كونستانتيوس Constance II - Constance II
كونستانتيوس
(317 ـ 361م)
هو فلافيوس يوليوس كونستانتيوس الثاني Flavius Iulius Constantius II ثاني امبراطور مسيحي تربع على عرش الامبراطورية الرومانية (337 ـ 361م). هو الابن الثالث للامبراطور قسطنطين[ر] الكبير وزوجته فاوستا. تلقى تربية ممتازة وانخرط منذ صغره في الحياة العسكرية.
منحه والده رتبة قيصر (نائب امبراطور) عام 324م ثم رتبة أغسطس عام 337م، وأرسله إلى أنطاكية Antiocheia عاصمة الشرق وهو في السادسة عشرة من عمره للتدرب على أمور الإدارة والحكم، وبقي هناك حتى وفاة أبيه عام 337م.
وأعقب ذلك اقتسام حكم الامبراطورية بين أبناء قسطنطين الثلاثة فحصل كونستانتيوس على الشرق، وتسلم أخوه الشقيق كونستانس Constans حكم بلاد الغال وإسبانيا وبريطانيا، وتسلم أخوهما قسطنطين الثاني حكم إيطاليا وإيلليريا وإفريقيا.
عاد كونستانتيوس بعدها إلى أنطاكية، وشرع يعد للحرب مع شابور الثـاني Sapor II ملك الفرس، وهي الحرب التي كان والده ينوي القيام بها لولا أن وافته المنية، واستمرت 12 سنة 338 ـ350م وكان مسرحها الأساسي أعالي الجزيرة السورية. وقد ازدهرت أنطاكية في أثناء وجوده فيها كل هذه المدة الطويلة وما أولاها من اهتمام ورعاية فبنى فيها عدداً من الكنائس والمنشآت العامة حتى إنها سُميت باسمه: أنطاكيـة كونستاتينا Antiocheia Constantina. وفي عام 346م حضر تدشين مرفأ سلوقية بيرية (السويدية حالياً) بعد توسيعه لتأمين الإمدادات العسكرية للحرب؛ مما عاد على المدينة بفوائد جمة وأكسبها أهمية تجارية كبيرة.
كانت حملة عام 350م آخر غزواته ضد الفرس التي تكبدوا فيها خسائر كبيرة، كما أنهم تعرضوا لهجمات قبائل بربرية شمالية مما أضعف مقدرتهم القتالية والعسكرية فهدأت الحرب على هذه الجبهة. لقد أخذت تلك الحرب الطويلة كل وقته وجهده وجعلته يتقبل امتداد سلطة أخيه كونستانس لتشمل غربي الامبراطورية بأكمله عام 340م، بعد أن تغلب الأخير على أخيهما الثالث قسطنطين الثاني. وهكذا اقتسم الاثنان حكم الامبراطورية مدة عشر سنوات (340-350م). ثم سقط كونستانس ضحية مؤامرة دبرها كبير قادته مغننتيوس Magnentius الذي أعلن نفسه امبراطوراً، وتحرك كونستانتيوس لقمع هذا التمرد وجرت عام 351م معركة مورسا Mursa (في بانونيا في المجر) التي انتهت بهزيمة مدعي العرش ومقتله فيما بعد، وصار كونستانتيوس السيد الأوحد للامبراطورية الرومانية التي حكمها حتى وفاته.
كان قد عين ابن عمه وزوج أخته غالوس Gallus قيصراً على الشرق عندما غادر أنطاكية، ولكن هذا بدأ يظلم ويستبد في الحكم وبات يخشى من تمرده؛ فاستدعاه الامبراطور إلى القسطنطينية وأمر بإعدامه. وفي عام 355م عين ابن عمه الآخر يوليان Iulianus قيصراً وحاكماً في بلاد الغال. كان على كونستانتيوس أن يقمع ثورة القبائل الفرنكية وأن يخوض معارك متفرقة على جبهة نهر الدانوب حتى ساد الهدوء فيها.
كان كونستانتيوس مهتماً جداً بالأمور الدينية وميالاً إلى الأريوسية[ر]، ولذلك اصطدم مع أتباع مذهب نيقية الأرثوذكسي. وكان النزاع المذهبي بين الأريوسية الغالبة في الشرق والأرثوذكسية السائدة في الغرب يزيد الانشقاق والتباعد بين شطري الامبراطورية. وفي عام 343م انعقد مجمع ديني في سرديكا Sardica على الحدود الفاصلة بينهما، غير أنه لم يستطع التوفيق بين المذهبين المختلفين.
وبعد أن لقي كونستانس مصرعه عام 350م وغدا كونستانتيوس سيد الامبراطورية ازداد المذهب الأريوسي ثباتاً وقوة، وأدى ذلك إلى احتدام الصراع مع أسقف الإسكندرية وزعيم المذهب الأرثوذكسي أثناسيوس Athanasios الذي نفي إلى بلاد الغال. وقد اعترف مجمعا سرميوم Sermium وأريمينيوم Ariminium اللذان انعقدا سنة 359م بالأريوسية ديانة رسمية للدولة، وبدا كما لو أنها ستسود في الامبراطورية الرومانية.
شنّ كونستانتيوس حملة على الوثنية، فأمر بإغلاق معابدها ومنع تقديم القرابين، ولكنه لم يضطهد أتباع الديانات الوثنية. ولما قام بزيارة روما أمر بإزالة تمثال آلهة النصر فيكتوريا Victoria من قاعة مجلس الشيوخ فقضى بذلك على آخر مظهر رسمي يمثل العالم الوثني القديم. وترتب على هذا أن إرادة الامبراطور صار لها الكلمة العليا في الدولة والكنيسة. ويقال إنه في عهده تم الاحتفال عام 354م أول مرة بعيد ميلاد السيد المسيح.
أما على الصعيد العسكري فقد تجددت الحرب مع الفرس نتيجة تحالف ملك أرمينيا أرشاك الثالث Arshak III مع الامبراطور البيزنطي، فأثار ذلك حفيظة شابور الثاني الذي هاجم ديار بكر واستولى على سنجار وجزيرة ابن عمرو، وتوجب على كونستانتيوس التوجه إلى محاربة الفرس 359 ـ 361م واتخذ من أنطاكية مركزاً لعملياته العسكرية. ولكن عندما وصلته أنباء تمرد يوليان، الذي أعلن نفسه امبراطوراً في باريس عام 360م عقد صلحاً مع الملك شابور وسار لحرب يوليان، غير أنه مات قرب طرسوس في كيليكيا في الرابعة والأربعين من عمره ونقل جثمانه إلى القسطنطينية حيث دفن إلى جانب أبيه في احتفال كبير.
وبما أنه لم يكن له أولاد، لذلك أوصى وهو على سرير الموت أن يخلفه ابن عمه الثائر يوليان على عرش الامبراطورية.
وهكذا كان كونستانتيوس مثال الامبراطور العسكري المحارب الذي أمضى معظم سنوات حكمه في ميادين القتال يذود عن الامبراطورية وعن عرش آل قسطنطين، كما اتصف حكمه بترسيخ تقاليد البلاط والتوجهات الثيوقراطية للأباطرة والمساواة بين القسطنطينية وروما. كل هذا جعله أول امبراطور بيزنطي بالمعنى الحقيقي للكلمة.
محمد الزين
كونستانتيوس
(317 ـ 361م)
هو فلافيوس يوليوس كونستانتيوس الثاني Flavius Iulius Constantius II ثاني امبراطور مسيحي تربع على عرش الامبراطورية الرومانية (337 ـ 361م). هو الابن الثالث للامبراطور قسطنطين[ر] الكبير وزوجته فاوستا. تلقى تربية ممتازة وانخرط منذ صغره في الحياة العسكرية.
منحه والده رتبة قيصر (نائب امبراطور) عام 324م ثم رتبة أغسطس عام 337م، وأرسله إلى أنطاكية Antiocheia عاصمة الشرق وهو في السادسة عشرة من عمره للتدرب على أمور الإدارة والحكم، وبقي هناك حتى وفاة أبيه عام 337م.
وأعقب ذلك اقتسام حكم الامبراطورية بين أبناء قسطنطين الثلاثة فحصل كونستانتيوس على الشرق، وتسلم أخوه الشقيق كونستانس Constans حكم بلاد الغال وإسبانيا وبريطانيا، وتسلم أخوهما قسطنطين الثاني حكم إيطاليا وإيلليريا وإفريقيا.
عاد كونستانتيوس بعدها إلى أنطاكية، وشرع يعد للحرب مع شابور الثـاني Sapor II ملك الفرس، وهي الحرب التي كان والده ينوي القيام بها لولا أن وافته المنية، واستمرت 12 سنة 338 ـ350م وكان مسرحها الأساسي أعالي الجزيرة السورية. وقد ازدهرت أنطاكية في أثناء وجوده فيها كل هذه المدة الطويلة وما أولاها من اهتمام ورعاية فبنى فيها عدداً من الكنائس والمنشآت العامة حتى إنها سُميت باسمه: أنطاكيـة كونستاتينا Antiocheia Constantina. وفي عام 346م حضر تدشين مرفأ سلوقية بيرية (السويدية حالياً) بعد توسيعه لتأمين الإمدادات العسكرية للحرب؛ مما عاد على المدينة بفوائد جمة وأكسبها أهمية تجارية كبيرة.
كانت حملة عام 350م آخر غزواته ضد الفرس التي تكبدوا فيها خسائر كبيرة، كما أنهم تعرضوا لهجمات قبائل بربرية شمالية مما أضعف مقدرتهم القتالية والعسكرية فهدأت الحرب على هذه الجبهة. لقد أخذت تلك الحرب الطويلة كل وقته وجهده وجعلته يتقبل امتداد سلطة أخيه كونستانس لتشمل غربي الامبراطورية بأكمله عام 340م، بعد أن تغلب الأخير على أخيهما الثالث قسطنطين الثاني. وهكذا اقتسم الاثنان حكم الامبراطورية مدة عشر سنوات (340-350م). ثم سقط كونستانس ضحية مؤامرة دبرها كبير قادته مغننتيوس Magnentius الذي أعلن نفسه امبراطوراً، وتحرك كونستانتيوس لقمع هذا التمرد وجرت عام 351م معركة مورسا Mursa (في بانونيا في المجر) التي انتهت بهزيمة مدعي العرش ومقتله فيما بعد، وصار كونستانتيوس السيد الأوحد للامبراطورية الرومانية التي حكمها حتى وفاته.
كان قد عين ابن عمه وزوج أخته غالوس Gallus قيصراً على الشرق عندما غادر أنطاكية، ولكن هذا بدأ يظلم ويستبد في الحكم وبات يخشى من تمرده؛ فاستدعاه الامبراطور إلى القسطنطينية وأمر بإعدامه. وفي عام 355م عين ابن عمه الآخر يوليان Iulianus قيصراً وحاكماً في بلاد الغال. كان على كونستانتيوس أن يقمع ثورة القبائل الفرنكية وأن يخوض معارك متفرقة على جبهة نهر الدانوب حتى ساد الهدوء فيها.
كان كونستانتيوس مهتماً جداً بالأمور الدينية وميالاً إلى الأريوسية[ر]، ولذلك اصطدم مع أتباع مذهب نيقية الأرثوذكسي. وكان النزاع المذهبي بين الأريوسية الغالبة في الشرق والأرثوذكسية السائدة في الغرب يزيد الانشقاق والتباعد بين شطري الامبراطورية. وفي عام 343م انعقد مجمع ديني في سرديكا Sardica على الحدود الفاصلة بينهما، غير أنه لم يستطع التوفيق بين المذهبين المختلفين.
وبعد أن لقي كونستانس مصرعه عام 350م وغدا كونستانتيوس سيد الامبراطورية ازداد المذهب الأريوسي ثباتاً وقوة، وأدى ذلك إلى احتدام الصراع مع أسقف الإسكندرية وزعيم المذهب الأرثوذكسي أثناسيوس Athanasios الذي نفي إلى بلاد الغال. وقد اعترف مجمعا سرميوم Sermium وأريمينيوم Ariminium اللذان انعقدا سنة 359م بالأريوسية ديانة رسمية للدولة، وبدا كما لو أنها ستسود في الامبراطورية الرومانية.
شنّ كونستانتيوس حملة على الوثنية، فأمر بإغلاق معابدها ومنع تقديم القرابين، ولكنه لم يضطهد أتباع الديانات الوثنية. ولما قام بزيارة روما أمر بإزالة تمثال آلهة النصر فيكتوريا Victoria من قاعة مجلس الشيوخ فقضى بذلك على آخر مظهر رسمي يمثل العالم الوثني القديم. وترتب على هذا أن إرادة الامبراطور صار لها الكلمة العليا في الدولة والكنيسة. ويقال إنه في عهده تم الاحتفال عام 354م أول مرة بعيد ميلاد السيد المسيح.
أما على الصعيد العسكري فقد تجددت الحرب مع الفرس نتيجة تحالف ملك أرمينيا أرشاك الثالث Arshak III مع الامبراطور البيزنطي، فأثار ذلك حفيظة شابور الثاني الذي هاجم ديار بكر واستولى على سنجار وجزيرة ابن عمرو، وتوجب على كونستانتيوس التوجه إلى محاربة الفرس 359 ـ 361م واتخذ من أنطاكية مركزاً لعملياته العسكرية. ولكن عندما وصلته أنباء تمرد يوليان، الذي أعلن نفسه امبراطوراً في باريس عام 360م عقد صلحاً مع الملك شابور وسار لحرب يوليان، غير أنه مات قرب طرسوس في كيليكيا في الرابعة والأربعين من عمره ونقل جثمانه إلى القسطنطينية حيث دفن إلى جانب أبيه في احتفال كبير.
وبما أنه لم يكن له أولاد، لذلك أوصى وهو على سرير الموت أن يخلفه ابن عمه الثائر يوليان على عرش الامبراطورية.
وهكذا كان كونستانتيوس مثال الامبراطور العسكري المحارب الذي أمضى معظم سنوات حكمه في ميادين القتال يذود عن الامبراطورية وعن عرش آل قسطنطين، كما اتصف حكمه بترسيخ تقاليد البلاط والتوجهات الثيوقراطية للأباطرة والمساواة بين القسطنطينية وروما. كل هذا جعله أول امبراطور بيزنطي بالمعنى الحقيقي للكلمة.
محمد الزين