لقد صاغ علماء الاقتصاد العالم الحديث من نواح كثيرة، وتتخذ الحكومات اليوم خيارات سياسية استجابة للبيانات التي تصدر عنهم كالناتج المحلي الإجمالي والتضخم، وتستخدم شركات وسائل التواصل الاجتماعي رؤيتهم حول السلوك البشري لابتكار ميزات جديدة لتشجع الناس على استخدام منصاتهم، وعلماء الاقتصاد في صميم كل شيء بدءًا من تحفيز مطوري الطاقة المتجددة لبناء المزيد من عنفات الرياح إلى تنظيم سلوك عمالقة التكنولوجيا مثل غوغل وفيسبوك، ولكن هذا ليس سوى جانب واحد من القصة، فالشيء الغريب في علم الاقتصاد هو أنه حتى حين يتفق الأكاديميون من علماء الاقتصاد على شيء مهم فإن بقية العالم غالبًا يتجاهلون استنتاجاتهم تمامًا. هل هذه النتائج غير بديهية مثلًا أو أنها غير عملية أو هناك شيء آخر؟ فيما يلي خمسة أمثلة تمكنك من اتخاذ القرار بنفسك:
1- ضمان أقل سعر يعني أنك ستدفع الكثير في نهاية المطاف
يقدم تجار التجزئة هذه الأنواع من تعهدات الأسعار طوال الوقت فيقولون: «إن وجدت هذا المنتج أرخص في مكان آخر سنجعل الثمن متماثلًا».
نرى هذا الأسلوب في كل مكان، في البقالة إلى محلات الأثاث والصيدليات، قد يبدو هذا الضمان للوهلة الأولى أنه في صالح الزبائن، لكن الكثير من الدلائل تشير أن هذا الأمر هو طريقة التجار للتواطؤ للحفاظ على سعر مرتفع، فعندما يعرض البائع سعرًا منخفضًا فإنه يفعل ذلك لجذب المستهلكين لأنه أرخص من منافسيه، لكن من خلال التزامك بتخفيض الأسعار في كل مرة يقدم فيها منافسك خصمًا، يعرف زبائنك أنهم يستطيعون القدوم إليك ويستفيدون من السعر ذاته، لذلك ليس لدى المنافس ما يكسبه من تقديم تلك العروض وتبقى الأسعار مرتفعة، ومن المثير للاهتمام أن علماء الاقتصاد يرون تواطؤ المستثمرين مع بعضهم غير قانوني، لكن مقارنة الأسعار تسمح بهذا الأمر وهي قانونية في كل مكان.
2- غالبًا ما يستفيد أصحاب العقارات من الدعم الإسكاني الذي يعطى للمستأجرين
إن إحدى المبادئ الأولى التي يدرّسها علماء الاقتصاد لطلابهم هو أن الأشخاص الذين يتلقون الإعانة ليسوا بالضرورة من يستفيد منها. فمثلًا في دراسة في فرنسا عام 2006 تبين أن أصحاب العقارات حصلوا على أكثر من ثلاثة أرباع الدعم الإسكاني المقدم للمستأجرين. مرد الأمر هو أن دعم الإسكان شجع العائلات على الانتقال إلى منازل أكبر وحث الطلاب في تلك العائلات على الاستقلال في وقت مبكر. نظرًا لأن عدد المنازل في السوق بقي ثابتًا كان التأثير الرئيسي لهذا الطلب زيادة أسعار الإيجار للمنازل الكبيرة وسكن الطلاب، وبالنتيجة تحويل أموال الضرائب إلى الناس الأقل احتياجًا.
بالمقارنة بدراسة آثار خفض الإنفاق على الإسكان في المملكة المتحدة في 2011-2012، طالبت الأسر التي تستأجر منازل أكبر بمنازل أصغر، ما أدى إلى انخفاض الأسعار وإلحاق الضرر بملاك العقارات أكثر من غيرهم. من ناحية أخرى، كانت الأسر الأكثر فقرًا تعيش بالفعل في مساكن مستأجرة صغيرة جدًا بالنسبة لاحتياجاتها، لذا لا يمكنها الانتقال إلى مكان أصغر. ولهذا السبب، لم يكن لديهم خيار سوى قبول امتصاص خفض الإنفاق هذا بأنفسهم.
في كل من المثالين السابقين في فرنسا والمملكة المتحدة نرى أنه كان على الحكومة ببساطة أن تمنح المستأجرين المال وتدعهم يقررون ما يجب فعله به، بتلك الطريقة سيكون الناس قد اختاروا أنسب مكان للإقامة وأنفقوا أي مال متبقي على أشياء أخرى، مثل طعام أو تعليم أو رعاية صحية أفضل.
3- تكاليف المعيشة ليست سببًا وجيهًا لتجنب فرض الضرائب على التلوث
ارتفعت أسعار الغاز والوقود في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، ما جعل السائقين يدفعون أكثر لشراء الوقود بينما تكافح العديد من العائلات لتدفع فواتير الكهرباء، ولمواجهة هذه الأزمة قدمت دول أوربية مثل فرنسا خصومات على الوقود لتساعد الناس، لكن في كثير من الحالات تكون روسيا هي المورد وبذلك فهي تزيد الميزانية العسكرية لفلاديمير بوتين ولا تقدم شيء للمساعدة بشأن انبعاث غاز الكربون.
بدلاً من ذلك، يود معظم علماء الاقتصاد فرض تعريفات جديدة على النفط الروسي لتضع سعرًا تكلفة تمويل الحرب وحث الشركات والمستهلكين على التحول إلى مصادر طاقة أخرى، وبالوسع بعد ذلك استخدام الإيرادات لمساعدة الناس مباشرةً إما بخفض الضرائب أو بتمويل الضمان الاجتماعي. بينما يحدث العكس تمامًا في المملكة المتحدة، ويضطر المستهلكين إلى دفع المزيد من التأمين الوطني في حين تُخفَّض رسوم الوقود.
4- غالبًا ما يكون السياسيون أكثر مصداقية في المفاوضات
لإقناع الناس بالثقة بك لفعل شيء ما، فإن أحد الاقتراحات هو عدم تغيير رأيك لاحقًا، وهذا هو السبب في أن البنوك المركزية مستقلة عن الحكومات بحيث يعتقد المستثمرون أنهم لا يتلاعبون بمعدل الفائدة لتحقيق مكاسب انتخابية. ولكن مع ذلك، في معظم الأمور تحجم الحكومات عن تفويض اتخاذ القرار إلى مؤسسات مستقلة، ومثال ذلك ما حدث في فرنسا في فترة 2009-2017، إذ أنفقت الحكومة المليارات على البنية التحتية اللازمة لكي تفرض ضرائب على النقل بالشاحنات ولكن في الفترة التي سبقت الانتخابات تراجعت عن ذلك، ولو فُوِّض تتفيذ الضريبة لمؤسسة مستقلة تعتمد آراء علماء الاقتصاد لما حدث الفشل الذريع.
في مثال آخر، أطلقت المملكة المتحدة مؤخرًا صندوق الرخاء المشترك ليحل محل الأموال التي خصصها الاتحاد الأوروبي لمناطقها الأشد فقرًا، أصبح النظام الجديد أكثر مركزية من ذي قبل ومن الصعب معرفة كيفية الوصول إلى مستويات التمويل السابق، قد تكون صناديق التنمية الإقليمية المركزية عرضة للمحاباة والمحسوبية السياسية ما يقلل من مصداقية خطط الحكومة لرفع مستوى البلاد.
5- المستثمرون يخالفون القانون باستمرار
لا توجد صيغة للتنبؤ بالتغيرات قصيرة المدى في قيمة الأصول المالية، ومن المؤكد أن بعض الاستثمارات تجلب أموالًا أكثر من غيرها وبالتأكيد يوجد خسارات مالية، لكن أي شخص يطلب منك الوثوق بها لكسب أموال أكثر على المدى البعيد فإنه يكذب أو يعرف شيئًا لا يعرفه بقية الناس. هذا ما يسمى بالتداول الداخلي، ومع أنه يحدث في غالب الأحيان فهو مخالف للقانون، خلال الأزمة المالية عام 2008 مثلًا حقق المستثمرون المرتبطون سياسيًا أرباحًا أكثر مما جناه الآخرون، لأنهم يعرفون أين ستنفق الحكومة أموالًا أكثر. قد تكون القصص عن العباقرة الماليين ممتعة أكثر من الحقيقة، لكن هذا لا يعني أنها صحيحة على الدوام.
1- ضمان أقل سعر يعني أنك ستدفع الكثير في نهاية المطاف
يقدم تجار التجزئة هذه الأنواع من تعهدات الأسعار طوال الوقت فيقولون: «إن وجدت هذا المنتج أرخص في مكان آخر سنجعل الثمن متماثلًا».
نرى هذا الأسلوب في كل مكان، في البقالة إلى محلات الأثاث والصيدليات، قد يبدو هذا الضمان للوهلة الأولى أنه في صالح الزبائن، لكن الكثير من الدلائل تشير أن هذا الأمر هو طريقة التجار للتواطؤ للحفاظ على سعر مرتفع، فعندما يعرض البائع سعرًا منخفضًا فإنه يفعل ذلك لجذب المستهلكين لأنه أرخص من منافسيه، لكن من خلال التزامك بتخفيض الأسعار في كل مرة يقدم فيها منافسك خصمًا، يعرف زبائنك أنهم يستطيعون القدوم إليك ويستفيدون من السعر ذاته، لذلك ليس لدى المنافس ما يكسبه من تقديم تلك العروض وتبقى الأسعار مرتفعة، ومن المثير للاهتمام أن علماء الاقتصاد يرون تواطؤ المستثمرين مع بعضهم غير قانوني، لكن مقارنة الأسعار تسمح بهذا الأمر وهي قانونية في كل مكان.
2- غالبًا ما يستفيد أصحاب العقارات من الدعم الإسكاني الذي يعطى للمستأجرين
إن إحدى المبادئ الأولى التي يدرّسها علماء الاقتصاد لطلابهم هو أن الأشخاص الذين يتلقون الإعانة ليسوا بالضرورة من يستفيد منها. فمثلًا في دراسة في فرنسا عام 2006 تبين أن أصحاب العقارات حصلوا على أكثر من ثلاثة أرباع الدعم الإسكاني المقدم للمستأجرين. مرد الأمر هو أن دعم الإسكان شجع العائلات على الانتقال إلى منازل أكبر وحث الطلاب في تلك العائلات على الاستقلال في وقت مبكر. نظرًا لأن عدد المنازل في السوق بقي ثابتًا كان التأثير الرئيسي لهذا الطلب زيادة أسعار الإيجار للمنازل الكبيرة وسكن الطلاب، وبالنتيجة تحويل أموال الضرائب إلى الناس الأقل احتياجًا.
بالمقارنة بدراسة آثار خفض الإنفاق على الإسكان في المملكة المتحدة في 2011-2012، طالبت الأسر التي تستأجر منازل أكبر بمنازل أصغر، ما أدى إلى انخفاض الأسعار وإلحاق الضرر بملاك العقارات أكثر من غيرهم. من ناحية أخرى، كانت الأسر الأكثر فقرًا تعيش بالفعل في مساكن مستأجرة صغيرة جدًا بالنسبة لاحتياجاتها، لذا لا يمكنها الانتقال إلى مكان أصغر. ولهذا السبب، لم يكن لديهم خيار سوى قبول امتصاص خفض الإنفاق هذا بأنفسهم.
في كل من المثالين السابقين في فرنسا والمملكة المتحدة نرى أنه كان على الحكومة ببساطة أن تمنح المستأجرين المال وتدعهم يقررون ما يجب فعله به، بتلك الطريقة سيكون الناس قد اختاروا أنسب مكان للإقامة وأنفقوا أي مال متبقي على أشياء أخرى، مثل طعام أو تعليم أو رعاية صحية أفضل.
3- تكاليف المعيشة ليست سببًا وجيهًا لتجنب فرض الضرائب على التلوث
ارتفعت أسعار الغاز والوقود في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، ما جعل السائقين يدفعون أكثر لشراء الوقود بينما تكافح العديد من العائلات لتدفع فواتير الكهرباء، ولمواجهة هذه الأزمة قدمت دول أوربية مثل فرنسا خصومات على الوقود لتساعد الناس، لكن في كثير من الحالات تكون روسيا هي المورد وبذلك فهي تزيد الميزانية العسكرية لفلاديمير بوتين ولا تقدم شيء للمساعدة بشأن انبعاث غاز الكربون.
بدلاً من ذلك، يود معظم علماء الاقتصاد فرض تعريفات جديدة على النفط الروسي لتضع سعرًا تكلفة تمويل الحرب وحث الشركات والمستهلكين على التحول إلى مصادر طاقة أخرى، وبالوسع بعد ذلك استخدام الإيرادات لمساعدة الناس مباشرةً إما بخفض الضرائب أو بتمويل الضمان الاجتماعي. بينما يحدث العكس تمامًا في المملكة المتحدة، ويضطر المستهلكين إلى دفع المزيد من التأمين الوطني في حين تُخفَّض رسوم الوقود.
4- غالبًا ما يكون السياسيون أكثر مصداقية في المفاوضات
لإقناع الناس بالثقة بك لفعل شيء ما، فإن أحد الاقتراحات هو عدم تغيير رأيك لاحقًا، وهذا هو السبب في أن البنوك المركزية مستقلة عن الحكومات بحيث يعتقد المستثمرون أنهم لا يتلاعبون بمعدل الفائدة لتحقيق مكاسب انتخابية. ولكن مع ذلك، في معظم الأمور تحجم الحكومات عن تفويض اتخاذ القرار إلى مؤسسات مستقلة، ومثال ذلك ما حدث في فرنسا في فترة 2009-2017، إذ أنفقت الحكومة المليارات على البنية التحتية اللازمة لكي تفرض ضرائب على النقل بالشاحنات ولكن في الفترة التي سبقت الانتخابات تراجعت عن ذلك، ولو فُوِّض تتفيذ الضريبة لمؤسسة مستقلة تعتمد آراء علماء الاقتصاد لما حدث الفشل الذريع.
في مثال آخر، أطلقت المملكة المتحدة مؤخرًا صندوق الرخاء المشترك ليحل محل الأموال التي خصصها الاتحاد الأوروبي لمناطقها الأشد فقرًا، أصبح النظام الجديد أكثر مركزية من ذي قبل ومن الصعب معرفة كيفية الوصول إلى مستويات التمويل السابق، قد تكون صناديق التنمية الإقليمية المركزية عرضة للمحاباة والمحسوبية السياسية ما يقلل من مصداقية خطط الحكومة لرفع مستوى البلاد.
5- المستثمرون يخالفون القانون باستمرار
لا توجد صيغة للتنبؤ بالتغيرات قصيرة المدى في قيمة الأصول المالية، ومن المؤكد أن بعض الاستثمارات تجلب أموالًا أكثر من غيرها وبالتأكيد يوجد خسارات مالية، لكن أي شخص يطلب منك الوثوق بها لكسب أموال أكثر على المدى البعيد فإنه يكذب أو يعرف شيئًا لا يعرفه بقية الناس. هذا ما يسمى بالتداول الداخلي، ومع أنه يحدث في غالب الأحيان فهو مخالف للقانون، خلال الأزمة المالية عام 2008 مثلًا حقق المستثمرون المرتبطون سياسيًا أرباحًا أكثر مما جناه الآخرون، لأنهم يعرفون أين ستنفق الحكومة أموالًا أكثر. قد تكون القصص عن العباقرة الماليين ممتعة أكثر من الحقيقة، لكن هذا لا يعني أنها صحيحة على الدوام.