كردي (بكري) Al-Kurdi (Bakri-) - Al-Kurdi (Bakri-)
الكردي (بكري ـ)
(1909 ـ 1979)
بكري الكردي، مطرب وملحن سوري ولد في مدينة جسر الشّغور التابعة لمحافظة إدلب في الجمهورية العربية السورية.
ترك والد بكري مدينة حلب، واستقر في جسر الشّغور طلباً للرزق، وأمضى بكري طفولته في تلك البلدة، وحصل فيها على الشهادة الابتدائية. وعندما دخل معترك الحياة الفنية مطرباً ومؤلفاً موسيقياً، بدّل اسمه من بكّار إلى بكري، والصلة بين الاسمين ظاهرة الوضوح، والاسم الأصل بكّار بن مصطفى بن بكّار.
ألِف بكري الكردي، في سن مبكرة، ارتياد الجوامع، والتكايا، والزوايا، ولم يكن دافعه القيام بواجباته الدينية فحسب، بل حضور الأذكار والاحتفالات الدينية الأخرى، جذبه إليها ما يصحبها من أناشيد، وتراتيل، وأنواع الغناء الديني من قصائد، وموشحات، وقدود، وهذا ما جعل صوته الجميل يحتاج إلى علم ودراسة ومعرفة.
كان أول أستاذ له الشيخ عبد الحميد الموري مؤذن جامع العمري بحلب، تلقى على يده بعض الموشحات والقدود، وشيئاً من علم النغمة، وأصول الإيقاعات. وأخذ الكردي عن سامي صندوق، عازف القانون الحلبي الشهير حينذاك أصول العزف بآلة العود، وأكمل علومه الأخرى إلى جانب دراسة قواعد التدوين الموسيقي على يد الأستاذ الموسيقار الشيخ علي الدرويش.
لم يتوقف تعليم الكردي عند هذا الحد، لأنه تلقى على نحو مباشر وغير مباشر كثيراً من أنواع الموسيقى والغناء من فناني حلب المشهورين الكبار، فقد سمع وحفظ وردد حتى أتقن ما كان يصدر عن حنجرته الذهبية.
صدح صوته من على مئذنة التكية المولوية بالأذان، إذ كان صوته جميلاً يقطر عذوبة وحناناً يتفرد بنبرات شديدة الخصوبة، تعرفه الأذن غير المدربة بكل يسر وسهولة.
لم يلبث الكردي في عمله مؤذناً طويلاً حتى رأى نفسه مدفوعاً إلى العمل في المسارح والملاهي بتشجيع من محبي صوته، وأسلوبه في الأداء. غير أنه لاقى معارضة شديدة من أهله دفعته بداية إلى تغيير اسمه الأصلي، كما اضطر إلى أن يتوقف عن الغناء في الملاهي الليلية، وافتتح محلاً تجارياً لبيع الأقمشة لم يدم عمله به طويلاً، فقد حنَّ إلى العمل الفني فأغلق المحل وعاد إلى الغناء في الملاهي الليلية.
بعد أن تزوج الكردي وأنجب أبناءً زاد استنكار أفراد عائلته لعمله ذاك، فاضطر إلى ترك الملاهي الليلية نهائياً، وعاد إلى جلسات الذكر والاحتفالات الدينية، وكان آخر أعماله الأذان في جامع بني أمية الكبير في حلب. واقتصر نشاطه الفني بعد ذلك على التلحين، وتقديم المعونة الفنية لمن يرغب من هواة النغم في المعرفة والعلم.
سبق بكري الكردي إلى اتباع المذهب التعبيري في التلحين أحمد الأبري، رائد هذه المدرسة، وسار معه في الطريق نفسه كميل شمبير. كما تبنى الكردي الاتجاه ذاته ونقل الجملة الشعرية إلى جملة أو جمل لحنية، ترجم فيها المعنى بإيحاءات إنسانية ذات أبعاد نفسية ودرامية تجذب المتلقي إليها، فيصبح أسير متابعتها كجملة شعرية لحنية تتلوها أخرى حتى نهاية العمل. وطوّعَ ألحانه، جاعلاً من ترديداته حالة تعبيرية لما يدور في حنايا شغاف الإنسان من خفقات، فكانت ألحانه متفردة في بنائها وصياغتها، لا تشبه غيرها لأنها لا تنسب إلا إليه. وقد لحن الكردي لعدد من الشعراء، منهم: الدكتور فؤاد رجائي، وأبو القاسم الشابي، وعبد الكريم الناعم، وصديقه حسام الدين الخطيب الذي لحن له عدداً من القصائد باللغتين الفصحى والمحكية، وغيرهم كثير. كما غنى من ألحان الكردي عدد كبير من المطربات منهن فيروز الحلبية، وماري جبران، وليلى حلمي، والنجمة السينمائية المطربة نور الهدى، وهي واحدة من تلاميذه، وهدى العطار، وغيرهن، كما غنى له عدد كبير من المطربين، منهم صبري المدلل، ومصطفى ماهر، ومحمد خيري، وصباح فخري، وسمير حلمي وغيرهم. وقد غنَّى عدد من المطربين منذ ثلاثينات القرن العشرين أغنية «إبعت لي جواب وطمّني»، أطلقها مجدداً المطرب صباح فخري، ومازال يرددها عدد كبير من المطربين والمطربات في الوطن العربي حتى اليوم. ولحن على قالب الدور المصري «القلب مال للجمال» من كلمات حسام الدين الخطيب وغناء صباح فخري، غير أن طابع اللحن كان سوري المنبت والهوية.
كرمه مهرجان الأغنية السورية الثاني في حلب عام 1995، وقدم له موشح «أقبل الصبح يغني للحياة الناعسة» من شعر أبي القاسم الشابي وغنته المطربة هدى العطار.
ذاك العطاء المميز صدر عن ثقافة واسعة اكتسبها بكري الكردي من معاشرته عدداً كبيراً من المثقفين، والشعراء، والفنانين. وقد ورد عند العلامة خير الدين الأسدي في «موسوعة حلب المقارنة» أن بكري الكردي كان واحداً من مجموعة ضمت الفنانين: الشيخ علي الدرويش، وأحمد الأبري، وعمر البطش، والشاعر حسام الدين الخطيب الذين كانوا يجتمعون ليلاً في دار واحدة من هواة الفن في حلب بهدف تدوين موسيقى الموشحات، وضبط خلل الإيقاعات في كتاب مؤتمر الموسيقى العربية الأول الذي عقد في القاهرة سنة 1932.
جميل ولاية
الكردي (بكري ـ)
(1909 ـ 1979)
بكري الكردي، مطرب وملحن سوري ولد في مدينة جسر الشّغور التابعة لمحافظة إدلب في الجمهورية العربية السورية.
ترك والد بكري مدينة حلب، واستقر في جسر الشّغور طلباً للرزق، وأمضى بكري طفولته في تلك البلدة، وحصل فيها على الشهادة الابتدائية. وعندما دخل معترك الحياة الفنية مطرباً ومؤلفاً موسيقياً، بدّل اسمه من بكّار إلى بكري، والصلة بين الاسمين ظاهرة الوضوح، والاسم الأصل بكّار بن مصطفى بن بكّار.
ألِف بكري الكردي، في سن مبكرة، ارتياد الجوامع، والتكايا، والزوايا، ولم يكن دافعه القيام بواجباته الدينية فحسب، بل حضور الأذكار والاحتفالات الدينية الأخرى، جذبه إليها ما يصحبها من أناشيد، وتراتيل، وأنواع الغناء الديني من قصائد، وموشحات، وقدود، وهذا ما جعل صوته الجميل يحتاج إلى علم ودراسة ومعرفة.
كان أول أستاذ له الشيخ عبد الحميد الموري مؤذن جامع العمري بحلب، تلقى على يده بعض الموشحات والقدود، وشيئاً من علم النغمة، وأصول الإيقاعات. وأخذ الكردي عن سامي صندوق، عازف القانون الحلبي الشهير حينذاك أصول العزف بآلة العود، وأكمل علومه الأخرى إلى جانب دراسة قواعد التدوين الموسيقي على يد الأستاذ الموسيقار الشيخ علي الدرويش.
لم يتوقف تعليم الكردي عند هذا الحد، لأنه تلقى على نحو مباشر وغير مباشر كثيراً من أنواع الموسيقى والغناء من فناني حلب المشهورين الكبار، فقد سمع وحفظ وردد حتى أتقن ما كان يصدر عن حنجرته الذهبية.
صدح صوته من على مئذنة التكية المولوية بالأذان، إذ كان صوته جميلاً يقطر عذوبة وحناناً يتفرد بنبرات شديدة الخصوبة، تعرفه الأذن غير المدربة بكل يسر وسهولة.
لم يلبث الكردي في عمله مؤذناً طويلاً حتى رأى نفسه مدفوعاً إلى العمل في المسارح والملاهي بتشجيع من محبي صوته، وأسلوبه في الأداء. غير أنه لاقى معارضة شديدة من أهله دفعته بداية إلى تغيير اسمه الأصلي، كما اضطر إلى أن يتوقف عن الغناء في الملاهي الليلية، وافتتح محلاً تجارياً لبيع الأقمشة لم يدم عمله به طويلاً، فقد حنَّ إلى العمل الفني فأغلق المحل وعاد إلى الغناء في الملاهي الليلية.
بعد أن تزوج الكردي وأنجب أبناءً زاد استنكار أفراد عائلته لعمله ذاك، فاضطر إلى ترك الملاهي الليلية نهائياً، وعاد إلى جلسات الذكر والاحتفالات الدينية، وكان آخر أعماله الأذان في جامع بني أمية الكبير في حلب. واقتصر نشاطه الفني بعد ذلك على التلحين، وتقديم المعونة الفنية لمن يرغب من هواة النغم في المعرفة والعلم.
سبق بكري الكردي إلى اتباع المذهب التعبيري في التلحين أحمد الأبري، رائد هذه المدرسة، وسار معه في الطريق نفسه كميل شمبير. كما تبنى الكردي الاتجاه ذاته ونقل الجملة الشعرية إلى جملة أو جمل لحنية، ترجم فيها المعنى بإيحاءات إنسانية ذات أبعاد نفسية ودرامية تجذب المتلقي إليها، فيصبح أسير متابعتها كجملة شعرية لحنية تتلوها أخرى حتى نهاية العمل. وطوّعَ ألحانه، جاعلاً من ترديداته حالة تعبيرية لما يدور في حنايا شغاف الإنسان من خفقات، فكانت ألحانه متفردة في بنائها وصياغتها، لا تشبه غيرها لأنها لا تنسب إلا إليه. وقد لحن الكردي لعدد من الشعراء، منهم: الدكتور فؤاد رجائي، وأبو القاسم الشابي، وعبد الكريم الناعم، وصديقه حسام الدين الخطيب الذي لحن له عدداً من القصائد باللغتين الفصحى والمحكية، وغيرهم كثير. كما غنى من ألحان الكردي عدد كبير من المطربات منهن فيروز الحلبية، وماري جبران، وليلى حلمي، والنجمة السينمائية المطربة نور الهدى، وهي واحدة من تلاميذه، وهدى العطار، وغيرهن، كما غنى له عدد كبير من المطربين، منهم صبري المدلل، ومصطفى ماهر، ومحمد خيري، وصباح فخري، وسمير حلمي وغيرهم. وقد غنَّى عدد من المطربين منذ ثلاثينات القرن العشرين أغنية «إبعت لي جواب وطمّني»، أطلقها مجدداً المطرب صباح فخري، ومازال يرددها عدد كبير من المطربين والمطربات في الوطن العربي حتى اليوم. ولحن على قالب الدور المصري «القلب مال للجمال» من كلمات حسام الدين الخطيب وغناء صباح فخري، غير أن طابع اللحن كان سوري المنبت والهوية.
كرمه مهرجان الأغنية السورية الثاني في حلب عام 1995، وقدم له موشح «أقبل الصبح يغني للحياة الناعسة» من شعر أبي القاسم الشابي وغنته المطربة هدى العطار.
ذاك العطاء المميز صدر عن ثقافة واسعة اكتسبها بكري الكردي من معاشرته عدداً كبيراً من المثقفين، والشعراء، والفنانين. وقد ورد عند العلامة خير الدين الأسدي في «موسوعة حلب المقارنة» أن بكري الكردي كان واحداً من مجموعة ضمت الفنانين: الشيخ علي الدرويش، وأحمد الأبري، وعمر البطش، والشاعر حسام الدين الخطيب الذين كانوا يجتمعون ليلاً في دار واحدة من هواة الفن في حلب بهدف تدوين موسيقى الموشحات، وضبط خلل الإيقاعات في كتاب مؤتمر الموسيقى العربية الأول الذي عقد في القاهرة سنة 1932.
جميل ولاية