بنو قريظة
بنو قريظة قبيلة يهوديّة نزلت يثرب ما بين عامي 70م ـ135م بعد أن نقم الرومان على اليهود في عهد القائد الروماني تيطس لإثارتهم الفتن والقلاقل، فقمع الامبراطور هادريان تمرّدهم سنة 135م، وشتّتهم، فاستقرّ ببني قريظة المقام في جهة الجنوب الشرقي ليثرب، وحالفوا قبيلة الخزرج، وكانوا يمتهنون الحرف التي يترفّع عنها العرب، ويشيدون الحصون، ويتاجرون مع القبائل العربيّة. وحاول الرسولr عند قدومه المدينة هدايتهم إلى الإسلام خصوصاً أنّهم أهل كتاب، فأبوا عليه، وكان من أبرز المناوئين للدين الإسلامي من بني قريظة الزبير ابن طابا بن وهب وغزال بن شمويل وكعب بن أسد، وكان كعب ثريّاً وزعيماً في بني قريظة، فتولّى القيام بعقد اتفاق مع المسلمين لصالح بني قريظة، فلمّا كانت غزوة الأحزاب (الخندق)[ر] في السنة الخامسة للهجرة، قام حييّ ابن أخطب ـ وهو أحد زعماء بني النضير الذين أجلاهم الرسولr عن المدينة ـ بتحريض بني قريظة في المدينة حتّى نقضوا عهدهم مع رسول اللهr وانضمّوا إلى الأحزاب، فغدا المسلمون محاصرين من جهات المدينة كلّها.
ولمّا تناهى الخبر إلى رسول اللهr بعث سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وهما سيّدا الأوس والخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة وخوّات بن جبير، فقال: «انطلقوا حتّى تنظروا أحقٌّ ما بلغنا من هؤلاء القوم؟ فإن كان حقّاً فالحنوا إليّ لحناً أعرفه، ولا تفتّوا في أعضاد الناس». فخرجوا حتّى أتوهم، فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم، نالوا من رسول الله، وقالوا: من رسول الله؟! لا عهد بيننا وبين محمّد ولا عقد، فشاتمهم سعد بن معاذ، وشاتموه، وكان رجلاً فيه حدّة، فقال له سعد بن عبادة: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أولى من المشاتمة. ثمّ عادوا إلى الرسول، وأخبروه بالخبر اليقين، فقال: «الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين». وعظم عند ذلك البلاء، واشتدّ الخوف، وأتاهم عدوّهم من فوقهم ومن أسفل منهم، حتّى ظنّ المؤمنون كلّ ظنّ، ونجم النفاق من بعض المنافقين، حتّى قال قائلهم: كان محمّد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط!
قدم نعيم بن مسعود الغطفانيّ على الرسولr حين كانت الأحزاب تحيط بالمدينة، فقال: يا رسول الله، إنّي قد أسلمت، وإنّ قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت. فقال له الرسول: إنّما أنت فينا رجل واحد، فخذّل عنّا إن استطعت، فإنّ الحرب خدعة. فأبرم نعيم بن مسعود خطّة أحدثت شرخاً بين يهود بني قريظة من جهة وغطفان وقريش من جهة ثانية، ثمّ ما كان من أمر الريح الشديدة التي هبّت ليلاً، فكفأت قدور القوم، ومزّقت خيامهم، فانكفأ المشركون لا يلوون على شيء، ودخل حيي بن أخطب حصون بني قريظة عند انصراف الأحزاب، فلمّا أصبح النبيّr انصرف عن الخندق راجعاً إلى المدينة، ووضع المسلمون السلاح، فقدم جبريلu ظهراً، فقال: أوضعتم السلاح؟ فوالله ما وضعت الملائكة بعد السلاح، اخرج إليهم فقاتلهم، فإنّي عامد إليهم ومزلزل بهم». فأمر رسول الله منادياً، فأذّن في الناس: إنّ من كان سامعاً مطيعاً فلا يصليّنّ العصر إلا في بني قريظة. وحمل راية المسلمين عليّ بن أبي طالبt، واستمرّ حصار المسلمين لبني قريظة خمساً وعشرين ليلة، فأجهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فلمّا أيقنوا أنّ الرسول غير منصرف عنهم حتّى يناجزهم، قال كعب بن أسد لهم: يا معشر اليهود، إنّه قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإنّي عارض عليكم خلالاً ثلاثاً، فخذوا أيّها شئتم! قالوا: وما هنّ؟ قال: نتابع هذا الرجل ونصدّقه، فوالله لقد كان تبيّن لكم إنّه لنبيّ مرسل، وإنّه للذي كنتم تجدونه في كتابكم، فتأمنوا على دمائكم وأموالكم ونسائكم. قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبداً، ولا نستبدل به غيره. قال: فإذا أبيتم هذه عليّ فهلمّ فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثمّ نخرج إلى محمّد وأصحابه رجالاً مصلتين السيوف، ولم نترك وراءنا ثقلاً يهمّنا، حتّى يحكم الله بيننا وبين محمّد، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئاً نخشى عليه، وإن نظهر فلعمري لنجدنّ النساء والأبناء. قالوا: نقتل هؤلاء المساكين، فما خير العيش بعدهم! قال: فإذا أبيتم هذه عليّ، فإنّ الليلة ليلة السبت، وإنّه عسى أن يكون محمّد وأصحابه قد أمنوا فيها، فانزلوا لعلّنا نصيب منهم غرّة. قالوا: نفسد سبتنا، ونحدث فيه ما لم يكن أحدث من كان قبلنا، إلاّ من قد علمت، فأصابه من المسخ ما لم يخف عليك. قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمّه ليلة واحدة من الدهر حازماً.
ولمّا اشتدّ بهم الحصار طلبوا من الرسولr أن يرسل إليهم أبا لبابة بن عبد المنذر، ليستشيروه في أمرهم، فقالوا له: أترى أن ننزل على حكم محمد! قال: نعم. وأشار بيده إلى حلقه؛ إنّه الذبح. وعاد أبو لبابة وربط نفسه إلى سارية في المسجد من الندم، فلمّا أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله، فحكّم فيهم سعد بن معاذ، فقال سعد: فإنّي أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وأن تسبى ذراريّهم، وأن تقسّم أموالهم. فقال الرسولr: «لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله». وكان عدد الرجال ستمئة أو سبعمئة. وهذا ما ورد في كتب التاريخ.
عبد الكريم عيد الحشّاش
بنو قريظة قبيلة يهوديّة نزلت يثرب ما بين عامي 70م ـ135م بعد أن نقم الرومان على اليهود في عهد القائد الروماني تيطس لإثارتهم الفتن والقلاقل، فقمع الامبراطور هادريان تمرّدهم سنة 135م، وشتّتهم، فاستقرّ ببني قريظة المقام في جهة الجنوب الشرقي ليثرب، وحالفوا قبيلة الخزرج، وكانوا يمتهنون الحرف التي يترفّع عنها العرب، ويشيدون الحصون، ويتاجرون مع القبائل العربيّة. وحاول الرسولr عند قدومه المدينة هدايتهم إلى الإسلام خصوصاً أنّهم أهل كتاب، فأبوا عليه، وكان من أبرز المناوئين للدين الإسلامي من بني قريظة الزبير ابن طابا بن وهب وغزال بن شمويل وكعب بن أسد، وكان كعب ثريّاً وزعيماً في بني قريظة، فتولّى القيام بعقد اتفاق مع المسلمين لصالح بني قريظة، فلمّا كانت غزوة الأحزاب (الخندق)[ر] في السنة الخامسة للهجرة، قام حييّ ابن أخطب ـ وهو أحد زعماء بني النضير الذين أجلاهم الرسولr عن المدينة ـ بتحريض بني قريظة في المدينة حتّى نقضوا عهدهم مع رسول اللهr وانضمّوا إلى الأحزاب، فغدا المسلمون محاصرين من جهات المدينة كلّها.
ولمّا تناهى الخبر إلى رسول اللهr بعث سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وهما سيّدا الأوس والخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة وخوّات بن جبير، فقال: «انطلقوا حتّى تنظروا أحقٌّ ما بلغنا من هؤلاء القوم؟ فإن كان حقّاً فالحنوا إليّ لحناً أعرفه، ولا تفتّوا في أعضاد الناس». فخرجوا حتّى أتوهم، فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم، نالوا من رسول الله، وقالوا: من رسول الله؟! لا عهد بيننا وبين محمّد ولا عقد، فشاتمهم سعد بن معاذ، وشاتموه، وكان رجلاً فيه حدّة، فقال له سعد بن عبادة: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أولى من المشاتمة. ثمّ عادوا إلى الرسول، وأخبروه بالخبر اليقين، فقال: «الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين». وعظم عند ذلك البلاء، واشتدّ الخوف، وأتاهم عدوّهم من فوقهم ومن أسفل منهم، حتّى ظنّ المؤمنون كلّ ظنّ، ونجم النفاق من بعض المنافقين، حتّى قال قائلهم: كان محمّد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط!
قدم نعيم بن مسعود الغطفانيّ على الرسولr حين كانت الأحزاب تحيط بالمدينة، فقال: يا رسول الله، إنّي قد أسلمت، وإنّ قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت. فقال له الرسول: إنّما أنت فينا رجل واحد، فخذّل عنّا إن استطعت، فإنّ الحرب خدعة. فأبرم نعيم بن مسعود خطّة أحدثت شرخاً بين يهود بني قريظة من جهة وغطفان وقريش من جهة ثانية، ثمّ ما كان من أمر الريح الشديدة التي هبّت ليلاً، فكفأت قدور القوم، ومزّقت خيامهم، فانكفأ المشركون لا يلوون على شيء، ودخل حيي بن أخطب حصون بني قريظة عند انصراف الأحزاب، فلمّا أصبح النبيّr انصرف عن الخندق راجعاً إلى المدينة، ووضع المسلمون السلاح، فقدم جبريلu ظهراً، فقال: أوضعتم السلاح؟ فوالله ما وضعت الملائكة بعد السلاح، اخرج إليهم فقاتلهم، فإنّي عامد إليهم ومزلزل بهم». فأمر رسول الله منادياً، فأذّن في الناس: إنّ من كان سامعاً مطيعاً فلا يصليّنّ العصر إلا في بني قريظة. وحمل راية المسلمين عليّ بن أبي طالبt، واستمرّ حصار المسلمين لبني قريظة خمساً وعشرين ليلة، فأجهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فلمّا أيقنوا أنّ الرسول غير منصرف عنهم حتّى يناجزهم، قال كعب بن أسد لهم: يا معشر اليهود، إنّه قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإنّي عارض عليكم خلالاً ثلاثاً، فخذوا أيّها شئتم! قالوا: وما هنّ؟ قال: نتابع هذا الرجل ونصدّقه، فوالله لقد كان تبيّن لكم إنّه لنبيّ مرسل، وإنّه للذي كنتم تجدونه في كتابكم، فتأمنوا على دمائكم وأموالكم ونسائكم. قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبداً، ولا نستبدل به غيره. قال: فإذا أبيتم هذه عليّ فهلمّ فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثمّ نخرج إلى محمّد وأصحابه رجالاً مصلتين السيوف، ولم نترك وراءنا ثقلاً يهمّنا، حتّى يحكم الله بيننا وبين محمّد، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئاً نخشى عليه، وإن نظهر فلعمري لنجدنّ النساء والأبناء. قالوا: نقتل هؤلاء المساكين، فما خير العيش بعدهم! قال: فإذا أبيتم هذه عليّ، فإنّ الليلة ليلة السبت، وإنّه عسى أن يكون محمّد وأصحابه قد أمنوا فيها، فانزلوا لعلّنا نصيب منهم غرّة. قالوا: نفسد سبتنا، ونحدث فيه ما لم يكن أحدث من كان قبلنا، إلاّ من قد علمت، فأصابه من المسخ ما لم يخف عليك. قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمّه ليلة واحدة من الدهر حازماً.
ولمّا اشتدّ بهم الحصار طلبوا من الرسولr أن يرسل إليهم أبا لبابة بن عبد المنذر، ليستشيروه في أمرهم، فقالوا له: أترى أن ننزل على حكم محمد! قال: نعم. وأشار بيده إلى حلقه؛ إنّه الذبح. وعاد أبو لبابة وربط نفسه إلى سارية في المسجد من الندم، فلمّا أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله، فحكّم فيهم سعد بن معاذ، فقال سعد: فإنّي أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وأن تسبى ذراريّهم، وأن تقسّم أموالهم. فقال الرسولr: «لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله». وكان عدد الرجال ستمئة أو سبعمئة. وهذا ما ورد في كتب التاريخ.
عبد الكريم عيد الحشّاش