منذ تأسيسه في عام 1944، حظي صندوق النقد الدولي بحصة من النجاحات والإخفاقات في الوفاء بمهمته الأساسية المتمثلة في مراقبة النظام النقدي، وضمان استقرار أسعار الصرف، وإزالة القيود التي تمنع التجارة أو تبطئها.
أُنشئ صندوق النقد الدولي لأن العديد من البلدان تعرضت للدمار الاقتصادي بسبب الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية.
على مر السنين، ساعد صندوق النّقد الدولي البلدان في تجاوز العديد من المواقف الاقتصادية الصعبة المختلفة. وتواصل المنظمة أيضا التطور والتكيف مع الاقتصاد العالمي الآخذ في التغير.
سنلقي في هذا المقال نظرة على الدور الذي قام به صندوق النقد الدولي، فضلًا عن المسائل الاقتصادية، ومستويات تأثير بعض البلدان في هذه المنظمة، ونجاحاتها وإخفاقاتها.
دور صندوق النقد الدولي في القضايا الاقتصادية العالمية
كان صندوق النّقد الدولي بالنسبة للعديد من البلدان المنظمة التي يتعين أن تلجأ إليها في أثناء الأوقات الاقتصادية العصيبة. وعلى مر السنين، أدت هذه المنظمة دورًا رئيسيًا في مساعدة البلدان على التحول من خلال استخدام المعونة الاقتصادية. بيد أن هذا ليس سوى أحد الأدوار العديدة التي يضطلع بها صندوق النقد الدولي في القضايا الاقتصادية العالمية.
كيف يمول صندوق النقد الدولي؟
يمول صندوق النقد الدولي بنظام الحصص، إذ تدفع كل دولة قيمة مستحقة وفقًا لحجم اقتصادها وأهميتها السياسية في التجارة والمالية. وعندما تنضم دولة إلى المنظمة، تدفع عادة ربع حصتها في شكل دولارات أمريكية أو يورو أو ين أو جنيه استرليني. أما الأرباع الثلاثة الأخرى فمن الممكن دفعها بعملتها الخاصة.
وعمومًا، تستعرض هذه الحصص كل خمس سنوات. ويستطيع صندوق النقد الدولي أن يستخدم حصص الدول المتقدمة لتقديم المساعدات للدول النامية اقتصاديًا.
ويمول صندوق النّقد الدولي أيضًا من الصناديق الاستئمانية للمساهمات إذ تعمل المنظمة بوصفها جهة الوصية. وهذا يأتي من مساهمات الأعضاء في مقابل الحصص، ويستخدم لتزويد البلدان المنخفضة الدخل بقروض منخفضة الفائدة وتخفيف عبء الديون.
الإقراض من صندوق النقد الدولي
حين تطلب إحدى الدول الحصول على قرض، فإن صندوق النّقد الدولي سوف يمنح البلاد الأموال اللازمة لإعادة بناء استقرار عملتها أو تثبيتها، وإعادة ترسيخ النمو الاقتصادي، ومواصلة شراء الواردات. ويقدم صندوق النقد الدولي للدول الأعضاء مجموعة متنوعة من القروض المصممة خصيصا لتلبية استخدامات محددة.
قروض الصندوق الاستئماني للحد من الفقر والنمو:
وهذه القروض منخفضة الفائدة للبلدان المنخفضة الدخل للحد من الفقر وتحسين النمو.
قروض مربوطة بالصدمات الخارجية:
وهي قروض تقدم للبلدان المنخفضة الدخل التي تقدم قروضًا لمواجهة أحداث اقتصادية سلبية خارجة عن سيطرة الحكومة. وقد تتضمن هذه الأحداث تغيرات أسعار السلع الأساسية، والكوارث الطبيعية، والحروب التي قد تعطل التجارة.
قروض الترتيبات الاحتياطية:
ستتقدم البلدان ذات القضايا المتعلقة بميزان المدفوعات قصير الأجل بطلب للحصول على قروض الترتيبات الاحتياطية من صندوق النقد الدولي. والقروض التي يقدمها برنامج العمل التعاوني تهدف إلى مساعدة البلدان على الخروج من أزمة اقتصادية بتمكينها من الوصول السريع إلى رأس المال الذي تحتاجه لاستعادة النمو.
قروض الصناديق الممتدة:
أما البلدان التي لديها مشاكل تتعلق بميزان المدفوعات الطويل الأجل وتتطلب إصلاحات اقتصادية، فستطلب الحصول على قروض من مرافق الصناديق الممتدة.
مرفق الاحتياطي التكميلي:
ويقدم صندوق النقد الدولي مساعدات مرفق الاحتياطي التكميلي لتلبية التمويل قصير الأجل على نطاق واسع. ومن بين الأمثلة على ذلك، المساعدة التي قدُمت عندما تسبب فقدان ثقة المستثمرين أثناء الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997 في تدفق كميات هائلة من الأموال إلى الخارج وأدى ذلك إلى تمويل ضخم من جانب صندوق النقد الدولي.
قروض المساعدة الطارئة:
وهي مصممة لتقديم المساعدة إلى البلدان المتعرضة لكارثة طبيعية أو الخارجة من حرب.
المراقبة
يراقب صندوق النقد الدولي السياسات الاقتصادية التي تنتهجها البلدان الأعضاء. وهناك عنصران رئيسيان للمراقبة: مراقبة الدولة والمراقبة المتعددة الأطراف.
ومن خلال مراقبة الدولة، يزور صندوق النّقد الدولي البلد مرة في السنة لتقييم سياساته الاقتصادية وما تتجه إليه. ويقدم تقريرًا عن استنتاجاته في الإشعار الإعلامي.
المراقبة المتعددة الأطراف تأتي عندما يستطلع صندوق النّقد الدولي الاتجاهات الاقتصادية العالمية والإقليمية. وتعرض هذه الأرقام مرتين في العام في تقرير التوقعات الاقتصادية العالمية والاستقرار المالي العالمي. ويشير هذان التقريران إلى مشاكل محتملة للاقتصاد العالمي والأسواق المالية. ويقدم تقرير التوقعات الاقتصادية الإقليمية مزيدًا من التفاصيل والتحليلات.
المساعدة تقنية
يساعد صندوق النقد الدولي البلدان في إدارة شؤونها الاقتصادية والمالية. وتقدم هذه الخدمة لأي بلد عضو يطلب المساعدة وتقدم عادة إلى البلدان منخفضة الدخل ومتوسطته. ومن خلال استخدام المساعدات الفنية، يستطيع صندوق النّقد الدولي أن يتولى الإشراف والإقراض على نحو مفيد لمساعدة البلاد في تجنب المطبات الاقتصادية وخلق النمو الاقتصادي المستدام. وتساعد المساعدات الفنية البلدان على تعزيز سياساتها الاقتصادية، والضريبية، والنقدية، ونظام سعر الصرف، واستقرار نظامها المالي.
مستويات التأثير
مع وجود 190 دولة عضوًا، فإن بعض أعضاء صندوق النّقد الدولي قد يكون لديهم تأثير في سياساته وقراراته أكبر من غيرهم. وتشكل الولايات المتحدة وأوروبا المؤثرين الرئيسيين داخل صندوق النقد الدولي.
الولايات المتحدة الأمريكية:
الولايات المتحدة تمتلك النسبة الأكبر من حقوق التصويت في صندوق النقد الدولي، إذ إنها تمتلك 17.4٪ من أسهم صندوق النقد الدولي، وتساهم في أكبر حصة من أية دولة منفردة. وعلى مر السنين، كانت هناك العديد من الشكاوى من أن الولايات المتحدة تستخدم صندوق النقد الدولي وسيلةً لدعم البلدان ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة لها، بدلًا من الاعتماد على الحاجة الاقتصادية. ويشعر العديد من الأعضاء بأنه ينبغي أن تكون لهم مصلحة أكبر في ما تقوم به المنظمة عندما تحدد كيفية تقديم المساعدة للبلدان المختلفة وبأية طرق.
أوروبا:
قاومت العديد من الدول الأوروبية الجهود الرامية إلى تعديل حقوق التصويت والنفوذ في صندوق النقد الدولي. في الماضي، كان يشغل منصب المدير الإداري لهذه المنظمة شخص أوروبي. ولكن مع استمرار العالم في التغير، هناك طلب أكبر لمنح صوت أكبر للبلدان الاقتصادية الناشئة الجديدة. كانت هناك مناقشات حول قدرة أوروبا على تجميع حصصها والحفاظ على صوت قوي في المستقبل. ومع ذلك، إذا حاولت البلدان الحفاظ على المستويات التي تمتلكها كل على حدة، فقد يستمر صوتها في التضاؤل.
نجاحات وإخفاقات صندوق النّقد الدولي
لقد حقق صندوق النقد الدولي العديد من النجاحات والإخفاقات على مدى تاريخه. وفيما يلي نبرز مثالين لذلك.
الأردن:
تأثر الأردن بحروبه مع إسرائيل، وحروبه الأهلية، وركود اقتصادي كبير. وفي عام 1989، عانى البلد من ارتفاع معدل البطالة وعدم القدرة على سداد قروضه. وافقت البلاد على سلسلة من الإصلاحات التي دامت خمس سنوات بدأت مع صندوق النقد الدولي. وقد فرضت حرب الخليج وعودة 230 ألف أردني بسبب غزو العراق للكويت ضغطًا على الحكومة، مع استمرار ارتفاع البطالة.
في الفترة من 1993 إلى 1999، منح صندوق النقد الدولي الأردن ثلاثة قروض ممددة من تسهيلات الصندوق ونتيجة لذلك، قامت الحكومة بإصلاحات هائلة للخصخصة والضرائب والاستثمار الأجنبي وسياسات تجارية أكثر سهولة.
وبحلول عام 2000، تم قبول الأردن في منظمة التجارة العالمية، وبعد عام واحد وقع اتفاق تجارة حرة مع الولايات المتحدة. وتمكن الأردن من خفض إجمالي مدفوعات ديونه وإعادة هيكلته على مستوى يمكن التحكم فيه. والأردن مثال على الكيفية التي يستطيع بها صندوق النّقد الدولي أن يعمل على تعزيز قوة واستقرار الاقتصادات التي تعد أعضاء منتجين في الاقتصاد العالمي.
تنزانيا:
في عام 1985، جاء صندوق النقد الدولي إلى تنزانيا بهدف تحويل الدولة الاشتراكية المفلسة المثقلة بالديون إلى مساهم قوي في الاقتصاد العالمي وكانت الخطوات الأولى التي اتخذت لخفض الحواجز التجارية، وخفض البرامج الحكومية، وبيع الصناعات المملوكة للدولة.
وبحلول عام 2000 تحولت الرعاية الصحية التي كانت مجانية ذات يوم إلى خدمات مدفوعة، وارتفع معدل الإصابة بالإيدز في البلاد إلى 8٪. و بدأ نظام التعليم الذي كان مجانيًا ذات يوم يتقاضى رسومًا على الأطفال للذهاب إلى المدرسة، كما انخفض معدل الالتحاق بالمدارس، الذي كان 98٪ في عام 1981، إلى 66٪ في عام 2000. ونتيجة لهذا، ارتفع معدل الأمية في البلاد بنحو 50٪. وهذا مثال على فشل المنظمة في فهم أن استراتيجية المقاس الواحد الذي يناسب الجميع ولا تنطبق على جميع البلدان.
وعلى الرغم من ذلك، واصل صندوق النّقد الدولي جهوده لتزويد تنزانيا بمختلف أنواع المساعدة
خلاصة القول
لصندوق النقد الدولي دور مفيد للغاية في الاقتصاد العالمي باستخدام الإقراض والمراقبة والمساعدة الفنية، ويستطيع الصندوق أن يؤدي دورًا بالغ الأهمية في المساعدة في تحديد المشاكل المحتملة والقدرة على مساعدة البلدان في الإسهام في الاقتصاد العالمي.
بيد أن الولايات المتحدة وأوروبا هيمنتا تاريخيًا على الهيئة الحاكمة فيه، وحقق صندوق النّقد الدولي نجاحات وإخفاقات. ورغم أن أية منظمة ليست مثالية، فإن صندوق النقد الدولي خدم الأغراض التي تأسس من أجلها، وهو مستمر في تطوير دوره في عالم دائم التغير.