تشير الاستدامة في مفهومها الأوسع، إلى مقدرة الشيء على الحفاظ على نفسه عبر الزمن. أما في سياق الأعمال والسياسات، تُحدَّد حدود الاستدامة بالموارد الطبيعية والمادية وتدهور البيئة والموارد الاجتماعية. وفق ذلك، تأخذ السياسات المستدامة بالحسبان الآثار المستقبلية لأي سياسة مطبقة أو شركة في البشر والاقتصاد والبيئة. غالبًا ما ينسجم هذا المفهوم مع الاعتقاد السائد بأنه في حال عدم حدوث تغييرات جذرية في الطريقة التي يُدار بها كوكبنا، فإنه سيعاني تدهورًا لا يمكن إصلاحه.
مع تزايد انتشار المخاوف المتعلقة بالتلوث وتغير المناخ الناجم عن النشاط البشري وخسائر التنوع الحيوي، انتقل العالم إلى تبني سياسات وإجراءات أكثر استدامة، وذلك بتطبيق ممارسات الأعمال المستدامة وزيادة الاستثمار في مجال التكنولوجيا الخضراء.
فهم الاستدامة
غالبًا ما تُقسَم الفكرة إلى ثلاثة محاور: اقتصادي وبيئي واجتماعي، وتُعرَف أيضًا بصيغة غير رسمية بالأرباح والكوكب والناس.
في هذا التقسيم، يركز مفهوم (الاستدامة الاقتصادية) على الحصة من الموارد الطبيعية التي تزودنا بالمدخلات المادية للإنتاج الاقتصادي، ما يتضمن الموارد المتجددة والناضبة (غير المتجددة). أما مفهوم (الاستدامة البيئية) فيركز على الأنظمة الأساسية للحياة، مثل الغلاف الجوي والتربة التي يجب الحفاظ عليها، لأنه لولاها لم تكن لتنشأ الحياة البشرية والإنتاج الاقتصادي من الأساس. ويركز مفهوم (الاستدامة الاجتماعية) على آثار الأنظمة الاقتصادية في البشر، ما يتضمن إجراءات القضاء على الفقر والجوع ومكافحة عدم المساواة.
عام 1983، أسست الأمم المتحدة اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية لتدرس الروابط بين الصحة البيئية والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. نشرت اللجنة التي ترأستها آنذاك رئيسة الوزراء النرويجية السابقة غرو هارلم برونتلاند عام 1987 تقريرًا بعنوان مستقبلنا المشترك الذي أصبح مقياسًا في تعريف التنمية المستدامة. يُعرِّف التقرير التنمية المستدامة أو الخطة لتحقيق الاستدامة بأنها: تحقيق احتياجات الحاضر دون المس بمقدرة الأجيال المستقبلية على تحقيق احتياجاتهم.
استدامة الشركة
لا تنحصر الاستدامة في مجال الأعمال في الجانب البيئي، ووضعت كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد فئتين للممارسات المستدامة في مجال الأعمال: أثر الأعمال في البيئة، وأثر الأعمال في المجتمع، ويهدف الإجراء المستدام إلى أن يكون أثره إيجابيًّا في إحدى الفئتين على الأقل. وقد ظهرت استدامة الشركة بوصفها أحد مكونات أخلاقيات الشركة استجابةً للاستياء العام من الضرر طويل الأمد الناجم عن التركيز على الأرباح قصيرة الأمد.
يحث مبدأ المسؤولية الشركات على الموازنة بين المصالح طويلة الأمد والعوائد الفورية، مع هدف السعي نحو الغايات البيئية والشاملة، وتتضمن التحركات نحو الاستدامة تشكيلة واسعة من الإجراءات المحتملة، مثل تقليل الانبعاثات وتقليل استهلاك الطاقة وجلب المنتجات من منظمات التجارة العادلة وضمان التخلص من المخلفات المادية ويجب أن يكون أثرها الكربوني أقل ما يمكن أيضًا.
طرحت الشركات أيضًا أهدافًا مستدامة مثل التغليف منعدم المخلفات بحلول عام محدد، أو تقليل إجمالي الانبعاثات إلى نسبة محددة.
طرحت شركات كثيرة وعودًا تتعلق بالاستدامة في السنوات الأخيرة، مثلًا، تعهدت شركة (والمارت ستورز) بأن تنعدم الانبعاثات الصادرة عنها بحلول عام 2040، وتعهد مصرف (مورغان ستانلي) بأن تنعدم (الانبعاثات الممولة) بحلول عام 2050، وتعهدت غوغل بأن تعمل دون أية انبعاثات كربونية بحلول عام 2030.
يتجلى التوجيه نحو الاستدامة في مجالات مثل توليد الطاقة أيضًا، إذ يصب التركيز في إيجاد مكامن جديدة للطاقة لتجاوز مشكلة استنزاف الاحتياطيات الموجودة، مثل بعض شركات الكهرباء التي تهدف أمام العامة إلى توليد الطاقة من مصادر مستدامة مثل الطاقة الشمسية والريحية والمائية.
تتعرض هذه السياسات للشك إثر شهرتها والرضى العام عنها، وذلك بسبب (التمويه الأخضر) أي نشر أفكار خاطئة تجعل الشركة تبدو صديقةً للبيئة أكثر مما هي عليه.
تحديات الاستدامة في مجال الأعمال
قد يكون الانتقال إلى الاستدامة صعبًا، إذ توضح التقارير الصادرة عن معهد (سانتا في) مثلًا ثلاثة عوائق كبيرة تمنع الشركات عن تحسين آثارها البيئية، الأول هو صعوبة فهم أثر أية شركة منفردة، والثاني هو صعوبة ترتيب الأثر البيئي لبعض الأنشطة، أما الثالث فهو صعوبة توقع كيفية استجابة العملاء الاقتصاديين لتغيير الحوافز.
وبالإضافة إلى ما سبق، انتُقِدَت شركات كثيرة بسبب استغلال بعض الممارسات التي تخفض التكاليف ويمكنها أن تعقِّد عملية تقييم الاستدامة، مثل نقل بعض الأعمال إلى أسواق أكثر ضبابية من ناحية القوانين، كنقل الأعمال إلى الخارج للاستفادة من العمالة الأرخص، خاصةً بعدما بدأ نقل الأعمال إلى الخارج بالتأثير في الوظائف الراقية في الدول المتقدمة، ما أثار القلق فيما يخص العولمة. إن إجراءات الاستدامة تؤثر بنحو ملحوظ في أنشطة نقل أعمال الشركات متعددة الجنسيات إلى الخارج، وذلك بعد دراسة بيانات 1080 شركة متعددة الجنسيات.
ثورة المستثمرين
تشير بعض النتائج إلى اعتناق المستثمرين الاستثمارات الصديقة للبيئة بنحو فعال، فوفق ورقة بحثية أصدرتها كلية إدارة الأعمال (إتش إي سي باريس) عام 2019، يقيِّم أصحاب الحصص الأبعاد الأخلاقية للشركة لدرجة أنهم مستعدون لدفع سبع دولارات إضافية لشراء حصة في شركة تقدم دولارًا واحدًا أو أكثر لكل حصة فيها للجمعيات الخيرية، وكشفت الدراسة أيضًا عن تقييم سلبي للشركات التي يشاع عن أعمالها أنها تترك أثرًا اجتماعيًّا سلبيًّا.
بناءً على مقابلات مع مديرين تنفيذيين كبار في 43 شركة استثمارية عالمية، ناقشت مجلة (هارفارد بيزنس ريفيو) مع بعض الرياديين في مجال الأعمال أن القضايا البيئية والاجتماعية والحوكمة ليست شائعة في الوسط الاستثماري كما يُشاع.
يتحدث (التغير الشاسع) في سلوك المستثمرين الذي وصفته مجلة (هارفارد بيزنس ريفيو) عن تزايد التزامات المستثمرين، وأثمرت جهود الأمم المتحدة لإدخال هذه القضايا إلى عالم الاستثمار، فيما يُعرف بمبادئ الاستثمار المسؤول، بأنها جعلت 63 شركة استثمارية تلتزم بإجمالي أصول تحت الإدارة يبلغ 6.5 تريليون دولار، عند إطلاقها عام 2006، وفي عام 2018، بلغ عدد الشركات الملتزمة 1715 شركة بإجمالي أصول يبلغ 81.7 تريليون دولار.
أظهرت دراسات الاستثمار المستدام في العامين الأخيرين أن نصف المستثمرين، وأكثر من النصف في بعض الحالات، يعدون الاستدامة أساسية في الاستراتيجية الاستثمارية.
لكننا لا نستطيع القول إن جميع المستثمرين يهتمون بهذه القضايا، مثلًا في يوليو 2021، جادلت رئيسة هيئة الأسواق والأوراق المالية هيستر بيرس أن معايير الإفصاح عمَّا يخص القضايا البيئية والاجتماعية والحوكمة لا ينتهك سلطة الهيئة فقط، بل قد يزعزع الاستقرار المالي والاقتصادي، فوفقًا لبيرس، صُنِعَت مقاييس الاستدامة ذات الطبيعة السياسية بلا خجل لتوجيه رؤوس الأموال نحو شركات محددة، وردًّا على التعليقات العامة والضغط التشريعي للنظر في هذه المعايير، قالت بيرس إنه سيكون انتهاكًا للمنهج التاريخي المحايد لهيئة الأسواق والأوراق المالية فيما يخص التشريعات.
وفي مقابلات بلومبيرغ نيوز مع إيجي هيرانو، عضو مجلس زوار صندوق الحكومة اليابانية الاستثماري للتقاعد، وهو أحد أكبر الصناديق التقاعدية في العالم، قال إنه يوجد فقاعة في الاستثمارات المتعلقة بالبيئة والمجتمع والحوكمة، وإنه يجب على الصندوق الاستثماري إعادة النظر في استثماراته في هذا المجال.
مقارنة بين الاستدامة والتنمية المستدامة
ترتبط الاستدامة بالمناخ والتنمية المستدامة ولكنها تتجاوزهما باعتبارها مفهومًا شاملًا وواسعًا، إذ يشير مفهوم الاستدامة الواسع إلى الهدف طويل الأمد لبناء عالم أكثر استدامة، وغالبًا ما تشير التنمية المستدامة إلى العمليات والطرق المحددة لتحقيق هذا الهدف.
تشير التنمية المستدامة إلى تحسين الرفاه الاقتصادي ومستوى المعيشة مع عدم المساس بقدرة الأجيال المستقبلية على تحقيق الأهداف ذاتها، وتُعرَف أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة بأنها المعايير العالمية للتنمية المستدامة. إن المناخ أحد محاور هذه الأهداف ولكنه ليس المحور الوحيد، فمثلًا يوجد في أهداف عام 2021 أهداف تتعلق بمكافحة عدة أمور تتضمن عدم المساواة والانحدار البيئي والفقر.
اتفاقية باريس للمناخ هي معاهدة دولية ملزمة قانونيًّا، وقعت عليها 196 دولة عام 2015، تسعى لتخفيض الاحتباس الحراري (أقل من درجتين، ويفضل إلى 1.5 درجة مئوية، مقارنةً بالمستويات قبل الصناعية)، تعد هذه الاتفاقية معيارًا عالميًّا فيما يخص الحد من التغيير المناخي.
أعادت الولايات المتحدة الانضمام إلى اتفاقية باريس في يناير 2021، وفي أبريل 2021، أعلنت إدارة بايدن أنها ستخفض انبعاثات الغازات الدفيئة في الولايات المتحدة بنسبة 50% إلى 52% أقل من مستويات عام 2005 بحلول عام 2030، وذلك وفق المساهمات المحددة وطنيًّا (NDC) في اتفاقية باريس، من الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاقية في عهد الرئيس ترامب.
مثال عن الاستدامة في العلاقات الدولية
في أبريل 2021 في مركز فيليب ميريل البيئي (وهو أحد مؤسسات خليج تشيز بيك) جادل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في خطابه أن دولته ستفوّت عددًا كبيرًا من فرص العمل وفرصة تغيير صورة مستقبل المناخ العالمي بطريقة تعكس مصالحنا وقيمنا إذا فشلت بأن تكون قياديةً في ملف المناخ.
كما ظهر في تصريح وزير الخارجية بلينكن، بدأت الدول بدخول سباق في مجال البنية التحتية الصديقة للبيئة مع بداية توجه قادة العالم نحو الابتعاد عن الوقود الأحفوري في السوق الدولية، مثلًا، جادلت إدارة بايدن في وضع أزمة المناخ في صدارة أهداف السياسة الأمريكية الخارجية والأمن القومي.
ورد في أحد التعليقات من المجلس الأطلسي، ردًّا على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي فيما يخص قيادة المناخ: «إن القيادة الجيوسياسية للصناعة والتجارة وسلاسل التوريد العالمية ستنطلق في المرحلة المقبلة من الإجراءات المتعلقة بالمناخ، لأن ارتفاع الطموح بتطبيق إزالة الكربون وتقنيات موارد الطاقة المتجددة على مستوى عالٍ يترافق مع ازدياد الاهتمام العالمي بتفعيل دورهم بالتنمية».
يجادل مناصرو الاستثمارات الصديقة للبيئة في أن هذه الاستثمارات مفيدة للنمو الاقتصادي عمومًا، إذ يجادل صندوق النقد الدولي مثلًا أنه يمكن لخطة استثمارية عالمية ممولة بالديون لدعم البنية التحتية الصديقة للبيئة مع تسعير الكربون أن تقود إلى مكاسب صافية في مجال التوظيف.
ذُكِرَ في تقرير صادر عام 2020 عن معهد الموارد العالمية أن الاستثمارات في المجالات منخفضة الكربون تؤدي إلى خلق فرص عمل أكثر من الاستثمارات في الوقود الأحفوري، وذكرت الدراسة أيضًا أنه من عام 2005 إلى 2017 تمكنت 41 ولاية في الولايات المتحدة ومقاطعة كولومبيا من تخفيض الانبعاثات الكربونية الناجمة عن قطاع الطاقة بالإضافة إلى تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي.
اقتصاد المناخ الجديد
وفقًا لعدة أبحاث في التنمية، قد يكون التغير الشاسع المُلاحَظ بين المستثمرين جزءًا من انتشار أكبر للممارسات المستدامة على صعيد الاقتصاد العالمي.
أدت أزمة كوفيد-19 إلى انخفاض غير مسبوق في الانبعاثات عام 2020، ولكن علماء المناخ حذروا من أنه من دون انتقال عالمي باتجاه البنية التحتية الصديقة للبيئة وبعيدًا عن الوقود الأحفوري، سيكون الانخفاض مؤقتًا وسيكون أثره هامشيًّا أو معدومًا على تغير المناخ طويل الأمد، وحذروا أيضًا، أنه من دون تغير باتجاه اقتصاد عالمي أخضر، سيكون الانخفاض في الانبعاثات مشابهًا للذي حدث في أثناء الأزمة المالية عام 2008، الذي كان قصير المدى.
جادلت تقارير صندوق النقد الدولي مؤخرًا في أنه يجب على الدول جعل خطط التعافي الخاصة بها (خضراء)، وذلك بالتركيز على الإجراءات الصديقة للبيئة في إنفاقها التحفيزي الشامل، وجادل صندوق النقد الدولي بأن الانتقال إلى البنية التحتية الصديقة للبيئة سيؤدي إلى نمو صافي في التوظيف وأنه سيحد من التفاقم العالمي في عدم المساواة الاقتصادية، وفمثلًا، جادلت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا في ثلاثة نقاط عدتها ضرورية للانتقال نحو اقتصاد المناخ الجديد وهي: وضع حد أدنى عالمي لسعر الكربون بين الدول المسؤولة عن الانبعاثات الأكبر مثل مجموعة العشرين، والتقارير موحدة المعايير للإبلاغ عن المخاطر المالية، والدعم المالي للدول النامية.
في خطة البنية التحتية تحت إدارة بايدن في الولايات المتحدة، يتضمن قانون الاستثمار في البنية التحتية وفرص العمل لعام 2021 أحكامًا لبناء البنى التحتية الأمريكية متضمنة الاستثمارات الخضراء، وأقرَّ الكونغرس هذا القرار الذي تبلغ ميزانيته 1.2 تريليون دولار ووقعه الرئيس بايدن في 15 نوفمبر 2021.
ما أهداف الاستدامة؟
إن أهداف التنمية المستدامة هي مجموعة من المهام التي وضعتها الأمم المتحدة وسمَّتها (مسودة تحقيق مستقبل أفضل وأكثر استدامة للجميع)، ويسعون لتحقيق أهداف مثل إنهاء الجوع والفقر وتطوير فرص التعليم الشاملة والعادلة وتطوير الولوج إلى الطاقة المتجددة.
ما أهمية الاستدامة؟
يكمن صلب الاستدامة في فكرة أنه يجب على الناس ألا يؤثروا سلبًا في البيئة من أجل الأرباح قصيرة الأمد، فهي ضرورية لوجود الحياة، واكتسب تغيير المناخ انتباهًا كبيرًا، فهو ناجم عن الأفعال البشرية في الحياة المعاصرة، ويمتد من موجات الحرارة المزعجة إلى الكوارث الطبيعية المكلفة والقاتلة.
ويعترف المفهوم أيضًا بأن المجتمعات البشرية تكون عادلة إذا أملت ببقائها وبتخفيض إجمالي كمية البؤس البشري على كوكب الأرض.
مع تزايد انتشار المخاوف المتعلقة بالتلوث وتغير المناخ الناجم عن النشاط البشري وخسائر التنوع الحيوي، انتقل العالم إلى تبني سياسات وإجراءات أكثر استدامة، وذلك بتطبيق ممارسات الأعمال المستدامة وزيادة الاستثمار في مجال التكنولوجيا الخضراء.
فهم الاستدامة
غالبًا ما تُقسَم الفكرة إلى ثلاثة محاور: اقتصادي وبيئي واجتماعي، وتُعرَف أيضًا بصيغة غير رسمية بالأرباح والكوكب والناس.
في هذا التقسيم، يركز مفهوم (الاستدامة الاقتصادية) على الحصة من الموارد الطبيعية التي تزودنا بالمدخلات المادية للإنتاج الاقتصادي، ما يتضمن الموارد المتجددة والناضبة (غير المتجددة). أما مفهوم (الاستدامة البيئية) فيركز على الأنظمة الأساسية للحياة، مثل الغلاف الجوي والتربة التي يجب الحفاظ عليها، لأنه لولاها لم تكن لتنشأ الحياة البشرية والإنتاج الاقتصادي من الأساس. ويركز مفهوم (الاستدامة الاجتماعية) على آثار الأنظمة الاقتصادية في البشر، ما يتضمن إجراءات القضاء على الفقر والجوع ومكافحة عدم المساواة.
عام 1983، أسست الأمم المتحدة اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية لتدرس الروابط بين الصحة البيئية والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. نشرت اللجنة التي ترأستها آنذاك رئيسة الوزراء النرويجية السابقة غرو هارلم برونتلاند عام 1987 تقريرًا بعنوان مستقبلنا المشترك الذي أصبح مقياسًا في تعريف التنمية المستدامة. يُعرِّف التقرير التنمية المستدامة أو الخطة لتحقيق الاستدامة بأنها: تحقيق احتياجات الحاضر دون المس بمقدرة الأجيال المستقبلية على تحقيق احتياجاتهم.
استدامة الشركة
لا تنحصر الاستدامة في مجال الأعمال في الجانب البيئي، ووضعت كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد فئتين للممارسات المستدامة في مجال الأعمال: أثر الأعمال في البيئة، وأثر الأعمال في المجتمع، ويهدف الإجراء المستدام إلى أن يكون أثره إيجابيًّا في إحدى الفئتين على الأقل. وقد ظهرت استدامة الشركة بوصفها أحد مكونات أخلاقيات الشركة استجابةً للاستياء العام من الضرر طويل الأمد الناجم عن التركيز على الأرباح قصيرة الأمد.
يحث مبدأ المسؤولية الشركات على الموازنة بين المصالح طويلة الأمد والعوائد الفورية، مع هدف السعي نحو الغايات البيئية والشاملة، وتتضمن التحركات نحو الاستدامة تشكيلة واسعة من الإجراءات المحتملة، مثل تقليل الانبعاثات وتقليل استهلاك الطاقة وجلب المنتجات من منظمات التجارة العادلة وضمان التخلص من المخلفات المادية ويجب أن يكون أثرها الكربوني أقل ما يمكن أيضًا.
طرحت الشركات أيضًا أهدافًا مستدامة مثل التغليف منعدم المخلفات بحلول عام محدد، أو تقليل إجمالي الانبعاثات إلى نسبة محددة.
طرحت شركات كثيرة وعودًا تتعلق بالاستدامة في السنوات الأخيرة، مثلًا، تعهدت شركة (والمارت ستورز) بأن تنعدم الانبعاثات الصادرة عنها بحلول عام 2040، وتعهد مصرف (مورغان ستانلي) بأن تنعدم (الانبعاثات الممولة) بحلول عام 2050، وتعهدت غوغل بأن تعمل دون أية انبعاثات كربونية بحلول عام 2030.
يتجلى التوجيه نحو الاستدامة في مجالات مثل توليد الطاقة أيضًا، إذ يصب التركيز في إيجاد مكامن جديدة للطاقة لتجاوز مشكلة استنزاف الاحتياطيات الموجودة، مثل بعض شركات الكهرباء التي تهدف أمام العامة إلى توليد الطاقة من مصادر مستدامة مثل الطاقة الشمسية والريحية والمائية.
تتعرض هذه السياسات للشك إثر شهرتها والرضى العام عنها، وذلك بسبب (التمويه الأخضر) أي نشر أفكار خاطئة تجعل الشركة تبدو صديقةً للبيئة أكثر مما هي عليه.
تحديات الاستدامة في مجال الأعمال
قد يكون الانتقال إلى الاستدامة صعبًا، إذ توضح التقارير الصادرة عن معهد (سانتا في) مثلًا ثلاثة عوائق كبيرة تمنع الشركات عن تحسين آثارها البيئية، الأول هو صعوبة فهم أثر أية شركة منفردة، والثاني هو صعوبة ترتيب الأثر البيئي لبعض الأنشطة، أما الثالث فهو صعوبة توقع كيفية استجابة العملاء الاقتصاديين لتغيير الحوافز.
وبالإضافة إلى ما سبق، انتُقِدَت شركات كثيرة بسبب استغلال بعض الممارسات التي تخفض التكاليف ويمكنها أن تعقِّد عملية تقييم الاستدامة، مثل نقل بعض الأعمال إلى أسواق أكثر ضبابية من ناحية القوانين، كنقل الأعمال إلى الخارج للاستفادة من العمالة الأرخص، خاصةً بعدما بدأ نقل الأعمال إلى الخارج بالتأثير في الوظائف الراقية في الدول المتقدمة، ما أثار القلق فيما يخص العولمة. إن إجراءات الاستدامة تؤثر بنحو ملحوظ في أنشطة نقل أعمال الشركات متعددة الجنسيات إلى الخارج، وذلك بعد دراسة بيانات 1080 شركة متعددة الجنسيات.
ثورة المستثمرين
تشير بعض النتائج إلى اعتناق المستثمرين الاستثمارات الصديقة للبيئة بنحو فعال، فوفق ورقة بحثية أصدرتها كلية إدارة الأعمال (إتش إي سي باريس) عام 2019، يقيِّم أصحاب الحصص الأبعاد الأخلاقية للشركة لدرجة أنهم مستعدون لدفع سبع دولارات إضافية لشراء حصة في شركة تقدم دولارًا واحدًا أو أكثر لكل حصة فيها للجمعيات الخيرية، وكشفت الدراسة أيضًا عن تقييم سلبي للشركات التي يشاع عن أعمالها أنها تترك أثرًا اجتماعيًّا سلبيًّا.
بناءً على مقابلات مع مديرين تنفيذيين كبار في 43 شركة استثمارية عالمية، ناقشت مجلة (هارفارد بيزنس ريفيو) مع بعض الرياديين في مجال الأعمال أن القضايا البيئية والاجتماعية والحوكمة ليست شائعة في الوسط الاستثماري كما يُشاع.
يتحدث (التغير الشاسع) في سلوك المستثمرين الذي وصفته مجلة (هارفارد بيزنس ريفيو) عن تزايد التزامات المستثمرين، وأثمرت جهود الأمم المتحدة لإدخال هذه القضايا إلى عالم الاستثمار، فيما يُعرف بمبادئ الاستثمار المسؤول، بأنها جعلت 63 شركة استثمارية تلتزم بإجمالي أصول تحت الإدارة يبلغ 6.5 تريليون دولار، عند إطلاقها عام 2006، وفي عام 2018، بلغ عدد الشركات الملتزمة 1715 شركة بإجمالي أصول يبلغ 81.7 تريليون دولار.
أظهرت دراسات الاستثمار المستدام في العامين الأخيرين أن نصف المستثمرين، وأكثر من النصف في بعض الحالات، يعدون الاستدامة أساسية في الاستراتيجية الاستثمارية.
لكننا لا نستطيع القول إن جميع المستثمرين يهتمون بهذه القضايا، مثلًا في يوليو 2021، جادلت رئيسة هيئة الأسواق والأوراق المالية هيستر بيرس أن معايير الإفصاح عمَّا يخص القضايا البيئية والاجتماعية والحوكمة لا ينتهك سلطة الهيئة فقط، بل قد يزعزع الاستقرار المالي والاقتصادي، فوفقًا لبيرس، صُنِعَت مقاييس الاستدامة ذات الطبيعة السياسية بلا خجل لتوجيه رؤوس الأموال نحو شركات محددة، وردًّا على التعليقات العامة والضغط التشريعي للنظر في هذه المعايير، قالت بيرس إنه سيكون انتهاكًا للمنهج التاريخي المحايد لهيئة الأسواق والأوراق المالية فيما يخص التشريعات.
وفي مقابلات بلومبيرغ نيوز مع إيجي هيرانو، عضو مجلس زوار صندوق الحكومة اليابانية الاستثماري للتقاعد، وهو أحد أكبر الصناديق التقاعدية في العالم، قال إنه يوجد فقاعة في الاستثمارات المتعلقة بالبيئة والمجتمع والحوكمة، وإنه يجب على الصندوق الاستثماري إعادة النظر في استثماراته في هذا المجال.
مقارنة بين الاستدامة والتنمية المستدامة
ترتبط الاستدامة بالمناخ والتنمية المستدامة ولكنها تتجاوزهما باعتبارها مفهومًا شاملًا وواسعًا، إذ يشير مفهوم الاستدامة الواسع إلى الهدف طويل الأمد لبناء عالم أكثر استدامة، وغالبًا ما تشير التنمية المستدامة إلى العمليات والطرق المحددة لتحقيق هذا الهدف.
تشير التنمية المستدامة إلى تحسين الرفاه الاقتصادي ومستوى المعيشة مع عدم المساس بقدرة الأجيال المستقبلية على تحقيق الأهداف ذاتها، وتُعرَف أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة بأنها المعايير العالمية للتنمية المستدامة. إن المناخ أحد محاور هذه الأهداف ولكنه ليس المحور الوحيد، فمثلًا يوجد في أهداف عام 2021 أهداف تتعلق بمكافحة عدة أمور تتضمن عدم المساواة والانحدار البيئي والفقر.
اتفاقية باريس للمناخ هي معاهدة دولية ملزمة قانونيًّا، وقعت عليها 196 دولة عام 2015، تسعى لتخفيض الاحتباس الحراري (أقل من درجتين، ويفضل إلى 1.5 درجة مئوية، مقارنةً بالمستويات قبل الصناعية)، تعد هذه الاتفاقية معيارًا عالميًّا فيما يخص الحد من التغيير المناخي.
أعادت الولايات المتحدة الانضمام إلى اتفاقية باريس في يناير 2021، وفي أبريل 2021، أعلنت إدارة بايدن أنها ستخفض انبعاثات الغازات الدفيئة في الولايات المتحدة بنسبة 50% إلى 52% أقل من مستويات عام 2005 بحلول عام 2030، وذلك وفق المساهمات المحددة وطنيًّا (NDC) في اتفاقية باريس، من الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاقية في عهد الرئيس ترامب.
مثال عن الاستدامة في العلاقات الدولية
في أبريل 2021 في مركز فيليب ميريل البيئي (وهو أحد مؤسسات خليج تشيز بيك) جادل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في خطابه أن دولته ستفوّت عددًا كبيرًا من فرص العمل وفرصة تغيير صورة مستقبل المناخ العالمي بطريقة تعكس مصالحنا وقيمنا إذا فشلت بأن تكون قياديةً في ملف المناخ.
كما ظهر في تصريح وزير الخارجية بلينكن، بدأت الدول بدخول سباق في مجال البنية التحتية الصديقة للبيئة مع بداية توجه قادة العالم نحو الابتعاد عن الوقود الأحفوري في السوق الدولية، مثلًا، جادلت إدارة بايدن في وضع أزمة المناخ في صدارة أهداف السياسة الأمريكية الخارجية والأمن القومي.
ورد في أحد التعليقات من المجلس الأطلسي، ردًّا على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي فيما يخص قيادة المناخ: «إن القيادة الجيوسياسية للصناعة والتجارة وسلاسل التوريد العالمية ستنطلق في المرحلة المقبلة من الإجراءات المتعلقة بالمناخ، لأن ارتفاع الطموح بتطبيق إزالة الكربون وتقنيات موارد الطاقة المتجددة على مستوى عالٍ يترافق مع ازدياد الاهتمام العالمي بتفعيل دورهم بالتنمية».
يجادل مناصرو الاستثمارات الصديقة للبيئة في أن هذه الاستثمارات مفيدة للنمو الاقتصادي عمومًا، إذ يجادل صندوق النقد الدولي مثلًا أنه يمكن لخطة استثمارية عالمية ممولة بالديون لدعم البنية التحتية الصديقة للبيئة مع تسعير الكربون أن تقود إلى مكاسب صافية في مجال التوظيف.
ذُكِرَ في تقرير صادر عام 2020 عن معهد الموارد العالمية أن الاستثمارات في المجالات منخفضة الكربون تؤدي إلى خلق فرص عمل أكثر من الاستثمارات في الوقود الأحفوري، وذكرت الدراسة أيضًا أنه من عام 2005 إلى 2017 تمكنت 41 ولاية في الولايات المتحدة ومقاطعة كولومبيا من تخفيض الانبعاثات الكربونية الناجمة عن قطاع الطاقة بالإضافة إلى تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي.
اقتصاد المناخ الجديد
وفقًا لعدة أبحاث في التنمية، قد يكون التغير الشاسع المُلاحَظ بين المستثمرين جزءًا من انتشار أكبر للممارسات المستدامة على صعيد الاقتصاد العالمي.
أدت أزمة كوفيد-19 إلى انخفاض غير مسبوق في الانبعاثات عام 2020، ولكن علماء المناخ حذروا من أنه من دون انتقال عالمي باتجاه البنية التحتية الصديقة للبيئة وبعيدًا عن الوقود الأحفوري، سيكون الانخفاض مؤقتًا وسيكون أثره هامشيًّا أو معدومًا على تغير المناخ طويل الأمد، وحذروا أيضًا، أنه من دون تغير باتجاه اقتصاد عالمي أخضر، سيكون الانخفاض في الانبعاثات مشابهًا للذي حدث في أثناء الأزمة المالية عام 2008، الذي كان قصير المدى.
جادلت تقارير صندوق النقد الدولي مؤخرًا في أنه يجب على الدول جعل خطط التعافي الخاصة بها (خضراء)، وذلك بالتركيز على الإجراءات الصديقة للبيئة في إنفاقها التحفيزي الشامل، وجادل صندوق النقد الدولي بأن الانتقال إلى البنية التحتية الصديقة للبيئة سيؤدي إلى نمو صافي في التوظيف وأنه سيحد من التفاقم العالمي في عدم المساواة الاقتصادية، وفمثلًا، جادلت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا في ثلاثة نقاط عدتها ضرورية للانتقال نحو اقتصاد المناخ الجديد وهي: وضع حد أدنى عالمي لسعر الكربون بين الدول المسؤولة عن الانبعاثات الأكبر مثل مجموعة العشرين، والتقارير موحدة المعايير للإبلاغ عن المخاطر المالية، والدعم المالي للدول النامية.
في خطة البنية التحتية تحت إدارة بايدن في الولايات المتحدة، يتضمن قانون الاستثمار في البنية التحتية وفرص العمل لعام 2021 أحكامًا لبناء البنى التحتية الأمريكية متضمنة الاستثمارات الخضراء، وأقرَّ الكونغرس هذا القرار الذي تبلغ ميزانيته 1.2 تريليون دولار ووقعه الرئيس بايدن في 15 نوفمبر 2021.
ما أهداف الاستدامة؟
إن أهداف التنمية المستدامة هي مجموعة من المهام التي وضعتها الأمم المتحدة وسمَّتها (مسودة تحقيق مستقبل أفضل وأكثر استدامة للجميع)، ويسعون لتحقيق أهداف مثل إنهاء الجوع والفقر وتطوير فرص التعليم الشاملة والعادلة وتطوير الولوج إلى الطاقة المتجددة.
ما أهمية الاستدامة؟
يكمن صلب الاستدامة في فكرة أنه يجب على الناس ألا يؤثروا سلبًا في البيئة من أجل الأرباح قصيرة الأمد، فهي ضرورية لوجود الحياة، واكتسب تغيير المناخ انتباهًا كبيرًا، فهو ناجم عن الأفعال البشرية في الحياة المعاصرة، ويمتد من موجات الحرارة المزعجة إلى الكوارث الطبيعية المكلفة والقاتلة.
ويعترف المفهوم أيضًا بأن المجتمعات البشرية تكون عادلة إذا أملت ببقائها وبتخفيض إجمالي كمية البؤس البشري على كوكب الأرض.