صناعة الانقراض: كوميديا سوداء تفوز بجائزة للخيال العلمي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صناعة الانقراض: كوميديا سوداء تفوز بجائزة للخيال العلمي

    صناعة الانقراض: كوميديا سوداء تفوز بجائزة للخيال العلمي
    سناء عبد العزيز 27 أغسطس 2023
    تغطيات
    "أرنب البحر السام" - الرواية الخامسة لنيد باومان
    شارك هذا المقال
    حجم الخط
    فاز الروائي وكاتب السيناريو نيد باومان يوم 16 أغسطس/ آب الحالي بجائزة آرثر سي كلارك، في حفل أقيم في لندن حضره جمهور كبير من المؤلفين والناشرين ومحبي الخيال العلمي. وهي الجائزة البريطانية المرموقة التي تُمنح سنويًا لأفضل رواية تنتمي إلى الخيال العلمي منذ أن تأسست عام 1987 على يد كلارك؛ الكاتب الملقب بمخترع البحار ومستكشفها. وكانت مارغريت آتوود أول من يفوز بها عن روايتها الديستوبية "قصة الخادمة" المقتبسة في أعمال تلفزيونية وسينمائية عديدة، بعد أن فازت بعدد من الجوائز والترشيحات المرموقة. من بين الفائزين بها أيضًا كولسون وايتهيد عن روايته الجدلية "مترو الأنفاق"، كما حصلت عليها إميلي سانت جون ماندل عن "محطة 11"، الرواية التي تنبأت بوباء كورونا.

    التحليق فوق خرائب العالم
    باومان هو ابن الناشرة نيكولا باومان والاقتصادي كريستوفر باومان. أدرجت روايته الأولى: "بوكسر، بيتل/ Boxer, Beetle" في قائمة إليوت القصيرة لعام 2011، وفازت بجائزة الكتاب اليهودي. أما روايته الثانية "حادث الانتقال اللحظي/The Teleportation Accident"، التي تعاملت بطرق مختلفة مع إرث النازية، فقد ترشحت في القائمة الطويلة لجائزة مان بوكر، وتوجت بجائزتين؛ إنكور، وسومرست موم. وفي عام 2013، أدرج اسمه كأحد أفضل الروائيين البريطانيين الشباب في قائمة غرانتا التي يعلن عنها مرة كل عشر سنوات.
    "أرنب البحر السام" الفائزة بجائزة كلارك لهذا العام هي روايته الخامسة، وتدور في المستقبل القريب بكل ما يحمله من تهديدات ملحة جراء التحالف بين رأسمالية الشركات، والبروتوكولات البيئية، وما أفضى إليه من تغير المناخ وتنامي استهتار البشر وخبثهم في معاملة بعض الأنواع النادرة. لكن الأكثر مدعاة للقلق، ازدهار تجارة عالمية في "ائتمانات الانقراض"، تمنحها هيئة تنظيمية لتمكين أعتى الشركات من القضاء على أي فصيل من النبات، أو الحيوانات، طالما يدر أرباحًا، مع التعويل على وجود عينات الأنسجة، وبيانات الجينوم، مخزنة بشكل آمن في "البنوك الحيوية" حول كوكب الأرض. ولكن، ماذا لو أن النظام الإلكتروني انهار فجأة، وتبخر رصيد البنوك الحيوية من التنوع الطبيعي والضروري بين غمضة عين وانتباهتها؟
    "معرفة بومان الموسوعية، وطريقته الذكية في رسم الشخصيات وتشييد عالم مبهر بحبكة معقدة للغاية، فضلًا عن هجائه اللاذع لعالمنا المتورط في المنفعة الشخصية، هو ما يجعل من قراءته متعة خالصة"


    تتبع الرواية، بكوميديتها السوداء، شخصين غريبين يجمع بينهما هدف مشترك هو محاولة العثور على سمكة أرنب البحر السام، للتيقن من حقيقة انقراضها الفعلي، أو حتى الوشيك. وبرغم الهدف المشترك، فإن نوايا كل واحد منهما تتعارض مع الآخر، فبينما يسعى مارك هاليارد، المنسق البيئي لإحدى الشركات الهندية المتورطة في "صناعة الانقراض"، والتي نشأت في أعقاب وفاة آخر باندا عملاقة على الأرض، لإنقاذ نفسه من عقوبة بالسجن جراء عملية احتيال البيع على المكشوف، إذا ما كانت سمكة البحر السامة قد انقرضت بالفعل، في المقابل ينصب اهتمام كارين ريسانت، عالمة الأحياء المائية المتخصصة في الإدراك الحيواني، المكلفة من شركة تعدين متعددة الجنسيات، على معرفة ما إذا كان هذه السمكة ذكية بما يكفي لتحمل عبء إنقاذها من نهب الشركة الجشع لقاع البحر.
    يأخذنا بومان في رحلة جوية مع بطليه عبر المناظر الطبيعية لأوروبا الغربية، منتقلًا من محمية طبيعية مليئة بالنفايات؛ إلى مدينة عائمة على بحر البلطيق تعج بالملوثات، ومنها إلى معسكر عمل فنلندي ومناطق نائية لدولة شمولية موبوءة بالحشرات، وهو يصف ببراعة عجائب مركبة مهجورة تسمى سبيندلر تجوب المحيط بشكل عشوائي، مسببة عواصف غريبة. تنتهي الرحلة بجرهما إلى مؤامرة أكبر بكثير من مجرد سمكة صغيرة مهلكة لن تجد بالطبع من يدافع عن وجودها نظرًا لخطرها على الرغم من حقيقة كونها أكثر الأسماك ذكاءً على هذا الكوكب، أو ربما كانت أذكى سمكة على هذا الكوكب إذا ما انقرضت بالفعل. لا أحد يعرف، ولا أحد يهتم عدا بطلينا اللذين لا يثقان ببعضهما بعضًا، ولا خيار أمامهما سوى العمل معًا كفريق واحد بحثًا عن آخر السلالات الباقية على قيد الحياة.

    سؤال القيمة
    على الرغم من تأثر بومان بالرائد الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، وريموند تشاندلر، وجون أبدايك، إلى جانب كتاب أكثر حداثة، مثل مايكل شابون، ووليام جيبسون، وديفيد فوستر والاس، فإن قصته تبدو بسيطة كما حكايات جون بارث، وروبرت كوفر، وتوم مكارثي (مع كثير من الاختلاف)، لكن معرفة بومان الموسوعية، وطريقته الذكية في رسم الشخصيات وتشييد عالم مبهر بحبكة معقدة للغاية، فضلًا عن هجائه اللاذع لعالمنا المتورط في المنفعة الشخصية، هو ما يجعل من قراءته متعة خالصة. كما أن التعارض بين رؤية بطليه وأهدافهما المتضاربة أسهم في تفجير كثير من المواقف الكوميدية المدهشة على طول الكتاب، وسط تلك المشاهد الجنائزية، والحداد المنتظر في مستقبل قريب قاتم للغاية. ولعل من أطرف النكات ما أطلق عليه بومان "مملكة الناسك"، وهي دولة في شمال أوروبا اعتزلت العالم وانغلقت على نفسها بدافع الحنين إلى الماضي والاكتفاء الذاتي كإشارة في عوالمه المرموزة إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي... وهو الاسم الذي أطلق على كوريا الشمالية، أكثر الدول التي تتوخى السرية، إذ لا تحبذ حكومتها أي زيارة من خارجها حتى لا يكشف الدخيل ما يحدث داخلها.



    في مراجعة لصحيفة الغارديان، يمتدح أنتوني كامينز مدى ثراء تفكير بومان وسعة معلوماته قائلًا "تعج الرواية بأدوات من مختلف الأنواع، والأهم من ذلك أننا نرى كيف تؤثر على الحياة اليومية: شاهد مشهد الجنس المؤلم اللطيف الذي يتضمن مجموعة متنوعة من الأجهزة القابلة للارتداء، بما في ذلك جهاز يتيح الترجمة الفورية، ما يسمح لريسنت بمواعدة عالم طبيعة تركي. وتعد عالمية الكتاب جزءًا من جاذبيته أيضًا، معززة بالإحساس بأن بومان يعرف تمامًا ما يكتب عنه، سواء كان يخبرنا عن شركة للتكنولوجيا الحيوية في اليابان، أو عمل ريسنت الميداني في شرق أوكرانيا، أو ’مملكة تونغا المتلاشية في المحيط الهادئ’". على الجانب الآخر، يوجه كيفن باور انتقاده للرواية متهمًا إياها بأنها تنتمي لروايات الأنظمة، "ورواية الأنظمة أصبحت عتيقة الطراز بشكل قاطع"، مؤكدًا على أنه من المؤسف ألا تختفي هذه الموجة من الروايات في الوقت الراهن، وهو ما يصبح أكثر مدعاة للأسف في حالة بومان، لأن قراءة رواياته ممتعة للغاية. "أما روايته الخامسة "أرنب البحر السام" (بومان جيد في اختيار العناوين)، فهي، مثل رواياته الأربع السابقة، أداء فني شبه خالٍ من العيوب. كما أنه يضيف عنصرين جديدين إلى ذخيرته: البساطة الهيكلية النسبية، والصدى العاطفي العميق".
    استغرق الأمر من لجنة التحكيم التي رشحتها جمعية الخيال العلمي البريطانية، ومؤسسة الخيال العلمي ومهرجان Sci-Fi السينمائي في لندن، ساعات عدة قبل اختيار "أرنب البحر السام" من قائمة تضمنت ستة عناوين، من بينها "عظام المرجان/ The Coral Bones" للكاتبة إي جاي سويفت؛ "رقاص الإيقاع/ Metronome" للكاتب توم واتسون؛ و"صحوة الباحث الأحمر/ The Red Scholar’s Wake" للفرنسية الأميركية ألييت دي بودارد. وبعد احتدام النقاش، وقع اختيارهم على كتاب بومان، الذي وصفه توم هانتر، مدير الجائزة، بأنه "يستغل قوة الخيال العلمي في الاستقراء المستقبلي، ويطبقها بقوة على المصلحة الذاتية للإنسانية قصيرة النظر والحوافز الاستهلاكية في مواجهة الأزمة البيئية الكوكبية. والنتيجة رواية مضحكة بشكل يدعو للبكاء، حيث الأمل الوحيد لجنسنا هو العمل على النسخة النهائية قبل تسليمها".
يعمل...
X