كيف يتصرف المستثمرون؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كيف يتصرف المستثمرون؟

    عندما يتعلق الأمر بالمال والاستثمار، لسنا عقلانيين كما نظن، ولذلك يوجد مجال دراسات يختص بتفسير سلوكنا الغريب أحيانًا، فما المواصفات التي تنطبق على المستثمر؟ للإجابة عن هذا السؤال، سنلقي نظرةً على بعض نظريات واكتشافات التمويل السلوكي Behavioral Finance.
    التشكيك بنظرية الفاعل العقلاني


    افترضت النظريات الاقتصادية الأساسية بأن الأفراد يتصرفون بعقلانية، وأن العملية الاستثمارية تتضمن معرفة جميع المعلومات الموجودة المتعلقة بالاستثمار. يُعرف هذا الافتراض بنظرية الفاعل العقلاني RAT، وهو جوهر فرضية كفاءة السوق EMH.

    وفق نظرية الفاعل العقلاني، يعتمد الأفراد كليًا على حسابات عقلانية لاتخاذ قرارات عقلانية، لكي تلائم النتيجة أفضل مصلحة لهم (تعظيم المنفعة).

    وتفترض هذه النظرية بأن هذه القرارات العقلانية تتخذ وفق حسابات خالية من أي أخطاء، بناءً على المعلومات الشاملة والكاملة المتاحة دائمًا لمتخذ القرار. وبذلك يسعى الفاعلون العقلانيون إلى تعظيم منفعتهم بنحوٍ فعال تحت أي ظرف، ويحاولون دائمًا تقليل خسائرهم وفق مصلحتهم الذاتية.

    ولكن وضع الباحثون افتراضات نظرية الفاعل العقلاني تحت المساءلة، وكشفوا أدلة تثبت أن السلوك العقلاني ليس سائدًا كما افترضت النماذج الاقتصادية الشائعة.

    يحاول التمويل السلوكي فهم وشرح تأثير المشاعر البشرية في اتخاذ القرار المالي والاستثماري، وقد تصدمك النتائج التي توصلوا إليها لحد الآن.
    الحقيقة حول سلوك المستثمر


    عام 2001، نشرت دالبار Dalbar -وهي شركة أبحاث خدمات مالية- بحثًا بعنوان «التحليل الكمي لسلوك المستثمر»، وكانت خلاصة البحث أن المستثمرين العاديين يفشلون باستمرار في تحقيق عوائد أكبر أو تساوي عوائد المؤشرات العامة للسوق.

    كشف البحث الذي درس فترة 17 عامًا -حتى نهاية عام 2000- أن متوسط عوائد مؤشر 500-S&P السنوية بلغ 16.29%، بينما بلغ متوسط عوائد مستثمري حقوق الملكية 5.32% في الفترة ذاتها، ولا شك أن 9% فرق كبير!

    وكشف البحث أيضًا أن متوسط الربح السنوي لمستثمر الدخل الثابت بلغ 6.08%، بينما كسب مؤشر السندات الحكومية طويلة الأمد 11.83%.

    في متابعة للدراسة عام 2015، كشفت دالبار مجددًا أن المستثمرين العاديين لا يحققون الأرباح التي تحققها مؤشرات السوق، وكانت النتيجة تحقيق المستثمرين العاديين في صناديق استثمار حقوق الملكية أرباحًا أقل من مؤشر S&P 500 بفرق 8.19%.

    فقد حقق السوق عوائد أكثر من ضعف العوائد التي حققها المستثمر الاعتيادي في صناديق استثمار حقوق الملكية 13.69% مقارنة بـ 5.50%.

    وحقق المستثمرون في صناديق استثمار الدخل الثابت أرباحًا أقل من أرباح مؤشر سوق السندات المعيارية بفرق 4.81%. يقدم التمويل السلوكي بعض التفسيرات لحدوث هذه الظواهر.


    الخوف من الندم


    تدرس «نظرية الندم» رد الفعل العاطفي الذي يمر به الناس بعد إدراكهم أن قرارهم كان خاطئًا.

    فيما يتعلق ببيع الأسهم، يتأثر الناس عاطفيًا بسعر شرائهم للسهم، لذلك يتجنبون بيعه لتجنب الشعور بالندم حيال استثمارهم السيئ، وتجنب حرج إخبار الآخرين بخسائرهم، فجميعنا نكره أن نكون مخطئين.

    عند التفكير ببيع سهم، يجب على المستثمر سؤال نفسه: «هل هناك عواقب لإعادة نفس العملية (شراء وبيع السهم) في حال استخدمت الأموال الناجمة عن البيع في إعادة الاستثمار بالسهم ذاته؟».

    في حال كان الجواب «لا» يجب على المستثمر بيع السهم، وإلا سيندم المستثمر على شراء سهم خاسر وأيضًا على عدم بيعه عندما اتضح أن القرار الاستثماري كان خاطئًا.

    وهكذا تنشأ حلقة مفرغة من الندم، عندما تؤدي محاولة تجنب الندم إلى مزيد من الندم.

    نلاحظ صحة نظرية الندم أيضًا عند اكتشاف المستثمرين ارتفاع قيمة سهم قد فكروا سابقًا في شرائه ولكنهم لم يشتروه، فيتجنب بعض المستثمرين هذه الاحتمالية بواسطة شراء السهم الذي يشتريه الجميع، مبررين فعلهم هذا بأن «الجميع يفعله».

    الغريب في الأمر، شعور الناس بحرج أقل بكثير في حال خسارتهم أموالهم في استثمار بسهم شائع استثمر فيه أناسٌ كثر، مقارنةً بالحرج الذي يشعرون به في حال خسارة أموالهم في أسهم غير شائعة.
    سلوك المحاسبة العقلية Mental Accounting


    يختلف تصنيف الأحداث وتحليلها بين عقول الناس، وأحيانًا يؤثر اختلاف تصنيف الحدث ومكانته في أذهاننا في سلوكنا بدرجة أكبر من تأثير الحدث بحد ذاته.
    على سبيل المثال، فلنفترض أنك ذاهب إلى المسرح لتشاهد عرضًا مسرحيًا، وثمن تذكرة الدخول 20$.

    وفي طريقك إلى المسرح، تكتشف أنك فقدت مبلغ 20$، هل ستدفع مبلغ 20$ لتشتري تذكرة الدخول رغم فقدانك 20$ مسبقًا؟

    وجد التمويل السلوكي أن 88% من الناس سيفعلون ذلك.

    ولنفترض افتراضًا ثانيًا، هو أنك اشتريت التذكرة ودفعت ثمنها مسبقًا، وبعد وصولك إلى المسرح، اكتشفت أنك نسيت تذكرتك في المنزل، هل ستدفع 20$ لشراء تذكرة مرة ثانية؟

    بعد إجراء استجواب، أجاب فقط 40% من الناس أنهم سيشترون تذكرة ثانية.

    نلاحظ أنك في المثالين ستخسر مبلغ 40$ ولكن اختلف القرار مع اختلاف القصة رغم ثبات المبلغ، وذلك بسبب اختلاف مكانة الحدث في أذهاننا، أليس ذلك أمرًا غريبًا؟

    نلاحظ أفضل تمثيل للمحاسبة العقلية في مجال الاستثمار عند تردد المستثمرين حول بيع استثمار كانت أرباحه مرتفعة سابقًا وأصبحت أرباحه قليلة.

    في أثناء الازدهار الاقتصادي وفي السوق الصاعد Bull market، يعتاد الناس على الأرباح الكبيرة، ولو كانت أرباحًا غير محققة.

    وعندما يقلل تصحيح السوق من حجم ثروة المستثمر، يتردد المستثمر في بيع السهم بهامش ربح قليل.

    فيخلق المستثمرون في أذهانهم مكانةً للمكاسب التي حققوها سابقًا، ما يجعلهم ينتظرون عودة تلك الفترة الزمنية المربحة.

    نظرية الاحتمال وكره الخسارة، تحدثنا في مقال سابق عنها
    سلوك الترسيخ Anchoring


    في ظل غياب المعلومات الأفضل أو الأحدث، يفترض المستثمرون أن السعر السوقي هو السعر الصحيح.

    يميل الناس إلى ترسيخ آخر أخبار السوق وأحداثه والآراء السائدة في أذهانهم، والاعتماد في قراءاتهم على المعلومات الأخيرة، التي تختلف عن المعلومات التاريخية والمعدلات والاحتمالات على المدى الطويل.

    في سوقٍ صاعد Bull Market، غالبًا ما تتأثر القرارات الاستثمارية بالأسعار المرسخة، وهي أسعار تُعدُّ هامة لأنها قريبة من الأسعار الحديثة.

    وبسبب سلوك الترسيخ هذا، تفقد العوائد التاريخية صلتها بقرار المستثمر كلما كانت أبعد عن لحظة اتخاذ القرار.
    ردود الفعل المبالغ بها


    يتفاءل المستثمرون عند صعود السوق، ويفترضون أنه سيستمر بالصعود.

    والعكس صحيح، فيتشاءم المستثمرون كثيرًا في أثناء فترات الانكماش.

    وأحد عواقب الترسيخ، أو إعطاء أهمية زائدة للأحداث الأخيرة وتجاهل البيانات التاريخية، هو المبالغة بردود الفعل تجاه أحداث السوق، سواء كانت هذه الردود أكبر أو أصغر من اللازم، ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار أكثر مما ينبغي بسبب الأخبار السيئة، وارتفاعها أكثر مما ينبغي بسبب الأخبار الجيدة.

    في ذروة التفاؤل، يدفع طمع المستثمرين أسعار الأسهم إلى أعلى من سعرها الحقيقي، فمتى كان الاستثمار بسهم دون عوائد قرارًا عقلانيًا؟ ما يجعل معدل السعر على العائد P/E ratio لا نهائيًا، مثلما حدث في أزمة أسهم شركات الإنترنت قبيل عام 2000.

    في أقصى درجاتها، قد تؤدي ردود الفعل المبالغ بها هذه إلى انهيارات أو نوبات هلع في السوق.
    فرط ثقة المستثمر


    من الشائع أن يقيم الشخص إمكانياته فوق عامة الناس، وأن يزيد من تقييم دقة معرفته وصحتها وأن يشعر أنها تتميز وتتفوق على معرفة الآخرين.

    ويؤمن العديد من المستثمرين أنهم يستطيعون دائمًا التدخل في السوق في الوقت المناسب، ولكن الأدلة في الواقع تثبت عكس ذلك.

    يؤدي فرط الثقة إلى المبالغة في العمليات التجارية، واستنزاف تكاليف التجارة للأرباح.
    العوامل الاجتماعية


    يشكل علم النفس المعرفي cognitive psychology أساس معظم نظريات الاقتصاد السلوكي، وتشير أبحاث علم الاجتماع الاقتصادي إلى وجود قوى على صعيد أعلى من الصعيد الفردي تقود سلوك المستثمر.

    كشفت دراسة حديثة أن الناس يكونون أكثر محافظةً بكثير عند اتخاذهم للقرارات الاستثمارية نيابةً عن أشخاص مقربين منهم، ويتحملون مخاطرة في محفظة استثمارية مخصصة لأحد الأبناء أقل من المخاطرة التي يتحملونها في محافظهم الاستثمارية بمقدار الثلث.

    ويميل المستثمرون إلى أن يكونوا أكثر محافظةً عندما يكون الاستثمار في أحد الحسابات الهامة في ثقافة المجتمع مثل حساب التقاعد أو مدخرات التعليم الجامعي.

    وتدرس أبحاث أخرى في الوقت الراهن مدى تأثير العلاقات الاجتماعية في القرارات المالية، وعلى صعيدٍ أعلى، ثقافة المجتمع أيضًا.

    ما يظهر أن سلوك المستثمر لا يتأثر فقط بالعوامل النفسية، بل بالعوامل الاجتماعية أيضًا.

    هل السلوك غير العقلاني شذوذ أم أنه الحالة السائدة؟

    كما ذكرنا سابقًا، تتنازع نظريات التمويل السلوكي مباشرةً مع نظريات التمويل التقليدية.

    وتحاول كل مدرسة منهما تفسير سلوك المستثمرين وتداعيات هذا السلوك، فأي مدرسة محقة؟

    إن أكثر نظرية تعارض التمويل السلوكي بوضوح هي فرضية كفاءة السوق EMH، التي طورها الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل يوجين فاما من جامعة شيكاغو والاقتصادي كينيث فرينش من معهد MIT.

    تنص نظريتهما على أن أسعار السوق تجسد بكفاءة جميع المعلومات المتاحة، وتعتمد هذه النظرية على فرضية أن جميع المستثمرين عقلانيون.

    ويجادل أنصار فرضية كفاءة السوق في أن جميع الأحداث التي يحللها التمويل السلوكي هي شذوذ قصير المدى أو أنها نتيجة صدفة، وستتلاشى على المدى الطويل بفضل كفاءة السوق.

    ولذلك، قد لا توجد أدلة كافية لدحض كفاءة السوق، بسبب التجارب التي أنتجت أدلة تثبت أن الأسواق تصلح نفسها على المدى الطويل.

    وتجدر الإشارة إلى وجهة نظر الاقتصادي بيتر إل. بيرنستاين حول هذا الجدل، ويقول في كتابه Against the Gods: The Remarkable Story of Risk: «من المهم أن ندرك أن السوق لا يعمل كما تظن النماذج الكلاسيكية، وتوجد أدلة عديدة تثبت سلوك القطيع، وهو مفهوم التمويل السلوكي عن المستثمرين الذين يتبعون ذات المسار على نحوٍ غير عقلاني، ولكنني لا أعلم فائدة هذه المعلومات بخصوص إدارتك أموالك. وسأبقى غير مقتنع أن أي شخص سيجني النقود باستمرار باستخدامه هذه المعلومات».
    أسئلة شائعة

    هل يتصرف الناس كفاعلين اقتصاديين عقلانيين؟


    في معظم الحالات، الجواب هو لا.

    كشف التمويل السلوكي ونفسية المستثمر investor psychology أنه رغم افتراض المدارس الاقتصادية عمومًا أن الفاعل عقلاني، يبتعد الناس بانتظام عن السلوك العقلاني المفترض.
    لماذا يتصرف الفاعلون الاقتصاديون بلا عقلانية؟


    اقتُرِحت عدة أسباب للإجابة عن هذا السؤال.

    يشير علم النفس المعرفي إلى أن مقدرة عقل الإنسان على معرفة ومعالجة المعلومات محدود، ويشير إلى دور المشاعر الإنسانية والتحيز غير الموضوعي في صناعة القرار. ومؤخرًا، كشف علماء الاقتصاد الاجتماعي عن القوى الاجتماعية والثقافية الفاعلة.
    ما معنى هذا الكلام بالنسبة للمستثمرين؟


    كلما كان سلوكهم أكثر أو أقل «لا عقلانية»، يرى التمويل السلوكي أن المستثمرين يقعون ضحيةً لسلسلة من القوى الاجتماعية والمعرفية والعاطفية، التي تقودهم إلى اتخاذ قرارات ليست مثالية وإضعاف أدائهم في السوق وفي أي مكان آخر.

    بعد معرفة محدودية سلوك الإنسان واتخاذه القرار، يستطيع الناس تصويبها أو التأقلم معها، ما يعني أيضًا أن الأسواق ليست بالكفاءة التي تظنها النظريات التقليدية، ما يفسح المجال أمام المستثمرين الأذكياء للاستفادة من سوء التسعير الحاصل في السوق وتحقيق الأرباح.
    الخلاصة


    لا شك أن التمويل السلوكي يفسر بعض التصرفات الموجودة في النظام الاستثماري.

    يجادل أنصار المنهج السلوكي في أن المستثمرين غالبًا ما يتصرفون بلا عقلانية، ما ينتج أسواقًا غير كفوءة وأسعارًا خاطئة للأوراق المالية، ما يخلق فرص جني الأرباح.

    وقد يكون هذا صحيحًا لمدة زمنية قصيرة، ولكن إثبات عدم كفاءة السوق على المدى الطويل أمرٌ صعبٌ.

    ويبقى التساؤل حول ما إذا كان استخدام نظريات التمويل السلوكي مفيدًا لإدارة أموالك على نحوٍ اقتصادي وفعال.

    يُقال إن المستثمرين أسوأ أعداء لأنفسهم.

    إن محاولات توقع اتجاه السوق ليست مجدية على المدى الطويل، والحقيقة أنها غالبًا ما تؤدي إلى سلوك غريب وغير عقلاني، إضافةً إلى تكبدك بعض الخسائر.

    قد يفيدك وضع استراتيجية مدروسة جيدًا والالتزام بها في تجنب العديد من هذه الأخطاء الاستثمارية الشائعة.
يعمل...
X