المصري أحمد زكي مازال وجهاً جديداً نعيد اكتشافه..في ذكرى رحيله السابعة عشرة...

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المصري أحمد زكي مازال وجهاً جديداً نعيد اكتشافه..في ذكرى رحيله السابعة عشرة...



    في ذكرى رحيله السابعة عشرة... أحمد زكي مازال وجهاً جديداً نعيد اكتشافه
    منار خالد
    الأحد 27 مارس 2022 م
    كلما حاولت الكتابة عن أحمد زكي، تراودني الأحاسيس ذاتها، وكأنها المرة الأولى التي أكتب أو أتحدث فيها عنه، أتعجب في كل مرة يرن هاتفي ويطلب مني أحدهم تسجيل حلقة أو كتابة مقال عن زكي، أقلق حد الرفض، أشعر كأنني لا أمتلك شيئاً لقوله، تتلاشى كل معلوماتي عنه وتذهب في مهب الريح، مُشتتةً غير مستقرة في ذاكرتي، وكأنها تريد أن تبقى قابعة داخلي، دون سبيل للخروج من رأسي.

    أحاول بداية الأمر تجاوز الشأن الذي يشغلني دائماً وأبداً، إذ أسعى لئلا أتحدث عن شخصه، رغم حبي الشديد له، لكني اكتشفت أن شخصه، هو الجزء الأكثر رواجاً بين جمهوره، ومن بعده دائماً يأتي الحديث عن أعماله، قلّما وجدت أشخاصاً نستطيع الفصل بينهم وبين فنهم، والتعامل معهم، أو مع زكي بالذات، بوصفه ممثلاً فقط، دون النظر في حياته الشخصية.

    أعذر هذه الفئة من الجمهور دوماً، فأنا أيضاً أخلط أحياناً بينه وبين شخصياته، بل وكتبت وتعمدت الربط بين هذين الجانبين، وكأن زكي هو من يدفعنا لذلك، ربما كان لديه جهاز عصبي مشع غير قادر على الانفصال، كان دائماً شخصاً يذوب في أدق التفاصيل، فيتسرب هو نفسه بين شخصياته دون أن نشعر، فنجده في منتصر وهشام وسبع الليل وحسن هدهد ومستطاع الطعظي، وغيرهم.

    كلما سألت أحداً عن أحمد زكي يجيب على الفور بأنه يعرفه تمام المعرفة، ربما لم يكن قد قابله من قبل، ولا حتى عاصره في جيله، ولكنه سيقسم بمعرفته، وكأنه، كحالنا نحن، نظن أننا نعرف زكي حق المعرفة، نظراً لتكرار شخصيات زكي أمام الجميع طوال الوقت رغم قلة عددها مقارنة بباقي أبناء جيله، إلا أنها تعد الأكثر حميمية ومصداقية، وكأنها مُصاحبة لنا بل وملتصقة بنا، لا فرار منها لأنها جزء منا وهو أيضاً جزء منها.



    على الرغم من قوة معرفتي بأحمد زكي إلا أنني مازلت أبحث وراءه، جهد دائم لا أهمله مهما حدث، ساعية بكل ما في وسعي أن أذهب لما هو غير متداول عنه، أريد بشتى الطرق أن أجد له مداخل أخرى تجعله متجدداً حاضراً بيننا بشكل جديد، وكأنه مازال حياً وينتج فناً إلى يومنا هذا، ما قادني إلى عوالم جديدة عاشها زكي لكنها لم تكن مشهورة في أعماله، تجارب ذهبت في طي النسيان بين "الهروب" و"زوجة رجل مهم "و"كابوريا" و"هو وهي" و"السادات" و"عبد الناصر"، ربما هذه التجارب منسية لأنها كانت في بدايات مسيرته، ربما أراد هو نفسه أن يخفيها، لأنه -كعادته- لا يريد أن يظهر إلا مكتملاً.

    ربما شعر أن هذه التجارب قد تعكس قلة خبرته، فأراد أن يتجنبها حتى اختفت بشكل كامل، لا يُخضعها أحد للتحليل، ولا يذكرها كثيرون في قوائم أعماله، أثناء مشاهدتي لها كاملة وجدتني أتعرف على أحمد زكي بشكل مختلف، أرى جانباً لم أره فيه من قبل، وكأن الرب شعر بي وأنا أبكي يوم رحيله، متمنية منه أن يقوم ليكمل، فما تركه قليل رغم ثقله، كنت أود زيادة عدد أعماله ولو عملاً واحداً، فوجدتهم فجأة أكثر من ذلك بكثير.
    يُقسم الكثيرون بأنهم يعرفون أحمد زكي حقّ المعرفة، حتى لو لم يعاصروه، ولم يعرفوه سوى من الشاشة، وكأن زكي جزء منا جميعاً



    أذكر في إحدى الحلقات التي أعدها الكاتب بلال فضل عن أحمد زكي في برنامجه "الموهوبون في الأرض"، أن أحمد زكي طالما قال أمامه: "أنا وجه جديد أبحث دائماً عمن يكتشفني".

    تتضح الجملة السابقة إن أخذنا بعين الاعتبار التالي: يتعامل أحمد زكي مع كل دور يريد تقديمه وكأنه الأول له، يعطيه من روحه وانفعاله وقلقه ليظهره بشكل مختلف عن كل ما قدمه، إضافة إلى محاولاته الدائمة اكتشاف مناطق مغايرة لشخصه، ليكون بذلك وجهاً جديداً ومتجدداً، ومن هذا المنطلق بدأت أشاهد أعماله غير المشهورة، والتي على الرغم من كونها سابقة لمرحلة شهرته، كانت قادرة على تحقيق معادلة صعبة، هدفها استمرارية حضوره كوجه جديد لجمهوره حتى بعد رحيله، وجه مازال يُعاد اكتشافه ويُبحث عنه.


    شذرات مسرحية


    نتذكر أحمد زكي دائماً في بداياته كأحمد الشاعر، الشاب المظلوم الفقير بين أقرانه من المشاغبين في مسرحية "مدرسة المشاغبين"، ومن قبلها يتذكره البعض في "هاللو شلبي"، ذلك الجرسون الذي يرغب بامتهان التمثيل، إذ يصادق أعضاء فرقة مسرحية صادف أنهم يقطنون في الفندق الذي يعمل به، وذلك من أجل إسناد دور له في مسرحيتهم.

    نعرفه في هذه الأدوار لأن المسرحيتين السابقتين تم تصويرهما وبثهما بين الحين والآخر على شاشات التليفزيون. لكن إن رجعنا لما قبل ذلك بسنوات قليلة، نجد أن أحمد زكي قدم العديد من المسرحيات في "المعهد العالي للفنون المسرحية" حيث درس، إذ لعب أدواراً من شكسبير وموليير وغيرهم من كُتاب الأدب الغربي والعربي أيضاً، وله صور أرشيفية نادرة أثناء تأديته مسرحية "النار والزيتون" على خشبة المسرح القومي أثناء فترة دراسته، العرض عن نص شهير لألفريد فرج، أخرجه حينها سعد أردش.
    أحمد زكي: "أنا وجه جديد، أبحث دائماً عمن يكتشفني"

    شارك بعدها في مسرحية "حمادة ومها" عام 1967 ولعب فيها (وفي كل ما سيتم ذكره من مسرحيات لاحقاً) دواراً صغيراً، بعدها شارك ضمن فريق "الكورس" بمسرحية "القاهرة في ألف عام" من تأليف عبد الرحمن شوقي، وإخراج الخبير الألماني أرفين لايستر، بالاشتراك مع المخرج المصري أحمد عبدالحليم، ثم وأخرجها للتليفزيون روبير صايغ.

    لعب زكي في هذا العرض عدة شخصيات تنتمي لحقبات زمنية مختلفة، إلى جانب صفاء أبو السعود وسعيد صالح، على خشبة المسرح أواخر فترة الستينيات، أي في ذات الفترة تقريباً التي شارك فيها في "هاللو شلبي"، المسرحية التي استطاع زكي خلالها انتهاز الفرصة لتقديم مشهد مرتجل صغير، أثبت فيه كونه قدرته على الارتجال واستحضار العديد من الشخصيات في أقل من لحظات.

    تحوي المسرحية ذاتها مشهداً تقديمياً لسعيد صالح أثناء وصوله إلى الفندق، يقدم فيه زكي شخصيةً تمزج بين الجرسون الفقير الذي يسعى لتجسيد شخصية الرجل الثري، وما لديه من نقلات تثبت فقره وعدم علمه بتفاصيل هؤلاء الرجال، المفارقة الكوميدية هذه نتج عنها مشهد كوميدي بامتياز، جمع كل من صالح وزكي.

    أرادت فرقة المتحدين بعدها تقدم محاولة جديدة لاستثمار النجاح الذي حققته، لتقدم مع ذات طاقم الممثلين تقريباً، مسرحية أخرى تحت اسم "اللص الشريف"، التي عرضت عام 1971 تأليف عبدالله فرغلي، وإخراج عبدالمنعم مدبولي. المسرحية ذات حبكة لا تختلف كثيراً عن "هاللو شلبي"، وكالعادة، عمل أحمد زكي على إبراز دوره على الرغم من صغر حجمه، وبالفعل قدم شخصية "سيد" ذات اللازمات الإنجليزية التي تجلب ضحكات لا حصر لها من الصالة، بسبب طريقة النطق الخاطئة التي تتوافق مع سمات الشخصية الفقيرة التي قدمها أيضاً، الملفت أن زكي في الفترة نفسها ذهب لتقديم دوره الأشهر في المسرح، وهو "أحمد الشاعر" في مسرحيّة "مدرسة المشاغبين"، ومن بعدها قدم مسرحية "أولادنا في لندن"، تأليف علي سالم، وإخراج كمال يس، بعدها، أي في أواخر فترة السبعينيات، قدم مسرحية "العيال كبرت" مع فرقة المتحدين ذاتها.


    مشاغب خارج مدرسة المشاغبين


    الدورين الأشهر لزكي من بين كل الشخصيات السابقة هما "أحمد الشاعر"، و"كمال رمضان السكري"، أثر هذين الدورين على الجمهور شديد، لدرجة قد تجعل المشاهد عاجزاً عن تخيل زكي يلعب شخصية مختلفة عن طالب في أحد الفصول في مدرسة ما، يشترك معهم في شغبهم وفشلهم الدائم، فهو الشاعر الهادئ الفقير.

    لكن، نجده فجأة يجسد شخصية "كامل" في مسلسل "إصلاحية جيل الليمون" الذي عرض واخر فترة السبعينيات، من تأليف يوسف فرنسيس، وإخراج علوية زكي. في هذا الدور، زكي شاب مجرم في الإصلاحية، يشاغب ويتشاجر مع المدرسين في دور مختلف كل الاختلاف عن صورته المعهودة سابقاً، ولكن هذا لا ينفي حضور بعض سمات أحمد الشاعر وكمال المثقف في أعمال درامية أخرى، فقدم، على سبيل المثال لا الحصر، شخصية الكاتب القاص الشاعر في مسلسلين، هما "طيور بلا أجنحة" و"إلا الدمعة الحزينة"، في الفترة نفسها، وفي كل منهما تخوض شخصيته قصة حب تتعرض للكثير من التخبطات، وهي العقدة نفسها التي قدمها في مسلسل "الغضب" المأخوذ عن نص "هاملت" لشكسبير، الشخصية التي تبحث عن قاتل والدها وتخوض قصة حب خاسرة.

    قدم قبلها في "اللسان المر" أمام مديحة حمدي، قصة حب تتعرض لكثير من المشكلات بسبب الاختلاف القبلي، كذلك جسد دوراً مختلفاً بعض الشيء في مسلسل "أيام من الماضي" الذي لعب فيه دور طبيب نفسي إلى جانب زيزي البدراوي، ربما تشابهت سمات الشخصيات حينها مع بعضها البعض، إذ لعب مثلاً في "إلا الدمعة الحزينة" دور "أحمد"، الطفل الفقير الذي رباه عمه صاحب الأملاك بعد وفاة والديه، كذلك هو حال "مراد" في "بستان الشوك" والمأخوذ في الأساس عن الرواية العالمية "مرتفعات ويذرنج" للروائية والشاعرة البريطانية إيميلي برونتي.
    قدرة أحمد زكي على الارتجال المسرحي واقتناص اللحظات المناسبة على الخشبة لفتت الأنظار إليه وجعلت أدواره الصغيرة لا تُنسى



    حُصر زكي دوماً ضمن قالب محدد، مؤدياً دور الفقير اليتيم المغلوب على أمره، ففي مسلسل "من أجل ولدي" الذي عرض في أوائل فترة الثمانينيات، قدم زكي دور "فؤاد"، الشاب الذي ينتمي لأسرة فقيرة تعيش في فترة السبعينيات، ويضطر إلى التخلّي عن حلمه الدراسي مقابل الحصول على وظيفة كي يعيل عائلته بعد وفاة والده، مضيعاً عمره في سبيلهم، هناك أيضاً عمل تليفزيوني آخر، معروف بعض الشيء بين جمهور زكي، وهو "الرجل الذي فقد ذاكرته مرتين" المقتبس عن رواية "نجيب محفوظ"، وهو المسلسل المعروف إلى حد كبير بعد "هو وهي"، و"الأيام" لطه حسين، نظرًا لقيام هالة فؤاد بدور البطولة أمام زكي في ذلك المسلسل، وإلى الآن يعتبر العمل الوحيد الذي جمعهم معاً.
    لم ينس الإذاعة أيضاً


    في سياق الأعمال المأخوذة من عالم الأدب، لا يمكن إغفال دور "خير" الذي قدمه زكي في فيلم "الأقدار الدامية"، أمام يحيى شاهين ونادية لطفي، الفيلم المقتبس عن مسرحية "الحداد يليق بإلكترا" ليوجين أونيل، كذلك لابد من الإشارة إلى بداياته بشكل عام في السينما، فهناك قائمة أفلام لا يمكن تجاهلها: "ولدي"، "بدور"، "ليلة وذكريات"، "صانع النجوم"، فضلًا عن الأدوار المشهورة نوعاً ما في أفلام مثل: "أبناء الصمت"، "العمر لحظة"، "وراء الشمس"، "إسكندرية ليه".

    يمكن القول إن أحمد زكي لم يترك أي وسيط، سواء سينمائي أو تليفزيوني أو مسرحي، إلا وعمل به، كذلك هو الحال مع الإذاعة، إذ قدم زكي "الوسية" كدراما إذاعية وهي رواية شهيرة لخليل حسن خليل، وكذلك "رصاصة في القلب"، واحدة من أشهر مؤلفات توفيق الحكيم التي لعب فيها زكي دوراً إذاعياً إلى جانب نيللي، الحال ذاته مع المسلسل الإذاعي "دموع صاحبة الجلالة"، المؤَلَف الأشهر لموسى صبري، وقدم فيه زكي نموذج الصحفي الشهير "محفوظ عجب" الذي مازال يُستشهد به حتى يومنا هذا أمام نماذج المتملقين المتسلقين على أكتاف الغير.

    كل من هذه الأعمال تم تقديمهم في وسائط أخرى بين السينما والتليفزيون على يد فنانين آخرين، كأحمد عبد العزيز في الوسية، وفاروق الفيشاوي كمحفوظ عجب في التليفزيون، وكذلك سمير صبري في السينما، أما عن "رصاصة في القلب" فقدمها من قبل محمد عبدالوهاب في فيلم سينمائي عام 1944.






    ليس عبدالناصر والسادات وحليم وطه حسين وحدهم فحسب


    استكمالاً لاستعراض باع أحمد زكي في الدراما الإذاعيةـ نجد أنه قدم خلالها سيراً ذاتية كعادته، فمثلما قدم للسينما "ناصر 56، أيام السادات، حليم"، وللتليفزيون "الأيام" لطه حسين، كما قدم للإذاعة "المتمرد" وهي قصة حياة عبدالله النديم، كان قادراً بصوته أن يجسد معاناة ذلك الشاعر المهموم بقضايا بلاده، في ذات الوقت حياته حين كان شاباً يعيش قصة حب مع زوجته "روحية"، مجسداً ما كان لديه من عذوبة وهدوء وثقافة وقضية حقيقية مات من أجلها، كل ذلك عبر ميكروفون الإذاعة فقط.

    أذكر جيداً أني قرأت ذات يوم في أحد الملفات التي صاغها زميلي الصحفي بشري عبدالمؤمن بموقع "الدستور" ضمن أحد الملفات التي أعدها عن المخرج الراحل شادي عبدالسلام، تأكيداً أنه وجد أثناء رحلة بحثه وراء أعمال عبدالسلام، دوراً قام به زكي في فيلم روائي قصير عن "طومان باي"، ومن ثم ذكر أنه وجد فى كتاب نبيل فرج "كتابات مختارة" من إعداد الناقد السينمائى سمير فريد، مقالاً بعنوان "اليوم الأخير للسلطان طومان باي أو غياب الوعى"، وتأكد حينها بشخصه من مهندس الديكور الشهير أنسي أبو سيف وآخرين، أن الفيلم من بطولة أحمد زكي، وإخراج عاطف البكرى، ويتناول درامياً اليوم الأخير في حياة السلطان طومان باي، وأرفق معه جزءاً من سيناريو الفيلم، لكن للأسف، مازالت النسخة الفيلمية، التي لم تتجاوز العشرين دقيقة، مفقودة بعد.
يعمل...
X