ذو الإِصْـبَع العدواني
(… - نحو 22ق.هـ/ … - نحو 600م)
حُرْثان بن مُحَرِّث بن الحارث العَدْوانيّ، وقيل: حُرْثان بن الحارث بن مُحَرِّث، شاعرٌ من قُدماء شعراء العرب وفرسانها في الجاهليّة. ينتهي نسبه إلى قيس عيلان من مُضَر. لُقِّب بذي الإِصْبَع؛ لأنّ حَيّةً نَهَشَتْ إِصْبعًا له في رِجْلِه فقطعها. صاحبُ غاراتٍ ووقائعَ مشهودةٍ مشهورةٍ في أحياء العرب.
ذكره أبو حاتم السجستاني في كتابه «المُعَمّرون»، وقال: إنه عاشَ ثلاثَمِئة سنة، في حين قال الشّريف المرتضى: عاش مئة وسبعين سنة. عُمِّر الرجلُ دهرًا حتى خَرِفَ فصار يفرِّق ماله في كل سبيل، فعذله أصهاره وأولاده ولاموه وأخذوا على يده، ورأته ابنته أمامة يسقط وينهض ويتوكأ على العصا فبكت؛ فقال:
جَزِعَتْ أُمَامَةُ أَنْ مَشَيْتُ على العَصَا
وَتَذَكَّرَتْ إذْ نَحْنُ ملتقيانِ
لا تعجَبِنَّ أمَامَ مِنْ حَدَثٍ عَرَا
فَالدَّهْرُ غَيَّرَنا معَ الأزْمَانِ
عاش ذو الإِصْبَع في الطّائف حيث كانت تنْزل قبيلته، واشترك في بعض وقائع الجاهليّة وأيّامها المشهورة، وشهد انقسام قبيلته، ونشوب الحرب بين حيّيْن من أحيائها، هما: بنو ناج بن يشكر بن عَدوان، وبنو عوف بن سعد، وهم حيٌّ من عَدوان؛ إذ أغار بنو ناج على بني عوف واقتتل الفريقان، فسعى ذو الإِصْبَع إلى الصلح بين الطّرفين، لكنّ بني عوف لم يقبلوا سعيه، وقاتلوا أبناء عمهم حتى تفانوا وتقطعوا وصاروا أشتاتاً، على مَرْأًى ومَسْمَع من ذي الإِصْبَع، فحَزِن أَشَدّ الحزن لِما أصاب قومه، وفي ذلك يقول:
ويا بؤسَ للأيامِ والدَّهْرِ هالِكا
وَصَرف الليالي يختلفْنَ كذلكا
وأمَّا بنو ناجٍ فلا تذكرَنَّهُمْ
وَلا تتبِعَنْ عينَيْكَ مَنْ كان هالِكا
وكان لعمره المديد وكثرة التجارب التي مر بها أثرٌ واضح في بروز الحكمة على لسانه، وأبيات الحكمة عنده تمتلئ بالحديث عن الزمان ونكباته وتمتزج بالحديث عن الذات التي أتعبها الزمان، وأخلاق الرجال التي لا تتغير مع السنين:
أَهْلَكَنَا الليْلُ والنَّهَارُ معا
والدَّهْر يَغْدو مُصَمّماً جَذَعا
وفي المفضليات قصيدة نونية بدأها بالغزل بامرأة تدعى «ريا» تذكرها بعد أن تقادم عهدها وشحط الدهرُ بها، وانتقل من بعدُ إلى الحديث عن ابن عم له كان يشي به إلى أعدائه، ويسعى بينه وبين بني عمه، ويبغيه عندهم شراً، سرد ذلك كله في تهكم هادئ عجيب معتزاً برعايته لأواصر القربى على الرغم من الخلاف المستعر في قبيلته، وأظهر من خلال ذلك فخره بنسبه ونسب أمه وبأنه رجل أبيّ:
إنّي أبِيٌّ أبِيٌ ذو محافظةٍ محافظَةٍ
وابنُ أبيٍّ أبيٍّ مِنْ أبِيِّيْنِ
وتحدث من بعد ذلك عن عفة نفسه ولسانه وعن كرمه وحسن رأيه وصبره في الحروب وغلبته للخصوم.
يُلمح في شعره أغراض عدّة، منها: الحماسة بشجاعته ووقائعه، والفخر بأمجاده وأمجاد قبيلته، إذ يبدو لدارس شعره أنّه أنفق معظمه في الحديث عن هذه الحرب، وعما أصاب قومه بسببها، وربما عاتب بشعره أبناء عمه الذين رفضوا تدخله لإيقافها، والحكمة الموسومة بنفس المُعَمَّرين، وله شيء من شعر الطَرَد؛ في وصف السِّهام خاصة.
ذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتابه «الأغاني» ذا الإِصْبع، وساق له نُتَفًا من شعره، معتمداً على رواية الأصمعي ومحمد بن حبيب وعمر بن شبة وأبي عمرو الشيباني، وقد ذكر صاحب كشف الظّنون أنّه شاهد ديوانه. وقد جمع عبد الوهاب العَدواني ونايف الدّليمي، قطعاً من شعره، وطُبِعَت في الموصل سنة 1973م، واعتماداً على هذه القِطَع وَصَفَ عمر فرّوخ شعرَه بأنّه وجدانيّ، وقال: «إنّ شعره سهل التراكيب، ظاهر المعاني».
أحمد نتوف
(… - نحو 22ق.هـ/ … - نحو 600م)
حُرْثان بن مُحَرِّث بن الحارث العَدْوانيّ، وقيل: حُرْثان بن الحارث بن مُحَرِّث، شاعرٌ من قُدماء شعراء العرب وفرسانها في الجاهليّة. ينتهي نسبه إلى قيس عيلان من مُضَر. لُقِّب بذي الإِصْبَع؛ لأنّ حَيّةً نَهَشَتْ إِصْبعًا له في رِجْلِه فقطعها. صاحبُ غاراتٍ ووقائعَ مشهودةٍ مشهورةٍ في أحياء العرب.
ذكره أبو حاتم السجستاني في كتابه «المُعَمّرون»، وقال: إنه عاشَ ثلاثَمِئة سنة، في حين قال الشّريف المرتضى: عاش مئة وسبعين سنة. عُمِّر الرجلُ دهرًا حتى خَرِفَ فصار يفرِّق ماله في كل سبيل، فعذله أصهاره وأولاده ولاموه وأخذوا على يده، ورأته ابنته أمامة يسقط وينهض ويتوكأ على العصا فبكت؛ فقال:
جَزِعَتْ أُمَامَةُ أَنْ مَشَيْتُ على العَصَا
وَتَذَكَّرَتْ إذْ نَحْنُ ملتقيانِ
لا تعجَبِنَّ أمَامَ مِنْ حَدَثٍ عَرَا
فَالدَّهْرُ غَيَّرَنا معَ الأزْمَانِ
عاش ذو الإِصْبَع في الطّائف حيث كانت تنْزل قبيلته، واشترك في بعض وقائع الجاهليّة وأيّامها المشهورة، وشهد انقسام قبيلته، ونشوب الحرب بين حيّيْن من أحيائها، هما: بنو ناج بن يشكر بن عَدوان، وبنو عوف بن سعد، وهم حيٌّ من عَدوان؛ إذ أغار بنو ناج على بني عوف واقتتل الفريقان، فسعى ذو الإِصْبَع إلى الصلح بين الطّرفين، لكنّ بني عوف لم يقبلوا سعيه، وقاتلوا أبناء عمهم حتى تفانوا وتقطعوا وصاروا أشتاتاً، على مَرْأًى ومَسْمَع من ذي الإِصْبَع، فحَزِن أَشَدّ الحزن لِما أصاب قومه، وفي ذلك يقول:
ويا بؤسَ للأيامِ والدَّهْرِ هالِكا
وَصَرف الليالي يختلفْنَ كذلكا
وأمَّا بنو ناجٍ فلا تذكرَنَّهُمْ
وَلا تتبِعَنْ عينَيْكَ مَنْ كان هالِكا
وكان لعمره المديد وكثرة التجارب التي مر بها أثرٌ واضح في بروز الحكمة على لسانه، وأبيات الحكمة عنده تمتلئ بالحديث عن الزمان ونكباته وتمتزج بالحديث عن الذات التي أتعبها الزمان، وأخلاق الرجال التي لا تتغير مع السنين:
أَهْلَكَنَا الليْلُ والنَّهَارُ معا
والدَّهْر يَغْدو مُصَمّماً جَذَعا
وفي المفضليات قصيدة نونية بدأها بالغزل بامرأة تدعى «ريا» تذكرها بعد أن تقادم عهدها وشحط الدهرُ بها، وانتقل من بعدُ إلى الحديث عن ابن عم له كان يشي به إلى أعدائه، ويسعى بينه وبين بني عمه، ويبغيه عندهم شراً، سرد ذلك كله في تهكم هادئ عجيب معتزاً برعايته لأواصر القربى على الرغم من الخلاف المستعر في قبيلته، وأظهر من خلال ذلك فخره بنسبه ونسب أمه وبأنه رجل أبيّ:
إنّي أبِيٌّ أبِيٌ ذو محافظةٍ محافظَةٍ
وابنُ أبيٍّ أبيٍّ مِنْ أبِيِّيْنِ
وتحدث من بعد ذلك عن عفة نفسه ولسانه وعن كرمه وحسن رأيه وصبره في الحروب وغلبته للخصوم.
يُلمح في شعره أغراض عدّة، منها: الحماسة بشجاعته ووقائعه، والفخر بأمجاده وأمجاد قبيلته، إذ يبدو لدارس شعره أنّه أنفق معظمه في الحديث عن هذه الحرب، وعما أصاب قومه بسببها، وربما عاتب بشعره أبناء عمه الذين رفضوا تدخله لإيقافها، والحكمة الموسومة بنفس المُعَمَّرين، وله شيء من شعر الطَرَد؛ في وصف السِّهام خاصة.
ذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتابه «الأغاني» ذا الإِصْبع، وساق له نُتَفًا من شعره، معتمداً على رواية الأصمعي ومحمد بن حبيب وعمر بن شبة وأبي عمرو الشيباني، وقد ذكر صاحب كشف الظّنون أنّه شاهد ديوانه. وقد جمع عبد الوهاب العَدواني ونايف الدّليمي، قطعاً من شعره، وطُبِعَت في الموصل سنة 1973م، واعتماداً على هذه القِطَع وَصَفَ عمر فرّوخ شعرَه بأنّه وجدانيّ، وقال: «إنّ شعره سهل التراكيب، ظاهر المعاني».
أحمد نتوف