يتردد مصطلح «التضخم» على مسامعنا كل يوم، وعلينا معرفة ما يعنيه الأمر لدول الشرق الأوسط. فالتضخم هو الارتفاع العام والمستمر في أسعار السلع والخدمات في الاقتصاد، وعادة ما يُستخدم مؤشر أسعار المستهلك لقياسه.
الدول اليوم بأمس الحاجة إلى اتخاذ قرارات جيدة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام وكبح التضخم، من شأنها أن تفيد الفقراء أكثر من الأغنياء.
إليكم أربع سياسات مضادة لمعدلات التضخم المرتفعة والنمو المنخفضة وداعمة للفقراء:
1- تحسين نوعية الإنفاق العام
تتصف العديد من دول الشرق الأوسط -خاصة الدول المصدرة للنفط- بوجود دين عام مرتفع ومساحة ضيقة للإنفاق من الميزانية، ولكنها بحاجة إلى الإنفاق على متطلبات مثل التوسع في أنظمة الحماية الاجتماعية المعاصرة والاستثمار في التكيف مع تغير المناخ، على هذه الدول تحسين نوعية الإنفاق العام الجاري وإعادة توجيهه لمواجهة التضخم.
تهيمن رواتب وأجور العاملين في القطاع العام والدعم الحكومي -الذي لا يصل إلى مستحقيه غالبًا- وخدمة الديون على الإنفاق العام، وجميعها لها دورها في جمود الميزانية، قد تكون الخيارات محدودة على المدى القصير، وعلى هذه الدول تحسين نوعية الإنفاق عبر:
يساعد البنك الدولي الدول على هذا المجال عبر خدمات مراجعات الإنفاق العام والتحليل المالي واستشارات إدارة الديون والبنية التحتية، كما يحدث في مصر والمغرب ولبنان ودول أخرى.
2- تحسين الشفافية فيما يتعلق بالديون وتجنب الديون المخفية
على الدول الناشطة في أسواق التمويل السيادي -أي معظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- ألا تفاجئ الفاعلين في الأسواق الدولية، خاصة في سياق الديون المرتفعة وتجنب المخاطرة، وإظهار الثقة فيما يتعلق ببيانات الديون المترتبة عليها.
كشفت التجربة العالمية أن الديون المخفية غالبًا ما تصبح علنية في أسوأ وقت ممكن، أي بعد نشوب أزمات التضخم.
لا شك أن شفافية البيانات مشكلةٌ على دول الشرق الأوسط حلها، إذ توجد إحصائيات حول ديون المنطقة بدرجة جيدة إلى حد ما، ولم تحدث حالة تحول دين مخفي إلى علني في الشرق الأوسط كما حدثت في موزمبيق، ولكن على هذه الدول الحذر من المطالب المحتملة (أو الالتزامات الفرضية، وهي التزامات مالية قد تطرأ وفقًا لحدث مستقبلي طارئ)، وقد تأتي هذه المطالب من الضمانات الحكومية للشركات الحكومية أو لمشاريع القطاع الخاص، إذ يظهر جزء منها ضمنيًا مثل في حالة اقتراض شركة حكومية بناءً على الدعم الحكومي لها، وتعد اتفاقيات شراء الطاقة من أشمل الأمثلة على المطلوبات المتحملة؛ لأنه عادة في هذه الاتفاقيات لا يُفصح عن كامل تفاصيلها ولا تُدرس وفق سياق استرداد التكاليف كما يجب، وقد تتحول إلى التزامات على الحكومة.
3- تجنب الهيمنة المالية والاعتماد الزائد على المصارف المركزية
الهيمنة المالية باختصار هي أن يصبح من المتوقع تمويل العجز والدين العام عبر طباعة المصارف المركزية للنقود.
في الظروف الطبيعية، يبقى الدين العام تحت السيطرة بالتنسيق بين النمو الاقتصادي والضرائب، وبإمكان الأزمات والسياسات السيئة دفع الدين العام إلى مراحل لها تداعيات سلبية كثيرة منها التضخم، ومنها أيضًا دفع وزارة المالية (أو الخزانة) إلى الاستنجاد بالمصرف المركزي، ولا شك أن هذه الحالة غير مرغوبة، ويذكر أن لبنان أشهر مثال على الهيمنة المالية في الشرق الأوسط.
يمكن أن تؤثر المصارف المركزية في الاقتصاد بقوة عبر احتياطياتها الأجنبية وإدارة العملة المحلية والنظام المصرفي، ولكنها لا تستطيع كبح التضخم في حال أصبحت المقرض الدائم للحكومة العاجزة.
يؤدي عدم استقرار الأسعار مثل حالة التضخم إلى استنزاف الاحتياطيات الأجنبية، ولتسيطر المصارف المركزية على استنزاف الاحتياطي تلجأ إلى تدخلات في أسواق الصرف الأجنبي، إن مشكلة هذه التدخلات أنها تعد تشويهية وأنها تؤجل فقط الأزمة بدلًا من حلها جذريًا مثل حالة سريلانكا التي أعلنت عجزها عن سداد ديونها الخارجية لأول مرة في التاريخ.
ينادي عدة حكام مصارف مركزية في الشرق الأوسط بعمل إصلاحات هيكلية في أسرع وقت ممكن، وهذا منطقي لأنه في حال ساءت الأوضاع المالية دون إصلاحات هيكلية في الاقتصاد ستفقد أدوات المصرف المركزية فعاليتها وستصبح عاجزة أمام أية إشكالية.
4- حماية الفقراء
يؤدي ارتفاع التضخم باستمرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى إفقار العائلات؛ لأن حصة الإنفاق على الغذاء من دخل العائلة مرتفعة، وتشكل هذه الحصة أكثر من 30% في جيبوتي والجزائر والمغرب ومصر.
تدرس عدة دول في الشرق الأوسط الإجراءات التي يمكنها اتخاذها بهدف إعادة تخصيص الإنفاق، بينما بدأت دول أخرى بتطبيق برامج لإعادة هيكلة الدعم الحكومي وتوجيهه نحو حماية الفقراء من التضخم وخاصة ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء.
مثلًا، أعلنت مصر في مارس 2022 أنها ستزيد إنفاقها بقيمة 130 مليار جنيه مصري -ما يشكل 1.6% من الناتج المحلي الإجمالي لسنة 2023 المالية- بهدف زيادة أجور العاملين في القطاع العام ومعاشاتهم التقاعدية، إضافة إلى زيادة إنفاقهم على برنامج «تكافل وكرامة» للتحويلات النقدية، وإضافة 450,000 عائلة إلى البرنامج، ولكن تحتاج هذه البرامج إلى تقييم وتحليل لضمان تحقيق أهدافها من حيث عدد الناس المستفيدين وكمية الدعم الذين يحصلون عليه.
قد تعرقل المشكلات -ومنها التضخم- التي تواجهها دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحقيق الأهداف التنموية للعقد الأخير، وما يزال بإمكان السياسات الجيدة تحسين ظروف هذه الدول، ومن أهم هذه السياسات الحد من برامج الإعانات الحكومية الشاملة والتوجه نحو أنظمة حماية اجتماعية مبنية على أساس التحويلات النقدية، ولا شك أن شفافية البيانات المتعلقة بنوعية الإنفاق أمر بالغ الأهمية.
الدول اليوم بأمس الحاجة إلى اتخاذ قرارات جيدة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام وكبح التضخم، من شأنها أن تفيد الفقراء أكثر من الأغنياء.
إليكم أربع سياسات مضادة لمعدلات التضخم المرتفعة والنمو المنخفضة وداعمة للفقراء:
1- تحسين نوعية الإنفاق العام
تتصف العديد من دول الشرق الأوسط -خاصة الدول المصدرة للنفط- بوجود دين عام مرتفع ومساحة ضيقة للإنفاق من الميزانية، ولكنها بحاجة إلى الإنفاق على متطلبات مثل التوسع في أنظمة الحماية الاجتماعية المعاصرة والاستثمار في التكيف مع تغير المناخ، على هذه الدول تحسين نوعية الإنفاق العام الجاري وإعادة توجيهه لمواجهة التضخم.
تهيمن رواتب وأجور العاملين في القطاع العام والدعم الحكومي -الذي لا يصل إلى مستحقيه غالبًا- وخدمة الديون على الإنفاق العام، وجميعها لها دورها في جمود الميزانية، قد تكون الخيارات محدودة على المدى القصير، وعلى هذه الدول تحسين نوعية الإنفاق عبر:
- جعل الإنفاق العام أكثر توجهًا نحو تحسين الأداء والإنتاجية.
- تخفيض حجم إعانات الطاقة التي لا تصل إلى مستحقيها.
- إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية العاملة في مجال البنية التحتية.
- إدارة الدين بنحو أكثر فاعلية بهدف تخفيض نفقات خدمة الدين مثل تقليل الاعتماد على التمويل المكلف قصير المدى.
يساعد البنك الدولي الدول على هذا المجال عبر خدمات مراجعات الإنفاق العام والتحليل المالي واستشارات إدارة الديون والبنية التحتية، كما يحدث في مصر والمغرب ولبنان ودول أخرى.
2- تحسين الشفافية فيما يتعلق بالديون وتجنب الديون المخفية
على الدول الناشطة في أسواق التمويل السيادي -أي معظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- ألا تفاجئ الفاعلين في الأسواق الدولية، خاصة في سياق الديون المرتفعة وتجنب المخاطرة، وإظهار الثقة فيما يتعلق ببيانات الديون المترتبة عليها.
كشفت التجربة العالمية أن الديون المخفية غالبًا ما تصبح علنية في أسوأ وقت ممكن، أي بعد نشوب أزمات التضخم.
لا شك أن شفافية البيانات مشكلةٌ على دول الشرق الأوسط حلها، إذ توجد إحصائيات حول ديون المنطقة بدرجة جيدة إلى حد ما، ولم تحدث حالة تحول دين مخفي إلى علني في الشرق الأوسط كما حدثت في موزمبيق، ولكن على هذه الدول الحذر من المطالب المحتملة (أو الالتزامات الفرضية، وهي التزامات مالية قد تطرأ وفقًا لحدث مستقبلي طارئ)، وقد تأتي هذه المطالب من الضمانات الحكومية للشركات الحكومية أو لمشاريع القطاع الخاص، إذ يظهر جزء منها ضمنيًا مثل في حالة اقتراض شركة حكومية بناءً على الدعم الحكومي لها، وتعد اتفاقيات شراء الطاقة من أشمل الأمثلة على المطلوبات المتحملة؛ لأنه عادة في هذه الاتفاقيات لا يُفصح عن كامل تفاصيلها ولا تُدرس وفق سياق استرداد التكاليف كما يجب، وقد تتحول إلى التزامات على الحكومة.
3- تجنب الهيمنة المالية والاعتماد الزائد على المصارف المركزية
الهيمنة المالية باختصار هي أن يصبح من المتوقع تمويل العجز والدين العام عبر طباعة المصارف المركزية للنقود.
في الظروف الطبيعية، يبقى الدين العام تحت السيطرة بالتنسيق بين النمو الاقتصادي والضرائب، وبإمكان الأزمات والسياسات السيئة دفع الدين العام إلى مراحل لها تداعيات سلبية كثيرة منها التضخم، ومنها أيضًا دفع وزارة المالية (أو الخزانة) إلى الاستنجاد بالمصرف المركزي، ولا شك أن هذه الحالة غير مرغوبة، ويذكر أن لبنان أشهر مثال على الهيمنة المالية في الشرق الأوسط.
يمكن أن تؤثر المصارف المركزية في الاقتصاد بقوة عبر احتياطياتها الأجنبية وإدارة العملة المحلية والنظام المصرفي، ولكنها لا تستطيع كبح التضخم في حال أصبحت المقرض الدائم للحكومة العاجزة.
يؤدي عدم استقرار الأسعار مثل حالة التضخم إلى استنزاف الاحتياطيات الأجنبية، ولتسيطر المصارف المركزية على استنزاف الاحتياطي تلجأ إلى تدخلات في أسواق الصرف الأجنبي، إن مشكلة هذه التدخلات أنها تعد تشويهية وأنها تؤجل فقط الأزمة بدلًا من حلها جذريًا مثل حالة سريلانكا التي أعلنت عجزها عن سداد ديونها الخارجية لأول مرة في التاريخ.
ينادي عدة حكام مصارف مركزية في الشرق الأوسط بعمل إصلاحات هيكلية في أسرع وقت ممكن، وهذا منطقي لأنه في حال ساءت الأوضاع المالية دون إصلاحات هيكلية في الاقتصاد ستفقد أدوات المصرف المركزية فعاليتها وستصبح عاجزة أمام أية إشكالية.
4- حماية الفقراء
يؤدي ارتفاع التضخم باستمرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى إفقار العائلات؛ لأن حصة الإنفاق على الغذاء من دخل العائلة مرتفعة، وتشكل هذه الحصة أكثر من 30% في جيبوتي والجزائر والمغرب ومصر.
تدرس عدة دول في الشرق الأوسط الإجراءات التي يمكنها اتخاذها بهدف إعادة تخصيص الإنفاق، بينما بدأت دول أخرى بتطبيق برامج لإعادة هيكلة الدعم الحكومي وتوجيهه نحو حماية الفقراء من التضخم وخاصة ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء.
مثلًا، أعلنت مصر في مارس 2022 أنها ستزيد إنفاقها بقيمة 130 مليار جنيه مصري -ما يشكل 1.6% من الناتج المحلي الإجمالي لسنة 2023 المالية- بهدف زيادة أجور العاملين في القطاع العام ومعاشاتهم التقاعدية، إضافة إلى زيادة إنفاقهم على برنامج «تكافل وكرامة» للتحويلات النقدية، وإضافة 450,000 عائلة إلى البرنامج، ولكن تحتاج هذه البرامج إلى تقييم وتحليل لضمان تحقيق أهدافها من حيث عدد الناس المستفيدين وكمية الدعم الذين يحصلون عليه.
قد تعرقل المشكلات -ومنها التضخم- التي تواجهها دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحقيق الأهداف التنموية للعقد الأخير، وما يزال بإمكان السياسات الجيدة تحسين ظروف هذه الدول، ومن أهم هذه السياسات الحد من برامج الإعانات الحكومية الشاملة والتوجه نحو أنظمة حماية اجتماعية مبنية على أساس التحويلات النقدية، ولا شك أن شفافية البيانات المتعلقة بنوعية الإنفاق أمر بالغ الأهمية.