على مر السنوات ومع ازدياد تنوع الفرق وتشتتها وديناميكيتها، أصبح التعاون أعقد. مع مواجهة الفرق تحديات جديدة، ما زال نجاحها معتمدًا على أسس محددة.
بدأ ريتشارد هاكمان دراسة الفرق في السبعينيات، واكتشف أن ما يهم ليس شخصيات أعضاء الفريق أو سلوكهم، بل أن يكون للفريق اتجاه مقنع وبنية قوية وسياق داعم. وجد هاس ومورتنسن في بحثهما أن الفرق بحاجة إلى هذه «الظروف التمكينية» الثلاثة الآن أكثر من أي وقت مضى. لكن عملهم كشف أيضًا أن فرق اليوم معرضة خصوصًا لمشكلتين مدمرتين: تفكير «نحن ضد الآخرين»، والمعلومات غير الكاملة. يتطلب التغلب على هذه المشكلات حالة تمكين جديدة: عقلية مشتركة.
توضح هذه المقالة بالتفصيل ما يجب على قادة الفريق فعله لإرساء الأسس الأربعة للنجاح. مثلًا لتعزيز عقلية مشتركة، يجب على القادة تعزيز الهوية والفهم المشترك بين أعضاء الفريق، باستخدام تقنيات مثل تنظيم الوقت. يصف المؤلفون أيضًا كيفية تقييم فعالية الفريق، بتوفير التقييم الذين يمكنهم من معرفة طرق العمل الناجحة ومجالات التحسن.
تختلف فرق اليوم عن فرق الماضي، فهي أكثر تنوعًا وتشتتًا ورقمية وديناميكية، مع تغيّرات مستمرة في الأعضاء. في حين تواجه الفرق عقبات جديدة، فإن نجاحها ما زال متوقفًا على مجموعة أساسية من قواعد التعاون الجماعي.
حدد ريتشارد هاكمان أساسيات فعالية الفريق، وهو رائد مجال السلوك التنظيمي الذي بدأ بدراسة الفرق في السبعينيات. على مدار أكثر من 40 عامًا من البحث، كشف هاكمان عن رؤية رائدة: ما يهم أكثر للتعاون ليس الشخصيات أو المواقف أو الأنماط السلوكية لأعضاء الفريق. ما تحتاج إليه الفرق للنجاح هو «ظروف تمكين معينة». في دراساتنا الخاصة وجدنا أن ثلاثة من شروط هاكمان -اتجاه مقنع، وبنية قوية، وسياق داعم – لا تزال حاسمة خصوصًا لنجاح الفريق.
في الواقع، تتطلب اليوم هذه الشروط الثلاثة مزيدًا من الاهتمام أكثر من أي وقت مضى. لكننا رأينا أيضًا أن الفرق الحديثة معرضة لمشكلتين مدمرتين: تفكير «نحن ضدهم» والمعلومات غير الكاملة. يتطلب التغلب على هذه المشكلات عامل رابع مهم: عقلية مشتركة.
الشروط التمكينية:
لنستكشف بمزيد من التفصيل كيفية إنشاء مناخ يساعد الفرق المتنوعة والمشتتة والرقمية والديناميكية -ما يمكن تسميته الفرق رباعية الأبعاد – لتحقيق أداء عال:
1- اتجاه مقنع:
أساس كل فريق عظيم هو اتجاه ينشط أعضاءه ويوجههم ويشركهم. لا يمكن أن تكون الفرق مصدر إلهام إذا لم يعرفوا ما الذي يعملون من أجله وليس لديهم أهداف واضحة. يجب أن تكون هذه الأهداف صعبة -الأهداف المتواضعة لا تحفز- لكن ليست بالغة الصعوبة حتى لا يشعر الفريق بالإحباط. يجب أن تكون أيضًا مترتبة على أن يهتم الناس بتحقيق هدف ما، سواء لأنهم سيحصلون على مكافآت خارجية، مثل التقدير والأجر والترقيات، أو المكافآت الذاتية، مثل الرضا والشعور بالمعنى.
في الفرق رباعية الأبعاد يكون التوجيه مهمًا، خصوصًا لأنه من السهل على الأعضاء من خلفيات مختلفة الاحتفاظ بآراء مختلفة حول هدف المجموعة. مثلًا، اتفق جميع الأعضاء على أن خدمة العملاء كانت هدفهم، لكن ما يعنيه ذلك يختلف باختلاف المواقع. قدّم الأعضاء في النرويج منتجًا بأعلى جودة -بصرف النظر عن التكلفة- في حين رأى زملاؤهم في المملكة المتحدة أنه إذا حصل العميل على حل بدقة 75% فقط، فإن الحل الأقل دقة يعطي ذلك العميل أفضلية. يتطلب حل هذا التناقض مناقشة صريحة للتوصل إلى إجماع حول كيفية تحديد الفريق لأهدافه.
2- هيكل قوي:
تحتاج أيضًا إلى عدد ومزيج صحيح من الأعضاء، والمهام والعمليات المصممة على النحو الأمثل، والمعايير التي تثبط السلوك المدمر وتعزز الديناميكيات الإيجابية. تشمل الفرق عالية الأداء أعضاء يتمتعون بتوازن المهارات، لا يتعين على كل فرد أن يمتلك مهارات تقنية واجتماعية فائقة، لكن يحتاج الفريق عمومًا إلى جرعة صحية من كليهما. يمكن للتنوع في المعرفة ووجهات النظر، وكذلك العمر والجنس والعرق، أن يساعد الفرق على أن تكون أكثر إبداعًا.
هذا من المجالات التي تمتلكها الفرق رباعية الأبعاد غالبًا. في بحث أجريناه في البنك الدولي، وجدنا أن الفرق استفادت من وجود مزيج من الأعضاء المحليين والعالميين، أي الأشخاص الذين عاشوا في بلدان متعددة ويتحدثون لغات متعددة، وأشخاص لديهم جذور عميقة حيث يقيمون. يجلب الأعضاء العالميون المعرفة والمهارات الفنية والخبرات التي تنطبق في العديد من المواقف، في حين يجلب السكان المحليون المعرفة الخاصة بالبلد والرؤية الثاقبة لسياسة المنطقة وثقافتها وتوجهها.
في أحد فرق البنك، أثبت هذا المزيج أنه مهم لنجاح مشروع تطوير الأحياء الفقيرة الحضرية في غرب إفريقيا. أشار أحد الأعضاء المحليين إلى أن خطة الائتمان الصغير قد تكون ضرورية لمساعدة السكان على دفع تكاليف خدمات المياه والصرف الصحي الجديدة التي خطط لها الفريق، في حين شارك عضو آخر معلومات قيمة حول المشكلات التي واجهتها محاولة تنفيذ مثل هذه البرامج في بلدان أخرى. مع أخذ المنظورين في الحسبان، توصل الفريق إلى تصميم أكثر استدامة للمشروع.
تُعد إضافة الأعضاء إحدى الطرق للتحقق من أن الفريق لديه المهارات المطلوبة والتنوع، ولكن زيادة الحجم تترافق مع التكاليف. تُعد الفرق الأكبر حجمًا أكثر عرضة لسوء الاتصال والانقسام، بسبب الافتقار إلى المساءلة. في الجلسات التنفيذية التي نقودها، نسمع الكثير من المديرين يتذمرون من تضخم الفرق مع جذب الخبراء العالميين وتجنيد المزيد من الأعضاء، لزيادة المشاركة من مواقع أو أقسام أو وظائف مختلفة. يجب أن يكون قادة الفريق يقظين بشأن إضافة الأعضاء فقط عند الضرورة. يجب أن يكون الهدف تضمين الحد الأدنى من العدد وليس الحد الأقصى. في أي وقت يتلقى المدير طلبًا لإضافة عضو إلى الفريق، يجب أن يسأل عن القيمة التي سيضيفها هذا الشخص إلى المجموعة.
يجب تصميم مهام الفريق بعناية متساوية. ليس كل مهمة يجب أن تكون عالية الإبداع أو ملهمة. تتطلب الكثير من المهام قدرًا من من الكدح، لكن يمكن للقادة جعل أي مهمة أكثر تحفيزًا، بالتحقق من أن الفريق مسؤول عن جزء كبير من العمل من البداية إلى النهاية، وأن أعضاء الفريق يتمتعون بقدر كبير من الاستقلالية في إدارة العمل، وأن الفريق يتلقى ملاحظات الأداء بشأنه.
مع الفرق رباعية الأبعاد، غالبًا ما يتعامل الأشخاص في مواقع مختلفة مع مكونات مختلفة لمهمة ما، ما يثير التحديات. يُعد هذا التطور على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع أمرًا شائعًا، إذ تسعى الشركات لاستخدام اختلافات المناطق الزمنية لصالحها.
يمكن للديناميكيات المدمرة أيضًا أن تقوّض الجهود التعاونية. إذ قد تجد أعضاء الفريق يحجبون المعلومات، ويضغطون على الأشخاص للامتثال، وتجنب المسؤولية وإلقاء اللوم وغير ذلك. تستطيع الفرق التقليل من احتمالية حدوث خلل وظيفي بوضع قواعد واضحة، القواعد التي توضح عددًا صغيرًا من الأشياء التي يجب على الأعضاء الامتثال بها، مثل الوصول إلى الاجتماعات في الوقت المحدد وإعطاء الجميع دورًا للتحدث. إن غرس مثل هذه المعايير مهم خاصةً عندما يعمل أعضاء الفريق عبر ثقافات وطنية أو إقليمية أو تنظيمية مختلفة، وقد لا يتشاركون وجهات النظر ذاتها، لكنهم جميعًا يدركون أهمية الالتزام بالمواعيد مثلًا. في الفرق التي تتسم عضويتها بالمرونة، فإن تكرار التصريح بالقواعد على فترات منتظمة أمر أساسي.
3- السياق الداعم:
الحصول على الدعم المناسب هو الشرط الثالث الذي يتيح فعالية الفريق. يتضمن ذلك الحفاظ على نظام المكافآت الذي يعزز الأداء الجيد، ونظام المعلومات الذي يوفر الوصول إلى البيانات اللازمة للعمل، ونظام تعليمي يقدم التدريب، وتأمين الموارد المادية المطلوبة لإنجاز المهمة، مثل التمويل والمساعدة التكنولوجية. قد لا يحصل الفريق على الموارد المطلوبة تمامًا، لكن بوسع القادة تجنب المشكلات بتخصيص وقت كاف لإرساء العناصر الأساسية منذ البداية.
غالبًا ما يكون ضمان سياق داعم صعبًا بالنسبة إلى الفرق الموزعة جغرافيًا والمعتمدة رقميًا، لأن الموارد المتاحة للأعضاء قد تختلف كثيرًا. مثلًا تجربة جيم الذي قاد فريقًا جديدًا لتطوير المنتجات في السوق المكسيكية. في حين كان جيم مقيمًا في مينيسوتا، كان بعض أعضاء فريقه جزءًا من شركة فرعية في المكسيك. كافح الفريق للالتزام بالمواعيد النهائية ما تسبب في حدوث خلاف. لكن عندما أتيحت الفرصة لجيم لزيارة أعضاء فريقه المكسيكي، أدرك مدى ضعف تكنولوجيا المعلومات لديهم ومدى تواضع مستواهم فيما يتعلق برأس المال وعدد الأفراد، لا سيما مقارنةً بموظفي المقر الرئيسي. تحول إحباط جيم إلى إعجاب إذ أدرك أن الفريق المكسيكي تمكن من تحقيق الهدف بواسطة القليل جدًا من الموارد، وأدرك أن المشكلات التي افترضها كانت بسبب صدام بين الثقافات والاختلاف في الموارد.
4- عقلية مشتركة:
يمهد تأسيس الظروف التمكينية الثلاثة الأولى الطريق لنجاح الفريق، كما أظهر هاكمان وزملاؤه. لكن بحثنا يشير إلى أن فرق اليوم بحاجة إلى المزيد من المسافة والتنوع، إضافةً إلى الاتصال الرقمي وتغيير العضوية، ما يجعلهم عرضة لمشكلة تفكير «نحن ضد الآخرين» والمعلومات غير المكتملة. الحل هو تطوير عقلية مشتركة بين أعضاء الفريق، وهو ما يمكن لقادة الفريق تحقيقه، بتعزيز الهوية المشتركة والفهم المشترك.
في الماضي، كانت الفرق تتكون عادةً من مجموعة مستقرة من الأعضاء المتجانسين إلى حد ما، الذين يعملون وجهًا لوجه ويميلون إلى امتلاك عقلية متشابهة. لكن لم يعد هذا هو الحال، غالبًا ما تنظر الفرق الآن إلى نفسها ليس بأنها مجموعة واحدة متماسكة بل عدة مجموعات فرعية أصغر. هذه استجابة بشرية طبيعية: تستخدم أدمغتنا طرقًا معرفية مختصرة لفهم عالمنا المعقد بتزايد. من طرق التعامل مع تعقيد فريق رباعي الأبعاد: تنظيم الأشخاص في فئات. لكننا نميل إلى عرض مجموعتنا الفرعية –تخصصنا أو وحدتنا أو منطقتنا أو ثقافتنا- بإيجابية أكثر من الآخرين، وغالبًا ما تخلق هذه العادة التوتر وتعيق التعاون.
المعلومات غير المكتملة أمر شائع في الفرق رباعية الأبعاد. في كثير من الأحيان يكون لدى بعض أعضاء الفريق معلومات مهمة لا يمتلكها الآخرون، لأنهم خبراء في مجالات متخصصة أو لأن الأعضاء مشتتون جغرافيًا أو جدد أو كليهما. لا تقدم هذه المعلومات قيمة كبيرة إذا لم تُرسل إلى بقية أعضاء الفريق. لذلك فإن المعرفة المشتركة ركن أساسي للتعاون الفعال، يعطي المجموعة إطارًا مرجعيًا ويسمح للمجموعة بتفسير المواقف والقرارات تفسيرًا صحيحًا، ويساعد الناس على فهم بعضهم ويزيد الكفاءة بدرجة كبيرة.
ظهرت بعض تأثيرات المعلومات غير المكتملة خلال جلسة تثقيف حديثة نفذتها شركة «تاكيدا للأدوية» اليابانية. انقسم الحضور بالتساوي تقريبًا بين الموظفين المقيمين في اليابان والموظفين المقيمين في الولايات المتحدة. انتهز أحد المديرين الأمريكيين الفرصة ليسأل عن شيء حيره: كانت إستراتيجية «مشاركة الألم» التي تتبعها تاكيدا للتعامل مع الاختلافات في المناطق الزمنية، تقوم على جدولة المكالمات الجماعية بين الليالي المتأخرة في أمريكا والليالي المتأخرة في آسيا، وتساءل لماذا بدا زملاؤه اليابانيون يتلقون مكالماتهم في وقت متأخر من الليل في المكتب، بينما كان هو وزملاؤه الأمريكيون يتلقونها في المنزل؟
كشفت ردود زملائه اليابانيين عن مجموعة متنوعة من الدوافع لهذا الاختيار: الرغبة في الفصل بين العمل والحياة، والحاجة إلى طرح أسئلة لغوية من قبل زملاء العمل، وعدم وجود مساحة مكتب منزلية في شقة نموذجية في أوساكا. رغم استرتيجية توزيع صعوبة المهام كانت النتيجة هي ذاتها: غادر الأمريكيون المكتب في الساعة العادية، وتناولوا العشاء مع عائلاتهم، وأجروا مكالمات في منازلهم المريحة، في حين بقي زملاؤهم اليابانيون في المكتب، وفقدوا الوقت مع عائلاتهم، وكانوا يأملون أن تنتهي المكالمات قبل موعد آخر قطار. مع ذلك، في هذه الحالة، لم تكن المعلومات غير المكتملة متعلقة بالمهمة، بل تعلق الأمر بشيء له ذات القدر من الأهمية: كيف عانى أعضاء الفريق اليابانيون من عملهم وعلاقاتهم مع أعضاء الفريق البعيدين.
لحسن الحظ، توجد العديد من الطرق التي يمكن لقادة الفرق بواسطتها تعزيز الهوية المشتركة والفهم المشترك وكسر الحواجز التي تحول دون التعاون وتبادل المعلومات. من الأساليب القوية التحقق من أن كل مجموعة فرعية تشعر بالتقدير لمساهماتها في تحقيق الأهداف العامة للفريق، وخلق تجارب مشتركة ونقاط مرجعية وقصص مشتركة. بدأ أعضاء الفريق النظر إلى الفريق ليس بأنه «نحن وهم» بل «نحن».
لم يكن العمل الجماعي سهلًا في الماضي، لكنه حديثًا بات أصعب. يبدو أن الاتجاهات التي تزيد تعقيد الأمر مستمرة، إذ تصبح الفرق عالمية وافتراضية وموجهة نحو المشاريع بتزايد. إن اتباع نهج منظم لتحليل مدى جودة إعداد فريقك للنجاح، وتحديد المواقع التي تحتاج إلى تحسينات، قد يحدث فرقًا كبيرًا.
بدأ ريتشارد هاكمان دراسة الفرق في السبعينيات، واكتشف أن ما يهم ليس شخصيات أعضاء الفريق أو سلوكهم، بل أن يكون للفريق اتجاه مقنع وبنية قوية وسياق داعم. وجد هاس ومورتنسن في بحثهما أن الفرق بحاجة إلى هذه «الظروف التمكينية» الثلاثة الآن أكثر من أي وقت مضى. لكن عملهم كشف أيضًا أن فرق اليوم معرضة خصوصًا لمشكلتين مدمرتين: تفكير «نحن ضد الآخرين»، والمعلومات غير الكاملة. يتطلب التغلب على هذه المشكلات حالة تمكين جديدة: عقلية مشتركة.
توضح هذه المقالة بالتفصيل ما يجب على قادة الفريق فعله لإرساء الأسس الأربعة للنجاح. مثلًا لتعزيز عقلية مشتركة، يجب على القادة تعزيز الهوية والفهم المشترك بين أعضاء الفريق، باستخدام تقنيات مثل تنظيم الوقت. يصف المؤلفون أيضًا كيفية تقييم فعالية الفريق، بتوفير التقييم الذين يمكنهم من معرفة طرق العمل الناجحة ومجالات التحسن.
تختلف فرق اليوم عن فرق الماضي، فهي أكثر تنوعًا وتشتتًا ورقمية وديناميكية، مع تغيّرات مستمرة في الأعضاء. في حين تواجه الفرق عقبات جديدة، فإن نجاحها ما زال متوقفًا على مجموعة أساسية من قواعد التعاون الجماعي.
حدد ريتشارد هاكمان أساسيات فعالية الفريق، وهو رائد مجال السلوك التنظيمي الذي بدأ بدراسة الفرق في السبعينيات. على مدار أكثر من 40 عامًا من البحث، كشف هاكمان عن رؤية رائدة: ما يهم أكثر للتعاون ليس الشخصيات أو المواقف أو الأنماط السلوكية لأعضاء الفريق. ما تحتاج إليه الفرق للنجاح هو «ظروف تمكين معينة». في دراساتنا الخاصة وجدنا أن ثلاثة من شروط هاكمان -اتجاه مقنع، وبنية قوية، وسياق داعم – لا تزال حاسمة خصوصًا لنجاح الفريق.
في الواقع، تتطلب اليوم هذه الشروط الثلاثة مزيدًا من الاهتمام أكثر من أي وقت مضى. لكننا رأينا أيضًا أن الفرق الحديثة معرضة لمشكلتين مدمرتين: تفكير «نحن ضدهم» والمعلومات غير الكاملة. يتطلب التغلب على هذه المشكلات عامل رابع مهم: عقلية مشتركة.
الشروط التمكينية:
لنستكشف بمزيد من التفصيل كيفية إنشاء مناخ يساعد الفرق المتنوعة والمشتتة والرقمية والديناميكية -ما يمكن تسميته الفرق رباعية الأبعاد – لتحقيق أداء عال:
1- اتجاه مقنع:
أساس كل فريق عظيم هو اتجاه ينشط أعضاءه ويوجههم ويشركهم. لا يمكن أن تكون الفرق مصدر إلهام إذا لم يعرفوا ما الذي يعملون من أجله وليس لديهم أهداف واضحة. يجب أن تكون هذه الأهداف صعبة -الأهداف المتواضعة لا تحفز- لكن ليست بالغة الصعوبة حتى لا يشعر الفريق بالإحباط. يجب أن تكون أيضًا مترتبة على أن يهتم الناس بتحقيق هدف ما، سواء لأنهم سيحصلون على مكافآت خارجية، مثل التقدير والأجر والترقيات، أو المكافآت الذاتية، مثل الرضا والشعور بالمعنى.
في الفرق رباعية الأبعاد يكون التوجيه مهمًا، خصوصًا لأنه من السهل على الأعضاء من خلفيات مختلفة الاحتفاظ بآراء مختلفة حول هدف المجموعة. مثلًا، اتفق جميع الأعضاء على أن خدمة العملاء كانت هدفهم، لكن ما يعنيه ذلك يختلف باختلاف المواقع. قدّم الأعضاء في النرويج منتجًا بأعلى جودة -بصرف النظر عن التكلفة- في حين رأى زملاؤهم في المملكة المتحدة أنه إذا حصل العميل على حل بدقة 75% فقط، فإن الحل الأقل دقة يعطي ذلك العميل أفضلية. يتطلب حل هذا التناقض مناقشة صريحة للتوصل إلى إجماع حول كيفية تحديد الفريق لأهدافه.
2- هيكل قوي:
تحتاج أيضًا إلى عدد ومزيج صحيح من الأعضاء، والمهام والعمليات المصممة على النحو الأمثل، والمعايير التي تثبط السلوك المدمر وتعزز الديناميكيات الإيجابية. تشمل الفرق عالية الأداء أعضاء يتمتعون بتوازن المهارات، لا يتعين على كل فرد أن يمتلك مهارات تقنية واجتماعية فائقة، لكن يحتاج الفريق عمومًا إلى جرعة صحية من كليهما. يمكن للتنوع في المعرفة ووجهات النظر، وكذلك العمر والجنس والعرق، أن يساعد الفرق على أن تكون أكثر إبداعًا.
هذا من المجالات التي تمتلكها الفرق رباعية الأبعاد غالبًا. في بحث أجريناه في البنك الدولي، وجدنا أن الفرق استفادت من وجود مزيج من الأعضاء المحليين والعالميين، أي الأشخاص الذين عاشوا في بلدان متعددة ويتحدثون لغات متعددة، وأشخاص لديهم جذور عميقة حيث يقيمون. يجلب الأعضاء العالميون المعرفة والمهارات الفنية والخبرات التي تنطبق في العديد من المواقف، في حين يجلب السكان المحليون المعرفة الخاصة بالبلد والرؤية الثاقبة لسياسة المنطقة وثقافتها وتوجهها.
في أحد فرق البنك، أثبت هذا المزيج أنه مهم لنجاح مشروع تطوير الأحياء الفقيرة الحضرية في غرب إفريقيا. أشار أحد الأعضاء المحليين إلى أن خطة الائتمان الصغير قد تكون ضرورية لمساعدة السكان على دفع تكاليف خدمات المياه والصرف الصحي الجديدة التي خطط لها الفريق، في حين شارك عضو آخر معلومات قيمة حول المشكلات التي واجهتها محاولة تنفيذ مثل هذه البرامج في بلدان أخرى. مع أخذ المنظورين في الحسبان، توصل الفريق إلى تصميم أكثر استدامة للمشروع.
تُعد إضافة الأعضاء إحدى الطرق للتحقق من أن الفريق لديه المهارات المطلوبة والتنوع، ولكن زيادة الحجم تترافق مع التكاليف. تُعد الفرق الأكبر حجمًا أكثر عرضة لسوء الاتصال والانقسام، بسبب الافتقار إلى المساءلة. في الجلسات التنفيذية التي نقودها، نسمع الكثير من المديرين يتذمرون من تضخم الفرق مع جذب الخبراء العالميين وتجنيد المزيد من الأعضاء، لزيادة المشاركة من مواقع أو أقسام أو وظائف مختلفة. يجب أن يكون قادة الفريق يقظين بشأن إضافة الأعضاء فقط عند الضرورة. يجب أن يكون الهدف تضمين الحد الأدنى من العدد وليس الحد الأقصى. في أي وقت يتلقى المدير طلبًا لإضافة عضو إلى الفريق، يجب أن يسأل عن القيمة التي سيضيفها هذا الشخص إلى المجموعة.
يجب تصميم مهام الفريق بعناية متساوية. ليس كل مهمة يجب أن تكون عالية الإبداع أو ملهمة. تتطلب الكثير من المهام قدرًا من من الكدح، لكن يمكن للقادة جعل أي مهمة أكثر تحفيزًا، بالتحقق من أن الفريق مسؤول عن جزء كبير من العمل من البداية إلى النهاية، وأن أعضاء الفريق يتمتعون بقدر كبير من الاستقلالية في إدارة العمل، وأن الفريق يتلقى ملاحظات الأداء بشأنه.
مع الفرق رباعية الأبعاد، غالبًا ما يتعامل الأشخاص في مواقع مختلفة مع مكونات مختلفة لمهمة ما، ما يثير التحديات. يُعد هذا التطور على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع أمرًا شائعًا، إذ تسعى الشركات لاستخدام اختلافات المناطق الزمنية لصالحها.
يمكن للديناميكيات المدمرة أيضًا أن تقوّض الجهود التعاونية. إذ قد تجد أعضاء الفريق يحجبون المعلومات، ويضغطون على الأشخاص للامتثال، وتجنب المسؤولية وإلقاء اللوم وغير ذلك. تستطيع الفرق التقليل من احتمالية حدوث خلل وظيفي بوضع قواعد واضحة، القواعد التي توضح عددًا صغيرًا من الأشياء التي يجب على الأعضاء الامتثال بها، مثل الوصول إلى الاجتماعات في الوقت المحدد وإعطاء الجميع دورًا للتحدث. إن غرس مثل هذه المعايير مهم خاصةً عندما يعمل أعضاء الفريق عبر ثقافات وطنية أو إقليمية أو تنظيمية مختلفة، وقد لا يتشاركون وجهات النظر ذاتها، لكنهم جميعًا يدركون أهمية الالتزام بالمواعيد مثلًا. في الفرق التي تتسم عضويتها بالمرونة، فإن تكرار التصريح بالقواعد على فترات منتظمة أمر أساسي.
3- السياق الداعم:
الحصول على الدعم المناسب هو الشرط الثالث الذي يتيح فعالية الفريق. يتضمن ذلك الحفاظ على نظام المكافآت الذي يعزز الأداء الجيد، ونظام المعلومات الذي يوفر الوصول إلى البيانات اللازمة للعمل، ونظام تعليمي يقدم التدريب، وتأمين الموارد المادية المطلوبة لإنجاز المهمة، مثل التمويل والمساعدة التكنولوجية. قد لا يحصل الفريق على الموارد المطلوبة تمامًا، لكن بوسع القادة تجنب المشكلات بتخصيص وقت كاف لإرساء العناصر الأساسية منذ البداية.
غالبًا ما يكون ضمان سياق داعم صعبًا بالنسبة إلى الفرق الموزعة جغرافيًا والمعتمدة رقميًا، لأن الموارد المتاحة للأعضاء قد تختلف كثيرًا. مثلًا تجربة جيم الذي قاد فريقًا جديدًا لتطوير المنتجات في السوق المكسيكية. في حين كان جيم مقيمًا في مينيسوتا، كان بعض أعضاء فريقه جزءًا من شركة فرعية في المكسيك. كافح الفريق للالتزام بالمواعيد النهائية ما تسبب في حدوث خلاف. لكن عندما أتيحت الفرصة لجيم لزيارة أعضاء فريقه المكسيكي، أدرك مدى ضعف تكنولوجيا المعلومات لديهم ومدى تواضع مستواهم فيما يتعلق برأس المال وعدد الأفراد، لا سيما مقارنةً بموظفي المقر الرئيسي. تحول إحباط جيم إلى إعجاب إذ أدرك أن الفريق المكسيكي تمكن من تحقيق الهدف بواسطة القليل جدًا من الموارد، وأدرك أن المشكلات التي افترضها كانت بسبب صدام بين الثقافات والاختلاف في الموارد.
4- عقلية مشتركة:
يمهد تأسيس الظروف التمكينية الثلاثة الأولى الطريق لنجاح الفريق، كما أظهر هاكمان وزملاؤه. لكن بحثنا يشير إلى أن فرق اليوم بحاجة إلى المزيد من المسافة والتنوع، إضافةً إلى الاتصال الرقمي وتغيير العضوية، ما يجعلهم عرضة لمشكلة تفكير «نحن ضد الآخرين» والمعلومات غير المكتملة. الحل هو تطوير عقلية مشتركة بين أعضاء الفريق، وهو ما يمكن لقادة الفريق تحقيقه، بتعزيز الهوية المشتركة والفهم المشترك.
في الماضي، كانت الفرق تتكون عادةً من مجموعة مستقرة من الأعضاء المتجانسين إلى حد ما، الذين يعملون وجهًا لوجه ويميلون إلى امتلاك عقلية متشابهة. لكن لم يعد هذا هو الحال، غالبًا ما تنظر الفرق الآن إلى نفسها ليس بأنها مجموعة واحدة متماسكة بل عدة مجموعات فرعية أصغر. هذه استجابة بشرية طبيعية: تستخدم أدمغتنا طرقًا معرفية مختصرة لفهم عالمنا المعقد بتزايد. من طرق التعامل مع تعقيد فريق رباعي الأبعاد: تنظيم الأشخاص في فئات. لكننا نميل إلى عرض مجموعتنا الفرعية –تخصصنا أو وحدتنا أو منطقتنا أو ثقافتنا- بإيجابية أكثر من الآخرين، وغالبًا ما تخلق هذه العادة التوتر وتعيق التعاون.
المعلومات غير المكتملة أمر شائع في الفرق رباعية الأبعاد. في كثير من الأحيان يكون لدى بعض أعضاء الفريق معلومات مهمة لا يمتلكها الآخرون، لأنهم خبراء في مجالات متخصصة أو لأن الأعضاء مشتتون جغرافيًا أو جدد أو كليهما. لا تقدم هذه المعلومات قيمة كبيرة إذا لم تُرسل إلى بقية أعضاء الفريق. لذلك فإن المعرفة المشتركة ركن أساسي للتعاون الفعال، يعطي المجموعة إطارًا مرجعيًا ويسمح للمجموعة بتفسير المواقف والقرارات تفسيرًا صحيحًا، ويساعد الناس على فهم بعضهم ويزيد الكفاءة بدرجة كبيرة.
ظهرت بعض تأثيرات المعلومات غير المكتملة خلال جلسة تثقيف حديثة نفذتها شركة «تاكيدا للأدوية» اليابانية. انقسم الحضور بالتساوي تقريبًا بين الموظفين المقيمين في اليابان والموظفين المقيمين في الولايات المتحدة. انتهز أحد المديرين الأمريكيين الفرصة ليسأل عن شيء حيره: كانت إستراتيجية «مشاركة الألم» التي تتبعها تاكيدا للتعامل مع الاختلافات في المناطق الزمنية، تقوم على جدولة المكالمات الجماعية بين الليالي المتأخرة في أمريكا والليالي المتأخرة في آسيا، وتساءل لماذا بدا زملاؤه اليابانيون يتلقون مكالماتهم في وقت متأخر من الليل في المكتب، بينما كان هو وزملاؤه الأمريكيون يتلقونها في المنزل؟
كشفت ردود زملائه اليابانيين عن مجموعة متنوعة من الدوافع لهذا الاختيار: الرغبة في الفصل بين العمل والحياة، والحاجة إلى طرح أسئلة لغوية من قبل زملاء العمل، وعدم وجود مساحة مكتب منزلية في شقة نموذجية في أوساكا. رغم استرتيجية توزيع صعوبة المهام كانت النتيجة هي ذاتها: غادر الأمريكيون المكتب في الساعة العادية، وتناولوا العشاء مع عائلاتهم، وأجروا مكالمات في منازلهم المريحة، في حين بقي زملاؤهم اليابانيون في المكتب، وفقدوا الوقت مع عائلاتهم، وكانوا يأملون أن تنتهي المكالمات قبل موعد آخر قطار. مع ذلك، في هذه الحالة، لم تكن المعلومات غير المكتملة متعلقة بالمهمة، بل تعلق الأمر بشيء له ذات القدر من الأهمية: كيف عانى أعضاء الفريق اليابانيون من عملهم وعلاقاتهم مع أعضاء الفريق البعيدين.
لحسن الحظ، توجد العديد من الطرق التي يمكن لقادة الفرق بواسطتها تعزيز الهوية المشتركة والفهم المشترك وكسر الحواجز التي تحول دون التعاون وتبادل المعلومات. من الأساليب القوية التحقق من أن كل مجموعة فرعية تشعر بالتقدير لمساهماتها في تحقيق الأهداف العامة للفريق، وخلق تجارب مشتركة ونقاط مرجعية وقصص مشتركة. بدأ أعضاء الفريق النظر إلى الفريق ليس بأنه «نحن وهم» بل «نحن».
لم يكن العمل الجماعي سهلًا في الماضي، لكنه حديثًا بات أصعب. يبدو أن الاتجاهات التي تزيد تعقيد الأمر مستمرة، إذ تصبح الفرق عالمية وافتراضية وموجهة نحو المشاريع بتزايد. إن اتباع نهج منظم لتحليل مدى جودة إعداد فريقك للنجاح، وتحديد المواقع التي تحتاج إلى تحسينات، قد يحدث فرقًا كبيرًا.