تعد سريلانكا من أغنى دول جنوب آسيا ويبلغ عدد سكانها 22 مليون نسمة، إذ تساوت معدلات التنمية لديها مع العديد من دول أوروبا الشرقية (وفق تصنيف الأمم المتحدة)، إلا أنها تعاني من نقص حاد في الغذاء والوقود وانقطاع التيار الكهربائي حوالي 13 ساعة يوميًا، إضافة إلى أن عملتها فقدت نصف قيمتها تقريبًا أمام الدولار خلال الشهرين الماضيين، وانخفضت احتياطاتها الأجنبية من 9 مليار دولار في عام 2019 إلى 50 مليون دولار حاليًا وهو مبلغ لا يكفي حتى ليوم واحد.
اعترفت سريلانكا مؤخرًا بأنها لم تعد قادرة على سداد ديونها الخارجية نتيجة إفلاس البلد.
ثار غضب السريلانكيين، وفي التاسع من شهر مايو 2022 أحرق المتظاهرون العشرات من منازل السياسيين، فاستقال رئيس الوزراء ماهيندا راجاباكسا (الذي كان محبوبًا في يوم من الأيام)، إلا أنهم حاولوا اقتحام منزله ما دفع القوات الأمنية إلى إجلائه وعائلته إلى إحدى القواعد البحرية، فوضع المتظاهرون نقاط تفتيش في المطارات من أجل منعه من الهرب هو وغيره من المسؤولين، وصارت البلاد تحت حالة الطوارئ وأُمِرَ الجيش بإطلاق النار على اللصوص ومثيري الشغب في حال رؤيتهم.
ما سبب تفاقم الأزمة إلى هذا الحد؟
بينما كانت سريلانكا تتعافى من الهجمات الإرهابية (هجمات عيد الفصح)، استهدف الإسلاميون المحليون ثلاث كنائس وثلاث فنادق فاخرة، وأسفر الاستهداف عن مقتل أكثر من 250 شخصًا، لم تقتصر خسائر هذا الاستهداف على الخسائر البشرية وحسب، بل تسبب في انخفاض أعداد السياح خلال شهر واحد من 244 ألف إلى 38 ألف، وعليه، تضرر القطاع السياحي الذي يعد مصدرًا مهمًا للنقد الأجنبي بالنسبة لسريلانكا.
وصول عائلة راجاباكسا إلى سدة الحكم
اختار السريلانكيون على خلفية هذه الأحداث جوتابايا راجاباكسا ليكون رئيسًا لهم بسبب أسلوبه الحازم في التعامل مع القضايا الأمنية، إذ استطاع أن يوقف حربًا أهلية استمرت مدة 26 عامًا عندما كان وزيرًا للدفاع قبل عشر سنوات تقريبًا، عيّن جوتابايا شقيقه الأكبر ماهيندا رئيسًا للوزراء (رئيس سيريلانكا سابقًا من 2005 إلى 2015).
ظن السريلانكيون أن الأخوين قادرين على حل المشكلات التي تعاني منها البلاد على عكس تذبذب خصومهم من المعارضة، وفاز حزبهم بأغلبية ساحقة في إطار الانتخابات البرلمانية.
سيطر كبار عائلة راجاباكسا على الحكم في سريلانكا بسبب حصول حزبهم على ثلثي الأصوات في البرلمان ما مكنهم من تعديل الدستور، فمنحوا أنفسهم القدرة على تعيين الوزراء والقضاة ورؤساء اللجان المختلفة عبر إنشاء رئاسة تنفيذية، فعينوا مجموعة من أفراد عائلتهم في المناصب العليا، وتُركت باقي الوظائف للجنود المتقاعدين وغيرهم.
ظهور المشكلات
ظنت عائلة راجاباكاس أنها تسيطر على الحكم في حين أنها كانت تنهار شيئًا فشيئًا بسبب السياسات غير المدروسة المتبعة، إذ خفضوا الضرائب جراء توقف السياحة نتيجة وباء كورونا، فحدث انكماش اقتصادي وانخفاض في إيرادات الحكومة وتدفقات القطع الأجنبي، ما أدى إلى انحدار تصنيف سريلانكا الائتماني وبالتالي عدم قدرتها على الاقتراض من الخارج.
تظاهرت عائلة راجاباكسا أن الأمور تحت السيطرة بدلًا من الاعتراف بأخطائها، واستمرت في سداد الديون الخارجية التي بلغت 44% من ناتج سريلانكا المحلي الإجمالي والدفاع عن العملة المحلية (الروبية)، بصرف النظر عن انخفاض الاحتياطيات الأجنبية.
حظروا فيما بعد استيراد الأسمدة من أجل توفير القطع الأجنبي، إلا أنهم ادعوا أن الحظر سببه تحفيز الزراعة العضوية، ثم أُجبروا على إلغائه بسبب انخفاض الأرباح في القطاع الزراعي وبالتالي انخفاض الصادرات والاحتياطيات الأجنبية. زادت الحرب الأوكرانية الطين بلة إذ أدت إلى ارتفاع أسعار المستوردات من الغذاء والنفط ما دفع الحكومة إلى التقنين بسبب نقص النقد الأجنبي الحاد.
لم يتبق أمام عائلة راجاباكسا وسريلانكا الكثير من الخيارات، إذ يجب أن يرفعوا الضرائب ويخفضوا الإنفاق، ما سيرفع التضخم ويزيد من انحدار مستوى معيشة السريلانكيين، فيما بعد سيؤدي انخفاض قيمة الروبية إلى ارتفاع مستوى الصادرات والسياحة ما سيزيد من واردات الحكومة من القطع الأجنبي، إلا أن غوتا لم يعد موثوقًا به لدى صندوق النقد الدولي، وعليه لن يستطيع التفاوض معهم من أجل الحصول على قروض جديدة، ولا يملك السلطة الكافية من أجل فرض تقشف شديد على السريلانكيين، إضافة إلى أن خصومه السياسيين لا يريدون تحمل مسؤولية الفوضى التي تسبب بها أو الانخراط في الإصلاحات القادمة، كما أن كل الحلول الاقتصادية ستكون غير مجدية في ظل وجود العصابات الإرهابية.
الخلاصة
على غوتابايا الرحيل من أجل تهدئة الشعب ومحاولة إيجاد حكومة وطنية، ويجب على المعارضة أخذ الناس بعين الاعتبار قبل السياسة وتحمل جزء من المسؤولية فيما يخص إخراج سريلانكا من أزمتها.
لا تشير التوقعات المستقبلية لما هو جيد، لذا سيكون السريلانكيون ممتنين لمن يخرجهم من هذه الأزمة، كما كانوا ممتنين لعائلة راجاباكسا بسبب إنهائهم لحرب أهلية كانوا يظنون أنها لن تنتهي، ما دفعهم للثقة بهم مجددًا إلا أن عائلة راجاباكسا هذه المرة لم تكن أهلاً للثقة.