يؤدي ارتفاع التضخم في فترات ركود النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة إلى الركود التضخمي (الذي يعد تحديًا صعبًا لصانعي السياسات وذلك لأن مكافحة التضخم باستخدام الأدوات التقليدية تؤدي (في كثير من الأحيان) إلى زيادة البطالة).
ما هو الركود التضخمي؟
لا يحدث التضخم عادةً في الاقتصادات الضعيفة، إذ يمنع النمو البطيء في اقتصاد السوق حدوث التضخم (بسبب انخفاض الطلب ما يؤدي إلى الحد من ارتفاع الأسعار)، لذا يعد الركود التضخمي حالة غير طبيعية تمزج بين النمو الاقتصادي الضعيف ومستويات البطالة المرتفعة والتضخم، إلا أنه قد يحدث بسبب بعض السياسات الحكومية التي تدخل في عمل السوق.
أمثلة على الركود التضخمي
حدث الركود التضخمي في سبعينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية ويمكن التأكد من حدوثه عبر مقارنة الناتج المحلي الإجمالي السنوي للولايات المتحدة مع معدلات التضخم السنوية حينها.
حفزت الحكومة الفيدرالية النمو الاقتصادي من طريق التلاعب بعملتها وتقييد مستويات العرض عبر التحكم في مستويات الأجور والأسعار.
أدت السياسات الحكومية في زيمبابوي (طباعة الكثير من الأموال إلى أن تجاوزت مستويات التضخم الركودي) عام 2008 إلى التضخم المفرط (المتسارع).
كيف يعمل الركود التضخمي؟
تؤدي زيادة المعروض النقدي بالتزامن مع تقييد العرض من قبل الحكومة والبنوك المركزية إلى الركود التضخمي، ويلقى اللوم بنحو رئيسي على الحكومة التي تطبع الأموال (تزيد المعروض النقدي)، وقد يحدث الركود التضخمي بسبب تراكم الديون على البنوك المركزية نتيجة سياساتها النقدية.
تبطئ بعض السياسات الأخرى (زيادة الضرائب ورفع أسعار الفائدة) النمو في ذات الوقت، ما يحد من قدرة الشركات على زيادة الإنتاج، إذ إن تضارب السياسات التوسعية والانكماشية يؤدي إلى التضخم وتباطؤ النمو.
وهذا ما يدعى الركود التضخمي.
التضخم المصحوب بركود اقتصادي في سبعينيات القرن الماضي:
ظهر مصطلح التضخم المصحوب بركود اقتصادي في فترة الركود بين عامي 1973 – 1975.
بلغ معدل البطالة 9% (ذروته) في مايو من عام 1975 أي بعد انتهاء الركود بشهرين.
تضاعف التضخم ثلاث مرات في عام 1973 مرتفعًا من 3.6% في يناير إلى 8.7% في ديسمبر من العام نفسه، وارتفع مجددا بين 10% و12% من فبراير 1974 إلى أبريل 1975.
ما الذي أدى إلى التضخم المصحوب بركود اقتصادي في تلك الفترة؟
يلقي الخبراء باللوم على حظر النفط عام 1973 (إيقاف أوبك صادراتها النفطية إلى الولايات المتحدة) الذي أدى إلى تضاعف الأسعار أربع مرات وبالتالي حدوث التضخم في القطاع النفطي، إضافة إلى بعض السياسات المالية والنقدية، إذ لم يكن حظر النفط سببًا كافيًا (لوحده) لحدوث التضخم المصحوب بركود اقتصادي.
بدأت معالم التضخم المصحوب بركود اقتصادي بالظهور عام 1970 وكان الركود حينها في مستويات معتدلة، إلا أن الناتج المحلي الإجمالي كان سلبيًا لمدة نصف سنة (ربعين) وارتفعت نسبة البطالة إلى 6.1%.
كان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون يستعد للترشح من أجل إعادة انتخابه، وأراد أن يرفع معدلات النمو دون أن يتسبب بحدوث تضخم، وفي 15 أغسطس 1971 أعلن عن ثلاث سياسات مالية (التي تعرف الآن بصدمة نيسكون وتعد حجر الأساس الذي أدى إلى حدوث التضخم المصحوب بركود اقتصادي) فأُعيد انتخابه.
صدمة نيكسون
تألفت صدمة نيكسون من ثلاثة إجراءات:
بدأت الأزمة عندما حاولت المملكة المتحدة استبدال 3 مليارات دولار بالذهب، إلا أن الولايات المتحدة لم تكن تمتلك كمية الذهب الكافية حينها، فأوقف نيكسون تبادل الدولار بالذهب، ما أدى إلى ارتفاع سعر الذهب بنحو كبير وانخفاض قيمة الدولار، ونتيجة لذلك ارتفاع أسعار المستوردات بنحو كبير.
انخفضت معدلات النمو بسبب ارتفاع أسعار الواردات نتيجة السياسات المتبعة، إضافة إلى أن الشركات الأمريكية لم تستطع أن ترفع أسعارها ولا أن تخفض الأجور، وعليه توقفت أرباحها، فكان تسريح العمال هو الحل الوحيد من أجل خفض التكاليف، إلا أن هذا الحل أدى إلى ارتفاع مستوى البطالة وانخفاض مستويات الطلب والنمو الاقتصادي.
نلاحظ أن السياسات النقدية التي وضعها نيكسون أفضت إلى نتائج معاكسة تمامًا لما وُضعت لأجله (تعزيز النمو والسيطرة على التضخم).
سياسة التوقف والانطلاق (السيطرة على الدورة التجارية) النقدية
أدت السياسات التي اتبعها الاحتياطي الفيدرالي من أجل مكافحة التضخم المصحوب بركود اقتصادي إلى تفاقم المشكلة لا حلها، فرُفع سعر الفائدة (بين عامي 1971 و1978) على الأرصدة الفيدرالية بهدف مكافحة التضخم ثم خفضه فيما بعد من أجل مكافحة الركود.
أربكت هذه السياسات الشركات، وأبقوا على أسعارهم مرتفعة حتى عندما خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، ما دفع معدل التضخم للارتفاع نحو 13.3% في عام 1979.
قُضي على التضخم المصحوب بركود اقتصادي من قبل بول فولكر، رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي، إذ رفع سعر الفائدة إلى 20%، إلا أن تكلفة هذا الرفع كانت عالية جدًا لأنها أدت إلى حدوث ركود اقتصادي بين عامي 1980 و1982.
هل يمكن أن يحدث التضخم المصحوب بركود اقتصادي مجددًا؟
عاد الناس للحديث عن التضخم المصحوب بركود اقتصادي في عام 2011، إذ أثارت السياسات النقدية التوسعية التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي في أعقاب الأزمة المالية عام 2008 قلقهم.
وافق الكونغرس الأمريكي في ذاك الوقت على سياسة مالية توسعية من شأنها تحفيز الاقتصاد وذلك عبر الانفاق بالعجز (الحد الذي تزيد فيه نسبة الإنفاق على إجمالي الدخل العام، لدى الحكومات أو الشركات الخاصة) بمستويات لم يسبق لها مثيل.
في تلك الأثناء كان الاقتصاد ينمو بنسبة 1% إلى 2% فقط، وكان الناس يحذرون من خطر حدوث التضخم المصحوب بركود اقتصادي في حال ارتفعت معدلات التضخم دون أن يتحسن الاقتصاد.
منعت الزيادة في السيولة العالمية حدوث الانكماش (وهذا ما يعد خطرًا كبيرًا)، إذ لن يسمح الاحتياطي الفيدرالي أن تتجاوز معدلات التضخم المعدل المستهدف وهو 2% بالنسبة لمعدل التضخم الأساسي (مقياس التضخم الذي يستثني بعض البنود التي تواجه تحركات سعرية متقلبة)، وفي حال تجاوز التضخم هذا المعدل سيعكس الاحتياطي الفيدرالي سياساته ويتبنى سياسة نقدية انكماشية.
ملاحظة: من المستبعد أن تتكرر العوامل والظروف التي أفضت إلى حدوث التضخم المصحوب بركود اقتصادي في السبعينيات.
الخلاصة:
ما هو الركود التضخمي؟
لا يحدث التضخم عادةً في الاقتصادات الضعيفة، إذ يمنع النمو البطيء في اقتصاد السوق حدوث التضخم (بسبب انخفاض الطلب ما يؤدي إلى الحد من ارتفاع الأسعار)، لذا يعد الركود التضخمي حالة غير طبيعية تمزج بين النمو الاقتصادي الضعيف ومستويات البطالة المرتفعة والتضخم، إلا أنه قد يحدث بسبب بعض السياسات الحكومية التي تدخل في عمل السوق.
أمثلة على الركود التضخمي
حدث الركود التضخمي في سبعينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية ويمكن التأكد من حدوثه عبر مقارنة الناتج المحلي الإجمالي السنوي للولايات المتحدة مع معدلات التضخم السنوية حينها.
حفزت الحكومة الفيدرالية النمو الاقتصادي من طريق التلاعب بعملتها وتقييد مستويات العرض عبر التحكم في مستويات الأجور والأسعار.
أدت السياسات الحكومية في زيمبابوي (طباعة الكثير من الأموال إلى أن تجاوزت مستويات التضخم الركودي) عام 2008 إلى التضخم المفرط (المتسارع).
كيف يعمل الركود التضخمي؟
تؤدي زيادة المعروض النقدي بالتزامن مع تقييد العرض من قبل الحكومة والبنوك المركزية إلى الركود التضخمي، ويلقى اللوم بنحو رئيسي على الحكومة التي تطبع الأموال (تزيد المعروض النقدي)، وقد يحدث الركود التضخمي بسبب تراكم الديون على البنوك المركزية نتيجة سياساتها النقدية.
تبطئ بعض السياسات الأخرى (زيادة الضرائب ورفع أسعار الفائدة) النمو في ذات الوقت، ما يحد من قدرة الشركات على زيادة الإنتاج، إذ إن تضارب السياسات التوسعية والانكماشية يؤدي إلى التضخم وتباطؤ النمو.
وهذا ما يدعى الركود التضخمي.
التضخم المصحوب بركود اقتصادي في سبعينيات القرن الماضي:
ظهر مصطلح التضخم المصحوب بركود اقتصادي في فترة الركود بين عامي 1973 – 1975.
بلغ معدل البطالة 9% (ذروته) في مايو من عام 1975 أي بعد انتهاء الركود بشهرين.
تضاعف التضخم ثلاث مرات في عام 1973 مرتفعًا من 3.6% في يناير إلى 8.7% في ديسمبر من العام نفسه، وارتفع مجددا بين 10% و12% من فبراير 1974 إلى أبريل 1975.
ما الذي أدى إلى التضخم المصحوب بركود اقتصادي في تلك الفترة؟
يلقي الخبراء باللوم على حظر النفط عام 1973 (إيقاف أوبك صادراتها النفطية إلى الولايات المتحدة) الذي أدى إلى تضاعف الأسعار أربع مرات وبالتالي حدوث التضخم في القطاع النفطي، إضافة إلى بعض السياسات المالية والنقدية، إذ لم يكن حظر النفط سببًا كافيًا (لوحده) لحدوث التضخم المصحوب بركود اقتصادي.
بدأت معالم التضخم المصحوب بركود اقتصادي بالظهور عام 1970 وكان الركود حينها في مستويات معتدلة، إلا أن الناتج المحلي الإجمالي كان سلبيًا لمدة نصف سنة (ربعين) وارتفعت نسبة البطالة إلى 6.1%.
كان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون يستعد للترشح من أجل إعادة انتخابه، وأراد أن يرفع معدلات النمو دون أن يتسبب بحدوث تضخم، وفي 15 أغسطس 1971 أعلن عن ثلاث سياسات مالية (التي تعرف الآن بصدمة نيسكون وتعد حجر الأساس الذي أدى إلى حدوث التضخم المصحوب بركود اقتصادي) فأُعيد انتخابه.
صدمة نيكسون
تألفت صدمة نيكسون من ثلاثة إجراءات:
- جُمدت الأجور والأسعار لمدة 90 يومًا وأُنشئت لجنة من أجل الموافقة على زيادة الأجور والأسعار بعد انتهاء مدة التجميد، ما يمكن الحكومة من التحكم في الأجور والأسعار حتى بعد الحملة الرئاسية عام 1972، من أجل السيطرة على التضخم.
- فُرضت على الواردات تعرفة جمركية بنسبة 10% من أجل خفض العجز التجاري وحماية الصناعات المحلية، ما أدى إلى رفع أسعار المستوردات.
- انسحاب الولايات المتحدة من قاعدة الذهب أو كما تعرف باتفاقية بريتون وودز عام 1944 التي وافقت عليها معظم الدول، وتنص على ربط الدول قيمة عملاتها بسعر الذهب أو الدولار الأمريكي ما جعل من الدولار الأمريكي عملة عالمية.
بدأت الأزمة عندما حاولت المملكة المتحدة استبدال 3 مليارات دولار بالذهب، إلا أن الولايات المتحدة لم تكن تمتلك كمية الذهب الكافية حينها، فأوقف نيكسون تبادل الدولار بالذهب، ما أدى إلى ارتفاع سعر الذهب بنحو كبير وانخفاض قيمة الدولار، ونتيجة لذلك ارتفاع أسعار المستوردات بنحو كبير.
انخفضت معدلات النمو بسبب ارتفاع أسعار الواردات نتيجة السياسات المتبعة، إضافة إلى أن الشركات الأمريكية لم تستطع أن ترفع أسعارها ولا أن تخفض الأجور، وعليه توقفت أرباحها، فكان تسريح العمال هو الحل الوحيد من أجل خفض التكاليف، إلا أن هذا الحل أدى إلى ارتفاع مستوى البطالة وانخفاض مستويات الطلب والنمو الاقتصادي.
نلاحظ أن السياسات النقدية التي وضعها نيكسون أفضت إلى نتائج معاكسة تمامًا لما وُضعت لأجله (تعزيز النمو والسيطرة على التضخم).
سياسة التوقف والانطلاق (السيطرة على الدورة التجارية) النقدية
أدت السياسات التي اتبعها الاحتياطي الفيدرالي من أجل مكافحة التضخم المصحوب بركود اقتصادي إلى تفاقم المشكلة لا حلها، فرُفع سعر الفائدة (بين عامي 1971 و1978) على الأرصدة الفيدرالية بهدف مكافحة التضخم ثم خفضه فيما بعد من أجل مكافحة الركود.
أربكت هذه السياسات الشركات، وأبقوا على أسعارهم مرتفعة حتى عندما خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، ما دفع معدل التضخم للارتفاع نحو 13.3% في عام 1979.
قُضي على التضخم المصحوب بركود اقتصادي من قبل بول فولكر، رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي، إذ رفع سعر الفائدة إلى 20%، إلا أن تكلفة هذا الرفع كانت عالية جدًا لأنها أدت إلى حدوث ركود اقتصادي بين عامي 1980 و1982.
هل يمكن أن يحدث التضخم المصحوب بركود اقتصادي مجددًا؟
عاد الناس للحديث عن التضخم المصحوب بركود اقتصادي في عام 2011، إذ أثارت السياسات النقدية التوسعية التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي في أعقاب الأزمة المالية عام 2008 قلقهم.
وافق الكونغرس الأمريكي في ذاك الوقت على سياسة مالية توسعية من شأنها تحفيز الاقتصاد وذلك عبر الانفاق بالعجز (الحد الذي تزيد فيه نسبة الإنفاق على إجمالي الدخل العام، لدى الحكومات أو الشركات الخاصة) بمستويات لم يسبق لها مثيل.
في تلك الأثناء كان الاقتصاد ينمو بنسبة 1% إلى 2% فقط، وكان الناس يحذرون من خطر حدوث التضخم المصحوب بركود اقتصادي في حال ارتفعت معدلات التضخم دون أن يتحسن الاقتصاد.
منعت الزيادة في السيولة العالمية حدوث الانكماش (وهذا ما يعد خطرًا كبيرًا)، إذ لن يسمح الاحتياطي الفيدرالي أن تتجاوز معدلات التضخم المعدل المستهدف وهو 2% بالنسبة لمعدل التضخم الأساسي (مقياس التضخم الذي يستثني بعض البنود التي تواجه تحركات سعرية متقلبة)، وفي حال تجاوز التضخم هذا المعدل سيعكس الاحتياطي الفيدرالي سياساته ويتبنى سياسة نقدية انكماشية.
ملاحظة: من المستبعد أن تتكرر العوامل والظروف التي أفضت إلى حدوث التضخم المصحوب بركود اقتصادي في السبعينيات.
الخلاصة:
- توقف الاحتياطي الفيدرالي عن استخدام سياسات التوقف والانطلاق، واتجه نحو استخدام سياسات ذات هدف محدد.
- يعد إيقاف العمل باتفاقية بريتون وودز وإيقاف تبادل الدولار بالذهب حدثًا نادرًا لا يحدث إلا مرة واحدة في العمر.
- لا يمكن تطبيق القيود التي فُرضت على الأجور والأسعار (من أجل التحكم في العرض) حينها في عصرنا هذا.