الذباح
الذباح angina مصطلح يطلق على كل ألم تشنجي أو خانق أو شعور بالاختناق، وفيما يلي الإصابات الحادة التي تصيب الحلق والبنى المشكلة له والحنجرة وجوف الفم.
تنجم هذه الإصابات عن عوامل جرثومية وفيروسية منها ما يسبب آفات موضعية تظهر في الحلق أو جوف الفم أو الحنجرة، ومنها ما يسبب إصابة جهازية تكون إصابة الحلق في مرحلة منها إحدى ظواهرها.
العوامل الجرثومية التي تسبب هذه الإصابات هي: المكورات العقديةstreptococcus والمكورات العنقوديةstaphylococcus والمكورات السحائيةmeningococcus واللاهوائيات. والفيروسات التي تحدثها هي: فيروسات النزلة الوافدة (الأنفلونزا)، والفيروسات نظيرة النزلة الوافدة (نظيرة الأنفلونزا) parainfluenza V والنكاف وفيروسات كوكساكي coxsackieوفيروسات إبشتاين - بار Epstein Barr Virus (EBV).
أما أعراض هذه الإصابات فمختلفة وفق مكانها. وبحسب صفات العامل المسبب تتبدى بحمى وحرقة بلعوم وعسرة بلع وبأعراض تنفسية صاخبة تنجم عن التضيق الشديد في مجرى الهواء، إما بسبب إصابة بدئية فيه كما يحدث في الذباح الحنجري أو بسبب تشكل فلغمون (خراج) في أحد تشكيلات المجرى الهوائي، يؤدي إلى تضيقه مثل خراج خلف البلعوم وذباح لودفيكLudwig angina. إن أكثر الأعراض التنفسية ظهوراً الصرير stridor (صوت شهيقي خشن)، والزلة التنفسية والضباح (خشونة الصوت) والسعال، ومن هذه الإصابات ما يتبدى بقروح في جوف الفم أو الحلق، تغطيها نضحات exudate (نتحات) أو أغشية كاذبة.
تصنف هذه الإصابات إلى:
ـ الذباحات الحمر أو المنقطة: وهي التي تصيب البلعوم وتسببها عوامل فيروسية تشكل طيفاً كبيراً من الأسباب وعوامل جرثومية، أهمها المكورات العقدية الحالة للدم بيتا، وتبرز في لوحتها السريرية أعراض موضعية في البلعوم ويسيطر فيها الاحتقان والتورم والاحمرار الشديد الذي قد يكون منقطاً، وعسرة البلع والألم.
ـ الذباحات الفلغمونية phlegmonous: وهي ما ينتشر فيها الخمج إلى النسج الرخوة أو الضامة في الناحية.
ـ الذباحات القرحية: وهي التي تتشكل فيها قرحات في جوف الفم والبلعوم.
ـ الذباحات الحويصلية: وهي التي تتشكل فيها حويصلات مختلفة الحجم.
ـ الذباحات الغشائية الكاذبة: وهي التي تتشكل فيها نضحة التهابية تنتشر متمادية على النسيج مشكلة ما يشبه الغشاء الكاذب.
ـ الذباحات الحنجرية: وهي التي تصيب الحنجرة وتسيطر فيها أعراض الضائقة التنفسية بمختلف شدتها على الأعراض.
1- الذباحات الحمر أو المنقطة: وهي إصابات البلعوم واللوزتين وتسبب الفيروسات أكثر حالاتها، منها ما يعود إلى إصابة موضعية جرثومية وأهمها التهاب البلعوم العقدي، ومنها ما يحدث في سياق إصابة عامة تكون الإصابة البلعومية تظاهرة للمرض في إحدى مراحل سيره.
من الأمراض العامة التي تحدث فيها إصابة البلعوم:
ـ النزلة الوافدة (الأنفلونزا): وهي مرض تسببه الفيروسات A أو B من النزلة الوافدة التي تتصف بارتفاع مفاجئ في درجة الحرارة وعرواءات (الرجفة التي تترافق مع الحمى) وآلام عضلية ووهن وقهم (نقص الشهية للطعام).
وتتضمن أعراضها حرقة البلعوم واحتقان الأنف والسعال الجاف، ويدوم بضعة أيام تعقبها شكوى المصاب من الوهن.
كما يمكن للفيروسات الغدية adenovirusأن تسبب إصابة في البلعوم قد تكون نضحية، إلا أن الألم البلعومي لا يكون شديداً وتبقى الأعراض العامة مثل الحمى معتدلة.
ويمكن لفيروس النكاف الذي يصيب الغدد اللعابية أن يسبب إصابة بلعومية مرافقة، تظهر باحتقان البلعوم وبضخامة اللوزتين وانزياحهما أو انزياح إحداهما إلى الوسط بفعل الضغط الذي تحدثه ضخامة الغدة النكفية.
هذا وتتظاهر أمراض جرثومية مثل الخمج بالمكورات السحائية بإصابة البلعوم (احتقان البلعوم وعسرة البلع)، ضمن سياق المرض إلا أن الأعراض الأخرى مثل سوء الحالة العامة وتوضع الحبر petechia(النمشات) في مواضع محددة من البدن في حالة تجرثم الدم بالسحائيات وبروز الأعراض العصبية السحائية في حالة التهاب السحايا تكشف الحالة.
ويمكن لالتهاب البلعوم الذي يترافق بعسرة البلع والألم الشديد وارتفاع الحرارة، أن يؤلف التظاهرة الأخرى لمرض تنشؤي هو ابيضاض الدم leukemia إلا أن الأعراض الأخرى والعلامات الفيزيائية التي يظهرها الفحص السريري والفحوص المخبرية تكشف الحالة.
إن التهاب البلعوم العقدي هو أهم إصابات الحلق تأثيراً على الحالة الصحية العامة، لما قد يحدثه من مضاعفات (الحمى الرثوية) مما يوجب التشدد بمعالجته درءاً لهذه المضاعفات. إن الجراثيم التي تسبب التهاب البلعوم العقدي هي المجموعة A من المكورات العقدية الحالة للدم بيتا، وأكثر الأعمار إصابة به يقع بين 5 و15 من العمر. تظهر الإصابة فجاءة بحمى وعرواءات وصداع وألم بلعوم يتصف بعسرة بلع شديدة تزداد مع بلع الريق، وقد يكون الألم شديداً يجعل حركة دوران الرأس صعباً في بعض الأحيان.
يكون احمرار البلعوم مختلف الشدة يشمل الجدار الخلفي للبلعوم واللوزتين وشراع الحنك، كما يتوذم البلعوم واللوزتان واللهاة وتبدو على اللوزتين والجدار الخلفي نقاط نضحية رقيقة متفرقة أو متصلة، كما تتضخم العقد اللمفية في مقدم العنق.
إذا كانت المكورات العقدية الحالة بيتا من التي تفرز الذيفان المحمر erythrogenic toxin سببت ما يعرف بالحمى القرمزيةscarlet fever وهو مرض يحدث بعد الشكاية من التهاب البلعوم بـ 12 إلى 24 ساعة ويتظاهر بطفح يشمل كامل الجسم بسرعة، وتبدو تبدلات في اللسان تجعله يبدي منظر الكرز ويعرف باسم اللسان الكرزي.
إن البنسلين بطريق الفم ولمدة عشر أيام، مؤثر في معالجة التهاب البلعوم العقدي والحمى القرمزية.
2- الذباحات الفلغمونية: وهي ما ينتشر فيها الخمج إلى النسج الرخوة أو الضامة في الناحية محدثة فلغموناً، وتقع هذه الذباحات في الخراج خلف البلعوم والخراج حول اللوزة وذباح لودفيك.
أ ـ الخراجة خلف البلعوم: وتتشكل في المسافة، ما بين الجدار الخلفي للبلعوم والصفاق (البيرتوان) أمام فقرات العمود الرقبي، عند الأطفال خاصة. قد تكون الخراجة خلف البلعوم مضاعفة لالتهاب بلعوم عقدي، خاصة إن لم تحسن معالجته، أو تتشكل من امتداد الإصابة الفقرية إلى تلك المسافة، أو من تأذي البلعوم بفعل أداة حادة يلهو بها الطفل بوضعها في فمه. أما الجراثيم التي تسبب الخراجة خلف البلعوم فهي المجموعة A من المكورات العقدية الحالة للدم بيتا والجراثيم اللاهوائية والمكورات العنقودية. تحدث الأعراض عادة بعد ما يكون المريض قد عانى من إصابة بلعومية تحدث فيها فجاءة حمى شديدة الارتفاع وصعوبة في البلع تجعله غير قادر على الشرب، وقد تظهر صعوبة تنفسية تتبدى بالصرير. إن صعوبة البلع الشديدة تؤدي إلى تراكم المفرزات في الفم وتسيل منه ويتخذ المصاب وضعية فرط بسط العنق بسبب التبدل التشريحي الناجم عن الخراح، ومحاولة لإبقاء السبيل الهوائي مفتوحاً أقصى ما يمكن.
يكون الانتباج في جدار البلعوم الخلفي واضحاً وقد يتوضع الخراج قريباً من منطقة البلعوم الأنفي ساداً بذلك الأنف الخلفي ويدفع شراع الحنك إلى الأمام. قد ينبثق الخراج تلقائياً، إن لم يعالج، وقد ينتقل القيح عندئذ إلى الرئتين أو ينتشر إلى أحد جانبي العنق أو ينتشر على امتداد الصفاق إلى المنصف. قد تمنع المعالجة بالبنسلين والبنسيلينات نصف التركيبية التقيح وقد يحتاج الخراج إلى التفجير جراحياً.
قد تصاب الفسحة الجانبية للبلعوم بالخمج بالجراثيم نفسها وتعرف الحالة عندئذ بالخراجة البلعومية الجانبية lateral pharyngeal abcess وتتصف هذه الإصابات بحمى شديدة الارتفاع وضزز trismus (تضيق شديد يصيب الفكين نتيجة تقفع العضلات الماضغة) وألم شديد في البلعوم مع صعوبة البلع، ويظهر الانتباج واضحاً في جانب البلعوم وتتضخم العقد اللمفية الرقبية في الناحية وتكون مؤلمة، وقد يؤدي التشنج العضلي إلى الصعر torticollis (الاجل) (وضعية يظهر فيها ضرب من التواء العنق وميلان الرأس)، ومعالجة هذه الحالة جراحية بالتفجير.
ب ـ الخراجة حول اللوزة: ويحدث الخمج في المسافة بين العضلة المعصرة للبلعوم واللوزة، وسببها المجموعة A من العقديات الحالة للدم بيتا أو اللاهوائيات في اليفع وما قبله، يتقدم على تشكل الخراجة إصابة اللوزتين والبلعوم، وقد تكون الحمى بسببهما قد خمدت أم لم تخمد. لتتبدى الأعراض بألم بلعومي شديد أكثر شدة من قبل وضزز يجعل المصاب يرفض الطعام والشراب وحتى التكلم، وقد يحدث الصعر، وتكون اللوزة المصابة منتبجة ومتوذمة تدفع باللهاة إلى الجانب المقابل، تأخذ الخراجة بالتلين إن لم تعالج معالجة مناسبة في غضون بضع أيام لتنبثق في منطقة السويقة الحلقية الأمامية anterior faucial pillar. أما المعالجة المناسبة فتقوم على إعطاء الصادات والشق الجراحي.
ج ـ ذباح لودفيك ludwig angina: وهو التهاب الهلل cellulits تسببه الجراثيم اللاهوائية في المسافة تحت اللسان وتحت الفك السفلي، يؤدي إلى وذمة قاسية في قاع الفم تدفع باللسان إلى الارتفاع في جوف الفم دون أن تتضخم العقد اللمفية في العنق. تتصف هذه العلامات بالألم الشديد وعسرة البلع، وقد يؤدي تفاقم هذه الأعراض والعلامات إلى زلة تنفسية تعرض حياة المصاب للخطر ما لم يتم إجراء خزع الرغامى لإنقاذه.
3- الذباحات القرحية:
أ ـ التهاب اللثة والفم الحلئي herpeticالحاد: غالباً ما يسببه فيروس الحلأ البسيط ـ1 HSV-1 أكثر ما يصيب الأطفال ما بين السنتين الثانية والرابعة من العمر، كما يصيب اليافعين والبالغين أحياناً، ولا يتظاهر سريرياً إلا في 5% من حالات الخمج البدئي بفيروس الحلأ البسيط التي تكون لا عرضية.
تحدث الإصابة في الأغشية المخاطية للفم ببدء مفاجئ ترتفع الحمى لتصل إلى 39.4 أو 40.6 درجة مئوية ويعاني المصاب من هياج وقهم وحرقة بالفم وتظهر في الوقت نفسه آفات واضحة في الأغشية المخاطية للفم فتنتبج اللثة وتحتقن احتقاناً شديداً تؤدي إلى سهولة نزفها وتظهر قرحات سطحية ذات محيط أحمر على الغشاء المخاطي للفم واللسان وفي الحلق. وقد تظهر هذه القرحات أول ما تظهر في اللوزتين ثم تنتشر إلى بقية الأغشية المخاطية في الفم، وتتضخم العقد اللمفية الرقبية وتكون مؤلمة. تختلف شدة الإصابة ومدتها، فقد تكون بسيطة تتصف بأعراض عامة بسيطة وحمى خفيفة وقرحات قليلة العدد، وتتحسن الحالة عندئذ في غضون 5 إلى 7 أيام، وقد تكون شديدة ترتفع فيها الحمى كثيراً وتكون الآفات الفموية نازفة ومؤلمة تحول دون تناول ما يكفي من الوارد وقد تؤدي إلى التجفاف والاحمضاض، ولا تتحسن الحالة قبل انقضاء 10 إلى 14 يوماً على البدء.
ب ـ ذباح قلة العدلات agranulocytosis angina: هناك من الأمراض والأدوية ما يؤدي إلى نقص في عدد العدلات (قلة العدلاتagranulocytosis). إذا قل عدد الكريات البيض إلى ما دون 1000 كرية بيضاء/مم3 ربما أدى ذلك إلى أن تتظاهر أول ما تتظاهر بالتهاب البلعوم الحاد: حيث تكون اللوزتان وجدار البلعوم الخلفي شديدي الاحتقان تغطيهما نضحة بيضاء أو صفراء وتكون الأغشية المخاطية تحت هذه النضحة شديدة التقرح. تمتد هذه التقرحات إلى جوف الفم بكامله لتشمل اللسان، وتتصف هذه الآفات بأنها شديدة الألم وتكون عسرة البلع شديدة وتحدث النزوف من الأغشية المخاطية وتتضخم العقد اللمفية في الرقبة.
ج ـ الذباحات القلاعية aphtous angina: وهي آفات فموية تميل للرجعة سببها غير معروف، وربما تعود إلى المناعة الذاتية، والآفات القرحية القلاعية يقل قطرها عن 5مم قد تكون محمرة، محيطها حمامي تغطيها نضحة ليفية بيضاء مصفرة، يتقدم على ظهور هذه القرحات أعراض بادرية هي حس حرق أو حكة أو المضض الذي يصل إلى الانزعاج من تناول الطعام. قد تكون الآفات مفردة أو متعددة، وتتوضع في مواضع شائعة هي قاع الفم، السطح البطيني من اللسان والثنيات المخاطية الفموية وقلما تظهر على شراع الحنك أو على مخاطية الفم.
4- الذباحات الغشائية الكاذبة:
أ ـ ذباح فنسان vincent’s angina: ويعرف بالتهاب البلعوم المواتي، تسببه الجراثيم اللاهوائية، تكون الشكوى فيه ألم شديد في البلعوم ونتن النفس وكراهة الطعم في الفم والإحساس بالاختناق. يبدو البلعوم محمراً متقرحاً يغطيه غشاء رمادي اللون سهل التقشر ويتم نزعه بسهولة ويترافق باعتلال العقد اللمفية، قد لا تدوم الإصابة إلا أياماً أو تستمر أسابيع وغالباً ما تبدأ الآفة في جانب واحد ثم تنتشر إلى الجهة الأخرى.
ب ـ كثرة الوحيدات الخمجية infectious mononucleosis: مرض يسببه فيروس إبشتاين ـ بار EBV ومن أعراضه الحمى وحرقة البلعوم حيث تتضخم اللوزتان وتحتقنان وتظهر عليهما نضحة بيضاء رمادية مشكلة غشاء كاذباً، تدوم هذه العلامات مدة 7 إلى 10 أيام. وتتميز بالتهاب البلعوم الحاد الغشائي الكاذب والضخامة العقدية في العنق وضخامة الطحال.
ج ـ التهاب اللوزتين الحلئي الحاد: قد تتجمع الآفات الحلئية على اللوزتين مشكلة غشاءً كاذباً، وقد تصادف هذه الإصابة في بدء بعض حالات التهاب الفم واللثة الحلئي الحاد، ومنه تنتشر الآفات إلى بقية الغشاء المخاطي في جوف الفم.
5- الذباحات الحويصلية vesicular angina:
أ ـ الخناق الحلئي herpangina: وأكثر ما يسببه الفيروس كوكساكي A، يتصف ببدء مفاجئ بحمى مرتفعة تدوم مدة 1 إلى 4 أيام مع فقد الشهية وحرقة البلعوم، وعسرة البلع. تكمن أبرز معالم هذا المرض في البلعوم حيث تظهر على السويقات الأمامية للحلق حويصلات صغيرة لا يتجاوز قطرها 1-2ملم لا تلبث أن تنبثق مشكلة قرحات تغطيها نضحة بيضاء رمادية وتكبر هذه القرحات خلال 2 إلى 3 أيام وتحيط بها هالة حمراء إلا أنها لا تزيد عن 5مم. تختفي الأعراض العامة والموضعية خلال 4 إلى 6 أيام ليحدث الشفاء الكامل.
ب ـ داء اليد القدم الفم: وهو مرض يتصف بحمى واندفاعات حويصلية أكثر ما تظهر في الغشاء المخاطي للفم واللسان وأقل من ذلك أن تظهر على شراع الحنك واللثة والشفتين، ويظهر طفح لطخي حطاطي على اليدين والقدمين ثم يصبح حويصلياً، ينسب إلى الزمر 16 و5 و10 من مجموعة فيروسات كوكساكي A.
6- الذباحات الحنجرية: وهي مجموعة متغايرة من حالات خمجية تصيب الحنجرة تتظاهر بالحمى والسعال الوصفي والضباح، قد تترافق بصرير شهقي أو لا تترافق وعلامات شدة تنفسية تعود إلى درجات مختلفة من انسداد الحنجرة، وقد تهدد صفحة الانسداد الحنجري هذه الحياة ما لم يبادر سريعاً إلى اتخاذ الإجراءات المنقذة (التنبيب أو خزع الرغامى). أما الأسباب فتعود إلى عوامل ممرضة متعددة تقع الفيروسات وخاصة فيروسات نظيرة النزلة الوافدة منها على رأسها، كما أن الجراثيم ومنها المستدميات النزلية ب hemophilus B، والمكورات العنقودية تسبب أشكالاً وصفية من هذه الذباحات.
للذباحات الحنجرية أربعة أشكال:
أ ـ التهاب الحنجرة الخمجي الحاد: مرض شائع، أكثر ما يحدث بين الشهر الثالث والسنة الخامسة من العمر، ويكثر انتشاره في الفصول الباردة من السنة، ويزيد وقوعه في الإناث على الذكور، تسبب معظم حالاته الفيروسات وخاصة نظيرة النزلة الوافدة منها. يتصف البدء عادة بالتهاب السبل التنفسية العلوية ويعاني المصاب في أثنائه من حرقة البلعوم والسعال الضباحي والصرير الذي يشتد ويصبح صريحاً مع هياج الطفل وبكائه. والإصابة خفيفة على وجه العموم والشدة التنفسية الصريحة غير شائعة إلا في صغار الرضع، أما في الحالات الشديدة فيكون الضباح والصرير صريحين والطفل هادئاً، ويعاني المصاب من الزلة والتململ ويظهر السحب بأنواعه (وهو انجذاب الصدر للداخل مع حركة الشهيق)، تحت القص وفوق القص وبين الأضلاع. ومع ترقي الحدثية المرضية (وهي انتباج الأغشية المخاطية في منطقة ما تحت المزمار)، تتكرر دورات معاناة الطفل من التعطش للهواء air hunger والتململ والزرقة في الشفتين والأظافر، حتى يصيبه الإنهاك، مشرفاً على الهلاك ما لم تتخذ الإجراءات الإسعافية المنقذة للحياة.
تقوم المعالجة على المحافظة على السبيل الهوائي مفتوحاً ومكافحة الخمج، وأفضل ما يمكن تقديمه للطفل المصاب في المنزل وضعه في جو رطب مشبع ببخار الماء كأن يوضع في الحمام وإراحته وإغداق السوائل عليه.
ب ـ التهاب لسان المزمار الحاد: وهو حالة خطيرة ذات سير حاد وخيم تحدث في الأطفال ما بين السنتين والسابعة من العمر، وأكثر ما يحدث وقوعه في السنة الثالثة والنصف من العمر، تبلغ نسبة إصابة الذكور للإناث 3/2. إن الصورة الوصفية للإصابة بالتهاب لسان المزمار الحاد هي أن يشكو الطفل من ترفع حروري شديد وحرقة البلعوم وعسرة البلع فجأة، لتظهر عليه علامات الشدة التنفسية في غضون دقائق أو ساعات فيظهر الصرير والضباح والسعال والهياج والتململ وسيلان اللعاب. توحي هذه الأعراض بالانسداد في السبيل التنفسي بلسان المزمار (لسان المزمار: بنية غضروفية تشبه الجفن lidlike تبرز من مدخل الحنجرة، وتفيد في منع دخول الطعام إلى الحنجرة في أثناء البلع، حيث تغلق مدخل الحنجرة عندئذ). إن الأعراض المذكورة تجعل الطفل يتخذ وضعية فرط بسط العنق، ووضعية الجلوس مندفعاً للأمام وفمه مفتوح ولسانه متدل، يسيل من فمه اللعاب في سعي لفتح السبيل الهوائي. إن أكثر ما يسبب التهاب لسان المزمار الحاد هو المستدميات النزليةB. إن سرعة سير الحالة وخطورتها تستوجب إجراءً إسعافياً سريعاً. تدوم الحالات الخفيفة مدة 2 إلى 3 أيام. وليذكر إن محاولات الضغط على اللسان لرؤية البلعوم أو المزمار قد تؤدي إلى توقف القلب بتنبيه العصب المبهم، ويجب أن لا يتم ذلك إلا بعد اتخاذ التدابير اللازمة التي يقوم بها المؤهلون.
ج ـ التهاب الحنجرة التشنجيspasmodic laryngitis: غالباً ما يحدث في الأطفال ما بين السنتين الأولى والثالثة من العمر وسببه فيروسي في أغلب الحالات. تحدث أغلب الحالات في المساء أو الليل ببدء مفاجئ، تسبقه عادة الإصابة بزكام خفيف أو متوسط الشدة وضباح إذ يستيقظ الطفل من نومه وهو يسعل سعالاً نباحياً، ويسمع الصرير وتظهر أعراض الشدة التنفسية مما يجعله قلقاً وفزعاً، إن قلق الطفل وفزعه وهياجه يزيد من شدة الصرير والشدة التنفسية وإراحته وهدوئه تقلل منهما ويتم ذلك بتهدئته ووضعه في جو رطب مشبع ببخار الماء. قد تتناوب على المصاب عارضات زرقة متقطعة. والمألوف أن يستيقظ الطفل في الصباح التالي وقد خمدت الأعراض وتحسنت حالته لا يشكو إلا من سعال خفيف وضباح وقد تعاود هذه الصفحة السريرية الطفل لعدة ليال.
د ـ التهاب الحنجرة والرغامى الجرثومي: وهو خمج جرثومي حاد يتلو على الغالب التهاب الحنجرة الفيروسي، وأكثر ما تسببه الجراثيم العنقودية الذهبية، وقد تسببه أيضاً المستدميات النزلية والموركسيلة النزلية، وأكثر ما يحدث في الأطفال دون السنة الثالثة من العمر، وقد يصيب الأطفال أكبر من هذه العمر ويمكن أن تكون الإصابة بدئية بالمكورات العنقودية الذهبية. عادة ما تظهر الإصابة في طفل يعاني من إصابة تنفسية علوية تتبدى على شكل التهاب حنجرة بأعراضه المعروفة إلا أن الحالة تسوء بالتدريج مع تطبيق المعالجة التقليدية لالتهاب الحنجرة، ولا تبدي الفحوص المتممة ما يثبت الإصابة بالتهاب لسان المزمار. إن الإصابة المرضية الأساسية في التهاب الحنجرة والرغامى، تكمن في انتباج المخاطية في مستوى الغضروف الحلقي، حيث يتوضع في هذا المكان مخاط كثيف ومفرزات قيحية لا يغني مص المفرزات آلياً من الحاجة للتهوية الصناعية وتطبيق الأدوية المضادة للمكورات العنقودية المذهبة.
محمد ياسين
الذباح angina مصطلح يطلق على كل ألم تشنجي أو خانق أو شعور بالاختناق، وفيما يلي الإصابات الحادة التي تصيب الحلق والبنى المشكلة له والحنجرة وجوف الفم.
تنجم هذه الإصابات عن عوامل جرثومية وفيروسية منها ما يسبب آفات موضعية تظهر في الحلق أو جوف الفم أو الحنجرة، ومنها ما يسبب إصابة جهازية تكون إصابة الحلق في مرحلة منها إحدى ظواهرها.
العوامل الجرثومية التي تسبب هذه الإصابات هي: المكورات العقديةstreptococcus والمكورات العنقوديةstaphylococcus والمكورات السحائيةmeningococcus واللاهوائيات. والفيروسات التي تحدثها هي: فيروسات النزلة الوافدة (الأنفلونزا)، والفيروسات نظيرة النزلة الوافدة (نظيرة الأنفلونزا) parainfluenza V والنكاف وفيروسات كوكساكي coxsackieوفيروسات إبشتاين - بار Epstein Barr Virus (EBV).
أما أعراض هذه الإصابات فمختلفة وفق مكانها. وبحسب صفات العامل المسبب تتبدى بحمى وحرقة بلعوم وعسرة بلع وبأعراض تنفسية صاخبة تنجم عن التضيق الشديد في مجرى الهواء، إما بسبب إصابة بدئية فيه كما يحدث في الذباح الحنجري أو بسبب تشكل فلغمون (خراج) في أحد تشكيلات المجرى الهوائي، يؤدي إلى تضيقه مثل خراج خلف البلعوم وذباح لودفيكLudwig angina. إن أكثر الأعراض التنفسية ظهوراً الصرير stridor (صوت شهيقي خشن)، والزلة التنفسية والضباح (خشونة الصوت) والسعال، ومن هذه الإصابات ما يتبدى بقروح في جوف الفم أو الحلق، تغطيها نضحات exudate (نتحات) أو أغشية كاذبة.
تصنف هذه الإصابات إلى:
ـ الذباحات الحمر أو المنقطة: وهي التي تصيب البلعوم وتسببها عوامل فيروسية تشكل طيفاً كبيراً من الأسباب وعوامل جرثومية، أهمها المكورات العقدية الحالة للدم بيتا، وتبرز في لوحتها السريرية أعراض موضعية في البلعوم ويسيطر فيها الاحتقان والتورم والاحمرار الشديد الذي قد يكون منقطاً، وعسرة البلع والألم.
ـ الذباحات الفلغمونية phlegmonous: وهي ما ينتشر فيها الخمج إلى النسج الرخوة أو الضامة في الناحية.
ـ الذباحات القرحية: وهي التي تتشكل فيها قرحات في جوف الفم والبلعوم.
ـ الذباحات الحويصلية: وهي التي تتشكل فيها حويصلات مختلفة الحجم.
ـ الذباحات الغشائية الكاذبة: وهي التي تتشكل فيها نضحة التهابية تنتشر متمادية على النسيج مشكلة ما يشبه الغشاء الكاذب.
ـ الذباحات الحنجرية: وهي التي تصيب الحنجرة وتسيطر فيها أعراض الضائقة التنفسية بمختلف شدتها على الأعراض.
1- الذباحات الحمر أو المنقطة: وهي إصابات البلعوم واللوزتين وتسبب الفيروسات أكثر حالاتها، منها ما يعود إلى إصابة موضعية جرثومية وأهمها التهاب البلعوم العقدي، ومنها ما يحدث في سياق إصابة عامة تكون الإصابة البلعومية تظاهرة للمرض في إحدى مراحل سيره.
من الأمراض العامة التي تحدث فيها إصابة البلعوم:
ـ النزلة الوافدة (الأنفلونزا): وهي مرض تسببه الفيروسات A أو B من النزلة الوافدة التي تتصف بارتفاع مفاجئ في درجة الحرارة وعرواءات (الرجفة التي تترافق مع الحمى) وآلام عضلية ووهن وقهم (نقص الشهية للطعام).
وتتضمن أعراضها حرقة البلعوم واحتقان الأنف والسعال الجاف، ويدوم بضعة أيام تعقبها شكوى المصاب من الوهن.
كما يمكن للفيروسات الغدية adenovirusأن تسبب إصابة في البلعوم قد تكون نضحية، إلا أن الألم البلعومي لا يكون شديداً وتبقى الأعراض العامة مثل الحمى معتدلة.
ويمكن لفيروس النكاف الذي يصيب الغدد اللعابية أن يسبب إصابة بلعومية مرافقة، تظهر باحتقان البلعوم وبضخامة اللوزتين وانزياحهما أو انزياح إحداهما إلى الوسط بفعل الضغط الذي تحدثه ضخامة الغدة النكفية.
هذا وتتظاهر أمراض جرثومية مثل الخمج بالمكورات السحائية بإصابة البلعوم (احتقان البلعوم وعسرة البلع)، ضمن سياق المرض إلا أن الأعراض الأخرى مثل سوء الحالة العامة وتوضع الحبر petechia(النمشات) في مواضع محددة من البدن في حالة تجرثم الدم بالسحائيات وبروز الأعراض العصبية السحائية في حالة التهاب السحايا تكشف الحالة.
ويمكن لالتهاب البلعوم الذي يترافق بعسرة البلع والألم الشديد وارتفاع الحرارة، أن يؤلف التظاهرة الأخرى لمرض تنشؤي هو ابيضاض الدم leukemia إلا أن الأعراض الأخرى والعلامات الفيزيائية التي يظهرها الفحص السريري والفحوص المخبرية تكشف الحالة.
إن التهاب البلعوم العقدي هو أهم إصابات الحلق تأثيراً على الحالة الصحية العامة، لما قد يحدثه من مضاعفات (الحمى الرثوية) مما يوجب التشدد بمعالجته درءاً لهذه المضاعفات. إن الجراثيم التي تسبب التهاب البلعوم العقدي هي المجموعة A من المكورات العقدية الحالة للدم بيتا، وأكثر الأعمار إصابة به يقع بين 5 و15 من العمر. تظهر الإصابة فجاءة بحمى وعرواءات وصداع وألم بلعوم يتصف بعسرة بلع شديدة تزداد مع بلع الريق، وقد يكون الألم شديداً يجعل حركة دوران الرأس صعباً في بعض الأحيان.
يكون احمرار البلعوم مختلف الشدة يشمل الجدار الخلفي للبلعوم واللوزتين وشراع الحنك، كما يتوذم البلعوم واللوزتان واللهاة وتبدو على اللوزتين والجدار الخلفي نقاط نضحية رقيقة متفرقة أو متصلة، كما تتضخم العقد اللمفية في مقدم العنق.
إذا كانت المكورات العقدية الحالة بيتا من التي تفرز الذيفان المحمر erythrogenic toxin سببت ما يعرف بالحمى القرمزيةscarlet fever وهو مرض يحدث بعد الشكاية من التهاب البلعوم بـ 12 إلى 24 ساعة ويتظاهر بطفح يشمل كامل الجسم بسرعة، وتبدو تبدلات في اللسان تجعله يبدي منظر الكرز ويعرف باسم اللسان الكرزي.
إن البنسلين بطريق الفم ولمدة عشر أيام، مؤثر في معالجة التهاب البلعوم العقدي والحمى القرمزية.
2- الذباحات الفلغمونية: وهي ما ينتشر فيها الخمج إلى النسج الرخوة أو الضامة في الناحية محدثة فلغموناً، وتقع هذه الذباحات في الخراج خلف البلعوم والخراج حول اللوزة وذباح لودفيك.
أ ـ الخراجة خلف البلعوم: وتتشكل في المسافة، ما بين الجدار الخلفي للبلعوم والصفاق (البيرتوان) أمام فقرات العمود الرقبي، عند الأطفال خاصة. قد تكون الخراجة خلف البلعوم مضاعفة لالتهاب بلعوم عقدي، خاصة إن لم تحسن معالجته، أو تتشكل من امتداد الإصابة الفقرية إلى تلك المسافة، أو من تأذي البلعوم بفعل أداة حادة يلهو بها الطفل بوضعها في فمه. أما الجراثيم التي تسبب الخراجة خلف البلعوم فهي المجموعة A من المكورات العقدية الحالة للدم بيتا والجراثيم اللاهوائية والمكورات العنقودية. تحدث الأعراض عادة بعد ما يكون المريض قد عانى من إصابة بلعومية تحدث فيها فجاءة حمى شديدة الارتفاع وصعوبة في البلع تجعله غير قادر على الشرب، وقد تظهر صعوبة تنفسية تتبدى بالصرير. إن صعوبة البلع الشديدة تؤدي إلى تراكم المفرزات في الفم وتسيل منه ويتخذ المصاب وضعية فرط بسط العنق بسبب التبدل التشريحي الناجم عن الخراح، ومحاولة لإبقاء السبيل الهوائي مفتوحاً أقصى ما يمكن.
يكون الانتباج في جدار البلعوم الخلفي واضحاً وقد يتوضع الخراج قريباً من منطقة البلعوم الأنفي ساداً بذلك الأنف الخلفي ويدفع شراع الحنك إلى الأمام. قد ينبثق الخراج تلقائياً، إن لم يعالج، وقد ينتقل القيح عندئذ إلى الرئتين أو ينتشر إلى أحد جانبي العنق أو ينتشر على امتداد الصفاق إلى المنصف. قد تمنع المعالجة بالبنسلين والبنسيلينات نصف التركيبية التقيح وقد يحتاج الخراج إلى التفجير جراحياً.
قد تصاب الفسحة الجانبية للبلعوم بالخمج بالجراثيم نفسها وتعرف الحالة عندئذ بالخراجة البلعومية الجانبية lateral pharyngeal abcess وتتصف هذه الإصابات بحمى شديدة الارتفاع وضزز trismus (تضيق شديد يصيب الفكين نتيجة تقفع العضلات الماضغة) وألم شديد في البلعوم مع صعوبة البلع، ويظهر الانتباج واضحاً في جانب البلعوم وتتضخم العقد اللمفية الرقبية في الناحية وتكون مؤلمة، وقد يؤدي التشنج العضلي إلى الصعر torticollis (الاجل) (وضعية يظهر فيها ضرب من التواء العنق وميلان الرأس)، ومعالجة هذه الحالة جراحية بالتفجير.
ب ـ الخراجة حول اللوزة: ويحدث الخمج في المسافة بين العضلة المعصرة للبلعوم واللوزة، وسببها المجموعة A من العقديات الحالة للدم بيتا أو اللاهوائيات في اليفع وما قبله، يتقدم على تشكل الخراجة إصابة اللوزتين والبلعوم، وقد تكون الحمى بسببهما قد خمدت أم لم تخمد. لتتبدى الأعراض بألم بلعومي شديد أكثر شدة من قبل وضزز يجعل المصاب يرفض الطعام والشراب وحتى التكلم، وقد يحدث الصعر، وتكون اللوزة المصابة منتبجة ومتوذمة تدفع باللهاة إلى الجانب المقابل، تأخذ الخراجة بالتلين إن لم تعالج معالجة مناسبة في غضون بضع أيام لتنبثق في منطقة السويقة الحلقية الأمامية anterior faucial pillar. أما المعالجة المناسبة فتقوم على إعطاء الصادات والشق الجراحي.
ج ـ ذباح لودفيك ludwig angina: وهو التهاب الهلل cellulits تسببه الجراثيم اللاهوائية في المسافة تحت اللسان وتحت الفك السفلي، يؤدي إلى وذمة قاسية في قاع الفم تدفع باللسان إلى الارتفاع في جوف الفم دون أن تتضخم العقد اللمفية في العنق. تتصف هذه العلامات بالألم الشديد وعسرة البلع، وقد يؤدي تفاقم هذه الأعراض والعلامات إلى زلة تنفسية تعرض حياة المصاب للخطر ما لم يتم إجراء خزع الرغامى لإنقاذه.
3- الذباحات القرحية:
أ ـ التهاب اللثة والفم الحلئي herpeticالحاد: غالباً ما يسببه فيروس الحلأ البسيط ـ1 HSV-1 أكثر ما يصيب الأطفال ما بين السنتين الثانية والرابعة من العمر، كما يصيب اليافعين والبالغين أحياناً، ولا يتظاهر سريرياً إلا في 5% من حالات الخمج البدئي بفيروس الحلأ البسيط التي تكون لا عرضية.
تحدث الإصابة في الأغشية المخاطية للفم ببدء مفاجئ ترتفع الحمى لتصل إلى 39.4 أو 40.6 درجة مئوية ويعاني المصاب من هياج وقهم وحرقة بالفم وتظهر في الوقت نفسه آفات واضحة في الأغشية المخاطية للفم فتنتبج اللثة وتحتقن احتقاناً شديداً تؤدي إلى سهولة نزفها وتظهر قرحات سطحية ذات محيط أحمر على الغشاء المخاطي للفم واللسان وفي الحلق. وقد تظهر هذه القرحات أول ما تظهر في اللوزتين ثم تنتشر إلى بقية الأغشية المخاطية في الفم، وتتضخم العقد اللمفية الرقبية وتكون مؤلمة. تختلف شدة الإصابة ومدتها، فقد تكون بسيطة تتصف بأعراض عامة بسيطة وحمى خفيفة وقرحات قليلة العدد، وتتحسن الحالة عندئذ في غضون 5 إلى 7 أيام، وقد تكون شديدة ترتفع فيها الحمى كثيراً وتكون الآفات الفموية نازفة ومؤلمة تحول دون تناول ما يكفي من الوارد وقد تؤدي إلى التجفاف والاحمضاض، ولا تتحسن الحالة قبل انقضاء 10 إلى 14 يوماً على البدء.
ب ـ ذباح قلة العدلات agranulocytosis angina: هناك من الأمراض والأدوية ما يؤدي إلى نقص في عدد العدلات (قلة العدلاتagranulocytosis). إذا قل عدد الكريات البيض إلى ما دون 1000 كرية بيضاء/مم3 ربما أدى ذلك إلى أن تتظاهر أول ما تتظاهر بالتهاب البلعوم الحاد: حيث تكون اللوزتان وجدار البلعوم الخلفي شديدي الاحتقان تغطيهما نضحة بيضاء أو صفراء وتكون الأغشية المخاطية تحت هذه النضحة شديدة التقرح. تمتد هذه التقرحات إلى جوف الفم بكامله لتشمل اللسان، وتتصف هذه الآفات بأنها شديدة الألم وتكون عسرة البلع شديدة وتحدث النزوف من الأغشية المخاطية وتتضخم العقد اللمفية في الرقبة.
ج ـ الذباحات القلاعية aphtous angina: وهي آفات فموية تميل للرجعة سببها غير معروف، وربما تعود إلى المناعة الذاتية، والآفات القرحية القلاعية يقل قطرها عن 5مم قد تكون محمرة، محيطها حمامي تغطيها نضحة ليفية بيضاء مصفرة، يتقدم على ظهور هذه القرحات أعراض بادرية هي حس حرق أو حكة أو المضض الذي يصل إلى الانزعاج من تناول الطعام. قد تكون الآفات مفردة أو متعددة، وتتوضع في مواضع شائعة هي قاع الفم، السطح البطيني من اللسان والثنيات المخاطية الفموية وقلما تظهر على شراع الحنك أو على مخاطية الفم.
4- الذباحات الغشائية الكاذبة:
أ ـ ذباح فنسان vincent’s angina: ويعرف بالتهاب البلعوم المواتي، تسببه الجراثيم اللاهوائية، تكون الشكوى فيه ألم شديد في البلعوم ونتن النفس وكراهة الطعم في الفم والإحساس بالاختناق. يبدو البلعوم محمراً متقرحاً يغطيه غشاء رمادي اللون سهل التقشر ويتم نزعه بسهولة ويترافق باعتلال العقد اللمفية، قد لا تدوم الإصابة إلا أياماً أو تستمر أسابيع وغالباً ما تبدأ الآفة في جانب واحد ثم تنتشر إلى الجهة الأخرى.
ب ـ كثرة الوحيدات الخمجية infectious mononucleosis: مرض يسببه فيروس إبشتاين ـ بار EBV ومن أعراضه الحمى وحرقة البلعوم حيث تتضخم اللوزتان وتحتقنان وتظهر عليهما نضحة بيضاء رمادية مشكلة غشاء كاذباً، تدوم هذه العلامات مدة 7 إلى 10 أيام. وتتميز بالتهاب البلعوم الحاد الغشائي الكاذب والضخامة العقدية في العنق وضخامة الطحال.
ج ـ التهاب اللوزتين الحلئي الحاد: قد تتجمع الآفات الحلئية على اللوزتين مشكلة غشاءً كاذباً، وقد تصادف هذه الإصابة في بدء بعض حالات التهاب الفم واللثة الحلئي الحاد، ومنه تنتشر الآفات إلى بقية الغشاء المخاطي في جوف الفم.
5- الذباحات الحويصلية vesicular angina:
أ ـ الخناق الحلئي herpangina: وأكثر ما يسببه الفيروس كوكساكي A، يتصف ببدء مفاجئ بحمى مرتفعة تدوم مدة 1 إلى 4 أيام مع فقد الشهية وحرقة البلعوم، وعسرة البلع. تكمن أبرز معالم هذا المرض في البلعوم حيث تظهر على السويقات الأمامية للحلق حويصلات صغيرة لا يتجاوز قطرها 1-2ملم لا تلبث أن تنبثق مشكلة قرحات تغطيها نضحة بيضاء رمادية وتكبر هذه القرحات خلال 2 إلى 3 أيام وتحيط بها هالة حمراء إلا أنها لا تزيد عن 5مم. تختفي الأعراض العامة والموضعية خلال 4 إلى 6 أيام ليحدث الشفاء الكامل.
ب ـ داء اليد القدم الفم: وهو مرض يتصف بحمى واندفاعات حويصلية أكثر ما تظهر في الغشاء المخاطي للفم واللسان وأقل من ذلك أن تظهر على شراع الحنك واللثة والشفتين، ويظهر طفح لطخي حطاطي على اليدين والقدمين ثم يصبح حويصلياً، ينسب إلى الزمر 16 و5 و10 من مجموعة فيروسات كوكساكي A.
6- الذباحات الحنجرية: وهي مجموعة متغايرة من حالات خمجية تصيب الحنجرة تتظاهر بالحمى والسعال الوصفي والضباح، قد تترافق بصرير شهقي أو لا تترافق وعلامات شدة تنفسية تعود إلى درجات مختلفة من انسداد الحنجرة، وقد تهدد صفحة الانسداد الحنجري هذه الحياة ما لم يبادر سريعاً إلى اتخاذ الإجراءات المنقذة (التنبيب أو خزع الرغامى). أما الأسباب فتعود إلى عوامل ممرضة متعددة تقع الفيروسات وخاصة فيروسات نظيرة النزلة الوافدة منها على رأسها، كما أن الجراثيم ومنها المستدميات النزلية ب hemophilus B، والمكورات العنقودية تسبب أشكالاً وصفية من هذه الذباحات.
للذباحات الحنجرية أربعة أشكال:
أ ـ التهاب الحنجرة الخمجي الحاد: مرض شائع، أكثر ما يحدث بين الشهر الثالث والسنة الخامسة من العمر، ويكثر انتشاره في الفصول الباردة من السنة، ويزيد وقوعه في الإناث على الذكور، تسبب معظم حالاته الفيروسات وخاصة نظيرة النزلة الوافدة منها. يتصف البدء عادة بالتهاب السبل التنفسية العلوية ويعاني المصاب في أثنائه من حرقة البلعوم والسعال الضباحي والصرير الذي يشتد ويصبح صريحاً مع هياج الطفل وبكائه. والإصابة خفيفة على وجه العموم والشدة التنفسية الصريحة غير شائعة إلا في صغار الرضع، أما في الحالات الشديدة فيكون الضباح والصرير صريحين والطفل هادئاً، ويعاني المصاب من الزلة والتململ ويظهر السحب بأنواعه (وهو انجذاب الصدر للداخل مع حركة الشهيق)، تحت القص وفوق القص وبين الأضلاع. ومع ترقي الحدثية المرضية (وهي انتباج الأغشية المخاطية في منطقة ما تحت المزمار)، تتكرر دورات معاناة الطفل من التعطش للهواء air hunger والتململ والزرقة في الشفتين والأظافر، حتى يصيبه الإنهاك، مشرفاً على الهلاك ما لم تتخذ الإجراءات الإسعافية المنقذة للحياة.
تقوم المعالجة على المحافظة على السبيل الهوائي مفتوحاً ومكافحة الخمج، وأفضل ما يمكن تقديمه للطفل المصاب في المنزل وضعه في جو رطب مشبع ببخار الماء كأن يوضع في الحمام وإراحته وإغداق السوائل عليه.
ب ـ التهاب لسان المزمار الحاد: وهو حالة خطيرة ذات سير حاد وخيم تحدث في الأطفال ما بين السنتين والسابعة من العمر، وأكثر ما يحدث وقوعه في السنة الثالثة والنصف من العمر، تبلغ نسبة إصابة الذكور للإناث 3/2. إن الصورة الوصفية للإصابة بالتهاب لسان المزمار الحاد هي أن يشكو الطفل من ترفع حروري شديد وحرقة البلعوم وعسرة البلع فجأة، لتظهر عليه علامات الشدة التنفسية في غضون دقائق أو ساعات فيظهر الصرير والضباح والسعال والهياج والتململ وسيلان اللعاب. توحي هذه الأعراض بالانسداد في السبيل التنفسي بلسان المزمار (لسان المزمار: بنية غضروفية تشبه الجفن lidlike تبرز من مدخل الحنجرة، وتفيد في منع دخول الطعام إلى الحنجرة في أثناء البلع، حيث تغلق مدخل الحنجرة عندئذ). إن الأعراض المذكورة تجعل الطفل يتخذ وضعية فرط بسط العنق، ووضعية الجلوس مندفعاً للأمام وفمه مفتوح ولسانه متدل، يسيل من فمه اللعاب في سعي لفتح السبيل الهوائي. إن أكثر ما يسبب التهاب لسان المزمار الحاد هو المستدميات النزليةB. إن سرعة سير الحالة وخطورتها تستوجب إجراءً إسعافياً سريعاً. تدوم الحالات الخفيفة مدة 2 إلى 3 أيام. وليذكر إن محاولات الضغط على اللسان لرؤية البلعوم أو المزمار قد تؤدي إلى توقف القلب بتنبيه العصب المبهم، ويجب أن لا يتم ذلك إلا بعد اتخاذ التدابير اللازمة التي يقوم بها المؤهلون.
ج ـ التهاب الحنجرة التشنجيspasmodic laryngitis: غالباً ما يحدث في الأطفال ما بين السنتين الأولى والثالثة من العمر وسببه فيروسي في أغلب الحالات. تحدث أغلب الحالات في المساء أو الليل ببدء مفاجئ، تسبقه عادة الإصابة بزكام خفيف أو متوسط الشدة وضباح إذ يستيقظ الطفل من نومه وهو يسعل سعالاً نباحياً، ويسمع الصرير وتظهر أعراض الشدة التنفسية مما يجعله قلقاً وفزعاً، إن قلق الطفل وفزعه وهياجه يزيد من شدة الصرير والشدة التنفسية وإراحته وهدوئه تقلل منهما ويتم ذلك بتهدئته ووضعه في جو رطب مشبع ببخار الماء. قد تتناوب على المصاب عارضات زرقة متقطعة. والمألوف أن يستيقظ الطفل في الصباح التالي وقد خمدت الأعراض وتحسنت حالته لا يشكو إلا من سعال خفيف وضباح وقد تعاود هذه الصفحة السريرية الطفل لعدة ليال.
د ـ التهاب الحنجرة والرغامى الجرثومي: وهو خمج جرثومي حاد يتلو على الغالب التهاب الحنجرة الفيروسي، وأكثر ما تسببه الجراثيم العنقودية الذهبية، وقد تسببه أيضاً المستدميات النزلية والموركسيلة النزلية، وأكثر ما يحدث في الأطفال دون السنة الثالثة من العمر، وقد يصيب الأطفال أكبر من هذه العمر ويمكن أن تكون الإصابة بدئية بالمكورات العنقودية الذهبية. عادة ما تظهر الإصابة في طفل يعاني من إصابة تنفسية علوية تتبدى على شكل التهاب حنجرة بأعراضه المعروفة إلا أن الحالة تسوء بالتدريج مع تطبيق المعالجة التقليدية لالتهاب الحنجرة، ولا تبدي الفحوص المتممة ما يثبت الإصابة بالتهاب لسان المزمار. إن الإصابة المرضية الأساسية في التهاب الحنجرة والرغامى، تكمن في انتباج المخاطية في مستوى الغضروف الحلقي، حيث يتوضع في هذا المكان مخاط كثيف ومفرزات قيحية لا يغني مص المفرزات آلياً من الحاجة للتهوية الصناعية وتطبيق الأدوية المضادة للمكورات العنقودية المذهبة.
محمد ياسين