اقتصاد غذايي
Food economy - Economie alimentaire
الاقتصاد الغذائي
اقتصاد الغذاء food economy هو العلم الذي يختص بدراسة الظواهر والقوانين الاقتصادية المتعلقة بالموارد الاقتصادية الغذائية المختلفة وتفسيرها من حيث الإنتاج والتوزيع، بغية تحقيق الاستثمار الأمثل لهذه الموارد. ويهتم كذلك بدراسة العلاقات الاقتصادية بين الإنتاج والاستهلاك وبيان الأسلوب الأفضل لتوفير الاحتياجات الغذائية للسكان وتحقيق الأمن الغذائي. وللموارد الاقتصادية الزراعية ومعطياتها الإنتاجية مكانة مميزة في اقتصاديات الغذاء. وقد أدرك الاقتصاديون، في الآونة الأخيرة، أهمية دور القطاع الزراعي في الاقتصاد الغذائي، وأسهموا في الدراسات والبحوث المتصلة بهذا الموضوع.
ويمكن تحديد دور الزراعة وتأثيرها في اقتصاد الغذاء بأنها توفر الاحتياجات الغذائية للمواطنين كالحبوب والخضراوات والفاكهة، إضافة إلى المنتجات الحيوانية كاللحوم والألبان ومشتقاتها. ويستفاد من المنتجات الزراعية المختلفة في الاستهلاك الغذائي المباشر أو في الصناعات الغذائية. وقد ازداد هذا التنوع في المنتجات الزراعية بازدياد الطلب على السلع المذكورة مع مرور الزمن. وارتبطت هذه الزيادة في الطلب بكثير من المتغيرات أهمها: النمو السكاني ومرونة الطلب الداخلية، وتطور الأنماط الغذائية في أكثر الدول كالإسراف وعدم الترشيد في استهلاك الغذاء ولاسيما لدى الفئات ذات الدخول المرتفعة.
ويمكن تمييز ثلاثة أنماط غذائية في العالم: النمط الأول في المجتمعات المتقدمة، حيث تسود التقنيات المتقدمة، ويستهلك السكان فيها نسبة عالية من المواد البروتينية. والثاني في الدول الآخذة في النمو التي تستهلك نسباً مرتفعة من الحبوب. والثالث في المجتمعات التي مازالت في المراحل الأولى للتنمية فهي تعتمد على المحصولات والسلع الزراعية الدنيا. ومن هنا يأتي دور القطاع الزراعي وأهميته في توفير السلع الغذائية.
المسألة الغذائية في العالم
يجمع معظم المفكرين الاقتصاديين على العلاقة الوطيدة بين كل من النظام النقدي والمالي من جهة والنظام الاقتصادي للغذاء من جهة ثانية. فتطور أي منهما لابد من أن ينعكس بالضرورة على الثاني. وقد كان للنمو المتزايد في تجارة المواد الغذائية إبان السنوات الأخيرة آثار واضحة في التوسع السريع في تدفق رؤوس الأموال بين مختلف دول العالم. وشهد اقتصاد الغذاء العالمي تغيرات كبيرة ومهمة بعد الحرب العالمية الثانية، إذ تركز الإنتاج والمخزون والفائض من السلع الغذائية الاستراتيجية في عدد قليل من الدول المتقدمة، وانقسمت دول العالم إلى مجموعتين رئيستين: مجموعة الدول المصدرة للغذاء وهي الدول المتقدمة صناعياً، ومجموعة الدول المستوردة للغذاء وهي الدول النامية.
يتركز إنتاج الحبوب، التي تعد من أهم السلع الغذائية، في عدد محدود من الدول، إذ يلاحظ أن نحو 68% من الإنتاج العالمي يتركز في تسع دول هي: الولايات المتحدة الأمريكية والصين وفرنسة وكندا وأسترالية ورابطة الدول المستقلة والهند وتركية والأرجنتين. ويتذبذب هذا الإنتاج في عدد من الدول من سنة إلى أخرى، ويرجع ذلك، في الدرجة الأولى، إلى أن نحو 85% من الأراضي المزروعة تعتمد على الأمطار و15% منها تعتمد على الري، مما يجعل الإنتاج ومردود وحدة المساحة يتأثران بالتقلبات الحادة في المناخ. وتعد الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مصدر للحبوب في العالم فهي تصدر نصف مجموع الصادرات العالمية منها ونحو 40% من صادرات القمح وحده. فإذا أضيف إليها كندا وفرنسة وأسترالية فإن صادرات هذه الدول مجتمعة تصل إلى نحو 83% من صادرات العالم.
من ذلك يظهر مدى تركيز تجارة الحبوب العالمية، وخاصة تجارة القمح، في قلة من الدول، وخطورة ذلك على مسار اقتصاد الغذاء العالمي، لقدرة هذه الدول على احتكار هذه المواد والتحكم بأسعارها وممارسة ضغوط اقتصادية وسياسية على الدول المستوردة للغذاء ولاسيما الدول النامية. ويعد عدم استقرار معدل الإنتاج من المحصولات الزراعية والسلع الغذائية الذي شهدته معظم دول العالم إحدى الظواهر التي اتصفت بها العلاقات الدولية في مجال الغذاء في السنوات الماضية. فقد كان للتجارة الخارجية نصيب متزايد في الدخل القومي لكثير من الدول، وشهدت هذه الحقبة تغيرات هيكلية في الأوضاع لمختلف الدول في التجارة الدولية للغذاء، إضافة إلى عدم استقرار الأسواق بعد عام 1973 وما رافق ذلك من تضخم في ديون الكثير من الدول النامية، وارتفاع أسعار الفائدة على الديون، وعدم مقدرة بعض تلك الدول على سداد ديونها فأدى كل ذلك إلى مطالبتها بإعادة جدولة ديونها والتفاوض بشأنها. وقد نتجت عن هذه الظاهرة تغيرات مهمة في المبادئ العامة لتجارة الغذاء الدولية.
ومع تباين تفسيرات مشكلة الغذاء على الصعيد العالمي، ومن بينها التقلبات الحادة في إنتاج بعض الدول الكبرى، ولاسيما الاتحاد السوفييتي السابق، أو ما صاحب النظام العالمي من تقلبات في السياسة النقدية، إلى ما هنالك من تفسيرات تمثل وجهات نظر اقتصادية وسياسية مختلفة، فإن التفسير الأقرب إلى المنطق لأزمة الغذاء العالمية التي بدأت في أوائل السبعينات من القرن العشرين يرجع إلى التغيرات التي أحدثتها الدول المنتجة والمصدرة للغذاء في السياسات الزراعية إلى جانب تغيير التركيب التسويقي للغذاء لمصلحة الدول المصدرة وافتعال ما يعرف اليوم بأزمة الغذاء العالمية، مما حدا بالهيئات والمنظمات الدولية إلى تركيز قسم من جهودها واهتماماتها لبحث تلك المشكلة، ووضع التوصيات والمقترحات لحلها. وفي هذا الشأن انعقد مؤتمر الغذاء العالمي في عام 1974، وكان من نتائجه إنشاء الكثير من الهيئات المتخصصة لبحث مشكلة الغذاء وتمويل جزء من الاستثمارات الضرورية لتنمية إنتاجه. ومع الاهتمام الكبير فإن الإنجازات الفعلية في هذا المجال على الصعيد الدولي ما تزال متواضعة إلى حد كبير، ولاسيما إذا ما قيست بحجم المشكلة وأبعادها المستقبلية، ولعل من أهم النتائج التي أظهرتها أزمة الغذاء العالمية إنذار الدول النامية والمستوردة للغذاء بما تواجهه من مخاطر وما يحمله موقفها الغذائي من ضعف.
التعاون الدولي في مجال اقتصاد الغذاء
ظهرت أنماط وصيغ مختلفة من التعاون بين التكتلات الدولية قائمة على أسس اقتصادية أو سياسية أو أيديولوجية أو إقليمية في إطار التنسيق والتكامل الاقتصادي. وكان قطاع الزراعة والغذاء من مظاهر هذا التعاون وقد اعتمدت تلك التكتلات على نظم قانونية تطمح إلى التنسيق والتكامل. ومن أهم تلك التكتلات ما يلي:
أ ـ السوق الأوربية المشتركة: اتفقت ست دول أوربية في رومة سنة 1957 على إنشاء سوق أوربية مشتركة تتعاون فيما بينها اقتصادياً، انضم إليها في مطلع السبعينات ثلاث دول أخرى وفي عقد الثمانينات أصبح عددها اثنتي عشرة دولة. وقبل بداية تطبيق السياسة الزراعية المشتركة على مستوى الأقطار الأوربية الموقعة على اتفاقية رومة قدر عدد العاملين بالزراعة فيها بنحو 15 مليون نسمة، ويمثل هذا العدد نحو 20% من القوة العاملة في تلك الدول. كما قدر عدد المزارع التي تضمها تلك الأقطار بنحو 5.6 مليون مزرعة معظمها ذات مساحات صغيرة متباعدة جغرافياً وحسبت الدخول الزراعية بنحو نصف مثيلاتها في القطاعات الأخرى. وانطلاقاً من ذلك الوضع حددت المادة 39 من اتفاقية رومة خمسة أهداف أساسية للسياسة الزراعية المشتركة هي:
ـ زيادة الإنتاج الزراعي بتشجيع التقدم التقني والاستخدام الأمثل لعناصر الإنتاج ولاسيما العمالة.
ـ ضمان مستوى مقبول من المعيشة للعاملين في القطاع الزراعي بزيادة دخل الفرد.
ـ ضمان استقرار السوق.
ـ ضمان استمرار إمدادات كافية من الغذاء.
ـ ضمان وصول إمدادات الغذاء إلى المستهلك بأسعار معقولة.
وفي مؤتمر ستريزا Stresa تم اقتراح ثلاث مراحل لتحقيق السياسة الزراعية المشتركة لدول السوق الأوربية المشتركة: المرحلة الأولى منها وضع السياسات الزراعية والاتفاق عليها في غضون 3 سنوات. والمرحلة الثانية تطبيق السياسات التي تم تبنيها تدريجياً في غضون 9 سنوات حتى عام 1969، وأما المرحلة الثالثة فهي التطبيق الكامل للسياسة في سوق موحدة ابتداءً من عام 1970. ويعدّ التدرج الزمني من أهم ميزات أسلوب تنفيذ السياسة الزراعية المشتركة. ولقد استطاع أعضاء السوق تحقيق أهم أهداف السياسة السعرية، وهو السعر الموحد للسلع الزراعية داخل المجموعة، وذلك في عام 1967، قبل عامين من الموعد المحدد. وقد أقرت المفوضية الأوربية إنشاء صندوق لتمويل السياسة الزراعية وتقديم الدعم لسياسات الإصلاح الهيكلي وتمويل الخدمات التسويقية مثل وسائل التخزين والتعبئة وغيرها وكل الخدمات الأخرى عبر الهيكل التسويقي. ويسمى هذا الصندوق «صندوق التوجيه والضمان الزراعي"، ويتم تمويل هذا الصندوق من حصيلة نظام الرسوم على الواردات الزراعية من خارج دول السوق، إضافة إلى الاشتراكات المالية التي تدفعها الدول الأعضاء. والجدير بالذكر أن حساب الأسعار وقيمة الدعم في كل بلد يتم بوحدة حسابية أوربية ECU تعادل 88867.0 % كغ من الذهب، وترتبط مع العملات المحلية بسعر صرف يتغير تبعاً لاتجاهات التغير في أسعار الصرف المحلية في كل دولة.
ومع الصعوبات الكثيرة والانتقادات الحادة لمسار تطبيق السياسة الزراعية المشتركة، فقد تم تحقيق الكثير من إنجازات التكامل يمكن أن تكون درساً يستفاد منه في وضع تصور للتكامل الزراعي العربي، ومن هذه الإنجازات ما يلي:
ـ تحقيق الاكتفاء الذاتي من معظم السلع الغذائية ومنها الحبوب واللحوم ومنتجات الألبان.
ـ تحقيق درجة عالية من التخصص في الإنتاج وفقاً للمزايا النسبية وتقسيم العمل.
ـ التنسيق والتعاون في مجالات البحث العلمي والتطور التقني.
ـ إلغاء الرسوم الجمركية بين الدول الأعضاء واستبدال تعرفة جمركية موحدة بها في التعامل مع العالم الخارجي.
ـ أصبحت دول السوق الأوربية المشتركة مفاوضاً رئيساً في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية في مفاوضات الغات [ر] GATT التي تتركز محادثاتها على تخفيض دعم المنتجات الزراعية وتأمين حرية التجارة الدولية بالسلع الزراعية.
ـ استطاعت دول السوق الأوربية المشتركة عن طريق صندوق التوجيه والضمان الزراعي تحديث الزراعة وتجميعها في وحدات إنتاجية كبيرة.
Food economy - Economie alimentaire
الاقتصاد الغذائي
اقتصاد الغذاء food economy هو العلم الذي يختص بدراسة الظواهر والقوانين الاقتصادية المتعلقة بالموارد الاقتصادية الغذائية المختلفة وتفسيرها من حيث الإنتاج والتوزيع، بغية تحقيق الاستثمار الأمثل لهذه الموارد. ويهتم كذلك بدراسة العلاقات الاقتصادية بين الإنتاج والاستهلاك وبيان الأسلوب الأفضل لتوفير الاحتياجات الغذائية للسكان وتحقيق الأمن الغذائي. وللموارد الاقتصادية الزراعية ومعطياتها الإنتاجية مكانة مميزة في اقتصاديات الغذاء. وقد أدرك الاقتصاديون، في الآونة الأخيرة، أهمية دور القطاع الزراعي في الاقتصاد الغذائي، وأسهموا في الدراسات والبحوث المتصلة بهذا الموضوع.
ويمكن تحديد دور الزراعة وتأثيرها في اقتصاد الغذاء بأنها توفر الاحتياجات الغذائية للمواطنين كالحبوب والخضراوات والفاكهة، إضافة إلى المنتجات الحيوانية كاللحوم والألبان ومشتقاتها. ويستفاد من المنتجات الزراعية المختلفة في الاستهلاك الغذائي المباشر أو في الصناعات الغذائية. وقد ازداد هذا التنوع في المنتجات الزراعية بازدياد الطلب على السلع المذكورة مع مرور الزمن. وارتبطت هذه الزيادة في الطلب بكثير من المتغيرات أهمها: النمو السكاني ومرونة الطلب الداخلية، وتطور الأنماط الغذائية في أكثر الدول كالإسراف وعدم الترشيد في استهلاك الغذاء ولاسيما لدى الفئات ذات الدخول المرتفعة.
ويمكن تمييز ثلاثة أنماط غذائية في العالم: النمط الأول في المجتمعات المتقدمة، حيث تسود التقنيات المتقدمة، ويستهلك السكان فيها نسبة عالية من المواد البروتينية. والثاني في الدول الآخذة في النمو التي تستهلك نسباً مرتفعة من الحبوب. والثالث في المجتمعات التي مازالت في المراحل الأولى للتنمية فهي تعتمد على المحصولات والسلع الزراعية الدنيا. ومن هنا يأتي دور القطاع الزراعي وأهميته في توفير السلع الغذائية.
المسألة الغذائية في العالم
يجمع معظم المفكرين الاقتصاديين على العلاقة الوطيدة بين كل من النظام النقدي والمالي من جهة والنظام الاقتصادي للغذاء من جهة ثانية. فتطور أي منهما لابد من أن ينعكس بالضرورة على الثاني. وقد كان للنمو المتزايد في تجارة المواد الغذائية إبان السنوات الأخيرة آثار واضحة في التوسع السريع في تدفق رؤوس الأموال بين مختلف دول العالم. وشهد اقتصاد الغذاء العالمي تغيرات كبيرة ومهمة بعد الحرب العالمية الثانية، إذ تركز الإنتاج والمخزون والفائض من السلع الغذائية الاستراتيجية في عدد قليل من الدول المتقدمة، وانقسمت دول العالم إلى مجموعتين رئيستين: مجموعة الدول المصدرة للغذاء وهي الدول المتقدمة صناعياً، ومجموعة الدول المستوردة للغذاء وهي الدول النامية.
يتركز إنتاج الحبوب، التي تعد من أهم السلع الغذائية، في عدد محدود من الدول، إذ يلاحظ أن نحو 68% من الإنتاج العالمي يتركز في تسع دول هي: الولايات المتحدة الأمريكية والصين وفرنسة وكندا وأسترالية ورابطة الدول المستقلة والهند وتركية والأرجنتين. ويتذبذب هذا الإنتاج في عدد من الدول من سنة إلى أخرى، ويرجع ذلك، في الدرجة الأولى، إلى أن نحو 85% من الأراضي المزروعة تعتمد على الأمطار و15% منها تعتمد على الري، مما يجعل الإنتاج ومردود وحدة المساحة يتأثران بالتقلبات الحادة في المناخ. وتعد الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مصدر للحبوب في العالم فهي تصدر نصف مجموع الصادرات العالمية منها ونحو 40% من صادرات القمح وحده. فإذا أضيف إليها كندا وفرنسة وأسترالية فإن صادرات هذه الدول مجتمعة تصل إلى نحو 83% من صادرات العالم.
من ذلك يظهر مدى تركيز تجارة الحبوب العالمية، وخاصة تجارة القمح، في قلة من الدول، وخطورة ذلك على مسار اقتصاد الغذاء العالمي، لقدرة هذه الدول على احتكار هذه المواد والتحكم بأسعارها وممارسة ضغوط اقتصادية وسياسية على الدول المستوردة للغذاء ولاسيما الدول النامية. ويعد عدم استقرار معدل الإنتاج من المحصولات الزراعية والسلع الغذائية الذي شهدته معظم دول العالم إحدى الظواهر التي اتصفت بها العلاقات الدولية في مجال الغذاء في السنوات الماضية. فقد كان للتجارة الخارجية نصيب متزايد في الدخل القومي لكثير من الدول، وشهدت هذه الحقبة تغيرات هيكلية في الأوضاع لمختلف الدول في التجارة الدولية للغذاء، إضافة إلى عدم استقرار الأسواق بعد عام 1973 وما رافق ذلك من تضخم في ديون الكثير من الدول النامية، وارتفاع أسعار الفائدة على الديون، وعدم مقدرة بعض تلك الدول على سداد ديونها فأدى كل ذلك إلى مطالبتها بإعادة جدولة ديونها والتفاوض بشأنها. وقد نتجت عن هذه الظاهرة تغيرات مهمة في المبادئ العامة لتجارة الغذاء الدولية.
ومع تباين تفسيرات مشكلة الغذاء على الصعيد العالمي، ومن بينها التقلبات الحادة في إنتاج بعض الدول الكبرى، ولاسيما الاتحاد السوفييتي السابق، أو ما صاحب النظام العالمي من تقلبات في السياسة النقدية، إلى ما هنالك من تفسيرات تمثل وجهات نظر اقتصادية وسياسية مختلفة، فإن التفسير الأقرب إلى المنطق لأزمة الغذاء العالمية التي بدأت في أوائل السبعينات من القرن العشرين يرجع إلى التغيرات التي أحدثتها الدول المنتجة والمصدرة للغذاء في السياسات الزراعية إلى جانب تغيير التركيب التسويقي للغذاء لمصلحة الدول المصدرة وافتعال ما يعرف اليوم بأزمة الغذاء العالمية، مما حدا بالهيئات والمنظمات الدولية إلى تركيز قسم من جهودها واهتماماتها لبحث تلك المشكلة، ووضع التوصيات والمقترحات لحلها. وفي هذا الشأن انعقد مؤتمر الغذاء العالمي في عام 1974، وكان من نتائجه إنشاء الكثير من الهيئات المتخصصة لبحث مشكلة الغذاء وتمويل جزء من الاستثمارات الضرورية لتنمية إنتاجه. ومع الاهتمام الكبير فإن الإنجازات الفعلية في هذا المجال على الصعيد الدولي ما تزال متواضعة إلى حد كبير، ولاسيما إذا ما قيست بحجم المشكلة وأبعادها المستقبلية، ولعل من أهم النتائج التي أظهرتها أزمة الغذاء العالمية إنذار الدول النامية والمستوردة للغذاء بما تواجهه من مخاطر وما يحمله موقفها الغذائي من ضعف.
التعاون الدولي في مجال اقتصاد الغذاء
ظهرت أنماط وصيغ مختلفة من التعاون بين التكتلات الدولية قائمة على أسس اقتصادية أو سياسية أو أيديولوجية أو إقليمية في إطار التنسيق والتكامل الاقتصادي. وكان قطاع الزراعة والغذاء من مظاهر هذا التعاون وقد اعتمدت تلك التكتلات على نظم قانونية تطمح إلى التنسيق والتكامل. ومن أهم تلك التكتلات ما يلي:
أ ـ السوق الأوربية المشتركة: اتفقت ست دول أوربية في رومة سنة 1957 على إنشاء سوق أوربية مشتركة تتعاون فيما بينها اقتصادياً، انضم إليها في مطلع السبعينات ثلاث دول أخرى وفي عقد الثمانينات أصبح عددها اثنتي عشرة دولة. وقبل بداية تطبيق السياسة الزراعية المشتركة على مستوى الأقطار الأوربية الموقعة على اتفاقية رومة قدر عدد العاملين بالزراعة فيها بنحو 15 مليون نسمة، ويمثل هذا العدد نحو 20% من القوة العاملة في تلك الدول. كما قدر عدد المزارع التي تضمها تلك الأقطار بنحو 5.6 مليون مزرعة معظمها ذات مساحات صغيرة متباعدة جغرافياً وحسبت الدخول الزراعية بنحو نصف مثيلاتها في القطاعات الأخرى. وانطلاقاً من ذلك الوضع حددت المادة 39 من اتفاقية رومة خمسة أهداف أساسية للسياسة الزراعية المشتركة هي:
ـ زيادة الإنتاج الزراعي بتشجيع التقدم التقني والاستخدام الأمثل لعناصر الإنتاج ولاسيما العمالة.
ـ ضمان مستوى مقبول من المعيشة للعاملين في القطاع الزراعي بزيادة دخل الفرد.
ـ ضمان استقرار السوق.
ـ ضمان استمرار إمدادات كافية من الغذاء.
ـ ضمان وصول إمدادات الغذاء إلى المستهلك بأسعار معقولة.
وفي مؤتمر ستريزا Stresa تم اقتراح ثلاث مراحل لتحقيق السياسة الزراعية المشتركة لدول السوق الأوربية المشتركة: المرحلة الأولى منها وضع السياسات الزراعية والاتفاق عليها في غضون 3 سنوات. والمرحلة الثانية تطبيق السياسات التي تم تبنيها تدريجياً في غضون 9 سنوات حتى عام 1969، وأما المرحلة الثالثة فهي التطبيق الكامل للسياسة في سوق موحدة ابتداءً من عام 1970. ويعدّ التدرج الزمني من أهم ميزات أسلوب تنفيذ السياسة الزراعية المشتركة. ولقد استطاع أعضاء السوق تحقيق أهم أهداف السياسة السعرية، وهو السعر الموحد للسلع الزراعية داخل المجموعة، وذلك في عام 1967، قبل عامين من الموعد المحدد. وقد أقرت المفوضية الأوربية إنشاء صندوق لتمويل السياسة الزراعية وتقديم الدعم لسياسات الإصلاح الهيكلي وتمويل الخدمات التسويقية مثل وسائل التخزين والتعبئة وغيرها وكل الخدمات الأخرى عبر الهيكل التسويقي. ويسمى هذا الصندوق «صندوق التوجيه والضمان الزراعي"، ويتم تمويل هذا الصندوق من حصيلة نظام الرسوم على الواردات الزراعية من خارج دول السوق، إضافة إلى الاشتراكات المالية التي تدفعها الدول الأعضاء. والجدير بالذكر أن حساب الأسعار وقيمة الدعم في كل بلد يتم بوحدة حسابية أوربية ECU تعادل 88867.0 % كغ من الذهب، وترتبط مع العملات المحلية بسعر صرف يتغير تبعاً لاتجاهات التغير في أسعار الصرف المحلية في كل دولة.
ومع الصعوبات الكثيرة والانتقادات الحادة لمسار تطبيق السياسة الزراعية المشتركة، فقد تم تحقيق الكثير من إنجازات التكامل يمكن أن تكون درساً يستفاد منه في وضع تصور للتكامل الزراعي العربي، ومن هذه الإنجازات ما يلي:
ـ تحقيق الاكتفاء الذاتي من معظم السلع الغذائية ومنها الحبوب واللحوم ومنتجات الألبان.
ـ تحقيق درجة عالية من التخصص في الإنتاج وفقاً للمزايا النسبية وتقسيم العمل.
ـ التنسيق والتعاون في مجالات البحث العلمي والتطور التقني.
ـ إلغاء الرسوم الجمركية بين الدول الأعضاء واستبدال تعرفة جمركية موحدة بها في التعامل مع العالم الخارجي.
ـ أصبحت دول السوق الأوربية المشتركة مفاوضاً رئيساً في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية في مفاوضات الغات [ر] GATT التي تتركز محادثاتها على تخفيض دعم المنتجات الزراعية وتأمين حرية التجارة الدولية بالسلع الزراعية.
ـ استطاعت دول السوق الأوربية المشتركة عن طريق صندوق التوجيه والضمان الزراعي تحديث الزراعة وتجميعها في وحدات إنتاجية كبيرة.
تعليق