ن موقع الدولار الأمريكي في جدول ترتيب احتياطي النقد الأجنبي العالمي لدى الدول الأخرى مُراقبٌ عن كثب. فكلّ انتكاسة طفيفة في حصة الدولار من ذاك الاحتياطي يمكن أن تُفسر على أنها تأكيد لسقوطه الحتميّ بصفته عملةً عالميةً لها الأفضلية في التعاملات المالية.
إن اللغط الذي يُثار مؤخرًا له علاقة بالمفاوضات الدائرة حول رفع سقف الدَّين الفيدرالي الحكومي في الولايات المتحدة. فقد أثار المتشائمون بشأن الدولار هذه التوقعات الذين يعتقدون أن الأزمات المُتكررة التي لها علاقة بِسقف الاقتراض الحكومي تُسيء إلى استقرار البلاد على الصعيد الدولي.
لكنّ أساس هيمنة الدولار حقيقةً هو التجارة العالمية، وسوف يكون من المعقد جدًّا التخلي عن الدولار في الكثير من هذه التعاملات.
إذ يقوم الدور العالمي لعملةٍ دولية في الأسواق المالية أساسًا على استخدامها في التعاملات غير المالية، بخاصة فيما يُعرف في التجارة باسم «عملة الفواتير»؛ أي العملة التي تفرض بها الشركة رسومًا ماليةً على عملائها.
الشبكة العالمية للعرض والتجارة:
تتضمن التجارة الحديثة العديد من المعاملات المالية. وغالبًا ما تشهد سلاسل الإمداد اليوم شحن السلع عبر حدود كثيرة، ذلك بعد إنتاجها عن طريق استعمال تركيبة من المُدخلات الوسيطة، عادةً من دول مختلفة.
قد يُدفع للمُزودين بعد التسليم فقط، ما يعني أن عليهم تمويل الإنتاج مُسبقًا. لذا فإن الحصول على هذا التمويل بالعملة التي يصدرون بها الفواتير يجعل التجارة أسهل وأنجع من ناحية التكلفة.
في الحقيقة، إن كان كل مشترك يُمول ويُصدر الفواتير بعملة مختلفة سيجعل ذلك الأمر غير ملائم أبدًا لكل أولئك المساهمين في سلسلة القيمة. على غرار ذلك، إذا كان معظم تمويل التجارة وإصدار فواتيرها بعملة واحدة (الدولار الأمريكي حاليًّا)، فحتى البنوك والشركات خارج الولايات المتحدة سيكون لديها دافع لتسوية المعاملات المالية بتلك العملة.
إذ يُصبح تغيير الوضع الراهن أصعب عندما لا يكون لأيّة منظمة بمفردها دافع لتغيير العملة إن لم تفعل نظيراتها الشيء نفسه. لهذا السبب يظل الدولار العملة الأكثر استعمالاً في المعاملات مع بلدان العالم الثالث؛ أي تلك المعاملات التي لا تشمل مشاركة الولايات المتحدة.
يُستعمل اليورو أساسًا في المناطق المجاورة لأوروبا، بينما يُستخدم الدولار على نطاقٍ واسع في التجارة العالمية بين الدول الآسيوية. ويسمي الباحثون ذلك نموذج العملة السائدة.
إن انفتاح الأسواق المالية للولايات المتحدة، شكّل عاملًا يسهّل ويتيح استعمال الدولار أكثر حتى خارج بلده الأم. إذ تمثل هذه الأسواق نسبة 36% من السوق العالمية أو تعادل خمسة أضعاف حجم أسواق منطقة اليورو(المنطقة الأوروبية).
تتضمن معظم المعاملات المالية المتعلقة بالتجارة استخدام ائتمان قصير الأمد، مثل استخدام بطاقة ائتمان لشراء شيء ما. نتيجةً لذلك، يجب أن تكون الأنظمة المصرفية في العديد من البلدان قائمةً على الأقل جزئيًا على الدولار حتى تتمكن من توفير هذا الائتمان قصير الأجل.
لذا تحتاج هذه البنوك إلى الاستثمار في الأسواق المالية الأمريكية حتى تعيد تمويل ذاتها بالدولار. حينها يصبح بإمكانها توفير ذلك الائتمان لعملائها كقرضٍ قصير الأمد قائم على الدولار.
إذن من المعقول القول أن الدولار الأمريكي لم يصبح العملة العالمية الأولى فقط بسبب جهود الولايات المتحدة لتكريس استعماله عالميًّا، إنما ستستمر هيمنة الدولار أيضًا ما دامت المنظّمات الخاصة المساهمة في التجارة والتمويل الدوليَين تجده العملة الأكثر ملائمةً للاستخدام.
ما الذي قد يطيح من مكانة الدولار؟
قد تحاول بعض الحكومات مثل حكومة الصين تقديم بدائل عن الدولار الأمريكي، لكن لا يُرجّح نجاحها.
أي قد تُقيّم المعاملات فيما بين الحكومات، مثلاً في مجال النفط الخام بين الصين والمملكة العربية السعودية باليوان، لكن سيكون على الحكومة السعودية أن تنفق العملة الصينية التي تستلمها في شيءٍ ما. فقد يُستعمل بعضها لتسديد نفقات التوريد من الصين، لكن السعودية تستورد من الصين حوالي 30 مليار دولار أي أقل بكثير مما تصدّره (حوالي 49 مليار دولار).
وبطبيعة الحال، يمكن لصندوق الاستثمار العام (pif)؛ وهو صندوق الثروة السيادية السعودي الذي تبلغ قيمته 600 مليار دولار، يمكنه استخدام اليوان للاستثمار في الصين. لكن هذا يصبح صعبًا على نطاق واسع لأن العملة الصينية ما تزال «قابلةً للتحويل» جزئيًّا فقط، ما يعني أن السلطات الصينية ماتزال تتحكم في الكثير من المعاملات داخل الصين وخارجها، لذلك قد لا يتمكن صندوق الاستثمار العام من استعمال أمواله باليوان عندما يحتاج إليها. لكن حتى في غياب قيود التحويل، فإن عددًا قليلًا جدًّا من المستثمرين في القطاع الخاص وعددًا أقل من صناديق الاستثمار الغربية مستعدّةٌ لضخّ الكثير من الأموال في الصين إذا كانوا تحت رحمة الحزب الشيوعي.
الصين طبعًا هي أكثر دولة لديها أقوى الدوافع السياسية لتحدّي هيمنة الدولار الأمريكي. لذا ستكون الخطوة الأولى الطبيعية للصين هي تنويع احتياطياتها من النقد الأجنبي بعيدًا عن الولايات المتحدة عن طريق الاستثمار في بلدان أخرى. ولكن القول أسهل بكثير من الفعل.
هنالك فرص قليلة لاستثمار مئات أو آلاف المليارات من الدولارات خارج الولايات المتحدة. إذ تُظهر الأرقام الصادرة عن بنك التسويات الدولية أن سوق السندات بمنطقة اليورو – وهو مكانٌ يُمول فيه المستثمرون قروضًا لصالح شركات وحكومات منطقة اليورو – تبلغ قيمته أقل من ثلث سوق السندات في الولايات المتحدة.
إضافةً إلى ذلك، يُرجّح أن تقف اقتصادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الرئيسية الأخرى مثل أوروبا واليابان إلى جانب الولايات المتحدة وليس الصين، مثلما تفعل في أية أزمة كبيرة. ويكون اتخاذ قرار مثل هذا أسهل بكثير ما داموا يستعملون الدولار الأمريكي في التجارة.
يُقال إن أكثر من نصف سكان العالم يقطنون في بلدان رفضت إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن هذا النصف لا يمثل نصيبًا كبيرًا من الأسواق المالية العالمية.
على غرار ذلك، ليس من المفاجئ أن تكون الديمقراطيات هي المهيمنة على العالم ماليًّا. إذ تتطلب الشركات والأسواق المالية الثقة وسيادة القانون الراسخة، أما الأنظمة غير الديمقراطية فليست لديها قاعدة تكرس على أساسها سيادة القانون فيبقى كلّ مستثمر خاضعًا لأهواء الحاكم.
عندما يتعلق الأمر بالتجارة العالمية، يكون استخدام العملة مدعومًا بشبكة معاملات ذاتية التعزيز. ولهذا السبب، ونظرًا لحجم السوق المالية في الولايات المتحدة تُعد خسارة الدولار لمكانته بصفته عملةً مهيمنةً ضررًا للولايات المتحدة أكثر من كونه فائدةً للدول أخرى.
إن اللغط الذي يُثار مؤخرًا له علاقة بالمفاوضات الدائرة حول رفع سقف الدَّين الفيدرالي الحكومي في الولايات المتحدة. فقد أثار المتشائمون بشأن الدولار هذه التوقعات الذين يعتقدون أن الأزمات المُتكررة التي لها علاقة بِسقف الاقتراض الحكومي تُسيء إلى استقرار البلاد على الصعيد الدولي.
لكنّ أساس هيمنة الدولار حقيقةً هو التجارة العالمية، وسوف يكون من المعقد جدًّا التخلي عن الدولار في الكثير من هذه التعاملات.
إذ يقوم الدور العالمي لعملةٍ دولية في الأسواق المالية أساسًا على استخدامها في التعاملات غير المالية، بخاصة فيما يُعرف في التجارة باسم «عملة الفواتير»؛ أي العملة التي تفرض بها الشركة رسومًا ماليةً على عملائها.
الشبكة العالمية للعرض والتجارة:
تتضمن التجارة الحديثة العديد من المعاملات المالية. وغالبًا ما تشهد سلاسل الإمداد اليوم شحن السلع عبر حدود كثيرة، ذلك بعد إنتاجها عن طريق استعمال تركيبة من المُدخلات الوسيطة، عادةً من دول مختلفة.
قد يُدفع للمُزودين بعد التسليم فقط، ما يعني أن عليهم تمويل الإنتاج مُسبقًا. لذا فإن الحصول على هذا التمويل بالعملة التي يصدرون بها الفواتير يجعل التجارة أسهل وأنجع من ناحية التكلفة.
في الحقيقة، إن كان كل مشترك يُمول ويُصدر الفواتير بعملة مختلفة سيجعل ذلك الأمر غير ملائم أبدًا لكل أولئك المساهمين في سلسلة القيمة. على غرار ذلك، إذا كان معظم تمويل التجارة وإصدار فواتيرها بعملة واحدة (الدولار الأمريكي حاليًّا)، فحتى البنوك والشركات خارج الولايات المتحدة سيكون لديها دافع لتسوية المعاملات المالية بتلك العملة.
إذ يُصبح تغيير الوضع الراهن أصعب عندما لا يكون لأيّة منظمة بمفردها دافع لتغيير العملة إن لم تفعل نظيراتها الشيء نفسه. لهذا السبب يظل الدولار العملة الأكثر استعمالاً في المعاملات مع بلدان العالم الثالث؛ أي تلك المعاملات التي لا تشمل مشاركة الولايات المتحدة.
يُستعمل اليورو أساسًا في المناطق المجاورة لأوروبا، بينما يُستخدم الدولار على نطاقٍ واسع في التجارة العالمية بين الدول الآسيوية. ويسمي الباحثون ذلك نموذج العملة السائدة.
إن انفتاح الأسواق المالية للولايات المتحدة، شكّل عاملًا يسهّل ويتيح استعمال الدولار أكثر حتى خارج بلده الأم. إذ تمثل هذه الأسواق نسبة 36% من السوق العالمية أو تعادل خمسة أضعاف حجم أسواق منطقة اليورو(المنطقة الأوروبية).
تتضمن معظم المعاملات المالية المتعلقة بالتجارة استخدام ائتمان قصير الأمد، مثل استخدام بطاقة ائتمان لشراء شيء ما. نتيجةً لذلك، يجب أن تكون الأنظمة المصرفية في العديد من البلدان قائمةً على الأقل جزئيًا على الدولار حتى تتمكن من توفير هذا الائتمان قصير الأجل.
لذا تحتاج هذه البنوك إلى الاستثمار في الأسواق المالية الأمريكية حتى تعيد تمويل ذاتها بالدولار. حينها يصبح بإمكانها توفير ذلك الائتمان لعملائها كقرضٍ قصير الأمد قائم على الدولار.
إذن من المعقول القول أن الدولار الأمريكي لم يصبح العملة العالمية الأولى فقط بسبب جهود الولايات المتحدة لتكريس استعماله عالميًّا، إنما ستستمر هيمنة الدولار أيضًا ما دامت المنظّمات الخاصة المساهمة في التجارة والتمويل الدوليَين تجده العملة الأكثر ملائمةً للاستخدام.
ما الذي قد يطيح من مكانة الدولار؟
قد تحاول بعض الحكومات مثل حكومة الصين تقديم بدائل عن الدولار الأمريكي، لكن لا يُرجّح نجاحها.
أي قد تُقيّم المعاملات فيما بين الحكومات، مثلاً في مجال النفط الخام بين الصين والمملكة العربية السعودية باليوان، لكن سيكون على الحكومة السعودية أن تنفق العملة الصينية التي تستلمها في شيءٍ ما. فقد يُستعمل بعضها لتسديد نفقات التوريد من الصين، لكن السعودية تستورد من الصين حوالي 30 مليار دولار أي أقل بكثير مما تصدّره (حوالي 49 مليار دولار).
وبطبيعة الحال، يمكن لصندوق الاستثمار العام (pif)؛ وهو صندوق الثروة السيادية السعودي الذي تبلغ قيمته 600 مليار دولار، يمكنه استخدام اليوان للاستثمار في الصين. لكن هذا يصبح صعبًا على نطاق واسع لأن العملة الصينية ما تزال «قابلةً للتحويل» جزئيًّا فقط، ما يعني أن السلطات الصينية ماتزال تتحكم في الكثير من المعاملات داخل الصين وخارجها، لذلك قد لا يتمكن صندوق الاستثمار العام من استعمال أمواله باليوان عندما يحتاج إليها. لكن حتى في غياب قيود التحويل، فإن عددًا قليلًا جدًّا من المستثمرين في القطاع الخاص وعددًا أقل من صناديق الاستثمار الغربية مستعدّةٌ لضخّ الكثير من الأموال في الصين إذا كانوا تحت رحمة الحزب الشيوعي.
الصين طبعًا هي أكثر دولة لديها أقوى الدوافع السياسية لتحدّي هيمنة الدولار الأمريكي. لذا ستكون الخطوة الأولى الطبيعية للصين هي تنويع احتياطياتها من النقد الأجنبي بعيدًا عن الولايات المتحدة عن طريق الاستثمار في بلدان أخرى. ولكن القول أسهل بكثير من الفعل.
هنالك فرص قليلة لاستثمار مئات أو آلاف المليارات من الدولارات خارج الولايات المتحدة. إذ تُظهر الأرقام الصادرة عن بنك التسويات الدولية أن سوق السندات بمنطقة اليورو – وهو مكانٌ يُمول فيه المستثمرون قروضًا لصالح شركات وحكومات منطقة اليورو – تبلغ قيمته أقل من ثلث سوق السندات في الولايات المتحدة.
إضافةً إلى ذلك، يُرجّح أن تقف اقتصادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الرئيسية الأخرى مثل أوروبا واليابان إلى جانب الولايات المتحدة وليس الصين، مثلما تفعل في أية أزمة كبيرة. ويكون اتخاذ قرار مثل هذا أسهل بكثير ما داموا يستعملون الدولار الأمريكي في التجارة.
يُقال إن أكثر من نصف سكان العالم يقطنون في بلدان رفضت إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن هذا النصف لا يمثل نصيبًا كبيرًا من الأسواق المالية العالمية.
على غرار ذلك، ليس من المفاجئ أن تكون الديمقراطيات هي المهيمنة على العالم ماليًّا. إذ تتطلب الشركات والأسواق المالية الثقة وسيادة القانون الراسخة، أما الأنظمة غير الديمقراطية فليست لديها قاعدة تكرس على أساسها سيادة القانون فيبقى كلّ مستثمر خاضعًا لأهواء الحاكم.
عندما يتعلق الأمر بالتجارة العالمية، يكون استخدام العملة مدعومًا بشبكة معاملات ذاتية التعزيز. ولهذا السبب، ونظرًا لحجم السوق المالية في الولايات المتحدة تُعد خسارة الدولار لمكانته بصفته عملةً مهيمنةً ضررًا للولايات المتحدة أكثر من كونه فائدةً للدول أخرى.