يُقصد بالرياح الشمسية التدفق المتواصل للجزيئات المشحونة من الشمس على كواكب المجموعة الشمسية، بما فيها الأرض. فمنذ اكتشافها في الخمسينيات من القرن الماضي، لم يكن هنالك فهم كامل للعلاقة الموجودة بين هذا التدفق والشمس نفسها.
تتكوّن الشمس من غلاف جوي علوي يدعى الهالة (ِCorona) حيث تأخذ الرياح الصادرة شكل أشعة جلية واضحة وكأنها رُسمت من طرف طفلٍ صغير. مع اقترابها من الأرض، تصبح الرياح جد عنيفة و كأنها عاصفة. يكمن الغموض في الانتقال من هالة الشمس إلى الخارج، أي ذلك التحول من أشعة محددة الخصائص إلى رياح عاصفة.
استطاع الفلكيون، باستعمال مسبار ستيريو-STEREO (Solar Terrestrial Relations Observatory) لشركة ناسا الأمريكية، تصوير حافة الشمس لأول مرة (خلال مهمة أُطلِقت سنة 2006) وبالتالي كيفية هذا الانتقال وموضع انطلاق الرياح الشمسية. ويُمَكن هذا الاكتشاف من فهم أدق للنطاق الشمسي حيث تسبح مجموعتنا الشمسية وجمع المعلومات الكافية حول البيئة الفضائية المحيطة بنا لضمان اكتشافات آمنة مستقبلية لما وراء كوكبنا. وقد تم نشر هذا الاكتشاف في مجلة The Astrophysical Journal في الأول من سبتمبر 2016.
في تصريح لنيكولين فيال، باحث متخصص في دراسة الشمس بمركز غودارد لرحلات الفضاء (Goddard Space Flight Center) بولاية ماريلاند (مركز أبحاثٍ تابع لوكالة ناسا) وأحد المعدّين للمقالة المتعلقة بهذا الاكتشاف، يقول: ” لدينا الآن صورة شاملة لتطور الرياح الشمسية”، وأضاف: “سيمكننا هذا الاكتشاف من تغيير مفهومنا لطريقة تطور البيئة الفضائية”، علماً أن البيئة الفضائية هي النطاق المحيط بكوكبنا والمُعرَّض لتأثير للرياح الشمسية، وهو المجال من كوكب الأرض إلى ما بعد كوكب بلوتو.
وتتعرض البيئة الفضائية الخاصة بكوكبنا إلى تأثير مستمر من طرف النشاط السائد على الشمس. بحيث تتكوّن الشمس وغلافها الجوي من البلازما وهي عبارة عن مزيج من الجزيئات المشحونة الموجبة والسالبة والتي تفرّقت بالحرارة العالية جدا والتي تتنقّل عبر خطوط الحقل المغناطيسي. هذه المادة التي تملأ هالة الشمس تندفع و تتدفق نحو الفضاء غامرةً في طريقها المجموعة الشمسية بالرياح الشمسية.
وجد العلماء أنه كلما ابتعدت البلازما عن الشمس، تحدث تغييرات هامة، إذ تفقد الشمس سيطرتها المغناطيسية مشَكِّلة الحدّ الذي يميز الهالة عن خارجها. وهذا ما صرح به كريج دي فورست، المؤلف الرئيسي للمقال العلمي للإكتشاف ومتخصص في فبزياء الشمس بمؤسسة البحث الجنوبية الغربية (SwRI) ببولدر، كولورادو، قائلاً ” كلما ابتعدنا عن الشمس يكون انخفاض شدة الحقل المغناطيسي أسرع من انخفاض ضغط المادة” وأضاف: “بعدها، تبدأ المادة بسلك سلوكٍ مشابه أكثر فأكثر لسلوك الغاز ومغاير للسلوك المغناطيسي للبلازما”
تشبه طريقة انفصال الأشعة الصادرة عن الشمس، طريقة إطلاق الماء من مسدس رش الماء، إذ تكون حالة الماء الخارجة من المسدس في البداية ناعمة وذات تدفق مُوّحد. ثم تنفصل بعد ذلك إلى قطرات، وأخيرا تتحول إلى رش ضبابي. تبيّن الصور التالية المتعلقة بهذه الدراسة، لقطات للبلازما، تكافئ مرحلة التفكك التدريجي للماء المتدفق إلى قطرات.
(صورتين موجودتين في رابط المصدر: لقطات مُصوَّرة لحافة الشمس من مسبار ستيريو(يساراً) و نفس الصور خاضعة لمعالجة قصد التوضيح(يميناً). منسوب إلى كريج دي فورست)
رغم أن العلماء افترضوا سابقاً أن للقوى المغناطيسية دورا فعالا في تحديد هيئة حافة الهالة الشمسية، إلا أن ذلك لم يُلاحَظ من قبل بسبب صعوبة معالجة الصور. على بعد عشرين مليون ميلاً من الشمس تصبح بلازما الرياح الشمسية ضعيفة وحاملة لإلكترونات حرة عائمة تبدد وتبعثر ضوء الشمس. للتمكن من الوصول ومشاهدة مرحلة الانتقال بوضوح ودون شوائب، اضطر العلماء لفصل الميزة الباهتة للرياح الشمسية والتي يُبتغى الوصول إليها، عن الشوائب الخلفية والمصادر الضوئية الغير مرغوب فيها، جاعلة ميزة الرياح أقوى ب 100 مرة.
تعتبر صور الهالة الشمسية المتحولة إلى رياح شمسية حاسمة ومصيرية في فهم لغز الشمس من مركزها إلى غلافها الجوي وذلك لأنها توفر للعلماء منظورا جديداً عاماً لفهم الشمس، وتمكنهم من فهم الفيزياء الخاصة بها على نطاق واسع وعام وتفعيلها في هذه المنطقة الحساسة التي تلقي بتأثيرها على كوكبنا وعلى كامل نظامنا الشمسي.
لن تكتفي الناسا الأمريكية بهذا الاكتشاف وحسب، بل إنها ستوفر للأجيال القادمة معلومات أكثر قيمة عن طريق مهمة (Solar Probe Plus) المقرر إطلاقها في 2018. إذ سيتم إطلاق هذه الأخيرة صوب الهالة الشمسية لهدف دراسة أعمق لمصدر وتطور الرياح الشمسية.
ستيريو (STEREO) هي ثالث مهمة في برنامج التحقيقيات الشمسية الأرضية (Solar Terrestrial Probes) لقسم الفيزباء الشمسية للناسا التي أُديرَت من طرف مركز غودارد لرحلات الفضاء (GSFC) لمديرية البعثة العلمية (SMD) بالعاصمة الأمريكية واشنطن.