يُعد التضخم من أهم المخاطر الاقتصادية التي يواجهها المستثمرون. عقب تفشي جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا، عاود التضخم الظهور في العديد من البلدان. وبسبب ارتفاع التضخم والدور متزايد الأهمية للمستثمرين في أسواق رأس المال، يناقش عدد كبير من المقالات في الصحافة المالية كيف يمكن الأفراد المستثمرين الحفاظ على القيمة الحقيقية لثرواتهم المالية مقابل ارتفاع الأسعار، مع إشارة العديد منهم إلى الاستثمار في الأسهم.
التوقعات عن الكيفية التي يستجيب بها المستثمرون فعليًا لاحتمال ارتفاع التضخم غير معروفة، وتوفر النظرية فرضيات متضاربة حول هذه القضية. من ناحية، تتوقع فرضية التحوط أن المستثمرين أكثر ميلًا إلى الشراء وأقل ميلًا إلى بيع الأسهم عند ارتفاع التضخم المتوقع. إذ يدرك المستثمرون أن الأسهم تمنحهم حصة من الدخل الذي تدره الأصول الحقيقية الأساسية، ما يسمح لهم بالحفاظ على القيمة الحقيقية لاستثماراتهم.
من ناحية أخرى، تشير فرضية وهم المال إلى أن المستثمرين أقل ميلًا إلى الشراء وأكثر ميلًا إلى بيع الأسهم في فترات تتسم بارتفاع التضخم المتوقع. إذ يعدلون أسعار الفائدة الاسمية لكنهم يتجاهلون أن التدفقات النقدية للشركات تنمو أيضًا مع التضخم، ما يؤدي إلى مطالبتهم بعائدات أرباح أعلى للاحتفاظ بالأسهم. بالنظر إلى هاتين الفرضيتين المتنافستين، فإن فهم الكيفية التي يتفاعل بها الأفراد المستثمرون مع التضخم المتوقع مسألة تجريبية وغير متوقعة.
التجربة الألمانية عشرينيات القرن الماضي:
يخضع اختبار استجابة المستثمرين للتضخم لثلاثة تحديات تجريبية رئيسية. أولًا، يتطلب هذا الاختبار بيانات دقيقة عن معاملات المستثمرين الضمانية. ويتيح ذلك إجراء تحليل مباشر لعملية اتخاذ القرارات الاستثمارية في فترات التضخم. ثانيًا، يتطلب أيضًا فترة يؤدي فيها التضخم إلى خسائر مالية كبيرة، من ثم يجذب انتباه المستثمرين. ثالثًا، يتطلب قياسًا موثوقًا للتضخم المتوقع الذي يتفاوت بمرور الوقت وبين المستثمرين. هذا شرط ضروري لإجراء تحليل لاستجابة الأفراد المستثمرين.
هذا الإعداد غير متوفر في مجموعات البيانات الأكثر شيوعًا على مستوى المستثمرين. في دراسة جديدة نشرت عام 2022، قُدمت مجموعة بيانات فريدة تتضمن المحافظ الاستثمارية لأكثر من 2000 عميل خاص لبنك ألماني بين عامي 1920 و1924، فترة التضخم الألماني المفرط. البيانات والوقت مناسبان مثاليًا للتصدي للتحديات التجريبية السابق ذكرها. أولًا، لدينا معلومات مفصلة عن كل معاملة ينفذها عملاء البنك، ما يتيح التحليل المباشر للسلوك الاستثماري للأفراد. ثانيًا، كان التضخم مرتفعًا في الفترة يناير 1920 – سبتمبر 1923، ومن المحتمل أن يسفر عن خسائر مالية كبيرة جذبت اهتمام المستثمرين. ثالثًا، لدينا بيانات التضخم بمعدل شهري متكرر في مئات المدن الألمانية، ما يعني إمكانية تقدير التضخم الذي شهدته البلاد محليًا بمرور الوقت، ما يُعد وسيطًا يمكن الاعتماد عليه للتضخم المتوقع.
انخفاض شراء الأسهم وزيادة بيعها بارتفاع معدلات التضخم:
يوضح الرسم البياني التالي اكتشافنا الرئيسي. في كل شهر، نفرز المدن في ألمانيا إلى مناطق حسب التضخم المحلي، ونحسب لكل منطقة معامل التضخم المحلي، ومتوسط اختلال التوازن بين بيع الأسهم وشرائها للعملاء قاطني تلك المدن. إن اختلال التوازن في عملية بيع الأسهم وشرائها من شأنه أن يجذب صافي الطلب من قبل المستثمرين في الأسهم. ثم نحسب اختلالات التوازن المتوسطة في عملية الشراء مقابل انخفاض التضخم.
تُظهر الأرقام علاقة عكسية واضحة. ما يعني أن المستثمرين يشترون كميات أقل -ويبيعون أكثر- من الأسهم عندما يواجهون تضخمًا محليًا مرتفعًا. بالحديث عن أدنى مستويات التضخم في دراستنا، فإن هذا من شأنه أن يقلل اختلال التوازن بين عمليات بيع الأسهم وشرائها بنسبة 17%. تؤكد المزيد من التحليلات الرسمية المرتبطة هذه النتيجة. على هذا نجد أن سلوك المستثمر يتفق مع فرضية وهم المال، لا مع فرضية التحوط.
في اختبارات إضافية، وجدنا أن العلاقة العكسية بين التضخم المحلي واختلال التوازن في عمليات بيع الشراء بالنسبة إلى الأسهم لابد أن تخفف آثارها لصالح المستثمرين. للمستثمرين الأساسيين، فإننا نوثق وجود ارتباط طردي بين التضخم المحلي واختلال توازن عمليات الشراء. تدعم هذه النتائج فكرة أن التعقيد يقلل من تأثير وهم المال.
نجد علاقة طردية أخرى بين التضخم المحلي والعوائد الحقيقية المفقودة عقب مبيعات الأسهم، ما يشير إلى أن المستثمرين الذين يواجهون مستويات تضخم محلية أعلى يبيعون في الوقت الخطأ ويتكبدون خسائر إضافية. يتفق هذا الدليل مع ارتكاب المستثمرين خطأً استثماريًا نتيجة التضخم.
تشير الاختبارات إلى أن النتائج من غير المرجح أنها تأثرت بالمستثمرين الذين يستخدمون التضخم المحلي أداةً لتحقيق نتائج اقتصادية في المستقبل، أو بتزايد عزوف المستثمرين عن المخاطرة مع التضخم المحلي، أو المستثمرين الذين يصفّون الأسهم لتلبية احتياجات الاستهلاك، أو المستثمرين الذين يتحولون إلى الاستثمار في أصول أخرى ما يوفر وسيلة للتحوط ضد التضخم.
خاتمة
يقدم هذا التحليل أدلة تشير إلى أن المستثمرين -خاصةً غير المتطورين- يرتكبون أخطاء تجارية نتيجة التضخم. ما يؤكد أهمية المناقشة الجارية بشأن محو الأمية المالية للأفراد. أشارت المفوضية الأوروبية إلى المعرفة المالية المحدودة لدى الأسر الأوروبية، ودعت إلى جعل التعليم المالي أولوية في أوروبا. ووجهت نداءات مماثلة في الولايات المتحدة. تؤكد النتائج المخاوف من أن محو الأمية المالية للأفراد قد لا يكون كافيًا للاستجابة على نحو مناسب للتضخم الذي عاد إلى الظهور.
التوقعات عن الكيفية التي يستجيب بها المستثمرون فعليًا لاحتمال ارتفاع التضخم غير معروفة، وتوفر النظرية فرضيات متضاربة حول هذه القضية. من ناحية، تتوقع فرضية التحوط أن المستثمرين أكثر ميلًا إلى الشراء وأقل ميلًا إلى بيع الأسهم عند ارتفاع التضخم المتوقع. إذ يدرك المستثمرون أن الأسهم تمنحهم حصة من الدخل الذي تدره الأصول الحقيقية الأساسية، ما يسمح لهم بالحفاظ على القيمة الحقيقية لاستثماراتهم.
من ناحية أخرى، تشير فرضية وهم المال إلى أن المستثمرين أقل ميلًا إلى الشراء وأكثر ميلًا إلى بيع الأسهم في فترات تتسم بارتفاع التضخم المتوقع. إذ يعدلون أسعار الفائدة الاسمية لكنهم يتجاهلون أن التدفقات النقدية للشركات تنمو أيضًا مع التضخم، ما يؤدي إلى مطالبتهم بعائدات أرباح أعلى للاحتفاظ بالأسهم. بالنظر إلى هاتين الفرضيتين المتنافستين، فإن فهم الكيفية التي يتفاعل بها الأفراد المستثمرون مع التضخم المتوقع مسألة تجريبية وغير متوقعة.
التجربة الألمانية عشرينيات القرن الماضي:
يخضع اختبار استجابة المستثمرين للتضخم لثلاثة تحديات تجريبية رئيسية. أولًا، يتطلب هذا الاختبار بيانات دقيقة عن معاملات المستثمرين الضمانية. ويتيح ذلك إجراء تحليل مباشر لعملية اتخاذ القرارات الاستثمارية في فترات التضخم. ثانيًا، يتطلب أيضًا فترة يؤدي فيها التضخم إلى خسائر مالية كبيرة، من ثم يجذب انتباه المستثمرين. ثالثًا، يتطلب قياسًا موثوقًا للتضخم المتوقع الذي يتفاوت بمرور الوقت وبين المستثمرين. هذا شرط ضروري لإجراء تحليل لاستجابة الأفراد المستثمرين.
هذا الإعداد غير متوفر في مجموعات البيانات الأكثر شيوعًا على مستوى المستثمرين. في دراسة جديدة نشرت عام 2022، قُدمت مجموعة بيانات فريدة تتضمن المحافظ الاستثمارية لأكثر من 2000 عميل خاص لبنك ألماني بين عامي 1920 و1924، فترة التضخم الألماني المفرط. البيانات والوقت مناسبان مثاليًا للتصدي للتحديات التجريبية السابق ذكرها. أولًا، لدينا معلومات مفصلة عن كل معاملة ينفذها عملاء البنك، ما يتيح التحليل المباشر للسلوك الاستثماري للأفراد. ثانيًا، كان التضخم مرتفعًا في الفترة يناير 1920 – سبتمبر 1923، ومن المحتمل أن يسفر عن خسائر مالية كبيرة جذبت اهتمام المستثمرين. ثالثًا، لدينا بيانات التضخم بمعدل شهري متكرر في مئات المدن الألمانية، ما يعني إمكانية تقدير التضخم الذي شهدته البلاد محليًا بمرور الوقت، ما يُعد وسيطًا يمكن الاعتماد عليه للتضخم المتوقع.
انخفاض شراء الأسهم وزيادة بيعها بارتفاع معدلات التضخم:
يوضح الرسم البياني التالي اكتشافنا الرئيسي. في كل شهر، نفرز المدن في ألمانيا إلى مناطق حسب التضخم المحلي، ونحسب لكل منطقة معامل التضخم المحلي، ومتوسط اختلال التوازن بين بيع الأسهم وشرائها للعملاء قاطني تلك المدن. إن اختلال التوازن في عملية بيع الأسهم وشرائها من شأنه أن يجذب صافي الطلب من قبل المستثمرين في الأسهم. ثم نحسب اختلالات التوازن المتوسطة في عملية الشراء مقابل انخفاض التضخم.
تُظهر الأرقام علاقة عكسية واضحة. ما يعني أن المستثمرين يشترون كميات أقل -ويبيعون أكثر- من الأسهم عندما يواجهون تضخمًا محليًا مرتفعًا. بالحديث عن أدنى مستويات التضخم في دراستنا، فإن هذا من شأنه أن يقلل اختلال التوازن بين عمليات بيع الأسهم وشرائها بنسبة 17%. تؤكد المزيد من التحليلات الرسمية المرتبطة هذه النتيجة. على هذا نجد أن سلوك المستثمر يتفق مع فرضية وهم المال، لا مع فرضية التحوط.
في اختبارات إضافية، وجدنا أن العلاقة العكسية بين التضخم المحلي واختلال التوازن في عمليات بيع الشراء بالنسبة إلى الأسهم لابد أن تخفف آثارها لصالح المستثمرين. للمستثمرين الأساسيين، فإننا نوثق وجود ارتباط طردي بين التضخم المحلي واختلال توازن عمليات الشراء. تدعم هذه النتائج فكرة أن التعقيد يقلل من تأثير وهم المال.
نجد علاقة طردية أخرى بين التضخم المحلي والعوائد الحقيقية المفقودة عقب مبيعات الأسهم، ما يشير إلى أن المستثمرين الذين يواجهون مستويات تضخم محلية أعلى يبيعون في الوقت الخطأ ويتكبدون خسائر إضافية. يتفق هذا الدليل مع ارتكاب المستثمرين خطأً استثماريًا نتيجة التضخم.
تشير الاختبارات إلى أن النتائج من غير المرجح أنها تأثرت بالمستثمرين الذين يستخدمون التضخم المحلي أداةً لتحقيق نتائج اقتصادية في المستقبل، أو بتزايد عزوف المستثمرين عن المخاطرة مع التضخم المحلي، أو المستثمرين الذين يصفّون الأسهم لتلبية احتياجات الاستهلاك، أو المستثمرين الذين يتحولون إلى الاستثمار في أصول أخرى ما يوفر وسيلة للتحوط ضد التضخم.
خاتمة
يقدم هذا التحليل أدلة تشير إلى أن المستثمرين -خاصةً غير المتطورين- يرتكبون أخطاء تجارية نتيجة التضخم. ما يؤكد أهمية المناقشة الجارية بشأن محو الأمية المالية للأفراد. أشارت المفوضية الأوروبية إلى المعرفة المالية المحدودة لدى الأسر الأوروبية، ودعت إلى جعل التعليم المالي أولوية في أوروبا. ووجهت نداءات مماثلة في الولايات المتحدة. تؤكد النتائج المخاوف من أن محو الأمية المالية للأفراد قد لا يكون كافيًا للاستجابة على نحو مناسب للتضخم الذي عاد إلى الظهور.