إف. إيه هايك، يُدعى أيضًا فريدريك إيه.هايك، اسمه الكامل فريدريك أوغست فون هايك، من مواليد 8 أيار 1899، فيينا- النمسا، توفي في 23 آذار 1992، فرايبورغ- ألمانيا، اقتصادي بريطاني من مواليد النمسا، اشتهر بانتقاداته لـمفهوم دولة الرفاهية الكينزية والاشتراكية الشمولية. فاز فريدريك هايك عام 1974 بجائزة نوبل للاقتصاد مناصفةً مع الاقتصادي السويدي جونار ميردال.
حياة فريدريك هايك وأعماله المهمة
كان والد هايك، أوغست، طبيبًا وأستاذًا في علم النبات في جامعة فيينا. والدته، فيليسيتاس، كانت ابنة فرانز فون يوراشيك، الأستاذ ولاحقًا الموظف الحكومي البارز. نظرًا إلى أن عائلة والدته كانت ثرية نسبيًا، فقد عاش هايك وشقيقه الأصغر طفولةً مريحة في فيينا، التي كانت آنذاك عاصمة الإمبراطورية النمساوية المجرية.
خلال الحرب العالمية الأولى، خدم هايك في المدفعية الميدانية على الجبهة الإيطالية، وبعد الحرب التحق بجامعة فيينا. انجذب هايك إلى القانون وعلم النفس في سنواته الجامعية الأولى، لكنه استقر على القانون وحصل على شهادته الأولى عام 1921. وكان من بين زملائه عدد من الأشخاص الذين أصبحوا فيما بعد اقتصاديين بارزين، منهم فريتز ماكلوب، وجوتفريد فون هابرلر، وأوسكار مورجنسترن. عام 1923، آخر عام له في الجامعة، درس هايك على يد الاقتصادي النمساوي فريدريش فون فيزر وحصل على الدكتوراه الثانية في الاقتصاد السياسي. بدأ أيضًا العمل في مكتب حكومي مؤقت، حيث التقى لودفيج فون ميزس، وهو مُنظِّر نقدي ومؤلف كتاب نقد الاشتراكية. نُشر كتاب فون ميزس «الاشتراكية: تحليل اقتصادي واجتماعي» عام 1922 وترجم إلى الإنجليزية عام 1936.
أصبح فون ميزس معلمًا لهايك. وبعد رحلته إلى الولايات المتحدة عامي 1923 و1924، عاد هايك إلى فيينا، وتزوج، وأصبح بمساعدة فون ميزس مديرًا للمعهد النمساوي لأبحاث دورة الاقتصاد الذي تأسس حديثًا. أصبح هايك أيضًا حاضرًا منتظمًا في ندوة فون ميزس التي تُعقد كل أسبوعين، واجتاز تأهيله، وهو امتحان شفوي يعد خطوةً ضرورية ليصبح أستاذًا جامعيًا، ونشر كتابه الأول «النظرية النقدية ودورة التجارة» عام 1929.
في أوائل عام 1931، دعا ليونيل روبنز هايك إلى إنجلترا لتقديم أربع محاضرات عن الاقتصاد النقدي في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية. ستؤدي هذه المحاضرات في النهاية إلى تعيينه في العام التالي أستاذًا للعلوم الاقتصادية والإحصاء في الجامعة ذاتها، حيث ظل هايك حتى عام 1950، بعد أن أصبح مواطنًا بريطانيًّا عام 1938.
فور وصوله إلى إنجلترا، انخرط هايك في نقاش مع الخبير الاقتصادي في جامعة كامبريدج جون ماينارد كينز حول نظرياتهما التي تتعلق بدور وتأثير المال في الاقتصاد المتقدم. كتب هايك مراجعة نقدية مطولة لكتاب كينز عام 1930: «أطروحة حول المال»، الذي رد عليه كينز بقوة، وهاجم خلاله كتاب هايك الأخير «الأسعار والإنتاج» (1931). انتُقِد كلا الاقتصاديين من قبل اقتصاديين آخرين، ما دفع كل منهما إلى إعادة التفكير في إطار عمله وتفكيره. كان لكينز السبق في هذا الجدل المطوّل بنشر كتابه «النظرية العامة للعمالة والفائدة والمال» عام 1936، الذي أصبح من أشهر كتب الاقتصاد في القرن العشرين. لم يظهر كتاب هايك «النظرية الخالصة لرأس المال»، حتى عام 1941، ولم يحظَ بالاهتمام ذاته الذي لاقاه كتاب كينز، نظرًا إلى غموض الكتاب، إضافةً إلى نشره في زمن الحرب العالمية الثانية.
في منتصف الثلاثينيات، شارك هايك في نقاش بين الاقتصاديين حول مزايا الاشتراكية. ستساعد هذه المناقشات في تشكيل أفكاره اللاحقة حول الاقتصاد والمعرفة، التي صاغها في النهاية في خطابه عام 1936 أمام نادي لندن الاقتصادي. خلال سنوات الحرب، أُخليت كلية لندن للاقتصاد إلى كامبريدج. هناك، عمل هايك على مشروع «إساءة استخدام العقل»، وهو نقد واسع النطاق لمجموعة متنوعة من المذاهب التي جمعها تحت عنوان «العَلمَوِيّة»، التي عرفها بأنها «التقليد الوضيع لطريقة ولغة العلم» من قبل علماء الاجتماع الذين استحوذوا على طرق العلوم الطبيعية وطبّقوها في ميادين لا تصلح لها. مع أن المشروع كما كان متصورًا في الأصل لم يكتمل أبدًا، فقد أصبح أساسًا لعدد من المقالات وأدى أيضًا إلى نشر كتاب هايك الأشهر «الطريق إلى العبودية» – 1944، الذي أصبح من أكثر الكتب مبيعًا. في العام ذاته اختير هايك زميلًا في الأكاديمية البريطانية.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأ هايك العمل على كتاب علم نفس نظري مبني على مقال كتبه خلال أيام دراسته في فيينا. عام 1947 نظم لقاءً لـ 39 باحثًا من 10 دول في مونت بيليرين، على بحيرة جنيف في جبال الألب السويسرية. كانت هذه بداية جمعية مونت بيليرين، وهي منظمة مكرسة لتوضيح المبادئ التي من شأنها أن تؤدي إلى إنشاء المجتمعات الحرة والحفاظ عليها. كان فون ميزس وروبينز وماكلوب من بين الحاضرين الأساسيين، وكذلك ميلتون فريدمان وفرانك نايت وجورج ستيجلر وآرون دايركتور ومايكل بولاني والفيلسوف النمساوي كارل بوبر. كان هايك فعالًا في جلب بوبر من نيوزيلندا إلى كلية لندن للاقتصاد في نهاية الحرب، وحصل على ناشر لكتاب بوبر »المجتمع المفتوح وأعداؤه« (1945). وظل بوبر وهايك أصدقاءً مدى الحياة.
مساهمات هايك الفكرية
امتدت كتابات هايك على مدى سبعة عقود. كان نشيطًا مهنيًا خلال معظم حياته، وساهم في مجموعة متنوعة من التخصصات، من بينها الاقتصاد، والفلسفة السياسية، وعلم النفس، وتاريخ الأفكار، وفلسفة العلوم الاجتماعية ومنهجيتها. كان هايك أيضًا مثيرًا للجدل.
نظرية الدورة التجارية
كانت أولى مساهمات هايك هي تطويره لنظرية دورة الأعمال التي بنيت على العمل السابق للاقتصادي السويدي نوت ويكسيل وفون ميزس. تفترض نظرية هايك سعر الفائدة الطبيعي بوصفه سعرًا بين فترات زمنية، وهو السعر الذي ينسق قرارات المدخرين والمستثمرين عبر الزمن. تحدث الدورة عندما ينحرف سعر الفائدة في السوق -أي السعر السائد في السوق- عن معدل الفائدة الطبيعي. يؤدي هذا إلى تشويه هيكل رأس المال بحيث لا يعكس رغبات المدخرين والمستثمرين كما يعبر عنها السوق.
نقد الاشتراكية والدفاع عن المؤسسات الليبرالية الكلاسيكية
انتقد فريدريك هايك الاشتراكية طوال حياته، وغالبًا ما قارنها بنظام الأسواق الحرة. مع أن انتقاداته السابقة كانت تستند إلى أسس اقتصادية، فقد اعتمد لاحقًا على الحجج السياسية والأخلاقية وغيرها في عرض قضيته.
يقول هايك أنه في العالم المتغير باستمرار -حيث يسبب كل تغيير في السعر تغيير المشاركين في السوق للطلب والعرض، ما يؤدي إلى تعديلات أخرى، إلى ما لا نهاية- لا يمكن لأي نظام مبني أن يضاهي قدرة عملية السوق على التكيف باستمرار مع التغيرات. وجادل بأن نظام السوق نفسه يشكل «إجراء اكتشاف» إذ يوفر حوافز لاكتشاف منتجات وعمليات جديدة، مع نشر المعلومات للمشاركين في السوق، المستهلكين مثلًا. إذ إن رواد الأعمال لديهم حوافز ليكونوا متيقظين ولاستغلال المعرفة المكتشفة حديثًا أو الناشئة. لا يوجد نظام يوفر الكثير من التغذية الراجعة والحوافز لتصحيح الأخطاء في الإدراك كما يفعل نظام السوق.
يجب فهم حجج هايك في سياق زمانه. ففي أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي، اعتقد العديد من المثقفين أن الرأسمالية قد فشلت، وأنه فقط من خلال التخطيط الاقتصادي يمكن للديمقراطيات الغربية أن تتجنب الشمولية، سواءً كانت الفاشية أو الشيوعية. أصبح «التخطيط من أجل الحرية» شعار اليوم بين نخب أوروبا الغربية.
حدود العلوم الاجتماعية
حتى في كتاباته المبكرة، شدد هايك على الدور المحدود للعمل التجريبي في الاقتصاد. ويرجع ذلك جزئيًا إلى ارتباطه بالمدرسة النمساوية، التي تشكل عملها من خلال «الصراع على الأساليب» مع المدرسة التاريخية الألمانية للاقتصاديين في مطلع القرن العشرين. أصر الجانب النمساوي على أن النهج النظري -عكس النهج التجريبي البحت- للعلوم الاجتماعية كان ممكنًا ومثمرًا، وأن جميع الملاحظات تفترض مسبقًا إطارًا نظريًا أساسيًا. في العقود اللاحقة، عارض الاقتصاديون النمساويون صعود المذاهب الوضعية وغيرها من المذاهب التجريبية الراديكالية في فلسفة العلم.
قدم هايك انتقاداته الأولية لهذه الأساليب في مقالته «العلموية ودراسة المجتمع» عام 1952. في أعمال لاحقة، بدأ هايك التمييز بين العلوم التي تدرس الظواهر البسيطة وتلك التي تدرس الظواهر المعقدة. وأكد أنه لا يمكن الحصول على تنبؤات دقيقة في المجالات الأخيرة، فقط «تنبؤات النمط» أو «تفسيرات المبدأ» التي تجعل آلية العمل ممكنة. تمامًا كما أن علماء الأحياء التطورية، من خلال نظرية الانتقاء الطبيعي، قادرون على تفسير نشوء نوع جديد ولكن لا يتنبؤون بالحالات المحددة لتغير الأنواع في المستقبل، كذلك يمكن لعلماء الاقتصاد شرح المبادئ التي يحدث بموجبها تكوين الأسعار، دون أن يكونوا قادرين على التنبؤ بالمسار المستقبلي لتغير الأسعار.
إرث فريدريك هايك
كما هو الحال مع جميع أعماله، تشكلت أفكار فريدريك هايك المنهجية على خلفية المناقشات المكثفة حول جدوى وملاءمة الأنظمة السياسية والاقتصادية البديلة.
أفضل أفكاره تتجاوز ظروف تكوينها. على ضوء إرث هايك، فإن جزءًا منه هو تذكير دائم بأن المعرفة البشرية محدودة وأن فهم هذا القيد هو الخطوة الأولى نحو الحكمة. جزء آخر من إرثه هو أن العديد من المؤسسات الاجتماعية تستمر على وجه التحديد لأنها تمكن الناس من البقاء والازدهار في عالم تكون فيه المعرفة محدودة، وأن محاولات إنشاء هذه المؤسسات من جديد، التي غالبًا ما تكون مدفوعة بنوايا طيّبة، كانت سببًا للكثير من البؤس البشري.
حياة فريدريك هايك وأعماله المهمة
كان والد هايك، أوغست، طبيبًا وأستاذًا في علم النبات في جامعة فيينا. والدته، فيليسيتاس، كانت ابنة فرانز فون يوراشيك، الأستاذ ولاحقًا الموظف الحكومي البارز. نظرًا إلى أن عائلة والدته كانت ثرية نسبيًا، فقد عاش هايك وشقيقه الأصغر طفولةً مريحة في فيينا، التي كانت آنذاك عاصمة الإمبراطورية النمساوية المجرية.
خلال الحرب العالمية الأولى، خدم هايك في المدفعية الميدانية على الجبهة الإيطالية، وبعد الحرب التحق بجامعة فيينا. انجذب هايك إلى القانون وعلم النفس في سنواته الجامعية الأولى، لكنه استقر على القانون وحصل على شهادته الأولى عام 1921. وكان من بين زملائه عدد من الأشخاص الذين أصبحوا فيما بعد اقتصاديين بارزين، منهم فريتز ماكلوب، وجوتفريد فون هابرلر، وأوسكار مورجنسترن. عام 1923، آخر عام له في الجامعة، درس هايك على يد الاقتصادي النمساوي فريدريش فون فيزر وحصل على الدكتوراه الثانية في الاقتصاد السياسي. بدأ أيضًا العمل في مكتب حكومي مؤقت، حيث التقى لودفيج فون ميزس، وهو مُنظِّر نقدي ومؤلف كتاب نقد الاشتراكية. نُشر كتاب فون ميزس «الاشتراكية: تحليل اقتصادي واجتماعي» عام 1922 وترجم إلى الإنجليزية عام 1936.
أصبح فون ميزس معلمًا لهايك. وبعد رحلته إلى الولايات المتحدة عامي 1923 و1924، عاد هايك إلى فيينا، وتزوج، وأصبح بمساعدة فون ميزس مديرًا للمعهد النمساوي لأبحاث دورة الاقتصاد الذي تأسس حديثًا. أصبح هايك أيضًا حاضرًا منتظمًا في ندوة فون ميزس التي تُعقد كل أسبوعين، واجتاز تأهيله، وهو امتحان شفوي يعد خطوةً ضرورية ليصبح أستاذًا جامعيًا، ونشر كتابه الأول «النظرية النقدية ودورة التجارة» عام 1929.
في أوائل عام 1931، دعا ليونيل روبنز هايك إلى إنجلترا لتقديم أربع محاضرات عن الاقتصاد النقدي في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية. ستؤدي هذه المحاضرات في النهاية إلى تعيينه في العام التالي أستاذًا للعلوم الاقتصادية والإحصاء في الجامعة ذاتها، حيث ظل هايك حتى عام 1950، بعد أن أصبح مواطنًا بريطانيًّا عام 1938.
فور وصوله إلى إنجلترا، انخرط هايك في نقاش مع الخبير الاقتصادي في جامعة كامبريدج جون ماينارد كينز حول نظرياتهما التي تتعلق بدور وتأثير المال في الاقتصاد المتقدم. كتب هايك مراجعة نقدية مطولة لكتاب كينز عام 1930: «أطروحة حول المال»، الذي رد عليه كينز بقوة، وهاجم خلاله كتاب هايك الأخير «الأسعار والإنتاج» (1931). انتُقِد كلا الاقتصاديين من قبل اقتصاديين آخرين، ما دفع كل منهما إلى إعادة التفكير في إطار عمله وتفكيره. كان لكينز السبق في هذا الجدل المطوّل بنشر كتابه «النظرية العامة للعمالة والفائدة والمال» عام 1936، الذي أصبح من أشهر كتب الاقتصاد في القرن العشرين. لم يظهر كتاب هايك «النظرية الخالصة لرأس المال»، حتى عام 1941، ولم يحظَ بالاهتمام ذاته الذي لاقاه كتاب كينز، نظرًا إلى غموض الكتاب، إضافةً إلى نشره في زمن الحرب العالمية الثانية.
في منتصف الثلاثينيات، شارك هايك في نقاش بين الاقتصاديين حول مزايا الاشتراكية. ستساعد هذه المناقشات في تشكيل أفكاره اللاحقة حول الاقتصاد والمعرفة، التي صاغها في النهاية في خطابه عام 1936 أمام نادي لندن الاقتصادي. خلال سنوات الحرب، أُخليت كلية لندن للاقتصاد إلى كامبريدج. هناك، عمل هايك على مشروع «إساءة استخدام العقل»، وهو نقد واسع النطاق لمجموعة متنوعة من المذاهب التي جمعها تحت عنوان «العَلمَوِيّة»، التي عرفها بأنها «التقليد الوضيع لطريقة ولغة العلم» من قبل علماء الاجتماع الذين استحوذوا على طرق العلوم الطبيعية وطبّقوها في ميادين لا تصلح لها. مع أن المشروع كما كان متصورًا في الأصل لم يكتمل أبدًا، فقد أصبح أساسًا لعدد من المقالات وأدى أيضًا إلى نشر كتاب هايك الأشهر «الطريق إلى العبودية» – 1944، الذي أصبح من أكثر الكتب مبيعًا. في العام ذاته اختير هايك زميلًا في الأكاديمية البريطانية.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأ هايك العمل على كتاب علم نفس نظري مبني على مقال كتبه خلال أيام دراسته في فيينا. عام 1947 نظم لقاءً لـ 39 باحثًا من 10 دول في مونت بيليرين، على بحيرة جنيف في جبال الألب السويسرية. كانت هذه بداية جمعية مونت بيليرين، وهي منظمة مكرسة لتوضيح المبادئ التي من شأنها أن تؤدي إلى إنشاء المجتمعات الحرة والحفاظ عليها. كان فون ميزس وروبينز وماكلوب من بين الحاضرين الأساسيين، وكذلك ميلتون فريدمان وفرانك نايت وجورج ستيجلر وآرون دايركتور ومايكل بولاني والفيلسوف النمساوي كارل بوبر. كان هايك فعالًا في جلب بوبر من نيوزيلندا إلى كلية لندن للاقتصاد في نهاية الحرب، وحصل على ناشر لكتاب بوبر »المجتمع المفتوح وأعداؤه« (1945). وظل بوبر وهايك أصدقاءً مدى الحياة.
مساهمات هايك الفكرية
امتدت كتابات هايك على مدى سبعة عقود. كان نشيطًا مهنيًا خلال معظم حياته، وساهم في مجموعة متنوعة من التخصصات، من بينها الاقتصاد، والفلسفة السياسية، وعلم النفس، وتاريخ الأفكار، وفلسفة العلوم الاجتماعية ومنهجيتها. كان هايك أيضًا مثيرًا للجدل.
نظرية الدورة التجارية
كانت أولى مساهمات هايك هي تطويره لنظرية دورة الأعمال التي بنيت على العمل السابق للاقتصادي السويدي نوت ويكسيل وفون ميزس. تفترض نظرية هايك سعر الفائدة الطبيعي بوصفه سعرًا بين فترات زمنية، وهو السعر الذي ينسق قرارات المدخرين والمستثمرين عبر الزمن. تحدث الدورة عندما ينحرف سعر الفائدة في السوق -أي السعر السائد في السوق- عن معدل الفائدة الطبيعي. يؤدي هذا إلى تشويه هيكل رأس المال بحيث لا يعكس رغبات المدخرين والمستثمرين كما يعبر عنها السوق.
نقد الاشتراكية والدفاع عن المؤسسات الليبرالية الكلاسيكية
انتقد فريدريك هايك الاشتراكية طوال حياته، وغالبًا ما قارنها بنظام الأسواق الحرة. مع أن انتقاداته السابقة كانت تستند إلى أسس اقتصادية، فقد اعتمد لاحقًا على الحجج السياسية والأخلاقية وغيرها في عرض قضيته.
يقول هايك أنه في العالم المتغير باستمرار -حيث يسبب كل تغيير في السعر تغيير المشاركين في السوق للطلب والعرض، ما يؤدي إلى تعديلات أخرى، إلى ما لا نهاية- لا يمكن لأي نظام مبني أن يضاهي قدرة عملية السوق على التكيف باستمرار مع التغيرات. وجادل بأن نظام السوق نفسه يشكل «إجراء اكتشاف» إذ يوفر حوافز لاكتشاف منتجات وعمليات جديدة، مع نشر المعلومات للمشاركين في السوق، المستهلكين مثلًا. إذ إن رواد الأعمال لديهم حوافز ليكونوا متيقظين ولاستغلال المعرفة المكتشفة حديثًا أو الناشئة. لا يوجد نظام يوفر الكثير من التغذية الراجعة والحوافز لتصحيح الأخطاء في الإدراك كما يفعل نظام السوق.
يجب فهم حجج هايك في سياق زمانه. ففي أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي، اعتقد العديد من المثقفين أن الرأسمالية قد فشلت، وأنه فقط من خلال التخطيط الاقتصادي يمكن للديمقراطيات الغربية أن تتجنب الشمولية، سواءً كانت الفاشية أو الشيوعية. أصبح «التخطيط من أجل الحرية» شعار اليوم بين نخب أوروبا الغربية.
حدود العلوم الاجتماعية
حتى في كتاباته المبكرة، شدد هايك على الدور المحدود للعمل التجريبي في الاقتصاد. ويرجع ذلك جزئيًا إلى ارتباطه بالمدرسة النمساوية، التي تشكل عملها من خلال «الصراع على الأساليب» مع المدرسة التاريخية الألمانية للاقتصاديين في مطلع القرن العشرين. أصر الجانب النمساوي على أن النهج النظري -عكس النهج التجريبي البحت- للعلوم الاجتماعية كان ممكنًا ومثمرًا، وأن جميع الملاحظات تفترض مسبقًا إطارًا نظريًا أساسيًا. في العقود اللاحقة، عارض الاقتصاديون النمساويون صعود المذاهب الوضعية وغيرها من المذاهب التجريبية الراديكالية في فلسفة العلم.
قدم هايك انتقاداته الأولية لهذه الأساليب في مقالته «العلموية ودراسة المجتمع» عام 1952. في أعمال لاحقة، بدأ هايك التمييز بين العلوم التي تدرس الظواهر البسيطة وتلك التي تدرس الظواهر المعقدة. وأكد أنه لا يمكن الحصول على تنبؤات دقيقة في المجالات الأخيرة، فقط «تنبؤات النمط» أو «تفسيرات المبدأ» التي تجعل آلية العمل ممكنة. تمامًا كما أن علماء الأحياء التطورية، من خلال نظرية الانتقاء الطبيعي، قادرون على تفسير نشوء نوع جديد ولكن لا يتنبؤون بالحالات المحددة لتغير الأنواع في المستقبل، كذلك يمكن لعلماء الاقتصاد شرح المبادئ التي يحدث بموجبها تكوين الأسعار، دون أن يكونوا قادرين على التنبؤ بالمسار المستقبلي لتغير الأسعار.
إرث فريدريك هايك
كما هو الحال مع جميع أعماله، تشكلت أفكار فريدريك هايك المنهجية على خلفية المناقشات المكثفة حول جدوى وملاءمة الأنظمة السياسية والاقتصادية البديلة.
أفضل أفكاره تتجاوز ظروف تكوينها. على ضوء إرث هايك، فإن جزءًا منه هو تذكير دائم بأن المعرفة البشرية محدودة وأن فهم هذا القيد هو الخطوة الأولى نحو الحكمة. جزء آخر من إرثه هو أن العديد من المؤسسات الاجتماعية تستمر على وجه التحديد لأنها تمكن الناس من البقاء والازدهار في عالم تكون فيه المعرفة محدودة، وأن محاولات إنشاء هذه المؤسسات من جديد، التي غالبًا ما تكون مدفوعة بنوايا طيّبة، كانت سببًا للكثير من البؤس البشري.