فقر الدمّ.. عارض صحيّ قد ينبئ بأمراض خطرة
فقر الدم هو نقص في خلايا الدم الحمراء أو الهيموغلوبين في الجسم. والهيموغلوبين هو الحديد الغني بالبروتيين في خلايا الدم الحمراء (كريات الدم الحمراء) الذي يسمح بنقل الأوكسيجين إلى الأنسجة.
- 4 تشرين اول 2021 16:18
غالباً ما يستخف الناس بمشكلة فقر الدم، وأغلب ظنهم أنه مشكلة صحية عابرة من الممكن علاجها عن طريق تناول أدوية الحديد أو تحسين جودة النظام الغذائي والتركيز على أنواع الأطعمة الغنية بالحديد. لكن، وإن كان هذا صحيحاً في حالات فقر الدم الخفيفة أو العرضية، فإنه ليس كذلك دائماً. لأن مشكلة فقر الدم، قد تكون مؤشراً للإصابة بأمراض خطيرة جداً كسرطان الدم (اللوكيميا) والليمفوما والتلاسيميا وبالتالي تستوجب علاجاً سريعاً.
لذلك، ما إن تظهر أعراض فقر الدم، التي سنتحدث عنها لاحقاً، فعلى الشخص المعني المسارعة إلى استشارة الطبيب المختص لإجراء الفحوصات اللازمة، وبالتالي التشخيص المبكر والعلاج.
لكن، قبل الدخول في تفاصيل الإصابة بفقر الدم وأسبابه وطرق علاجه، من المفيد التعرف على خصائص الدم، ومما يتألف، ودوره في حياة الإنسان، لفهم ما هو فقر الدم بشكل أفضل.
ه
ما هو الدم؟
الدم هو الحياة! يُضخه القلب في الشرايين والأوردة، وهو ضروري لعمل أعضاء الجسم بشكل صحيح، مثل الدماغ والعضلات والعظام وغيرها الكثير.
يحمل الدم الأوكسيجين والمواد المغذية (السكر والأملاح المعدنية والفيتامينات.. إلخ) ويحمل أيضاً الهرمونات الأساسية لحياة الخلايا.
في المقابل، يقوم بجمع ونقل النفايات، التي تلفظها الأعضاء، إلى الأعضاء المختصة بتصريفها خارج الجسم، مثل الكلى أو الرئتين.
يلعب الدم أيضاً دوراً رئيسياً في دفاع الجسم عن نفسه ضد مسببات الأمراض (البكتيريا والفيروسات وما إلى ذلك) بفضل خلايا الدم البيضاء.
وعند الإصابة، تقوم الأوعية الدموية بإصلاح نفسها. وهذا ما يسمى بعملية التخثر.
يحمل الدم أيضاً مواداً كيميائية وهرمونات ضرورية، لتوازن الجسم وعمله بشكل سليم. وينظم درجة حرارة الجسم.
إن الدم مادة حيوية وأساسية، ولا يوجد، حتى اليوم، بديل عن دم الإنسان. ففي حالة فقدان الدم، لا يوجد بديل عن إجراء نقل الدم.
مما يتكون الدم؟
بالرغم من أنه سائل، إلا أن الدم عبارة عن نسيج مكوّن من سائل مالح، والبلازما، حيث يوجد 3 أنواع من الخلايا: خلايا الدم الحمراء وخلايا الدم البيضاء والصفائح الدموية.
ما الدور الذي تؤديه خلایا الدم الحمراء؟
دور خلايا الدم الحمراء هو نقل الأوكسيجين من الرئتين إلى الأنسجة. وفي المقابل تجمّع ثاني أوكسيد الكربون من أجل تفريغه من خلال الزفير. خلايا الدم الحمراء هي الخلايا الأكثر عدداً في البلازما، يبلغ تعدادها نحو 5 ملايين لكل ملم 3 (mm3) من الدم.
تسمى خلايا الدم الحمراء أيضاً كريات الدم الحمراء، وتحتوي على بروتيين "الهيموغلوبين" ووظيفته تثبيت الأوكسيجين، وهو الذي يعطي الدم لونه الأحمر. غشاء الكريات الحمراء مليء بالبروتينات، المستضدات، وهي التي تحدد فئة الدم: A و B و O و AB الإيجابية أو السلبية.
حياة خلايا الدم الحمراء
تفرز الكلى هرمون الإريثروبويتين، الذي يتحكم في نخاع العظام أو نقيّ العظم (bone marrow) لإنتاج خلايا دم حمراء جديدة. تجري هذه الكريات في الدم لمدة 120 يوماً. ثم يتم تدميرها في الطحال. كل يوم، يتم تجديد نحو 1٪ من خلايا الدم الحمراء.
ما هو الدور الذي تلعبه خلايا الدم البيضاء؟
اختصاص خلايا الدم البيضاء أو الكريات البيض هو الدفاع المناعي، وتحمي الجسم من الاعتداءات الخارجية، من البكتيريا والفيروسات والطفيليات.. الخ. هناك ما بين 4 و 10 آلاف خلية بيضاء في ملم مكعب من الدم!
عندما يتعرض الجسم لهجوم من إحدى مسببات الأمراض، تكتشفه بعض خلايا الدم البيضاء، فتشكل أجساماً مضادة محددة وتحارب الالتهابات في الجسم. إنها جنود الدفاع عن الجسم.
صفائح الدم
صفائح الدم (البلاكيت) هي خلايا بدون نواة، تتشكل في نخاع العظام (نقيّ العظم). تلعب البلاكيت دوراً أساسياً في عملية تخثر الدم، من خلال المساعدة على وقف النزيف أو منع النزيف أو التئام الجروح. يوجد 150 إلى 400 ألف من البلاكيت لكل ملم مكعب من الدم.
عند الإصابة بجرح، تقوم هذه الخلايا الصغيرة بسد الفجوة عن طريق الالتصاق بالسطح. وبفضل خصائصها اللاصقة، تلتصق البلاكات ببعضها البعض وتشكل "سداً". بعد ذلك، تعمل بروتينات البلازما المختلفة على تعزيز هذا "السد". ما يسمح للجرح بالشفاء وتشكيل قشرة حمراء على سطح الجرح تمنع فقدان الدم، وهذا ما يسمى بالتخثر.
بالنسبة لبعض المرضى، قد يكون نقل صفائح الدم ضرورياً لوقف أو منع النزيف أثناء بعض العمليات الجراحية الكبرى.
بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من نقص الصفائح الدموية أو اللوكيميا (سرطان الدم)، يعتبر نقل الدم أمراً حيوياً وضرورياً. يحتاج بعض المرضى إليه كجزء أساسي من العلاج الكيميائي.
العمر الافتراضي للصفائح الدموية قصير جداً، إذ يبلغ 7 أيام فقط.
البلازما
- البلازما هي الجزء السائل من الدم وتحتوي على أكثر من 100 بروتين وتسمح لخلايا الدم والصفائح بالجريان في الشرايين
البلازما هي الجزء السائل من الدم الذي يشكل نصف حجم الدم. تتكون البلازما من 90% من الماء المالح، وهي التي تسمح لخلايا الدم والصفائح الدموية بالجريان في الأوعية الدموية.
تحتوي البلازما على أكثر من 100 بروتيين. يحافظ بروتيين الألبومين أو زلال الدم، الذي يشكل وحده 60% من البروتيين في الدم، على حجم السوائل في الجسم وترطيبه. كما أنه يحمل هرمونات وجزيئات أخرى. وبروتيين الغلوبولين المناعي ضروري في مكافحة العوامل المعدية. ويساعد في الوقاية من أمراض مثل التيتانوس والتهاب الكبد والحصبة الألمانية ومكافحتها.
تحتوي البلازما أيضاً على عوامل التخثر بما في ذلك العوامل المضادة للهيموفيليا (نزف الدم الوراثي) والعوامل المضادة للتجلط (الجلطة التي تسد الأوعية الدموية). يمكن أن يتسبب النقص الوراثي في هذه البروتينات بحدوث نزيف حاد، كما هو الحال في مرضى الهيموفيليا.
يمكن نقل البلازما أو استخدامها على شكل أدوية مشتقة من الدم. في الحالة الأولى، يتم استخدامها لعلاج اضطرابات النزيف الخطيرة وبعض الأمراض النادرة. في الحالة الثانية، يمكن للأدوية المشتقة من البلازما أن تعالج أكثر من 100 مرض، مثل الهيموفيليا أو نقص المناعة الأولي. وبالنسبة للبعض، لا يمكن الاستغناء عنه لأنه لا بديل له. يمكن أيضاً استخدام الأدوية المشتقة من البلازما في طب الطوارئ، في حالات النزيف الحاد، على سبيل المثال.
مادة البلازما موضوع دراسات بحثية مهمة. مؤخراً، على سبيل المثال، طلبت مؤسسة الدم في فرنسا من الأشخاص الذين تم شفاؤهم من Covid-19، دراسة الأجسام المضادة في البلازما لديهم، لاستخدامها كعلاج في المرحلة الحادة من المرض.
كمية الدم في جسم الإنسان
للبالغين، تبلغ كمية الدم في المتوسط 5 لترات.
طول شبكة الأوعية الدموية في جسم الانسان 200 كيلومتر.
يجري الدم في جسم الانسان يومياً ما يوازي مسافة 100000 كيلومتر تقريباً عبر شبكة الأوعية.
ما هو فقر الدم؟
فقر الدم أو الأنيميا (Anemia) هو حالة شائعة من الخلل في وظيفة الدم. يحدث فقر الدم عندما لا توفر خلايا الدم الحمراء ما يكفي من الأوكسيجين للأنسجة. فقر الدم هو عارض أكثر مما هو مرض.
أسباب فقر الدم عديدة، لكن في أغلب الأحيان يكون السبب هو نقص الحديد. وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن 25% من سكان العالم يعاني من فقر الدم.
يُعتقد أن في 50% من هذه الحالات يعود فقر الدم إلى نقص الحديد الغذائي. النساء اللواتي لديهن دورة شهرية غزيرة، والأطفال في سن ما قبل المدرسة، والنساء الحوامل.
يحتاج البالغون من الرجال إلى 1 مغم من الحديد يومياً و 2 مغم للنساء (بسبب الدورة الشهرية).
ما هي أعراض فقر الدم؟
تختلف أعراض فقر الدم باختلاف حدة الإصابة.
فقر الدم الخفيف:
إنخفاض طفيف أو حتى بدون انخفاض في الهيموغلوبين، يسبب أعراضاً قليلة وقد لا يسبب أعراضاً ملحوظة. خصوصاً إذا حصل فقر الدم بشكل تدريجي، لأن الجسم قادر على التكيف معه.
فقر الدم الحادّ:
2 تشرين ثاني 2022 13:29
عندما يزداد فقر الدم سوءاً، تظهر عوارض:
شحوب البشرة.
شحوب بياض العين.
هشاشة الأظافر.
ضيق في التنفس عند المجهود وحتى أثناء الراحة.
آلام في الصدر.
خفقان قلب سريع وغير منتظم.
إحتشاء عضلة القلب.
برودة الأطراف.
التعب المستمر.
الصداع .
الدوخة والدوار والوهن.
صعوبة التركيز أو القراءة أو التذكر.
عدم وجود الدافع والرغبة للعمل أو الإنجاز.
انخفاض الرغبة الجنسية.
صعوبة القيام بالأنشطة العادية.
الإرهاق الجسدي أو العاطفي أو النفسي.
اشتهاء غير عادي للمواد غير الغذائية، مثل الثلج، أو الأتربة، أو النشا. (كالوحام لدى الحامل مثلاً).
ضعف الشهية، خصوصاً لدى الرُّضَّع والأطفال الذين لديهم فقر الدم الناتج عن نقص الحديد.
متى يجب مراجعة الطبيب؟
عند وجود عارض أو أكثر من هذه الأعراض يجب زيارة الطبيب وإجراء الفحوصات اللازمة.
يمكن أن يكون لفقر الدم الأكثر حدّة عواقب على القلب (تفاقم أمراض القلب) أو الرئة (تفاقم مرض الانسداد الرئوي المزمن، على سبيل المثال.
تشخيص فقر الدم
بعد ظهور عارض أو أكثر من أعراض فقر الدم، يلجأ الطبيب إلى إجراء فحوصات مخبرية للتأكد من وجود فقر الدم لدى المريض. من أهم الفحوصات التشخيصية، يلجأ الطبيب إلى فحص:
تعداد الدم الكامل أو الـ CBC
يقيس تحليل "تعداد الدم الكامل" (Complete Blood Count) المعروف اختصاراً بفحص الـ CBC، بشكل أساسي، التغيرات في خلايا الدم "Blood cells". والتي تنقسم إلى خلايا الدم الحمراء "RBC"، والبيضاء "WBC"، والصفائح الدموية "Platelets".
ولكل منها وظيفة داخل جسم الإنسان وبالتالي أي اختلال فيها، يشير إلى مشكلة ما. وفيما يلي 3 مؤشرات رئيسة لنتيجة فحص الـ CBC:مستوى الهيموغلوبين
إذا كانت نتيجة تحليل مستوى الهيموغلوبين لدى المريض أقل من القيم الحديّة (13 جم / ديسيلتر للرجال، و12 جم / ديسيلتر للنساء، و10.5 جم / ديسيلتر للمرأة الحامل)، يتم التأكد من وجود فقر الدم.
بعد التأكد من وجود فقر الدم، يطلب الطبيب إجراء اختبارات أخرى لتحديد سبب فقر الدم. فيطلب بشكل أساسي:
اختبار متوسط حجم الدم
عندما يكون مؤشر نتيجة اختبار تحديد MCV (متوسط حجم الدم) منخفضاً، يكون فقر الدم بسبب نقص الحديد أو الالتهاب أو مرض وراثي. من ناحية أخرى، عندما يكون مرتفعاً، يمكن القول إن فقر الدم مرتبط بنقص فيتامين B12 أو فيتامين B9.
اختبار مستوى الخلايا الشبكية
يوفر مستوى الخلايا الشبكية (الخلايا الأولية لخلايا الدم الحمراء) مؤشراً على حالة عمل نخاع العظام. عندما يكون مرتفعاً، يشار إليه على أنه فقر الدم المحيطي أو "التجديدي".
في الخلاصة، اعتماداً على سياق ونتائج الـCBC، قد يطلب الطبيب اختبارات دم إضافية. على سبيل المثال، في فقر الدم المنجلي وهو مرض وراثي للهيموغلوبين، يكون فيه شكل خلايا الدم الحمراء كافية لتحديد التشخيص (خلايا الدم الحمراء لا تكون مستديرة بل على شكل منجل).خزعة من نقي العظم
إذا أظهرت التحاليل وجود خلل ما في الدم ولم تمكن الطبيب من تحديد السبب، أو إذا شك الطبيب بوجود مرض أكبر وأخطر من مجرد فقر دمّ، يلجأ إلى فحص نخاع العظام أو نقيّ العظم (bone marrow)، عبر أخذ عينة منه لإجراء تحليل مخبري لها.
أنواع فقر الدم
الأنواع الرئيسية لفقر الدم هي:
1- فقر الدم الناجم عن نقص الحديد (iron deficiency)
إنه الشكل الأكثر شيوعاً لفقر الدم. الطمث الغزير والنظام الغذائي منخفض الحديد هما أكثر الأسباب شيوعاً. يغير فقر الدم الناجم عن نقص الحديد حجم خلايا الدم الحمراء، التي تصبح أصغر من الطبيعي (فقر الدم صغير الخلايا).
2- فقر الدم الناجم عن نقص الفيتامينات
ينتج فقر الدم الناجم عن نقص الفيتامينات، خلايا دم حمراء كبيرة جداً ومشوهة (فقر الدم كبير الخلايا). الأكثر شيوعاً هي تلك التي تسببها نقص فيتامين B12 أو فيتامين B9 (حمض الفوليك). يمكن أن يحدث الأول بسبب عدم كفاية تناول الطعام الغني بهذا الفيتامين، أو يعود لسوء امتصاص الأمعاء له، أو حالة تسمى فقر الدم الخبيث.
3- فقر الدم الناجم عن مرض مزمن
العديد من الأمراض المزمنة (وأحياناً علاجاتها) تسبب نقص كمية خلايا الدم الحمراء. هذا هو الحال مع السرطان ومرض كرون والأمراض الالتهابية، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي.
قد يسبب الفشل الكلوي أيضاً فقر الدم، حيث تفرز الكلى مادة الإرثروبويتين، وهو الهرمون الذي يحفز إنتاج خلايا الدم الحمراء. مع ذلك، فإنها تحتفظ بحجمها ومظهرها الطبيعي (فقر الدم السوي الخلايا).