشارة من الفضاء نتحدث عنه.
ولكن، أن تكون مُشكّك هو تصرف متوازن. وهذا لا يعني أنك رافض للفكرة.
ما نتحدث عنه هنا هو دراسة جديدة من عالِمي الفلك بورا (E.F. Borra) وتورييه (E. Trottier) من جامعة لافال في كندا.
الدراسة كانت بعنوان “اكتشاف تحويرات طيفيّة دورية غريبة في جزء صغير من النجوم الشمسية”، وقد نُشرت في موقع (arXiv.org) وهو موقع ما قبل الطباعة، وبالتالي فإن الدراسة لم يتم تدقيقها بعد، ولكنها تحظى بالاهتمام.
استخدم عالِما الفلك بيانات من مسح سلووان الرقمي للسماء (SDSS) وهو مسح فلكي يتم باستخدام التصوير الطيفي لقياس الانزياح الأحمر لأطياف المجرات، وتحليل أطياف 2.5 مليون نجم.
من كل تلك النجوم، وجدوا 234 نجمًا تُنتج إشارة مُحيّرة، وهي تعتبر نسبة ضئيلة. وكما يقولون، هذه الإشارات “لها شكل إشارة حياة فضائية (ETI) تمامًا” وهذا كان متوقّعًا حسب دراسة سابقة أجراها العالم بورا.
يوضّح هذا الرسم البياني عددًا من الإشارات التي تم الكشف عنها بواسطة نوع طيفي من النجوم، بالنسبة للعلماء فإنّ التوقّع هو جزء أساسي من المنهج العلمي. إذا كنت تطوّر نظرية، فإنها ستبدو أفضل إذا ما كان بالإمكان استخدامها للتنبؤ في بعض الأحداث المستقبلية بشكل صحيح.
وكمثال على ذلك، انظروا كم عدد المرات التي ثبتت تنبؤات العالم اينشتاين التي تتعلّق بالنسبية.
234 نجمًا في دراسة بورا وتورييه ليست عشوائية.
إنها على نحوٍ هائل في المجال الطيفي من F2 إلى K1. وهذا بالغ الأهمية لأنه مجموعة صغيرة متركزة حول طيف شمسنا.
وحسب معلوماتنا فإن شمسنا هي الوحيدة التي تحتوي على كائنات ذكية تعيش بالقرب منها.
فإذا شمسنا فعلت هذا، ربما النجوم الأخرى أيضًا؟
يُقر المؤلفون بأن هناك خسمة أسباب محتملة لنتائجهم: تأثير تخفيض البيانات ووسيلتها، والتحويلات الدورانية في الجزيئات، تحويل فورييه (Fourier) في الخطوط الطيفية، النبضات السريعة، وأخيرًا إشارة (ETI) التي تنبأ بها بورا في عام (2012).
وهم يرفضون اعتبار الجزيئات أو النبضات كأسباب والتي يرونها مُستبعدة جدًا بأن الإشارات ناتجة عن تحويل فورييه.
هذا يترك اثنين من المصادر المحتملة لكشف هذه الإشارات.
إما أنهم بسبب أجهزة المسح في سلون (SDSS) نفسها وتخفيض بياناتها، أو أنها في الواقع إشارة من الذكاء خارج الأرض.
الإشارات التي تمّ الكشف عنها هي نبضات من الضوء متقطّعة بفاصل زمني ثابت.
وقد توقّع بورا هذه الإشارات في أوراقه عام 2012، وهي ما وجدها مع تورييه. في بيانات مسح سلووان الرقمي للسماء (SDSS).
قد يكون هناك حذر عندما يجد العلماء ما توقّعوا أن يجدوه.
لكن تروتييه وبورا واعيان للنتائج الخاصة بهم.
وكما يقول المؤلفان في دراستهما: «على الرغم من عدم أرجحية هذا، إلّا أن هناك أيضًا احتمال أن الإشارات بسبب مركب كيميائي في غاية الغرابة، وذلك في جزء صغير من هالة نجوم المجرة».
قد يكون حقًا غير مرجح، ولكن العديد من الاكتشافات لا تبدو محتملة في البداية.
ربما يكون هناك مجموعة فرعية صغيرة من النجوم لها خواص كيميائية تجعلها تتصرف بهذه الطريقة.
قسم من الـ234 نجم هي مصادر لنبضات تشبه إشارة ((ETI. لاحظ أن كل النجوم في المجال الطيفي من F2 إلىK1 مشابهة جدًا لشمسنا.
خلاصة القول لكل ما ذكر، وجد عاِلما الفلك عددًا صغيرًا من النجوم، مشابهة جدًا لشمسنا، التي يبدو أنها مصدر إشارات نبضية.
هذه الإشارات هي نفسها كما هو متوقع إذا ما كان المجتمع التكنولوجي يستخدم أجهزة ليزر قوية للتواصل مع النجوم البعيدة.
قد تكون أول علامة من الكائنات الفضائية هي إرسال إشارة ضوئية نابضة من النجوم التي تشبه شمسنا، ولكن كل هذه ما تزال أفكارًا أوليّة جدًا وكما يقر المؤلفان: «في هذه المرحلة نحن بحاجة لتأكيد هذه الفرضية وذلك بمزيد من العمل».
وبالفعل تم التخطيط للبدء بالعمل بمبادرة (Breakthrough Listen Initiative)، ويبحث هذا المشروع عن حياة ذكية في الكون، ومن المخطط أن يتم استخدام التليسكوب الآلي مكتشف الكواكب في مرصد ليك (Lick Observatory) وذلك لمراقبة بعضًا من نجوم بورا الـ 234.
لا يبدو الفريق المتقدّم متحمّس لنتائج بورا، وكما يقولون، قد سكبوا الماء البارد على تلك النتائج، وذلك من مبدأ (المطالب غير الاستثنائية تحتاج دلائل غير استثنائيّة).
وفي بيان ضمن دراسة بورا، أنهم أعطوا نتائجه علامةً (0 إلى 1) حسب مقياس ريو (Rio Scale) وهو مقياس يستخدمه المجتمع الدولي (SETI) لترتيب الظواهر المكتشفة، والتي من الممكن أن تشير إلى حياة متقدّمة خارج الأرض.
ومن الجدير بذكره أن تقييم ريو (Rio Scale) من (0 إلى 1) شيءٌ لا يُستهانُ به.