استصلاح المريخ: كيف نجعل الكوكب الأحمر قابلًا للحياة
استصلاح المريخ: كيف نجعل الكوكب الأحمر قابلًا للحياة
في الوقت الرّاهن، نستطيعُ رؤية عدّة خُطط لإرسال روّاد فضاء إلى الكوكب الأحمر تظهرُ من حين لآخر. لكن إذا تحدّثنا عن نيّة البشر في السكن على ذلك الكوكب بشكل نهائيّ في يوم ما، سنكون مُجبرين على إحداث تغييرات جذريّة عليه. كيف سيكون ذلك يا تُرى؟
بغض النظر عن جوّه البارد للغاية والجاف ــ دون ذكر الغلاف الجويّ الضئيل ــ يمتلكُ كلّ من الأرض و المريّخ الكثير من النقاط المُشتركة. وهذا يتضمّنُ التشابه الشديد في الحجم، المَيْل، البُنية، التكوين، وحتّى تواجد المياه على السطح. ولهذا السبب، يُعتبر المرّيخ مرشّحًا قويًّا لاحتضانِ الحياة البشريّة، وهذا يعني الحديث عن استصلاح بيئة الكوكب لجعلهَا أكثر مُلائمة لحاجات الإنسان.
تحدّيات العيش على المرّيخ عديدة. بداية، الغلاف الجوّي للكوكب رقيق للغاية والجوّ غيرُ صالح للتنفس من طرف البشر. وبينما يتكون الغلاف الجوّي للأرض من 78% نيتروجين، 21% أكسجين، وكميّات ضئيلة من غازات أخرى، نجدُ الغلاف الجوّي للمريخ مكوّن من 96% من ثاني أكسيد الكربون، 1.93% آرجون و 1.89% نيتروجين مع كميّات ضئيلة من غازات أخرى.
ويبلغُ الضغط الجوّي للمريخ ما بين 0.4 ــ 0.87 كيلوباسكال، وهذا يُعادل نسبة 1% من الضّغط الجوي الأرضي على مستوى البحر. وبسبب بُعد الكوكب عن الشّمس وغلافه الجوّي الرقيق فبيئتهُ فائقة البرودة، حيث تصلُ درجة الحرارة على السّطح (-63 °C/-81.4 °F). أضف إلى ذلك افتقاد المرّيخ لمجال مغناطيسي، وهذا يُفسّر تعرّض سطحه إلى مستويات أعلى من الإشعاعات مُقارنةً بالأرض.
على سطح المرّيخ، تبلغُ جرعة الإشعاعات 0.67 ميلي سيفرت (mSv) كمُعدّل يوميًا، وهذا يُقابل خُمس ما يتعرّض لهُ البشر على الأرض خلال سنة كاملة. إذن، إذا أراد البشر العيش على المرّيخ دون الحاجة لاستعمال أدرعُ واقية من الإشعاعات، القُبب، قارورات الأكسجين و البذلات الواقية، سيكون عليهم إحداث تغيير حقيقيّة على الكوكب. مبدئيًا، سيكون علينا تدفئة الكوكب، تغليظ الغلاف الجوّي، وتغيير مُكوّنات هذا الأخير.
الطُرق المحتمل استعمالها :
خلال العقود القليلة الماضية، رأينا عدة اقتراحات علميّة حول إمكانية تحويل المرّيخ إلى بيئة صالحة للإستيطان البشري. في 1964 أصدر داندريج كول (Dandridge M. Cole) عملهُ المعنون «جُزر في الفضاء : تحدّي الكويكبات» وتضمّنَ عمله إمكانية إحداث احتباس حراري على الكوكب. وهذا يعتمدُ على جلبِ جليد الأمونيا من النظام الشمسيّ الخارجي وتطبيقهِ على السطح.
ويُعتبر الأمونيا (NH³) من غازات الإحتباس الحراري القويّة، وتطبيقهُ على الغلاف الجويّ للمريخ قد يجعلهُ أغلظَ كما أنّ درجة الحرارة سترتفع على الكوكب. وبما أنّ الأمونيا نيتروجين في الأساس، بالإمكان استعمالهُ كمصدر ضروريّ للطاقة، وعندَ دمجهِ بغاز الأكسجين، قد يخلقُ ذلك جوًّا قابلًا للتنفس من طرف البشر.
طريقة أخرى في هذا الصدد تقوم على تخفيض البياض، وسيكون ذلك بطلي سطحِ الكوكب بمواد داكنة من أجل رفع مستوى امتصاص أشعة الشمس. مصدرُ هذه المواد قد يكون الغبار من قمريّ الكوكب الأحمر “فوبوس و ديموس” ــ يُعتبران من أكثر الأجسامِ دكانةً في المجموعة الشمسيّة ــ ويتبعُ ذلك زرعُ نباتات تكون داكنةً في اللّون. ونجدُ من أبرز المؤيدين لهذا الإقتراح، الكاتب و العالم الغنيّ عن التعريف كارل ساجان (Carl Sagan).
نشر ساجان سنة 1973 مقالًا في مجلّة إيكاروس (Icarus) تحتَ عنوان «هندسة كوكبيّة على المرّيخ» حيثُ اقترحَ فيها طريقتين لتحويل كوكبِ المرّيخ. من ضمنهَا إمكانية نقل مواد قليلة الوضاءَة أو غرس نباتات داكنة في القمم الجليدية الموجُودة في قطب الكوكب، من أجلِ ضمان امتصاصها للحرارة، وتحويل الكوكب إلى “شبيهٍ بالأرض”.
أمّا في سنة 1976، دخلت وكالة ناسا على الخط، وعرضتْ قضيّة هندسة الكواكب رسميًا على الدراسة في بحث عنوانه «حولَ السكن في المرّيخ : مقدّمة في التخليق البيئي الكوكبي». وقد اقترحت الدراسة أنّ كل من الكائنات الضوئيّة، ذوبان جليد القمم القُطبية وإضافة الغازات المُسبّبة للإحتباس الحراري، كلّها أسبابٌ من شأنها خلق غلاف جوي أكثرُ سخونةً، وأكثر غنى بالأكسجين و الأوزون. وقد أقِيمَ في نفسِ السنة أوّل مؤتمر خاص ب استصلاح الكواكب رغمَ الإشارة إليهِ بمصطلح “النمذجة الكوكبيّة”.
بحلول عام 1982 قام العالم المُختص في الكواكب كريستوفر مكّاي (Chrisopher McKay) بكتابة ورقة علميّة بعنوان «استصلاح المرّيخ» ونُشرتْ في مجلّة جمعيّة علوم الكواكب البريطانيّة. وناقش مكّاي في هذا البحث آفاق التنظيم الذّاتي للمُحيط الحيوي الخاص بكوكب المرّيخ، وتضمّنَ ذلك الطُرق المتاحة من أجل إتمام العمليّة وكذلكَ جانبها الأخلاقي. وكانت هذه المرّة الأولى التي استخدم فيها مفهوم “استصلاح الكواكب” في عنوان مقال علميّ منشور رسميًا، ومن ذلكَ الحين، أصبحَ هو المصطلح المفضّل.
وتبعَ ذلك كتاب «تخضيرُ المرّيخ» للباحثين جيمس لوفلوك (James Lovelock) و مايكل آلابي (Michael Allaby) الصادرِ سنة 1984. وكان من الكُتب الأولى التي وصفت طريقة جديدة لرفع درجة حرارة المرّيخ، حيثُ تضاف مركبّات الكلوروفوركاربون (CFCs) إلى الجوّ من أجل التسبب في احتباس حراريّ شامل على الكوكب. حفّزَ هذا الكتاب عالم الفيزياء الحيويّة روبرت هاينز (Robert Haynes) لترقية استصلاح الكواكب كجُزء من مفهوم أوسع يُعرف بـالتخليق البيئي ــ Ecopoiesis.
في سنة 1993 نشر مؤسس جمعية المرّيخ الدكتور روبرت زوبرين (Dr. Robert M. Zubrin) بالإشتراكِ مع مكاي (P. McKay) من مركز ابحاث أميس لناسا بحثًا بعنوان «المُتطلبَاتُ التّكنُولوجيّة لاستِصْلَاحِ المرِّيخْ». ينصّ الإقتراح على استعمال مرايا مداريّة من أجل تدفئة سطح المرّيخ مُباشرةً. حيثُ يتم وضعها قُرب الأقطاب، هذه المرايا ستعملُ على إذابة الغطاء الجليدي لثُنائي أكسيد الكربون ممّا يُسبّبُ احتباسًا حراريًّا على الكوكب.
في المُقابل، سيكون استعمال مركبات الفلور ــ وهي غازات احتباس حراري فائقة بإمكانها التسببُ في إحداث احتباس حراريّ بتأثير يفوق ثاني أكسيد الكربون بآلاف المرّات ــ من الحلول المُمكنة من أجل تدفئة سطح الكوكب الأحمر. هذا الإقتراح طُرحَ سنة 2001 من قبل فريق بحث علميّ من شعبة الجيولوجيا وعلوم الكواكب في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا. كما يُمكن شحن الحمولات الخاصة بهذه العمليّة من الأرض، هنُاك إمكانية استخراج المواد الضروريّة من المرّيخ كذلك، مما يجعُل من ذلك أمرًا في المتناول.
من جهة أخرى، جلبُ الميثان و الهيدروكربونات الأخرى ستكون متوفرّة في أقمار النظام الشمسيّ الخارجيّ ــ وهي موجودة بوفرة في قمر زُحل المعروف باسم تايتان ــ وهذا الإقتراح أيضًا مطروح على طاولة الباحثين. هذا وقد اكتشِفَ مؤخرًا وجود الميثان على المرّيخ في الطبقات التحت أرضيّة، مما يُجنّبُنا عمليّة استيراد المواد الضروريّة من أماكن بعيدة في النظام الشمسيّ.
آخر الإقتراحات بهذا الخصوص وضعت إمكانية بناء منشآت بيضاوية الشكل مُوصدة الإحكام مع استعمال بكتيريا زرقاء و طحالبَ مُنتجة للأكسجين على التربة المريخيّة. في 2014، قام معهد ناسا للمفاهيم المُتقدمة (NAIC) بالعمل على هذا الاقتراح بشكل جدّي في مشروع سُميّ بـ “اختبارات التخليق البيئي على المرّيخ”. في المُستقبل سيتم إرسال كميّات من الطحالب والبكتيريا في مهامَ إلى المرّيخ من أجل اختبار العمليّة في بيئة الكوكب.
المزايا المُحتملة :
بعيدًا عن فكرة المُغامرة، ودخول الإنسانية في مرحلة جديدة كُليًّا في استكشاف الفضاء، نجدُ العديد من الأسباب تجعلُ من استصلاح المرّيخ أمرًا مُفيدًا للبشريّة ولهذه الأسباب عمومًا رأينا كل تلك الإقتراحات. قبل كلّ شيء، إن تأثير البشر على كوكب الأرض أصبحَ يتخذ منحى خطيرًا، لذلك نحتاجُ إلى التفكير في التوسّعُ وخلق “وطن احتياطي” إذا ما أردنا البقاء لفترة طويلة جدًا ومن هنا فكرة الاستصلاح.
نحنُ نعلمُ يقينًا أننا نشهدُ انفجارًا سكانيًا منقطع النظير ــ من المتوقع أن يصل عدد سكّان العالم إلى 9.6 مليار نسمة بحلول منتصف القرن ــ كما أنّ ثلثيّ سكان العالم سيسكنون المدن الكُبرى بحلول سنة 2050. فوق كل هذا، التغييرات المناخيّة على الكوكب هي مصدر خطر حقيقي، حيثُ وبالعودة للسيناريوهات التي وضعتها ناسا، ستكون بعض الأماكن على الأرض غير صالحة للحياة البشريّة بحلول سنة 2100.
السببُ الآخر الذي يجعلُنا نفكّر في ذلك، قد يكون موقع المرّيخ الموجود في “المنطقة الصالحة للحياة” ضمن النظام الشمسيّ، وكان في وقتٍ ما مضى كوكبًا صالحًا للعيش. خلال العقود القليلة الماضية، أكدّت المُهمات التي أرسلتها وكالة ناسا إلى المرّيخ مثل مشروع “كيريوزيتي” لمختبر علوم المرّيخ التابع للوكالة، وجُودَ أدلّة على تواجد المياه السائلة على المرّيخ في الماضي البعيد (وكذلك الأدلّة على وجود جُزئيات عضويّة على الكوكب).
بالإضافة إلى ذلك، منحت لنا المهامُ التي أرسلتها ناسا إلى الكوكب معلومات في غاية الأهمية حول ماضي الغلاف الجويّ وتواجد المياه على الكوكب، مثل مهمة الغلاف الجوّي للمريخ (MAVEN). وخرجت هذه البعثات الإسكتشافيّة بمعلومات تأكدّ امتلاكَ المرّيخ مياهً سطحيّة وافرة و غلافًا جويًّا أغلظ قبل حوالي 4 مليارات عام. على كلّ، بسبب خسارة المرّيخ لغلافهِ المغناطيسي تمّ استنزافُ غلافه الجوي بشكل بطيء ــ وحدثَ ذلك بسبب التبريد السّريع للمنطقة الداخليّة للكوكب على الأرجح ــ.
وبالتّالي، إذا كان المرّيخ في ما مضى كوكبًا “شبيهًا بالأرض”، سيكون بالإمكان أن يعُود إلى تلك الحال مرّة أخرى. وإذا أرادت البشريّة عالمًا جديدًا للاستقرار فيه، فسيكون من المنطقي أن يكون هذا العالم شبيهًا بالأرض إلى أبعد حد ممكن. بالإضافة إلى ذلك، سيكون من الممكن أن نتعلم من تجاربنا في تغيير مناخ كوكب الأرض من أجل العمل على ذلك في المرّيخ مُستقبلًا.
خلال قرون، قادنا اعتمادُنا على الصناعة الآلية إلى استعمال الفحم والوقود الأحفوري بشكل مهُول، مما أثر ذلك على بيئة الأرض بشكل كبير. ومع أنّ ذلك يُعتبر من النتائج غير المقصودة للحداثة والتطوّر هنا على الأرض ; على المرّيخ، سيكون حرق الوقود و إطلاق التلوث نحوَ الهواء أمرًا إيجابيًا.
كما أنّ استيطان المرّيخ سيسمحُ لنا بتوسيع مصادر حصولنا على الموارد الطبيعية. مُستعمرة على الكوكب الأحمر ستقود عمليّة استخراج الموارد من الكوكب مثل المعادن و جليد الماء المتوفرين بكثرة. كما أنّ بناء قاعدة على المرّيخ سيكون بمثابة بوّابة إلى حزام الكويكبات، الذي سيسمح لنا بالوصول إلى كميّة لا حدود لها من المعادن.
التحديّات المُحتملة :
لن تكون مهمّة استصلاح المرّيخ سهلة أبدًا، وسيكون لها حصة مُعتبرة من المشاكل. أولًا، ستتطلبُ العمليّة حجمًا كبيرًا للغاية من الموارد. ثانيًا، أي تدابيرَ ضروريّة يتمّ تجاهلهَا قد يكون لها عواقب وخيمة غير مُنتظرة. وثالثًا، دون شك.. إنّهُ الوقت اللازم لاتمام المهمّة.
على سبيل المثال، عند العودة إلى المفاهيم التي تتحدث عن إدراج غازات الإحتباس الحراري لتدفئة الكوكب، الكميّات المطلوبة من هذه المواد قد تكون صاعقة. دراسة 2001 لمعهد كاليفورنيا، التي دعت إلى استخدام مركبات الفلور، قالت أنّ تساميَ جليد ثنائي أكسيد الكربون للقطب الجنوبي الخاص بالمرّيخ سيتطلبُ وجود حوالي 39 مليون طن متريّ من مركبات الفلور في الغلاف الجوي للمرّيخ ــ هذا يفوق الكميّة المنتجة على الأرض بثلاث مرّات ما بين 1972 و 1992 ــ.
كما سيعملُ التحلل الضوئي على تعطيل مركبات الفلور بمجرّد إضافتها، ممّا يتطلب وجود 170 كيلوطن إضافيّة كل سنة من أجل تعويض الخسائر. كما أنّ المادة المعنيّة ستدمرّ الأوزون الذي قد ينتجهُ الكوكب، وهذا ما سيقوّض الجهود نحو حماية الكوكب من الإشعاعات.
من جهة أخرى، دراسة ناسا لسنة 1976 حول استصلاح المرّيخ باستعمال كائنات أرضيّة اعترفت أيضًا بالزمن الطويل الذي ستتطلبهُ العمليّة. على كلّ، الوقت المقدّر من أجل جعلِ المرّيخ كوكبًا صالحًا للحياة البشريّة قد يصل إلى قرون عديدة أو ألفيّة كاملة. و دون شك، لدينا مُعضلة المنشآت. استخراج المواد الأوليّة من الكواكب والأقمار الأخرى للنظام الشمسيّ سيتطلبُ وجود مركبات فضائية فائقة القُدرات، وهذه التكنولوجيا المتطوّرة لا وجود لها حاليًا.
ولتوضيح ذلك، مهمة “نيو هوريزونز ـ New Horizons” لوكالة ناسا تطلّبت 11 سنة كاملًة من أجل الوصول إلى الموعد التاريخي مع بلوتو في حزام كويبر، باستعمال صواريخ تقليدية و طريقة مُساعدة-الجاذبية. في نفس الوقت، مهمة “داون ـ Dawn” التي اعتمدت على طريقة الدفع الأيوني استغرقت حوالي 4 سنوات من أجل الوصول إلى فيستا في حزام الكويكبات. وكلا الطريقتين لا تصلحان من أجل القيام برحلات مُتكررة إلى حزام كويبر من أجل جمع المذنبات الجليدية و الكويكبات، ولا تملكُ البشريّة ولو عددًا قليلًا من المركبات اللازمة من أجل إتمام الأمر.
من جهة أخرى، سيتطلب الحديث عن استعمال الموارد المحليّة للمريخ من أجل المهمة ــ ما يشملهُ بناء مصانع أو عمليات التعدين على السطح من أجل إطلاق ثاني أكسيد الكربون، الميثان أو مركبات الفلور نحو الهواء ــ إرسال العديد من الحمولات الصاروخيّة الثقيلة إلى الكوكب الأحمر من أجل نقل كل الآلات إليه. وعندما يتمُ تجميعها جميعها على السّطح (سواءًا باستعمال الروبوتات أو البشر)، تستوجب هذه العمليات أن تعملَ لمدة قرون عديدة دون انقطاع.
وهل سيكون بإمكاننا أن نغض النظر عن الأسئلة الأخلاقية لاستصلاح العوالم. في الأساس، إحداث تغييرات على الكواكب الأخرى من أجل جعلها أكثر ملائمة للعيش بالنسبة للبشر، يجبرنا على طرح تساؤل طبيعي، مالذي سيحصلُ لأيّ من أشكال التي قد تكون موجودة هناك. إذا كان المرّيخ يحتوي حقًا على حياة ميكروبية (أو شكل حياة أكثرُ تعقيدًا)، وهذا ما يعتقدهُ العديد من العلماء، إذن سيكون لتغيير بيئة الكوكب عواقب على هذه الكائنات وقد يصلُ الأمر إلى مسحها عن الوجود. باختصار، المستوطنين المستقبليين للمرّيخ والمهندسين الأرضيين قد يتجهّون حقًا نحو ارتكاب إبادة جماعيّة.
إذًا لماذا نفعل ذلك؟ لماذا نستصلح المرّيخ من أجل سدّ رمق حاجيات البشريّة؟ لأنّهُ هناك؟ طبعًا. لكن أهم من ذلك، قد نحتاجُ إلى فعل ذلك حقًا. كما أنّ الرغبة في استيطانه موجودة كذلك. وبغض النظر عن كل الصعوبات من أجل الوصول إلى هُناك، لسنَا نعاني من نقص في الطُرق المقترحة من أجل اتمام مهمة استصلاح المرّيخ، وبعضها يبدُو قابلًا للتجسيد فعلًا. أخيرًا، كل ما نحتاجُ له هو الوقت الطويل، الكثيرُ من الالتزام، العديد من الموارد، والتفكير بشكل جدّي من أجل ضمان عدم إلحاق الضرر بأي شكل من أشكال الحياة الذي قد يكون موجودًا هناك بالفعل.
لكن طبعًا، قد تتحقق إحدى أسوء توقعاتنا بخصوص المُستقبل، وسنكتشف أنه لا خيار لنا سوى أن نخلق وطنًا جديدًا في مكان آخر على النظام الشمسيّ. مع مرور هذا القرن، قد يكون فعلًا، المرّيخ أو لاشيء آخر