بعد أن جمعت مسحوقا من صخرة حفرتها في مكان من أجمل الأماكن الخلابة التي زارتها على كوكب المريخ، تتجه مركبة ناسا الجوالة كيوريسيتي (Curiosity) ومعملها نحو وجهات شاقة تمثل جزءا من مهمتها التي مُددت لعامين إضافيين ابتداء من الأول من اكتوبر هذا العام.
تتضمن هذه الوجهات سلسلة من تلال مغطاة بمواد غنية بأكسيد الحديد (حجر الدم)، وتبعد عن موقعها الحالي مايقارب من ميل ونصف الميل (كيلومتران ونصف)، لتتوجه المركبة بعد ذلك إلى منطقة مغطاة بصخور غنية بالوحل.
وتعتبر تلك من أهم مواقع الاستكشاف التي انتقلت إليها والتي تقع على سفوح جبل شارب (Mount Sharp)، وهو عبارة عن مرتفع ذا طبقات ويوازي في حجمه جبل رينير “Mount-Rainier” الواقع في ولاية واشنطن الأمريكية.
تحقق “كيوريوسيتي” بحثا عن أدلة لبيئة قديمة غنية بالمياه، على عكس ماهي طبيعة سطح المريخ اليوم، جافة وقاسية .
“نحن مستمرون بغية الوصول إلى أعلى طبقات جبل شارب وأحدثها عمرا”.
يقول العالم أشوين فاسافادا (Ashwin Vasavada) مدير مشروع “كيوريسيتي” في وكالة ناسا.
ويردف قائلا:
“حتى وبعد أربعة أعوام من استكشاف ذلك الجبل وسفحه، مازال بامكانه مفاجأتنا تماما “.
تسلط مئات الصور اللي التقطتها “كيوريسيتي” في الأسابيع الماضية الضوء من جديد على تجمعات من الجداول وتلال متنوعة الأشكال، من بين 180 ألف صورة التقطتها المركبة منذ هبوطها على المريخ في أغسطس عام 2012 .
ومن المناظر الرائعة في تلك الصور الجديدة هي آخر صورة ذاتية للمركبة التقطتها لنفسها بواسطة الكاميرا الملونة المثبتة في نهاية ذراعها، مع المنظر الواسع الخلاب المطل على قمة عمود الذارع.
“وبعد وداعها لتلال موراي “‘Murray Buttes” ، مهمة كيوريستي الآن هي الاستمرار في دارسة احتمالية وجود الحياة مع ظروف قديمة قابلة للعيش”.
يقول مايكل ماير (Michael Meyer) العالم في برنامج كيوريستي من مقر ناسا الرئيسي في واشنطن.
ويواصل القول:
” كلما واصلت هذه المهمة سبر طبقات الصخور المتعاقبة، كلما واصلنا قراءة صفحات من تاريخ كوكب المريخ وغيرنا من فهمنا للكوكب وكيفية تطوره. لازالت وستظل “كيوريستي” تمثل حجر الاساس في خططنا للمهمات المستقبلية.
أٌخذت الصورة الذاتية بالقرب من سفح احدى تلال موراي ، في نفس الموقع الذي اعتادت المركبة ان تحفر فيه في الثامن عشر من سمبتمر لتاخذ عينات من مسحوق الصخرة.
قبل ذلك بأربعة أيام توقفت محاولتها الأولى للحفر بسبب عطل في الدائرة الكهربائية.
المحاولة الثانية تكللت بالنجاح ووصلت فيها إلى كامل العمق وقامت بجمع عينات منها.
وبعد مغادرتها منطقة التلال، قامت المركبة بنقل العينة إلى المعمل الداخلي لها للتحليل.
هذا آخر موقع للحفر -الموقع الرابع عشر لكيوريستي- في طبقة جيولوجية ذات سماكة تقدر بستمائة قدم (180 متر) ويدعى هذا الموقع “تشكيل موراي” (Murray formation).
تسلقت كيوريستي مايقارب من نصف عمق هذا التشكيل ووجدت أنه يتكون في الأساس من احجار طينية، تكونت من الطين وتجمعت في قيعان هذه البحيرات القديمة.
هذه النتائج تشير إلى أن بيئة البحيرة كانت ثابتة ومستمرة وليست عابرة.
ويترقب فريق المركبة بأن تكمل البحث في النصف الأعلى من التشكيل خلال النصف الأول من العامين المقررين لتمديد المهمة.
“سيتواصل البحث في هذه البحيرة، فكلما توسعنا في رؤية طبقات أعمق، كلما زادت المدة التي بقيت فيها هذه البحيرات، وبالتالي كلما طالت فترة وجود الظروف القابلة للعيش هناك.
هل تغيرت هذه الطبيعة القديمة مع الزمن؟ وهل ستتحول الأدلة التي وجدناها مسبقا إلى نتائج اخرى؟” يقول العالم فاسافادا.
تم التعرف على مكونين (أكسيد الحديد او مايسمى حجر الدم) “Hematite Unit” ، و(الطين ) “Clay unit” الواقعة أعلى تشكيل (موراي) من خلال مسبار المريخ المداري قبل هبوط المركبة كيوريستي .
والمعلومات المتعلقة بمكوناتها والتي تم جمعها من خلال المطياف التصويري الاستكشافي في مسبار المريخ المداري، جعلت لهذا الموقع أولوية عليا في أهداف مهمة المركبة فيما بعد، فكل من أكسيد الحديد والطين تتكون عادة في بيئة رطبة.
“كل من مكون أكسيد الحديد (حجر الدم) ومكون الطين يرجحان وجود بيئات مختلفة، بداية من ظروف بيئية سجلتها الصخرة القديمة تحتهما وتختلف هذه الظروف فيما بينها.
سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كانت إحداهما أو كلاهما تمثل بيئة قابلة للحياة عليها” . قال فاسافادا.
وافقت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) على تمديد مهمة كيوريستي للمرة الثانية هذا الصيف بناءا على الخطط المقدمة من فريق المركبة.
ومن المحتمل أن يكون هناك تمديد إضافي في المستقبل لاستكشاف أماكن أبعد من جبل شارب.
لقد انجزت مهمة كيوريستي هدفها الرئيسي مسبقا في تحديد ما إذا كانت المنطقة التي هبطت فيها قد قدمت ظروفا بيئية تسمح بنشوء حياة مايكروبية، وهل كان المريخ في زمن ما كوكبا تدب الحياة فيه؟
لقد وجدت المهمة أدلة على أنهار وبحيرات ضاربة في القدم مع مصدر كيميائي للطاقة، ومكونات كيميائية ضرورية للحياة كما نعرفها.