استصلاح الزهرة ,استرداد شقيقة الارض
دائمًا ما يتمّ الإشارة إلى الزهرة كـ “الكوكب الأخت” للأرض، وهو حقًا كذلك. بالإضافة لكون كوكب الزهرة بنفس حجم الأرض تقريبًا، نجدُ تشابهًا بين الكوكبين في الكُتلة و التكوين (كلاهما من الكواكب الصّخرية). يُعتبر الزهرة من جيران الأرض كما أنهُ يقع في المنطقة القابلة للسكن في المجموعة الشمسيّة. لكن دون شك، نجدُ العديد من الاختلافات الجوهريّة بينهما، جعلت من الزّهرة كوكبًا غير صالحٍ لاحتضان الحياة.
بدايةً، الغلاف الجوّي أغلظ من الذي تمتلكهُ الأرض بـ 90 مرّة، مُتوسط درجات الحرارة على سطحه كافية لإذابة الرّصاص، أمّا الهواء فهو عبارة عن دخان سام من ثنائي أكسيد الكربون و حمض الكبريتيك. إذن، إذا ما أراد البشر العيش على سطح كوكب الزهرة، سيتطلبُ ذلك تدخل الهندسة البيئية بشكل جدّي (استصلاح الكوكب). ونظرًا لأوجه التشابه الكثيرة مع الأرض، يعتقد العديد من العلماء أن الزّهرة هو من بين أبزر الأهداف لمشروع استصلاح العوالم، ربّما يكون أهمّ من المرّيخ!
الطُرق المحتمل استعمالها :
أول الطُرق المقترحة بخصوص استصلاح الزهرة تعود إلى سنة 1961 من طرف كارل ساجان. في ورقة علميّة عنوانها “كَوكَبُ الزُّهَرَة”، اقترح استعمال بكتيريا مُعدّلة جينيًا من أجل تحويل الكربون في الغلاف الجوّي إلى جُزيئات عضوية. وقد أصبحَ هذا الإقتراح غير عمليّ لاحقًا بعد اكتشاف حامض الكبريت في غيوم الزّهرة و تأثير الرياح الشمسيّة.
وفي دراسته الصادرة سنة 1991 بعنوان “اسِتصْلَاحُ الزهرةبِسُرعَة”، اقترح العالم البريطاني بول بيرش (Paul Birch) قصفَ الغلاف الجويّ للزّهرة بالهيدروجين. وسيُنتج ذلك التفاعل الجرافيت و الماء، وهذه الأخيرة ستسقُط على السطح مُغطيّة 80% من مساحة المحيطات. ونظرًا لحجم الهيدروجين الضخم اللّازم للعمليّة، سيكون من الضروري الحصول عليه من أحد الكواكب الغازية الضّخمة أو من جليدِ أقمارها.
ويستدعي الإقتراح أيضًا إضافة الهباء الجوّي للحديد في الغلاف الجويّ، ويُمكن الحصول عليه من عدّة مصادر (مثل الأقمار، الكويكبات و عُطارد). الغلاف الجويّ المتبقي يُقدّر بحوالي 3 بار (ثلاث مرّات أكثر منهُ على الأرض)، سيكون مكوّنًا من النيتروجين أساسًا، والذي سيتحللُ جزء منه في المحيطات الجديدة، ممّا سيخفف من حدّة الضغط الجوّي بمرور الوقت.
فكرة أخرى بخصوص استصلاح الزّهرة، تقوم على قصفِ الكوكب بالمغنيسيوم المُكرّر والكالسيوم، ممّا سيسمحُ بعزل الكربون على شكل كالسيوم و كربونات المغنيسيوم. في ورقة علميّة صادرة سنة 1996 تحت عنوان “اسْتِقرَارُ مُناخ الزُّهرَة”، أشار كلّ من مارك بولوك (Mark Bullock) و دافيد جرينسبوون (David Grinspoon) من جامعة كولورادو، لإمكانيّة استعمال موارد كوكب الزّهرة من الكالسيوم و أكسيد المغنيسيوم في العمليّة. عبرَ التّعدين، سيكون مُمكنًا استخراج هذه المواد من السّطح.
على كلّ حال، بولوك و جرينسبوون ادعيا كذلك أنّ العمليّة سيكون لها تأثير تبريد محدود على الكوكب ــ إلى حوالي 126.85°C ــ وستقوم بتخفيض الضّغط الجويّ إلى 43 بار فقط تقريبًا. كما أنّ الحصول على مؤونات كالسيوم ومغنيسيوم إضافيّة سيكون ضروريًّا للحصول على 8×1020 kg من الكالسيوم و 5×1020 kg من المغنيسيوم المطلوبة، وهذه المواد سيتم استخراجها من الكويكبات بشكل أساسي.
هذا وقد تمّ طرحُ مفهوم الظِلال الشمسيّة كذلك، وهذا يتضمّنُ استعمال سلسلة من المركبات الفضائيّة الصغيرة أو عدسَة عملاقة من أجل تحويل أشعة الشّمس عن سطح الكوكب، وهذا سيساهمُ في تخفيض درجات الحرارة عليه. بالنسبّة للزُّهرة، الذي يمتصُ ضعفِ أشعة الشّمس مُقارنةً بالأرض، يُعتقد أنّ للإشعاع الشمسيّ دورٌ جوهريّ في ظاهرة الإحتباس الحراري التي جعلتْ الكوكب في الحالة التي هُوَ عليها الآن.
مثلَ هكذا مُنشأة يجبُ أن يكون مقرّها في الفضاء، تحديدًا في نقطة لاغرانج L1 للشمس-الزّهرة، وهذا ما سيمنعُ بعضًا من أشعة الشمس من الوصول إلى الزهرة. بالإضافة إلى ذلك، هذه الظلال ستُساهم في حبسِ الرّياح الشمسيّة، ممّا سيخفف من حدّة الإشعاعات الشمسيّة التي يتعرّضُ لها سطح الكوكب. هذه العمليّة قد ينجرُّ عنها إسالة أو تجميد ثاني أكسيد الكربون الجوّي، الذي سيتحلّلُ بدورها على السطح كجليدٍ جاف.
كبديلٍ للإقتراح الأوّل، يُمكن وضع العاكِسات الشمسيّة على مستوى الخلاف الجوّي أو على السّطح. هذا يتطلّبُ وجود بالونات عاكسة ضخمة، صفائح من أنابيب الكربون النانوية أو الجرافين، أو مواد بياضٍ مُنخفضة. وهذا الحلّ البديل يمنحُ لها ميزتين : أولًا، العاكسات الجويّة يُمكن أن تبنى على الكوكب، باستعمال الكربون المستخرج من الزُّهرة. ثانيًا، الغلاف الجويّ للزّهرة كثيفٌ كفاية لجعل تلك المنشآت تطفوا فوق السُحب بسهولة.
كما اقترح عالمُ ناسا جوفري لانديس (Geoffrey A. Landis) بناءَ مُدنٍ فوق سحب كوكب الزُّهرة، ويُمكن أن تكون بمثابة أدرعٍ ضدّ الشّمس و محطّات عاملة في نفس الوقت. وهذا سيمنحُ للمستوطنين مساحةً كافية للعيش، ليكون بإمكانهم تحويل الغلاف الجويّ للكوكب إلى شيءٍ أفضل من أجل الوصول إلى العيش على السّطح.
الإقتراح التّالي لديهِ علاقة بسرعة دوران الزّهرة. ويدُور كوكب الزّهرة مرّة كل 243 يوم، وهذا يُعتبر إلى اليوم أبطىءُ سرعة دوران بين الكواكب الرّئيسيّة. وبسبب ذلك، يختبرُ الكوكب أيّامَ و ليالٍ طويلة للغاية، وهذا ممّا سيصعّبُ من مأموريّة التأقلم للكائنات الأرضية من نباتات و حيوانات. كمَا أن سرعة الدوران البطيئَة قد تكون سببًا رئيسيًا في افتقارِ الكوكب للغلافِ المغناطيسي.
من أجل مُناقشة الأمر، اقترح عضو الجمعيّة البريطانية للكواكب بول بريش صُنعَ نظامٍ من المرايا الشمسيّة ووضعها في مدارٍ قُربَ نقطة لاغرانج L1 للشمس-الزّهرة. بالإضافة إلى مرآة شمسيّة أخرى على مستوى المدار القُطبي، وهذا ما سيوفّرُ دورة ضوئيّة تدوم لـ24 ساعة فقط.
ثمّ هنالك إمكانية نزع جُزء من الغلاف الجوّي للزّهرة، وهذا يُمكن أن يتمّ عبرَ عدّة طُرق. مثل وضعِ رواطم موجّهة إلى السّطح والتي بإمكانها نسف جُزء من الغلاف الجويّ نحو الفضاء. وطُرق أخرى تدعوا لاستعمال مصاعد فضائيّة و مُعجّلات (تُوضع على بالونات أو أماكن فوق السّحب)، والتي ستقوم بامتصاص الغازات بالتّدريج و صرفِهِ نحو الفضاء بعد ذلك.
المزايا المُحتملة :
من أبرز الأسباب التي تدعونا لاستيطان الزّهرة و التعديل على بيئته من أجل بناء قواعد بشريّة، هي فرقة بناء “مكان احتياطي” للبشر. ورغمَ وجود العديد من الخيارات ــ مثل المرّيخ، القمر، والنظام الشمسيّ الخارجي ــ يملكُ الزّهرة العديد من الأشياء التي تفتقرُ إليها الخيارات الأخرى. وهذا ما يُفسّر تسمية الكوكب بـ “شقيقة الأرض”.
بدايةً، الزّهرة كوكب صخريّ يُشبه للأرض في الحجم، الكتلة و التشكيلة. لهذا يملكُ الكوكب جاذبيّة مُشابهة للأرض، وتبلغُ تقريبًا 90% من جاذبيّة الأرض لنكون أدق (0.904 g). كنتيجة لذلك، عيشُ البشر على الزّهرة قد يقلّل من المخاطر الصحيّة التي ستنتج عن العيش في بيئات ذات جاذبيّة صُغرى على المدى البعي ــ مثل هشاشة العظام و ضمور العضلات ــ.
كما أن قرب الزّهرة إلى الأرض نسبيًّا سيجعل من عمليات النقل و الإتصال أسهل مُقارنة بمعظم الوجهات الأخرى في النظام الشّمسي. وستكون الرّحلات نحوه أقصر بكثير بما أنّ الزهرة هو الأقرب إلى الأرض. حيثُ تصل المسافة بينهما إلى 40 مليون كلم في أقصى درجات الإقتراب، مُقارنة بـ 55 مليون كلم للمرّيخ.
والسبب الآخر لهُ علاقة بآثار ظاهرة الإنحباس الحراري على الكوكب، الذي تسبب في ارتفاع حرارته بشكل كبير وساهمَ في تكثيف غلافه الجويّ. وباستعمال مُختلف تقنيات الهندسة البيئية على الزّهرة يمكن لعلمائنا دراسة فاعليّتها. هذه المعلومات قد تُساهم بشكل كبير في تعاملنا مع الصرّاع القائم ضد التغييرات المُناخية هنا على الأرض.
إذن، وبالإضافة لبناءِ وطنٍ ثانٍ للبشريّة، استصلاح الزّهرة قد يُساعد أيضًا على إبقاء كوكبنا الأرض صالحًا للعيش لمختلف أنواع أحيائِنا. وطبعًا، بما أنّ كوكب الزّهرة يُعتبر صخريًّا فهذا يعني أنه يحتوي على العديد من الموارد الطبيعية التي سيكون بإمكاننا استخراجها، لدفعِ البشريّة نحو تحقيق اقتصاد “ما بعد الندرة”.
التحديّات المُحتملة :
عندَ الحديث عن الصعوبات، قد تفقدُ بعضًا من الحماس الذي شعرتَ بهِ وأنت تقرأ بداية المقال. على سبيل المثال، لبناء ظلال مداريّة ضخمة كفاية لتبريد الغلاف الجويّ للزّهرة يجبُ أن يتوفرّ لدينا حجم ضخم للغاية من المعادن و المواد المُتقدّمة من أجل وقفِ تأثير ظاهرة الإحتباس الحراري. منشأة كتلك، إذا ما تم وضعها في موقع L1، يجبُ أن تكون أربع مرّات أكبر من قطر كوكب الزّهرة نفسه. يجبُ أن يتم تركيبها في الفضاء كذلك، ممّا يتطلبُ وجود أسطول ضخم من الروبوتات المُجمّعَة.
بالإضافة إلى ذلك، الرفع من سرعة دوران الزّهرة يتطلبُ طاقة بحجم كبير للغاية، دون ذكر ضرورة توفير عدد كبير من المواد التي سيتمّ قصف السّطح بها، ويجبُ أن يتم جلبها من النظام الشمسي الخارجي بشكل أساسي ــ من حزام كويبر مثلًا. من أجل إتمام كلّ ذلك، سنحتاج إلى أسطول كبير من المركبات الفضائيّة من أجل نقل المواد الضروريّة، وسيكون من الضروري توفرها على أنظمة قيادة متطورّة لجعل الرّحلات قصيرة بشكلٍ كافٍ.
وعندما نصلُ إلى نزعِ الغلاف الجوي للزّهرة، الأمور تبدو في نفسِ درجة التحدّي. في 1994 قامَ كلّ من جيمز بولاك (James Pollack) و كارل ساجان بحسابات أشارت لأنّ ضرب الزّهرة بجسم يبلغُ 700 كلم في القطر لن يجعلَ الكوكب يخسر سوى واحدًا من ألف من غلافه الجوي. كما أنّ معظم الغلاف الجويّ المطرود من الزّهرة سيبقى حبيسًا في المدار الشمسيّ قرب الكوكب، وقد يتم التقاطهُ من طرف الحقل الجاذبيّ للزّهرة وإعادته للكوكب من جديد في حال عدم التدخل لمنعِ ذلك.
وكخاتمة لحديثنا، استصلاح الزّهرة هو أمرٌ لن تتمكن البشريّة من تحقيقه على المدى القريب. على كل حال، بالنظر إلى المستقبل، تحوّل الزّهرة إلى “شقيقة الأرض” في كل شيءٍ يتصورّهُ العقل ــ مع مُحيطات، أراضٍ صالحة للزراعة، حياة بريّة و مُدن ــ يبدُو أمرًا جميلًا للتخيّل و قابلًا للتحقيق. السؤال الحقيقي هو، إلى متى سننتظر لرؤية ذلك يتجسّدُ حقًا في الواقع؟
دائمًا ما يتمّ الإشارة إلى الزهرة كـ “الكوكب الأخت” للأرض، وهو حقًا كذلك. بالإضافة لكون كوكب الزهرة بنفس حجم الأرض تقريبًا، نجدُ تشابهًا بين الكوكبين في الكُتلة و التكوين (كلاهما من الكواكب الصّخرية). يُعتبر الزهرة من جيران الأرض كما أنهُ يقع في المنطقة القابلة للسكن في المجموعة الشمسيّة. لكن دون شك، نجدُ العديد من الاختلافات الجوهريّة بينهما، جعلت من الزّهرة كوكبًا غير صالحٍ لاحتضان الحياة.
بدايةً، الغلاف الجوّي أغلظ من الذي تمتلكهُ الأرض بـ 90 مرّة، مُتوسط درجات الحرارة على سطحه كافية لإذابة الرّصاص، أمّا الهواء فهو عبارة عن دخان سام من ثنائي أكسيد الكربون و حمض الكبريتيك. إذن، إذا ما أراد البشر العيش على سطح كوكب الزهرة، سيتطلبُ ذلك تدخل الهندسة البيئية بشكل جدّي (استصلاح الكوكب). ونظرًا لأوجه التشابه الكثيرة مع الأرض، يعتقد العديد من العلماء أن الزّهرة هو من بين أبزر الأهداف لمشروع استصلاح العوالم، ربّما يكون أهمّ من المرّيخ!
الطُرق المحتمل استعمالها :
أول الطُرق المقترحة بخصوص استصلاح الزهرة تعود إلى سنة 1961 من طرف كارل ساجان. في ورقة علميّة عنوانها “كَوكَبُ الزُّهَرَة”، اقترح استعمال بكتيريا مُعدّلة جينيًا من أجل تحويل الكربون في الغلاف الجوّي إلى جُزيئات عضوية. وقد أصبحَ هذا الإقتراح غير عمليّ لاحقًا بعد اكتشاف حامض الكبريت في غيوم الزّهرة و تأثير الرياح الشمسيّة.
وفي دراسته الصادرة سنة 1991 بعنوان “اسِتصْلَاحُ الزهرةبِسُرعَة”، اقترح العالم البريطاني بول بيرش (Paul Birch) قصفَ الغلاف الجويّ للزّهرة بالهيدروجين. وسيُنتج ذلك التفاعل الجرافيت و الماء، وهذه الأخيرة ستسقُط على السطح مُغطيّة 80% من مساحة المحيطات. ونظرًا لحجم الهيدروجين الضخم اللّازم للعمليّة، سيكون من الضروري الحصول عليه من أحد الكواكب الغازية الضّخمة أو من جليدِ أقمارها.
ويستدعي الإقتراح أيضًا إضافة الهباء الجوّي للحديد في الغلاف الجويّ، ويُمكن الحصول عليه من عدّة مصادر (مثل الأقمار، الكويكبات و عُطارد). الغلاف الجويّ المتبقي يُقدّر بحوالي 3 بار (ثلاث مرّات أكثر منهُ على الأرض)، سيكون مكوّنًا من النيتروجين أساسًا، والذي سيتحللُ جزء منه في المحيطات الجديدة، ممّا سيخفف من حدّة الضغط الجوّي بمرور الوقت.
فكرة أخرى بخصوص استصلاح الزّهرة، تقوم على قصفِ الكوكب بالمغنيسيوم المُكرّر والكالسيوم، ممّا سيسمحُ بعزل الكربون على شكل كالسيوم و كربونات المغنيسيوم. في ورقة علميّة صادرة سنة 1996 تحت عنوان “اسْتِقرَارُ مُناخ الزُّهرَة”، أشار كلّ من مارك بولوك (Mark Bullock) و دافيد جرينسبوون (David Grinspoon) من جامعة كولورادو، لإمكانيّة استعمال موارد كوكب الزّهرة من الكالسيوم و أكسيد المغنيسيوم في العمليّة. عبرَ التّعدين، سيكون مُمكنًا استخراج هذه المواد من السّطح.
على كلّ حال، بولوك و جرينسبوون ادعيا كذلك أنّ العمليّة سيكون لها تأثير تبريد محدود على الكوكب ــ إلى حوالي 126.85°C ــ وستقوم بتخفيض الضّغط الجويّ إلى 43 بار فقط تقريبًا. كما أنّ الحصول على مؤونات كالسيوم ومغنيسيوم إضافيّة سيكون ضروريًّا للحصول على 8×1020 kg من الكالسيوم و 5×1020 kg من المغنيسيوم المطلوبة، وهذه المواد سيتم استخراجها من الكويكبات بشكل أساسي.
هذا وقد تمّ طرحُ مفهوم الظِلال الشمسيّة كذلك، وهذا يتضمّنُ استعمال سلسلة من المركبات الفضائيّة الصغيرة أو عدسَة عملاقة من أجل تحويل أشعة الشّمس عن سطح الكوكب، وهذا سيساهمُ في تخفيض درجات الحرارة عليه. بالنسبّة للزُّهرة، الذي يمتصُ ضعفِ أشعة الشّمس مُقارنةً بالأرض، يُعتقد أنّ للإشعاع الشمسيّ دورٌ جوهريّ في ظاهرة الإحتباس الحراري التي جعلتْ الكوكب في الحالة التي هُوَ عليها الآن.
مثلَ هكذا مُنشأة يجبُ أن يكون مقرّها في الفضاء، تحديدًا في نقطة لاغرانج L1 للشمس-الزّهرة، وهذا ما سيمنعُ بعضًا من أشعة الشمس من الوصول إلى الزهرة. بالإضافة إلى ذلك، هذه الظلال ستُساهم في حبسِ الرّياح الشمسيّة، ممّا سيخفف من حدّة الإشعاعات الشمسيّة التي يتعرّضُ لها سطح الكوكب. هذه العمليّة قد ينجرُّ عنها إسالة أو تجميد ثاني أكسيد الكربون الجوّي، الذي سيتحلّلُ بدورها على السطح كجليدٍ جاف.
كبديلٍ للإقتراح الأوّل، يُمكن وضع العاكِسات الشمسيّة على مستوى الخلاف الجوّي أو على السّطح. هذا يتطلّبُ وجود بالونات عاكسة ضخمة، صفائح من أنابيب الكربون النانوية أو الجرافين، أو مواد بياضٍ مُنخفضة. وهذا الحلّ البديل يمنحُ لها ميزتين : أولًا، العاكسات الجويّة يُمكن أن تبنى على الكوكب، باستعمال الكربون المستخرج من الزُّهرة. ثانيًا، الغلاف الجويّ للزّهرة كثيفٌ كفاية لجعل تلك المنشآت تطفوا فوق السُحب بسهولة.
كما اقترح عالمُ ناسا جوفري لانديس (Geoffrey A. Landis) بناءَ مُدنٍ فوق سحب كوكب الزُّهرة، ويُمكن أن تكون بمثابة أدرعٍ ضدّ الشّمس و محطّات عاملة في نفس الوقت. وهذا سيمنحُ للمستوطنين مساحةً كافية للعيش، ليكون بإمكانهم تحويل الغلاف الجويّ للكوكب إلى شيءٍ أفضل من أجل الوصول إلى العيش على السّطح.
الإقتراح التّالي لديهِ علاقة بسرعة دوران الزّهرة. ويدُور كوكب الزّهرة مرّة كل 243 يوم، وهذا يُعتبر إلى اليوم أبطىءُ سرعة دوران بين الكواكب الرّئيسيّة. وبسبب ذلك، يختبرُ الكوكب أيّامَ و ليالٍ طويلة للغاية، وهذا ممّا سيصعّبُ من مأموريّة التأقلم للكائنات الأرضية من نباتات و حيوانات. كمَا أن سرعة الدوران البطيئَة قد تكون سببًا رئيسيًا في افتقارِ الكوكب للغلافِ المغناطيسي.
من أجل مُناقشة الأمر، اقترح عضو الجمعيّة البريطانية للكواكب بول بريش صُنعَ نظامٍ من المرايا الشمسيّة ووضعها في مدارٍ قُربَ نقطة لاغرانج L1 للشمس-الزّهرة. بالإضافة إلى مرآة شمسيّة أخرى على مستوى المدار القُطبي، وهذا ما سيوفّرُ دورة ضوئيّة تدوم لـ24 ساعة فقط.
ثمّ هنالك إمكانية نزع جُزء من الغلاف الجوّي للزّهرة، وهذا يُمكن أن يتمّ عبرَ عدّة طُرق. مثل وضعِ رواطم موجّهة إلى السّطح والتي بإمكانها نسف جُزء من الغلاف الجويّ نحو الفضاء. وطُرق أخرى تدعوا لاستعمال مصاعد فضائيّة و مُعجّلات (تُوضع على بالونات أو أماكن فوق السّحب)، والتي ستقوم بامتصاص الغازات بالتّدريج و صرفِهِ نحو الفضاء بعد ذلك.
المزايا المُحتملة :
من أبرز الأسباب التي تدعونا لاستيطان الزّهرة و التعديل على بيئته من أجل بناء قواعد بشريّة، هي فرقة بناء “مكان احتياطي” للبشر. ورغمَ وجود العديد من الخيارات ــ مثل المرّيخ، القمر، والنظام الشمسيّ الخارجي ــ يملكُ الزّهرة العديد من الأشياء التي تفتقرُ إليها الخيارات الأخرى. وهذا ما يُفسّر تسمية الكوكب بـ “شقيقة الأرض”.
بدايةً، الزّهرة كوكب صخريّ يُشبه للأرض في الحجم، الكتلة و التشكيلة. لهذا يملكُ الكوكب جاذبيّة مُشابهة للأرض، وتبلغُ تقريبًا 90% من جاذبيّة الأرض لنكون أدق (0.904 g). كنتيجة لذلك، عيشُ البشر على الزّهرة قد يقلّل من المخاطر الصحيّة التي ستنتج عن العيش في بيئات ذات جاذبيّة صُغرى على المدى البعي ــ مثل هشاشة العظام و ضمور العضلات ــ.
كما أن قرب الزّهرة إلى الأرض نسبيًّا سيجعل من عمليات النقل و الإتصال أسهل مُقارنة بمعظم الوجهات الأخرى في النظام الشّمسي. وستكون الرّحلات نحوه أقصر بكثير بما أنّ الزهرة هو الأقرب إلى الأرض. حيثُ تصل المسافة بينهما إلى 40 مليون كلم في أقصى درجات الإقتراب، مُقارنة بـ 55 مليون كلم للمرّيخ.
والسبب الآخر لهُ علاقة بآثار ظاهرة الإنحباس الحراري على الكوكب، الذي تسبب في ارتفاع حرارته بشكل كبير وساهمَ في تكثيف غلافه الجويّ. وباستعمال مُختلف تقنيات الهندسة البيئية على الزّهرة يمكن لعلمائنا دراسة فاعليّتها. هذه المعلومات قد تُساهم بشكل كبير في تعاملنا مع الصرّاع القائم ضد التغييرات المُناخية هنا على الأرض.
إذن، وبالإضافة لبناءِ وطنٍ ثانٍ للبشريّة، استصلاح الزّهرة قد يُساعد أيضًا على إبقاء كوكبنا الأرض صالحًا للعيش لمختلف أنواع أحيائِنا. وطبعًا، بما أنّ كوكب الزّهرة يُعتبر صخريًّا فهذا يعني أنه يحتوي على العديد من الموارد الطبيعية التي سيكون بإمكاننا استخراجها، لدفعِ البشريّة نحو تحقيق اقتصاد “ما بعد الندرة”.
التحديّات المُحتملة :
عندَ الحديث عن الصعوبات، قد تفقدُ بعضًا من الحماس الذي شعرتَ بهِ وأنت تقرأ بداية المقال. على سبيل المثال، لبناء ظلال مداريّة ضخمة كفاية لتبريد الغلاف الجويّ للزّهرة يجبُ أن يتوفرّ لدينا حجم ضخم للغاية من المعادن و المواد المُتقدّمة من أجل وقفِ تأثير ظاهرة الإحتباس الحراري. منشأة كتلك، إذا ما تم وضعها في موقع L1، يجبُ أن تكون أربع مرّات أكبر من قطر كوكب الزّهرة نفسه. يجبُ أن يتم تركيبها في الفضاء كذلك، ممّا يتطلبُ وجود أسطول ضخم من الروبوتات المُجمّعَة.
بالإضافة إلى ذلك، الرفع من سرعة دوران الزّهرة يتطلبُ طاقة بحجم كبير للغاية، دون ذكر ضرورة توفير عدد كبير من المواد التي سيتمّ قصف السّطح بها، ويجبُ أن يتم جلبها من النظام الشمسي الخارجي بشكل أساسي ــ من حزام كويبر مثلًا. من أجل إتمام كلّ ذلك، سنحتاج إلى أسطول كبير من المركبات الفضائيّة من أجل نقل المواد الضروريّة، وسيكون من الضروري توفرها على أنظمة قيادة متطورّة لجعل الرّحلات قصيرة بشكلٍ كافٍ.
وعندما نصلُ إلى نزعِ الغلاف الجوي للزّهرة، الأمور تبدو في نفسِ درجة التحدّي. في 1994 قامَ كلّ من جيمز بولاك (James Pollack) و كارل ساجان بحسابات أشارت لأنّ ضرب الزّهرة بجسم يبلغُ 700 كلم في القطر لن يجعلَ الكوكب يخسر سوى واحدًا من ألف من غلافه الجوي. كما أنّ معظم الغلاف الجويّ المطرود من الزّهرة سيبقى حبيسًا في المدار الشمسيّ قرب الكوكب، وقد يتم التقاطهُ من طرف الحقل الجاذبيّ للزّهرة وإعادته للكوكب من جديد في حال عدم التدخل لمنعِ ذلك.
وكخاتمة لحديثنا، استصلاح الزّهرة هو أمرٌ لن تتمكن البشريّة من تحقيقه على المدى القريب. على كل حال، بالنظر إلى المستقبل، تحوّل الزّهرة إلى “شقيقة الأرض” في كل شيءٍ يتصورّهُ العقل ــ مع مُحيطات، أراضٍ صالحة للزراعة، حياة بريّة و مُدن ــ يبدُو أمرًا جميلًا للتخيّل و قابلًا للتحقيق. السؤال الحقيقي هو، إلى متى سننتظر لرؤية ذلك يتجسّدُ حقًا في الواقع؟