في نظام كوكب المُشتري، نجدُ 67 قمرًا مُسجِّلًا وجوده بشكل رسميّ حتى الآن من مُختلف الأحجام، الأشكال و التكوينات. وتكريمًا لاسم المُشتري نفسه، تُسمّى هذه الأقمار عادة بالجوفيانز (The Jovians). ومن بينها، الأقمار الأربع الكبيرة ــ آيو، أوروبا، جانيميد و كاليستو ــ تُعرف باسم أقمار جاليليو (The Galilaeans) تكريمًا لمُكتشفها جاليليو جاليلي. وتُعتبر هذه الأقمار الأربعة من الأكبر على الإطلاق في النّظام الشّمسي. مع جانيميد كأكبر قمر بينهم، وهو أكبر حتّى من كوكب عُطارد.
بالإضافة إلى ذلك، ثلاثة من تلك الأقمار ــ أوروبا، جانيميد و كاليستو ــ يُعتقد بوجود مُحيطات داخليّة فيها. وجود مياه المُحيطات الدّافئة ليس دليلًا فقط على احتمال وجود حياة على تلك الأقمار، لكنّه أيضًا سبب لوضعها كوُجهات محتملة للمُستوطنات البشريّة.
كلّ من آيو، أوروبا و جانيميد تقع كلّها في رنين مداريّ مع بعضها البعض. آيو يملك متوسّط حركة رنين مداري 2/1 مع أوروبا و 4/1 مع جانيميد، وهذا يعني أنّه يكمل دورتين في مدار المُشتري خلال دورة واحدة في مدار أوروبا، وأربع دورات في مدار المُشتري خلال دورة واحدة في مدار جانيميد. هذا الرّنين يُساعد في الإبقاء على الشذوذ المداري للأقمار.
منطقيًا، كل قمر له حصة من المميّزات و المساوىء على حدّ سواء. وهذا يعُود إلى التباين بين هياكل الأقمار و تكويناتها، قربها إلى المُشتري، توفّر المياه، وإذا ما كان القمر تحت سيطرة المجال المغناطيسي القويّ للمُشتري أو لا.
الطُرق الممكنة :
إنّ عمليّة تحويل أقمار جاليليو تبدو بسيطة. بشكل أساسيّ، الأمر يتوقف على استغلال الموارد المحليّة لها وترك التفاعلات بين الأقمار و المجال المغناطيسي للمُشتري لخلق غلاف جويّ قابل للتنفس. وتبدأ العملية بتدفئة السّطح من أجل إذابة الجليد، الذي قد يستدعي استعمال مرايا مداريّة لتركيز أشعة الشمس على السّطح، متفجرّات نوويّة، أو إلقاء مذنبات وكويكبات على السّطح.
سيبدأ بالجليد الذوبان على السّطح، سيسمحُ ذلك بتشكيل سحُب كثيرة من بخار الماء و مُتطايرات غازيّة (مثل ثاني أكسيد الكربون، المثيان والأمونيا). وهذا بإمكانه إطلاق احتباس حراريّ، ليتم تدفئة السّطح بشكل أكبر، وبدأ ما يُسمى بعملية الإنحلال الإشعاعي (و هو عمليّة تفكك الجزيئات عبرَ التعرض للإشعاع النووي).
بشكل أساسي، تفكك بخار الماء بسبب إشعاعات المُشتري سينتجُ عنه تكوّن غازيّ الهيدروجين و الأكسجين، أغلب تلك الغازات ستهربُ نحو الفضاء، بينما ما يتبقّى منها سيبقى قريبًا إلى السّطح. هذه العمليّة قد بدأت بالفعل في أوروبا، جانيميد و كاليستو، ولهذا السّبب تملكُ هذه الأقمار غلافًا جويًّا قليل الكثافة (يحتوي على غاز الأكسجين).
وبما أنّ الأمونيا مكوّن أساسًا من النيتروجين، بإمكانهِ التحوّل إلى غاز النيتروجين (N²) من خلال تدخّل سُلالات مُعيّنة من البكتيريا. وهذا قد يعتمدُ على أصناف من بكتيريا النيتروسوموناس، الكلوستريديوم و الزّائفة، التي ستقوم بتحويل غاز الأمونيا إلى نتريت (NO²-)، وتحويل النتريت بعد ذلك إلى غاز النيتروجين. ومع النيتروجين الذي يعملُ كغازٍ عازل، تشكّل غلاف جوي من النيتروجين والأكسجين مع ضغط جويّ كافٍ سيكون مثاليًا للحياة البشريّة هُناك.
ويأتي خيارٌ آخر ضمن ما يسُمّى بـ “شبهِ الاستصلاح” ــ عمليّة تقوم على تغطية عالمٍ ما بشكلٍ كليّ أو جُزئي عبرَ قوقعة اصطناعيّة من أجل التعديل على بيئته ــ وفي حالة أقمار المُشتري، قد يتضمّن ذلك بناء صدفات عملاقة، والحفاظ على الجوّ مُلائمًا بداخلها من أجل التسببِ في تغييرات على المدى البعيد.
مع هذه الصدفة، أوروبا، جانيميد و كاليستو، سترتفعُ درجات حراراتها بشكل بطيء، وبخار الماء في الغلاف الجويّ قد يتعرض إلى الأشعة مافوق البنفسجيّة. ليتمّ استخدام البكتيريا بعد ذلك، ومواد أخرى عند الحاجة. هكذا عمليّة ستسمحُ بمراقبة عمليّة التعديل على الغلاف الجويّ ولن يضيعَ شيءٌ قبل إتمامها.
قمر آيو :
مع نصفَ قطر يبلغ 1821.6 ± 0.5 كلم، وبُعد متوسّط عن المُشتري يصلُ إلى 421,700 كلم، آيو هو أقرب أقمار جاليليو إلى المُشتري. بسبب هذا، يقع آيو تمامًا ضمن نطاق المجال المغناطيسي القويّ للكوكب، ولهذا السبب أيضًا يتعرّضُ سطح القمر إلى درجات ضارّة للغاية من الإشعاعات. في الحقيقة، يستقبل آيو حوالي 3600 rem من الإشعاعات الأيونية يوميًا، بينما تتعرّضُ الكائنات الحيّة هنا على الأرض إلى 24 rem فقط كلّ سنة !
يملك القمر أقصر فترة مداريّة بين اقمار جاليليو، حيثُ يكمل دورة واحدة حول العملاق الغازيّ كل 42.5 ساعة. أما رنين القمر المداري الذي يصلُ إلى 2/1 و 4/1 مع كلّ من أوروبا و جانيميد (أنظر فوق) أيضًا يُساهم في الإنحراف المداري للقمر الذي يصلُ إلى 0.0041، وهذا ما يُعتبر السبب الأوّل في النشاط الجيولوجي لآيو.
مع متوسّط كثافة يصل إلى 3.528 ± 0.006 g/cm3، يُعتبر آيو أكثر الأقمار كثافةً في النظام الشّمسي. مكوّن أساسًا من صخور السيليكات و الحديد، يعتبر آيو في التركيب أقرب إلى الكواكب الصخريّة منهُ إلى الأقمار الأخرى في النظام الشمسيّ الخارجيّ، التي تتكوّن في معظمها من مزيج جليد الماء والسيليكات.
وعلى عكس الأقمار جارته، لا يملكُ آيو محيطات دافئة قُربَ سطحه. في الحقيقة، بالإعتماد على ملاحظات القياسات المغناطيسية و التدفق الحراري، يُعتقد بوجود محيط ماجما تحت السّطح بحوالي 50 كلم، الذي يبلغ سُمكه 50 كلم هو الآخر. ويتوّقعُ وصول درجات حرارة الماجما تلك إلى 1200 درجة مئويّة.
قمر أوروبا :
في المقابل، أوروبا لديها الكثير لتقدّمه في مادة الاستصلاح. إذا ما تمّ وصف آيو بكونهِ عالمًا جحيميًا قاذف للحمم، إذن سيكون أوروبا العالم الهادىء، جليديًا و رطبًا مقارنةً بجاره. مع متوسّط نصف قطر بصل إلى 1560 كلم و كتلة 4.7998 ×1022 kg، أوروبا هو أصغرُ بقليل من قمر كوكب الأرض، ممّا يجعلهُ سادس أكبر قمر والجسم الأكبر رقم خمسة عشر في النظام الشمسيّ.
مدارهُ دائريّ الشكل تقريبًا، مع انحراف يصلُ إلى 0.09، ويبعدُ عن المشتري بمسافة 670.900 كلم. ويحتاجُ القمر إلى 3.55 أيام أرضيّة من أجل إتمام دورة حول المشتري، وهو مرتبط جاذبيًّا مع الكوكب (بعض النظريات تقول أنّه ليس مرتبط بشكل كامل). على هذه المسافة من المُشتري، يتعرّض أوروبا إلى حجم معتبر من الإشعاعات، بمعدل 540 rem يوميًا.
أوروبا هو أكثر كثافة مقارنة بأقمار جاليليو الأخرى (ما عدى آيو)، مما يُشير لكونه مكوّن من منطقة داخليّة صخريّة مكونة من صخور السيليكات مع نواة حديديّة على الأرجح. فوق ذلك الصخر نجدُ طبقة من جليد الماء يُعتقد بأنها بسمكِ 100 كلم. ووجود محيط دافىء قد يوحي بوجود الحياة، حيثُ أنّ الأكسجين سيكون متوفرًا في المحيطات المالحة التي يتمّ تسخينها من طرف نواة أوروبا النشطة جيولوجيًا. مع الأخذ بعين الإعتبار كلّ تلك المعلومات، يمكن أن تتواجد الحياة على أوروبا، على شكل ميكروبي أو حتّى الكائنات متعددة الخلايا، في بيئات تشبهُ تلك الموجودة في أعماق المحيطات هنا على الأرض.
وبسبب المياه المُتوفرة على شكل سائل و صلب، أوروبا هي من أبرز المرشحين لاحتضان مستوطنات بشريّة. باستعمال معدّات نوويّة، تأثير المذنبات أو أي طُرق أخرى من أجل تدفئة السّطح، الجليد المتواجد على أوروبا قد يذوب لتكوين غلاف جويّ ضخم من بخار الماء. وبتعرّض بخار الماء للمجال المغناطيسي الخاص بالمُشتري، سيتحوّل إلى غاز أكسجين (الذي سيبقى قريبًا من الكوكب) والهيدروجين الذي سيهربُ بعيدًا نحو الفضاء. النتيجة ستكون نشأة محيطٍ ضخم يحيط بالقمر بأكلمه، مما يمنحُ إمكانية بناءَ مستوطنات عائمة عليه.
قمر جانيميد :
إنّه القمر الثالثُ الأبعد عن المشتري، ويبعدُ عن الكوكب بحوالي مليون كيلومتر. على هذا البعد يقضي القمر سبعَ أيّامٍ و ثلاثُ ساعات من أجل إكمال دورة واحدة حول الكوكب. ومثل الأقمار المعروفة، جانيميد محبوس أمام قوّة جذب المُشتري فهو يمتلكُ جهة واحدة تقابل الكوكب باستمرار.
مع نصف قطر يصلُ إلى 2634.1 ± 0.3 كلم (نصفَ نظيره في الأرض تقريبًا)، جانيميد هو أكبر قمر في النظام الشمسيّ دون منازع، حتّى أنه أكبر من كوكب عُطارد. على كلّ، مع كتلة تصلُ إلى 1.4819 x 10²³ كغ (0.025 كُتلة الأرض) إنّهُ قمر ضئيلُ الكتلة، وهذا يعود لتركيبته الداخليّة المكونة من جليد الماء و صخور السيليكات أساسًا.
جانيميد يُعتبر من الوجهات الممكنة للمستوطنات البشريّة ــ وحتى للاستصلاح ــ وهذا لعدة أسباب. من بينها أنّ قوة الجاذبية على القمر تصلُ إلى 1.428 m/s2 (ما يقابله 0.146 g) وهذا قابلٌ للمقارنة مع جاذبيّة قمرِ الأرض. وهذا كفيلٌ بتقليل فرص الإصابة بالمشاكل الصحيّة العائدة لنقصِ الجاذبيّة، وهذا يعني أيضًا أن سرعة الإفلات على القمر منخفضة، مما يجعلُ الصواريخ تنطلق منه باستعمال وقود أقل.
ماذا أيضًا، وجود غلاف مغناطيسي للقمر يعني أنّ المستوطنين سيكونون في موقع مؤمن أكثر من الإشعاعات الكونيّة مقارنةً بأوروبا و آيو مثلًا. ويتلّقى جانيميد حوالي 8 rem من الإشعاعات يوميًا (أقل بكثير مقارنة بأوروبا و آيو) لكنّهُ يبقى فوق طاقة تحمّل البشر.
وجود جليد الماء يعني إمكانية إنتاج أكسجين قابل للتنفس من طرف المُستوطنين، وحتّى مياهَ الشّرب، كما يمكن صناعة وقود الصواريخ. مثل أوروبا، بإمكاننا فعل ذلك بتدفئة السّطح عبر طرق مختلفة، لإذابة جليد الماء و ترك الإنحلال الإشعاعي من أجلِ تحويله إلى أكسجين. مرّة أخرى، هذا قد يتسببُ في خلق قمرٍ مُحاطٍ تمامًا بمحيط ضخم من المياه، لكن هذا المحيط سيكون أعمق بكثير (حوالي 800 كلم).
وكما هو الحال مع أوروبا، قد يحتوي جانيميد على محيط داخليّ بسبب الحرارة الصادرة عن داخلهِ. هذه الحرارة قد تصلُ إلى الماءِ عبرَ الفتحات الحرارية المائية، ممّا قد يسمحُ لتوفير الحرارة والطاقة الكافيتين لاحتضانِ الحياة. مع وجود مياهٍ تتوفرُ على الأكسجين، قد تتواجدُ الحياة في قمر جانيميد بالفعل على شكل كائنات مُحبّة للظروف القاسية تُسمّى بـ extremophiles.
قمر كاليستو :
إنّهُ أبعد الأقمارِ عن المشتري، حيثُ يعبدُ عنه بمسافة متوسّطة تصل إلى 1.8 مليون كلم. مع نصف قطر يصلُ إلى 2410.3 ± 1.5 km (حوالي ثلث نظيرهِ على الأرض) و كتلة تصلُ إلى 1.0759 × 1023 kg (0.018 كتلة الأرض)، كاليستو هو ثاني أكبر أقمارِ المُشتري وثالث أكبر قمر في النظام الشمسيّ. إنّهُ أقرب إلى حجم عُطارد، لكن نظرًا لتكوينهِ فكتلتهُ لا تصلُ إلى ثلث كتلة عُطارد.
مقارنة بباقي أقمارِ جاليليو، يملكُ كاليستو العديد من المزايا إذا تحدّثنا عن إنشاءِ مستوطنات بشريّة هناك. مثل الأقمار الأخرى، يملكُ القمر مياهً متوفرة على شكل جليدٍ سطحيّ (وربّما مياهً سائلة تحت السّطح). لكن عكس جيرانه، بُعد كاليستو عن المشتري يعني تقليل المخاطر المتعلقة بالتعرّض للإشعاعات القاتلة. في الحقيقة، مع نسبة إشعاعات تصلُ إلى 0.01 rem يوميًا، كاليستو يبدُو عالمًا يمكن للبشر تحمّله.
مثل أوروبا وجانيميد، وأقمار زحل المعروفة (ميماس، ديون وتيتان)، وجود حياة في المحيطات التحت أرضيّة قد يكون أمرًا حقيقيًا على كاليستو كذلك. وهذا التوقع قد يكون أقرب إلى الواقع في حال تأكيد وجود مياه مالحة في تلك المحيطات الداخليّة، حيثُ يمكن أن تزدهر كائنات تسمّى بالـ halophiles (وهي كائنات تتأقلم مع البيئات عالية التركيز ملوحةً).
مثل أوروبا وجانيميد، عمليّة استصلاح كاليستو قد تستدعي تدفئة السّطح من أجل إذابة الجليد و تكوين الغلاف الجويّ، وتكوين الأكسجين بعد ذلك عبر عملية الإنحلال الإشعاعي. النتيجة ستكون أيضًا قمرًا يغمرهُ محيط ضخم، لكن سيكون عمقه بين 130 و 350 كلم فقط.
التحديّات المتوقعة :
حسنًا، لقد قمنا بتغطية الطرق المحتملة و الأهداف، وهذا ما يعني أنّنا وصلنا للأخبار السيّئة. للدخول في صلب الموضوع، إنّ عملية تحويل واحدٍ أو أكثر من أقمار جاليليو إلى عوالم قابلة لاحتضان الحياة البشريّة قد يكون أمرًا صعبًا للغاية، بعضها يبدُو غيرَ قابل للتخطّي. وعلى سبيل المثال لا الحصرِ نذكر :
– المسافة
– الموارد / المنشآت
– المخاطر الطبيعية
– الإستدامة
– الإعتبارات الأخلاقيّة
بشكل أساسيّ، نظام المشتري بعيدٌ عن الأرض. في المتوسّط، المسافة بين المشتري والأرض تصلُ إلى 628,411,977 كلم، وهي تقريبًا تساوي أربع مرّات المسافة بين الأرض والشّمس. بوضع ذلك في الحُسبان، سيحتاجُ الرّحالة إلى 18 شهر إلى عامين من أجل الوصول إلى المُشتري من الأرض. المركبات التي ستحملُ المسافرين البشر (مع معدّات و مؤونات كافية) تحتاجُ لأن تكون أكبر وأثقل، وهذا سيجعلُ من زمن السّفر أكبر.
بالإضافة إلى ذلك، بالإعتماد على الطريقة المُستعملة، استصلاح سطح أوروبا، جانيميد و كاليستو قد يحتاجُ إلى استخراجِ الموارد من حزامِ الكويكبات الرّئيسي. وبما أنّ الرحلات إلى تلك المنطقة من الفضاء تحتاجُ إلى نقل شحنات ضخمة من الحمولات الجليديّة، قد نحتاجُ إلى أنظمة دفع أكثر تطور لتقليص زمن الرّحلات.
زيادةً على ذلك، أي مركبة تنوي نقل البشر إلى نظام المُشتري ستحتاجُ للإعتماد على تكنولوجيا فيزياء درجات الحرارة المتدنية، لجعلها أصغر حجمًا، أسرع و أقل تكلفة. ورغمَ نقاش هذه استعمال هذه التكنولوجيا في الرحلات البشريّة نحو المرّيخ، لا تزالُ حقًا في مرحلة البحث و التطوير.
وبالحديث عن المهمات نحول حزام الكويكبات، تلك المركبات ستحتاجُ إلى أنظمة مثل نظام الدفع الحراري-النووي (NTP)، أنظمة الدفع الإندماجيّة أو أي مفهوم متقدّم آخر. لكن حتى الآن، كل هذه الأنظمة لا وجود لها، وقد تحتاجُ لبضعِ عقود من أجل أن ترى النّور.
كذلك، وبالحديث عن النقل، يجبُ علينا المرور إلى البُعد الثاني من هذا التحدّي، وهو المنشآت. من أجل إرسال رحلات بشريّة عديدة إلى نظام المُشتري، وكذلك الأمر بخصوص مهمات استخراج المواد من الكويكبات، يجبُ أن يتوفّر عدد لابأس به من المنشآت، لا وجود لها حاليًا. هذا يتضمّنُ العديد من المركبات الفضائيّة. وكذلك نحنُ بحاجة لقواعدَ ما بين الأرض والمُشتري، مثل قاعدة على القمر، مستوطنة دائمة على المرّيخ، قواعد على سيريس (كويكب) و في حزام الكويكبات.
والأمر صعبٌ أيضًا بالنسبة لبناءِ منشآت مُغلقة أو ما يسمى بـ “عوالم الصدفة”. بناءُ شيءٍ ضخم يغطّي كامل القمر ــ قد يبلغُ قطره ما بين 3121.6 كلم إلى 5262.4 كلم ــ يحتاجُ إلى كميّة ضخمة للغاية من المواد. وإذا ما كان استخراجُ المواد ممكنا من حزام الكويكبات القريب، فالعمليّة نحتاجُ إلى الآلاف من المركبات و الروبوتات العاملة في استخراج المواد، النقل و التجميع لبناءِ القوقعات.
ثالثًا، الإشعاعات ستكون كبيرة للغاية بالنسبة لطاقة تحمّل البشر على أوروبا وجانيميد. وكما تمّ الإشارة له مسبقًا، تتلقى الكائنات على الأرض حوالي 24 rem سنويًا وهذا يساوي 0.0657 rem يوميًا. التعرّض لجرعة إشعاع تقارب 75 rem في بضعة أيّام قد يتسبب في تسمّم إشعاعي، بينما التعرّض لجرعة 500 rem خلال أيّام قليلة سيكون قاتلًا حتمًا. وكل أقمار جاليليو ما عدى كاليستو تقعُ في منطقة الموت الإشعاعيّة.
كنتيجةٍ لذلك، أيّ مستوطنة تُبنى على أوروبا وجانيميد ستحتاجُ إلى أدرع واقية من الإشعاعات، حتّى بعد خلق غلافٍ جوّي. وهذا يتطلّب بناءَ أدرع واسعة في مدار الأقمار (مما يستوجب وجود استثمار ومواد أكبر).
وفوق كلّ كذلك، كل من أسطح أوروبا، جانيميد و كاليستو (خصوصًا كاليستو !) هي شاهدة على القصف العنيف للصخور الفضائيّة. في الحقيقة، معظم أقمارِ المشتري هي كويكبات في الأساس تم احتجازها من طرف الكوكب عندَ سباحتها في الأرجاء. ويتمّ فقدان العديد منها بشكل دوريّ ليتمّ إضافة أخرى. إذن، يجبُ على المستوطنين الحذر بشكل جديّ من الصخور الفضائيّة التي قد تسقطُ صوبَ عالمهم البحريّ، مُسببّة أمواجًا هائلة وخالقةً غيوم كثيفة من بخار الماء.
رابعًا، لا يملكُ أحد من أقمار المشتري غلافًا مغناطيسيًا، حتى في حال جانيميد هو ليس قويّ كفاية لمنعِ تأثير المجال المغناطيسي للمُشتري. ولهذا السبب، سيتبخّرُ أي غلاف جويّ سيتم إنشائه على تلك الأقمار، كما هو الحال مع الغلاف الجوي للمرّيخ الذي نُسفَ بعيدًا بعد خسارة الكوكب لغلافة المغناطيسي قبل حوالي 4.3 مليارات سنة. من أجل الحفاظ على تأثير الاستصلاح، سيكون على المستوطنين صيانة الغلاف الجويّ باستمرار.
وهناك جانبٌ آخر يجبُ النظر إليه، ذلك يتعلّق بطبيعة الكواكب التي ستنشأ كنتيجة لعمليّة الاستصلاح. إنّ تحويل أوروبا، جانيميد و كاليستو قد ينتجُ محيطات ضخمة تختلف في العمق ــ من 100 كلم (في حالة أوروبا) إلى الأعماق السحقية 800 كلم (في حالة جانيميد). في المقابل، أعمق نقطة تمّ قياسها هنا على الأرض هي على بُعد 10 كيلومترات فقط في المحيط الهادىء (خندق ماريانا). ومع محيطات سحيقة العمق، يجبُ أن تأخذ كل المستوطنات شكل المُدن العائمة. ونحن حتى الآن لا نعلمُ طبيعة التأثيرات الفيزيائيّة للعيش على مثل هكذا بيئات.
وأخيرًا، سنتحدث عن المُعضلة الأخلاقيّة للاستصلاح. إذا ما توّقع العلماء وجود حياة بالفعل على قمرٍ واحد أو أكثر من أقمار المشتري، إذن سيكون للاستصلاح عواقب وخيمة على تلك الأشكال من الحياة. على سبيل المثال، ذوبان الجليد على سطح قمر أوروبا سيعني نهاية حياة الكائنات البكتيريّة الموجودة هناك، لأنّ ذلك سينزع سبيلهم الوحيد للوقاية من الإشعاعات القاتلة.
أمَّا بخصوص أشكال الحياة المتواجدة في المناطق الداخليّة، غالبًا حول الفتحات الحرارية المائية لن تتأثر بشكل كبير بوجود البشر على السّطح. على كلٍّ، أيّ تغيير سيطرأ على التوازن البيئي قد يقود سلسلة تأثيرات بإمكانها القضاء على دورة الحياة الطبيعية. وتواجدُ كائنات تأتي من البشر (الجراثيم على سبيل المثال) قد يكون له نفسُ الأثرِ المُدمّر. إذن، القيام بعمليّة استصلاح أقمار المُشتري قد يقودنا لإبادة جماعيّة لأشكال الحياة هناك.
يبدو أنّ استصلاح النظام الشمسيّ الخارجي بعيدُ المنال حاليًا بشكل كبير. في حين أنّ إمكانيّة فعل ذلك تبدو مثيرة للغاية، وتمنحُ العديد من الفرص الجديرة بالإهتمام. لكن من الواضح أنّ تلك المرحلة لن تكون ممكنة سوى عندَ وضعِ قدمٍ لنا على القمر، المرّيخ وحزام الكويكبات كذلك.