سادت أجواء التفاؤل في اجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين ومحافظي البنوك المركزية في جاكرتا في أواخر فبراير 2022، مستلهمين طاقتهم من الحكمة الإندونيسية gotong royong، التي تعني نعمل معًا لنحقق أهدافنا معًا. كانت هذه الروح من أكثر العوامل أهمية لتجاوز أزمات هذا العام القاسي.
استمر التعافي الاقتصادي العالمي بنسق متصاعد في العام السابق، لكن بوتيرة معتدلة تخللها القليل من عدم اليقين والخوف من ازدياد المخاطر. في مطلع 2022، انخفضت توقعات صندوق النقد الدولي بشأن التعافي الاقتصادي للعام لتصل إلى نسبة 4.4%، يعود ذلك نوعًا ما إلى إعادة تقييم معدلات النمو في الولايات المتحدة والصين.
منذ ذلك الحين، استمرت المؤشرات الاقتصادية في الإشارة إلى تراجع زخم النمو الاقتصادي وسجل التضخم معدلات أعلى من المتوقع في العديد من الاقتصادات وزادت تقلبات الأسواق المالية وارتفعت حدة التوترات الجيوسياسية. يعزى السبب الرئيسي في ذلك إلى تبعات متحول أوميكرون والاضطرابات المستمرة في سلاسل التوريد، ما يعني أن العالم بحاجة إلى تعاون دولي وتحرك سريع حيال الأمر.
بالنسبة لمعظم البلدان التي لديها مستويات ديون عالية، فإن التعاون يتجلى في الاستمرار بدعم النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل وإبقاء معدلات التضخم تحت السيطرة والحفاظ على الاستقرار المالي.
يوضح تقرير صندوق النقد الدولي الموجه إلى دول مجموعة العشرين مدى صعوبة تلك العقبات وما يمكن لصانعي السياسة فعله لتجاوزها. يستعرض التقرير الأولويات الثلاثة الأبرز:
أولًا، الحاجة إلى توسيع الجهود لمحاربة تأثيرات الكوفيد المزمنة في الاقتصاد
توقع صندوق النقد الدولي في تقريره خسائر عالمية تراكمية ينتجها الوباء تصل إلى نحو 13.8 تريليون دولار بحلول عام 2024. يعد متحول أوميكرون تذكيرًا جديدًا باستحالة الوصول إلى التعافي الاقتصادي الدائم والشامل في الوقت الذي يستمر فيه الوباء بالانتشار، إذ ما تزال الشكوك تتراود حول مسار انتشار الفيروس بعد متحول أوميكرون، بما في ذلك مدى الحماية التي توفرها اللقاحات وتأثير العدوى السابقة وخطر ظهور متحولات جديدة على الفيروس.
في مثل هذه الظروف، إن أفضل ما يمكن أن يقدمه صندوق النقد الدولي هو ضمان حصول كل دولة على وصول عادل وشامل للقاحات كوفيد 19 واختباراتها وعلاجاتها. سيتطلب تحديث هذه الأدوات مع تطور الفيروس اهتمامًا مستمرًا ودقيقًا بالبحوث الطبية ومراقبة الأمراض والأنظمة الصحية في كل المجتمعات.
بلغت دفعة التمويل الأولية نحو 23.4 مليار دولار لتوزيع الأدوات السابقة في جميع دول العالم.
أصبح التنسيق والتعاون بين وزارات المالية والصحة لدول مجموعة العشرين ضرورة ملحة لتسهيل مواجهة المتغيرات المستقبلية المحتملة لفيروس كورونا والأوبئة المستقبلية التي تشكل خطرًا على النظام العالمي.
من المؤكد أن القضاء على الجائحة سيساعد أيضًا في معالجة آثار الوباء المزمن على الاقتصاد، إذ تعرضت العديد من الشركات وأسواق العمل لاضطرابات عميقة وتكبد الطلاب في جميع أنحاء العالم خسائر تزيد عن 17 تريليون دولار بسبب تعطيل وسائل التعليم وانخفاض الإنتاجية وقلة عروض التوظيف.
كان لإغلاق المدارس تأثيرات عميقة، خاصةً على الطلاب في البلدان ذات الاقتصادات الناشئة حيث التحصيل العلمي أقل بكثير من الدول المتقدمة، ما هدد بزيادة الفجوة التعليمية بين البلدان.
لن يقف صندوق النقد الدولي مكتوف الأيدي وسيسارع إلى تنفيذ إجراءات جدية تشمل زيادة الإنفاق الاجتماعي وبرامج إعادة صقل المهارات وتأهيل المعلمين وتدريب الطلاب للعودة إلى المسار الصحيح وبناء المرونة اللازمة لمواجهة التحديات الصحية والاقتصادية المستقبلية.
ثانيًا، تحتاج البلدان إلى اجتياز مرحلة التشديد النقدي بأمان
ما يزال ارتفاع معدلات التضخم يضغط على اقتصاد العديد من البلدان، بالرغم من اختلافها وتنوعها، في الوقت الذي ترتفع فيه حالة عدم اليقين فيما هو قادم لدى الغالبية. دعت تلك الشكوك إلى تقييد التسهيلات النقدية عند الضرورة.
من المهم أيضًا معايرة السياسات النقدية بما يتناسب مع ظروف البلاد الاقتصادية، إذ إنه بالإمكان تقييد التسهيلات النقدية في البلدان التي تعاني من ضيق أسواق العمل وارتفاع معدلات التضخم مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في حين أن الدول الأخرى مثل دول منطقة اليورو بمقدورها اتخاذ إجراءات أقل صرامة، تحديدًا إذا ما كانت معدلات التضخم لديها مرتبطة إلى حد كبير بأسعار الطاقة، لكن عليهم أن يبقوا مستعدين للتصرف بسرعة إذا ما أصبحت بياناتهم الاقتصادية تستدعي اتباع سياسة اقتصادية حازمة.
بطبيعة الحال، يعد التواصل الشفاف بين البلدان أولوية في أي تحول أو تطور جديد، من أجل حماية الاستقرار المالي للبلدان وللاقتصاد العالمي عمومًا.
اضطرت بعض الاقتصادات الناشئة والنامية إلى رفع أسعار الفائدة لكبح ارتفاع معدلات التضخم، أما في الاقتصادات المتقدمة، تطلب الأمر تشديدًا إضافيًا عبر نطاق أوسع من الدول، هذا من شأنه أن يزيد من تعقيد عمليات التبادل بين الدول في محاولة كبح التضخم مع دعم النمو والتوظيف في الوقت ذاته.
حتى مطلع 2022، ظلت الظروف المالية العالمية مواتية نسبيًا، يعود ذلك جزئيًا إلى أسعار الفائدة الحقيقية السلبية في معظم دول مجموعة العشرين، لكن في حال تشديد السياسات المالية فجأة، يتعين على البلدان النامية والناشئة الاستعداد إلى فقدان تدفقات رؤوس الأموال. من أجل مواجهة ذلك، يجب على المقترضين تمديد آجال استحقاق الديون قدر المستطاع، مع احتواء تراكم ديون العملات الأجنبية الجديدة لزيادة مرونة أسعار الصرف من أجل امتصاص الصدمات عندما تصبح أمرًا واقعًا. تعد مرونة أسعار الصرف سلاحًا مهمًا في معظم الحالات، لكنها ليست الأداة الوحيدة المتاحة.
قد تكون تدخلات النقد الأجنبي مناسبةً في بعض حالات تقلب الأسواق الشديد، مثلما نجحت أندونيسيا في ذلك عام 2020.
تلجأ بعض البلدان إلى تدابير تتعلق بإدارة تدفقات رأس المال والتي قد تكون منطقية أحيانًا في الأزمات الاقتصادية والمالية، مثلما حدث في أيسلندا عام 2008 وقبرص عام 2013.
تتخذ بلدان أخرى؛ إجراءات احترازية كلية لحماية القطاع المالي غير المصرفي وسوق العقارات. على أية حال، تحتاج مواجهة بعض الأزمات إلى دمج كل الإجراءات السابقة وإجراءات تعديلات تستهدف الاقتصاد كاملًا.
الخلاصة، نحن بحاجة إلى ضمان أن جميع البلدان يمكنها تجاوز مرحلة التشديد النقدي بأمان.
ثالثًا، على البلدان أن تصب تركيزها على الاستدامة المالية
مع بداية تعافي العالم من وباء كورونا، تحتاج الدول إلى معايرة سياساتها المالية القادمة بدقة، إذ ساعدت الإجراءات المالية غير الاعتيادية التي اتخذها العالم مؤخرًا إلى عدم حصول كساد كبير جديد، لكنها أدت أيضًا إلى ارتفاع مستويات الديون.
سجل عام 2020 أكبر زيادة للديون في عام واحد منذ الحرب العالمية الثانية بارتفاع بلغ 226 تريليون دولار للدين العالمي العام والخاص.
تضمن معايرة السياسة المالية للعديد من البلدان استمرار دعم نظامها الصحي الهش، مع تقليل العجز المالي وضبط مستويات الديون بهدف تلبية الاحتياجات الرئيسية. على سبيل المثال، يدعم البعض تقليص الدعم المالي في البلدان التي تتعافى اقتصاديًا بسرعة، ما سيسهل من تحول سياساتها النقدية عبر تقليل الطلب فيها، الأمر الذي سيساعد في احتواء ضغوطات التضخم في نهاية المطاف.
على النقيض، تواجه دول العالم النامي عمليات مقايضة أكثر صعوبةً، بسبب ضعف قوتهم المالية في أثناء الأزمة، ما جعل عملية تعافيهم من تبعات وباء كورونا المزمن بطيئة جدًا، دون أي استعداد لاقتصاد ما بعد الجائحة، الذي يطغى عليه الطابع الرقمي غير الضار بالبيئة.
في السياق ذاته، وصف صندوق النقد الدولي في 2021 كيف يمكن للسياسات الاقتصادية غير الضارة بالبيئة، بما فيها برنامج الاستثمار العام لمدة 10 سنوات، أن ترفع الناتج العالمي السنوي بنحو 2% مقارنةً بمتوسط الناتج على مدار الأعوام من 2021 حتى 2030.
قد تساعدنا السياسات الاقتصادية هذه في إيجاد عالم جديد أكثر صلابةً في مواجهة التحديات، مع وجود عائق ارتفاع الديون. يقدر صندوق النقد الدولي أن نحو 60% من البلدان منخفضة الدخل معرضة بدرجة عالية لأزمة تراكم الديون، ما يعادل ضعف مستويات عام 2015. تحتاج اقتصادات تلك البلدان وغيرها إلى زيادة إيراداتها المحلية ودعم التمويل المالي والمساعدة في آلية التعامل الفوري مع تضاعف الديون. يتجسد ذلك بإعادة تنشيط التعاون بين دول مجموعة العشرين لمعالجة أزمة الديون. تكون نقطة البداية عند تجميد مدفوعات خدمة الدين في أثناء التفاوض ضمن إطار العمل.
نحتاج بكل تأكيد إلى عمليات أسرع وأكثر كفاءةً، مع وضوح الخطوات الواجب اتباعها حتى يعرف الجميع مساره الصحيح، يُطبق ذلك من تشكيل لجان الدائنين إلى اتفاقيات تسوية الديون، مع ضم مجموعة أكبر من البلدان المثقلة بالديون لثورة الإصلاحات هذه.
دور صندوق النقد الدولي
لصندوق النقد الدولي دورًا مهمًا في هذا المجال، عبر توفير قواعد الاقتصاد الكلي والتحليلات اللازمة لبيان القدرة على تحمل الديون ونشر ثقافية المصداقية فيما يتعلق بالديون، يتحقق ذلك بطلب إفصاح بلد ما من الأعضاء عن مقدار دينه وهوية دائنه عند تقدمه بطلب تمويل من صندوق النقد الدولي، إضافةً إلى تعاون إدارة الصندوق مع أعضائه لتطبيق نهجه متعدد الجوانب بما يتناسب مع مدى التأثر بتراكم الديون.
يحتاج صندوق النقد الدولي أيضًا إلى البناء على التخصيص التاريخي لحقوق السحب الخاصة الذي يبلغ 650 مليار دولار. بدأت بعض البلدان بالفعل باستخدام حقوقها للسحب بصورة نافعة، نذكر منها نيبال ووارداتها من اللقاح ومقدونيا وإنفاقها على القطاع الصحي للتصدي للوباء والسنغال في تعزيزها من إنتاجية اللقاحات.
بهدف توضيح تأثير التخصيص الإيجابي، شجع صندوق النقد الدولي على توجيه حقوق السحب الخاصة الجديدة عبر صندوق النمو والحد من الفقر، الذي يؤمن تمويلًا بشروط ميسرة للبلدان منخفضة الدخل، إضافةً إلى صندوق المرونة والاستدامة.
استنادًا إلى معدلات فائدته الأرخص وآجال استحقاق ديونه الأطول، بإمكان صندوق المرونة والاستدامة تمويل سياسات المناخ والتأهب للأوبئة والرقمنة التي من شأنها تحسين استقرار الاقتصاد الكلي لعقود طويلة. أبدت دول مجموعة العشرين دعمها الكامل لصندوق المرونة والاستدامة، ما جعل صندوق النقد الدولي يسعى إلى تشغيله بالكامل بدءًا من 2022.
يتوجه صندوق النقد الدولي إلى دعم البلدان في مواجهة تحدياتها المختلفة، بدءًا من تقديم مشورة لمعايرة السياسة الاقتصادية وتنمية القدرات، وصولًا إلى المساعدة المالية عند الحاجة. يسعى الصندوق إلى تكريس مفهوم المرونة في جميع جوانب صنع السياسات واتخاذ القرارات، مع معرفته بأن عامل المرونة وحده لا يكفي لمواجهة التحديات الاقتصادية.
يحتاج العالم أيضًا إلى اتباع روح شعار إندونيسيا Bhinneka Tunggal Ika والذي يؤمن بأن الاختلاف لا يعني الخلاف، بل إن قوتنا في تنوعنا، وبتعاوننا فقط يمكننا اجتياز العقبات نحو التعافي الدائم الذي يصب في مصلحة الجميع.
استمر التعافي الاقتصادي العالمي بنسق متصاعد في العام السابق، لكن بوتيرة معتدلة تخللها القليل من عدم اليقين والخوف من ازدياد المخاطر. في مطلع 2022، انخفضت توقعات صندوق النقد الدولي بشأن التعافي الاقتصادي للعام لتصل إلى نسبة 4.4%، يعود ذلك نوعًا ما إلى إعادة تقييم معدلات النمو في الولايات المتحدة والصين.
منذ ذلك الحين، استمرت المؤشرات الاقتصادية في الإشارة إلى تراجع زخم النمو الاقتصادي وسجل التضخم معدلات أعلى من المتوقع في العديد من الاقتصادات وزادت تقلبات الأسواق المالية وارتفعت حدة التوترات الجيوسياسية. يعزى السبب الرئيسي في ذلك إلى تبعات متحول أوميكرون والاضطرابات المستمرة في سلاسل التوريد، ما يعني أن العالم بحاجة إلى تعاون دولي وتحرك سريع حيال الأمر.
بالنسبة لمعظم البلدان التي لديها مستويات ديون عالية، فإن التعاون يتجلى في الاستمرار بدعم النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل وإبقاء معدلات التضخم تحت السيطرة والحفاظ على الاستقرار المالي.
يوضح تقرير صندوق النقد الدولي الموجه إلى دول مجموعة العشرين مدى صعوبة تلك العقبات وما يمكن لصانعي السياسة فعله لتجاوزها. يستعرض التقرير الأولويات الثلاثة الأبرز:
أولًا، الحاجة إلى توسيع الجهود لمحاربة تأثيرات الكوفيد المزمنة في الاقتصاد
توقع صندوق النقد الدولي في تقريره خسائر عالمية تراكمية ينتجها الوباء تصل إلى نحو 13.8 تريليون دولار بحلول عام 2024. يعد متحول أوميكرون تذكيرًا جديدًا باستحالة الوصول إلى التعافي الاقتصادي الدائم والشامل في الوقت الذي يستمر فيه الوباء بالانتشار، إذ ما تزال الشكوك تتراود حول مسار انتشار الفيروس بعد متحول أوميكرون، بما في ذلك مدى الحماية التي توفرها اللقاحات وتأثير العدوى السابقة وخطر ظهور متحولات جديدة على الفيروس.
في مثل هذه الظروف، إن أفضل ما يمكن أن يقدمه صندوق النقد الدولي هو ضمان حصول كل دولة على وصول عادل وشامل للقاحات كوفيد 19 واختباراتها وعلاجاتها. سيتطلب تحديث هذه الأدوات مع تطور الفيروس اهتمامًا مستمرًا ودقيقًا بالبحوث الطبية ومراقبة الأمراض والأنظمة الصحية في كل المجتمعات.
بلغت دفعة التمويل الأولية نحو 23.4 مليار دولار لتوزيع الأدوات السابقة في جميع دول العالم.
أصبح التنسيق والتعاون بين وزارات المالية والصحة لدول مجموعة العشرين ضرورة ملحة لتسهيل مواجهة المتغيرات المستقبلية المحتملة لفيروس كورونا والأوبئة المستقبلية التي تشكل خطرًا على النظام العالمي.
من المؤكد أن القضاء على الجائحة سيساعد أيضًا في معالجة آثار الوباء المزمن على الاقتصاد، إذ تعرضت العديد من الشركات وأسواق العمل لاضطرابات عميقة وتكبد الطلاب في جميع أنحاء العالم خسائر تزيد عن 17 تريليون دولار بسبب تعطيل وسائل التعليم وانخفاض الإنتاجية وقلة عروض التوظيف.
كان لإغلاق المدارس تأثيرات عميقة، خاصةً على الطلاب في البلدان ذات الاقتصادات الناشئة حيث التحصيل العلمي أقل بكثير من الدول المتقدمة، ما هدد بزيادة الفجوة التعليمية بين البلدان.
لن يقف صندوق النقد الدولي مكتوف الأيدي وسيسارع إلى تنفيذ إجراءات جدية تشمل زيادة الإنفاق الاجتماعي وبرامج إعادة صقل المهارات وتأهيل المعلمين وتدريب الطلاب للعودة إلى المسار الصحيح وبناء المرونة اللازمة لمواجهة التحديات الصحية والاقتصادية المستقبلية.
ثانيًا، تحتاج البلدان إلى اجتياز مرحلة التشديد النقدي بأمان
ما يزال ارتفاع معدلات التضخم يضغط على اقتصاد العديد من البلدان، بالرغم من اختلافها وتنوعها، في الوقت الذي ترتفع فيه حالة عدم اليقين فيما هو قادم لدى الغالبية. دعت تلك الشكوك إلى تقييد التسهيلات النقدية عند الضرورة.
من المهم أيضًا معايرة السياسات النقدية بما يتناسب مع ظروف البلاد الاقتصادية، إذ إنه بالإمكان تقييد التسهيلات النقدية في البلدان التي تعاني من ضيق أسواق العمل وارتفاع معدلات التضخم مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في حين أن الدول الأخرى مثل دول منطقة اليورو بمقدورها اتخاذ إجراءات أقل صرامة، تحديدًا إذا ما كانت معدلات التضخم لديها مرتبطة إلى حد كبير بأسعار الطاقة، لكن عليهم أن يبقوا مستعدين للتصرف بسرعة إذا ما أصبحت بياناتهم الاقتصادية تستدعي اتباع سياسة اقتصادية حازمة.
بطبيعة الحال، يعد التواصل الشفاف بين البلدان أولوية في أي تحول أو تطور جديد، من أجل حماية الاستقرار المالي للبلدان وللاقتصاد العالمي عمومًا.
اضطرت بعض الاقتصادات الناشئة والنامية إلى رفع أسعار الفائدة لكبح ارتفاع معدلات التضخم، أما في الاقتصادات المتقدمة، تطلب الأمر تشديدًا إضافيًا عبر نطاق أوسع من الدول، هذا من شأنه أن يزيد من تعقيد عمليات التبادل بين الدول في محاولة كبح التضخم مع دعم النمو والتوظيف في الوقت ذاته.
حتى مطلع 2022، ظلت الظروف المالية العالمية مواتية نسبيًا، يعود ذلك جزئيًا إلى أسعار الفائدة الحقيقية السلبية في معظم دول مجموعة العشرين، لكن في حال تشديد السياسات المالية فجأة، يتعين على البلدان النامية والناشئة الاستعداد إلى فقدان تدفقات رؤوس الأموال. من أجل مواجهة ذلك، يجب على المقترضين تمديد آجال استحقاق الديون قدر المستطاع، مع احتواء تراكم ديون العملات الأجنبية الجديدة لزيادة مرونة أسعار الصرف من أجل امتصاص الصدمات عندما تصبح أمرًا واقعًا. تعد مرونة أسعار الصرف سلاحًا مهمًا في معظم الحالات، لكنها ليست الأداة الوحيدة المتاحة.
قد تكون تدخلات النقد الأجنبي مناسبةً في بعض حالات تقلب الأسواق الشديد، مثلما نجحت أندونيسيا في ذلك عام 2020.
تلجأ بعض البلدان إلى تدابير تتعلق بإدارة تدفقات رأس المال والتي قد تكون منطقية أحيانًا في الأزمات الاقتصادية والمالية، مثلما حدث في أيسلندا عام 2008 وقبرص عام 2013.
تتخذ بلدان أخرى؛ إجراءات احترازية كلية لحماية القطاع المالي غير المصرفي وسوق العقارات. على أية حال، تحتاج مواجهة بعض الأزمات إلى دمج كل الإجراءات السابقة وإجراءات تعديلات تستهدف الاقتصاد كاملًا.
الخلاصة، نحن بحاجة إلى ضمان أن جميع البلدان يمكنها تجاوز مرحلة التشديد النقدي بأمان.
ثالثًا، على البلدان أن تصب تركيزها على الاستدامة المالية
مع بداية تعافي العالم من وباء كورونا، تحتاج الدول إلى معايرة سياساتها المالية القادمة بدقة، إذ ساعدت الإجراءات المالية غير الاعتيادية التي اتخذها العالم مؤخرًا إلى عدم حصول كساد كبير جديد، لكنها أدت أيضًا إلى ارتفاع مستويات الديون.
سجل عام 2020 أكبر زيادة للديون في عام واحد منذ الحرب العالمية الثانية بارتفاع بلغ 226 تريليون دولار للدين العالمي العام والخاص.
تضمن معايرة السياسة المالية للعديد من البلدان استمرار دعم نظامها الصحي الهش، مع تقليل العجز المالي وضبط مستويات الديون بهدف تلبية الاحتياجات الرئيسية. على سبيل المثال، يدعم البعض تقليص الدعم المالي في البلدان التي تتعافى اقتصاديًا بسرعة، ما سيسهل من تحول سياساتها النقدية عبر تقليل الطلب فيها، الأمر الذي سيساعد في احتواء ضغوطات التضخم في نهاية المطاف.
على النقيض، تواجه دول العالم النامي عمليات مقايضة أكثر صعوبةً، بسبب ضعف قوتهم المالية في أثناء الأزمة، ما جعل عملية تعافيهم من تبعات وباء كورونا المزمن بطيئة جدًا، دون أي استعداد لاقتصاد ما بعد الجائحة، الذي يطغى عليه الطابع الرقمي غير الضار بالبيئة.
في السياق ذاته، وصف صندوق النقد الدولي في 2021 كيف يمكن للسياسات الاقتصادية غير الضارة بالبيئة، بما فيها برنامج الاستثمار العام لمدة 10 سنوات، أن ترفع الناتج العالمي السنوي بنحو 2% مقارنةً بمتوسط الناتج على مدار الأعوام من 2021 حتى 2030.
قد تساعدنا السياسات الاقتصادية هذه في إيجاد عالم جديد أكثر صلابةً في مواجهة التحديات، مع وجود عائق ارتفاع الديون. يقدر صندوق النقد الدولي أن نحو 60% من البلدان منخفضة الدخل معرضة بدرجة عالية لأزمة تراكم الديون، ما يعادل ضعف مستويات عام 2015. تحتاج اقتصادات تلك البلدان وغيرها إلى زيادة إيراداتها المحلية ودعم التمويل المالي والمساعدة في آلية التعامل الفوري مع تضاعف الديون. يتجسد ذلك بإعادة تنشيط التعاون بين دول مجموعة العشرين لمعالجة أزمة الديون. تكون نقطة البداية عند تجميد مدفوعات خدمة الدين في أثناء التفاوض ضمن إطار العمل.
نحتاج بكل تأكيد إلى عمليات أسرع وأكثر كفاءةً، مع وضوح الخطوات الواجب اتباعها حتى يعرف الجميع مساره الصحيح، يُطبق ذلك من تشكيل لجان الدائنين إلى اتفاقيات تسوية الديون، مع ضم مجموعة أكبر من البلدان المثقلة بالديون لثورة الإصلاحات هذه.
دور صندوق النقد الدولي
لصندوق النقد الدولي دورًا مهمًا في هذا المجال، عبر توفير قواعد الاقتصاد الكلي والتحليلات اللازمة لبيان القدرة على تحمل الديون ونشر ثقافية المصداقية فيما يتعلق بالديون، يتحقق ذلك بطلب إفصاح بلد ما من الأعضاء عن مقدار دينه وهوية دائنه عند تقدمه بطلب تمويل من صندوق النقد الدولي، إضافةً إلى تعاون إدارة الصندوق مع أعضائه لتطبيق نهجه متعدد الجوانب بما يتناسب مع مدى التأثر بتراكم الديون.
يحتاج صندوق النقد الدولي أيضًا إلى البناء على التخصيص التاريخي لحقوق السحب الخاصة الذي يبلغ 650 مليار دولار. بدأت بعض البلدان بالفعل باستخدام حقوقها للسحب بصورة نافعة، نذكر منها نيبال ووارداتها من اللقاح ومقدونيا وإنفاقها على القطاع الصحي للتصدي للوباء والسنغال في تعزيزها من إنتاجية اللقاحات.
بهدف توضيح تأثير التخصيص الإيجابي، شجع صندوق النقد الدولي على توجيه حقوق السحب الخاصة الجديدة عبر صندوق النمو والحد من الفقر، الذي يؤمن تمويلًا بشروط ميسرة للبلدان منخفضة الدخل، إضافةً إلى صندوق المرونة والاستدامة.
استنادًا إلى معدلات فائدته الأرخص وآجال استحقاق ديونه الأطول، بإمكان صندوق المرونة والاستدامة تمويل سياسات المناخ والتأهب للأوبئة والرقمنة التي من شأنها تحسين استقرار الاقتصاد الكلي لعقود طويلة. أبدت دول مجموعة العشرين دعمها الكامل لصندوق المرونة والاستدامة، ما جعل صندوق النقد الدولي يسعى إلى تشغيله بالكامل بدءًا من 2022.
يتوجه صندوق النقد الدولي إلى دعم البلدان في مواجهة تحدياتها المختلفة، بدءًا من تقديم مشورة لمعايرة السياسة الاقتصادية وتنمية القدرات، وصولًا إلى المساعدة المالية عند الحاجة. يسعى الصندوق إلى تكريس مفهوم المرونة في جميع جوانب صنع السياسات واتخاذ القرارات، مع معرفته بأن عامل المرونة وحده لا يكفي لمواجهة التحديات الاقتصادية.
يحتاج العالم أيضًا إلى اتباع روح شعار إندونيسيا Bhinneka Tunggal Ika والذي يؤمن بأن الاختلاف لا يعني الخلاف، بل إن قوتنا في تنوعنا، وبتعاوننا فقط يمكننا اجتياز العقبات نحو التعافي الدائم الذي يصب في مصلحة الجميع.