الآثار العالمية لتخفيض الصين قيمة اليوان عام 2015

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الآثار العالمية لتخفيض الصين قيمة اليوان عام 2015

    في 11 أغسطس 2015، فاجأ بنك الشعب الصيني الأسواق العالمية وخفّض -في خطوة غير متوقعة- قيمة اليوان الصيني ثلاث مرات متتالية مطيحًا بأكثر من 3% من قيمته، التي كانت قد شهدت تحسنًا نسبته 33% أمام الدولار الأمريكي منذ عام 2005.

    وكان التخفيض الأول هو أكبر هبوط يحدث في مرة واحدة في قيمة اليوان منذ 20 عامًا، وهو ما رآه البعض محاولةً صينية يائسةً لتعزيز الصادرات ودعم الاقتصاد الذي كان يشهد أبطأ نسبة نمو عرفها منذ عقود.

    ادعى بنك الشعب خلاف ذلك قائلًا إن التخفيض جاء في سياق الإصلاحات الاقتصادية الرامية إلى التوجه نحو اقتصاد السوق بصورة أكبر، وكان لهذا التحرك انعكاسات كبيرة حول العالم.
    صدمة الأسواق


    لمدة 10 سنوات، حافظ اليوان على نسبة نمو ثابتة أمام الدولار الأمر الذي جعل المستثمرين يسلمون باستقراره وقوته المتنامية. ورغم إن هبوط قيمة العملة 4% في غضون يومين يعد ضئيلًا بمعايير أسواق المال، فقد أثر في المضاربين على العملات لأنهم يعتمدون على الرافعة المالية بصورة كبيرة. لذا هبطت أسواق الأسهم في الولايات المتحدة وأوروبا وأميركا اللاتينية، وترنحت معظم العملات تحت وطأة هذا التخفيض في قيمة اليوان.
    كيف تأثر صندوق النقد الدولي؟


    كان إصلاح الاقتصاد الصيني والانفتاح نحو اقتصاد السوق التزامًا حكوميًا وعد به الرئيس شي جينغ بينغ عند توليه منصبه في مارس عام 2013. وقال بيان بنك الشعب الصيني إن خفض قيمة العملة هذا هو لمرة واحدة، وسيجعل من سعر تعادل اليوان يتماشى مع سعر المعاملات الفورية. وسيعطي الأسواق، علاوة على ذلك، دورًا أكبر في تحديد سعر صرف اليوان. الأمر الذي أكده في حينه البروفيسور في جامعة كورنيل، إدوارد برساد، الذي قال: «إن خطوة التخفيض متوافقة مع اتجاه الصين المتمهل والثابت نحو اقتصاد السوق».

    أما الدافع الآخر الذي وقف وراء تخفيض اليوان، فكان عزم الصين أن تكون جزءًا من سلة احتياطي العملات في صندوق النقد الدولي، المعروفة باسم حقوق السحب الخاصة، والتي يعيد الصندوق تقييمها كل خمس سنوات. رُفض انضمام اليوان إلى سلة العملات في عام 2010 بحجة القيود المفروضة على حرية استعماله. ولأن التخفيض جاء تحت مسمى الإصلاح نحو اقتصاد السوق، كان موضع ترحيب صندوق النقد الدولي، وبالنتيجة، أصبح اليوان، في عام 2016، جزءًا من حقوق السحب الخاصة، بنسبة بلغت 10.92%.


    آراء متشككة


    رغم تجاوب صندوق النقد الدولي، تشكك الكثيرون في التزام الصين قيم السوق الحر، بحجة أن سياسة سعر الصرف الجديدة كانت تماثل التعويم المنظم. أطلق البعض اتهامات بأن التخفيض كان تدخلًا حكوميًا آخر، وأن قيمة اليوان ستبقى تحت رقابة وإدارة بنك الشعب الصارمة.

    جاءت البيانات لتعزز الرأي السابق، إذ أظهرت انخفاض صادرات الصين بنسبة كبيرة بلغت 8.3% في يوليو 2015، مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق. لذا رأى المتشككون في خطوة الصين محاولةً لتحفيز اقتصادها المتباطئ. إذ حفز تخفيض قيمة اليوان صادرات الصين، التي أصبحت أقل تكلفة، وأعطاها ميزة تنافسية في الأسواق العالمية. كانت النتيجة زيادة تكلفة الواردات، ما نشط عمليات إنتاج السلع البديلة داخل الصين.

    ظهرت ردود الأفعال الغاضبة تحديدًا في الولايات المتحدة التي لطالما نبه بعض رجال السياسة فيها من تخفيض الصين قيمة عملتها بصورة مفتعلة، ما أضر بالمصدّرين الأمريكيين. اعتقد البعض أن تدخل الصين ليس سوى بداية حرب عملات قد يكون من شأنها رفع حالة التوتر التجاري.
    هل جاء التخفيض متوافقًا مع بيانات السوق الأساسية؟


    شهد اليوان خلال الأعوام العشرين الماضية تحسنًا في قيمته أمام معظم العملات الرئيسية ومن ضمنها الدولار الأميركي. واعتمدت السياسة الصينية بصورة أساسية على السماح للسوق تحديد اتجاه حركة اليوان، وفي الوقت ذاته، التدخل لتقييد معدل ارتفاع قيمته. لكن الاقتصاد الصيني تباطأ كثيرًا في الفترة التي سبقت تخفيض قيمة اليوان مقابل تحسن أداء نظيره الأميركي. لذا أصبح استمرار ارتفاع قيمة اليوان مخالفًا للبيانات الأساسية في السوق، التي ظهر في ضوئها أن التخفيض كان ضرورةً ولم يهدف إلى الإضرار بالمنافسين.

    رغم هبوط اليوان الأكبر من نوعه في عقدين، بقي أقوى مما كان عليه في السنوات السابقة، فيما يخص معدلات التبادل التجاري.
    الأثر على التجارة العالمية


    إن تخفيض قيمة العملة مفهوم شائع في الاقتصاد. لكن ممارسة الصين لهذا المفهوم قد تعرض الاقتصاد العالمي للمشكلات. لأنها أكبر مُصدر وثاني أكبر اقتصاد في العالم، لذا قد تخسر الاقتصادات الصغيرة والمتوسطة الحجم المعتمدة على التصدير جزءًا من عوائدها التجارية في حال انخفاض أسعار السلع الصينية.
    ومن الأمثلة على تلك الدول، فيتنام وبنغلادش وإندونيسيا، المعتمدة في صادراتها على الأحذية والنسيج، والتي كانت لتعاني من منافسة البضائع الصينية في السوق العالمية.
    كيف تأثرت الهند؟


    كان لضعف اليوان الصيني آثار كثيرة في الاقتصاد الهندي، فقد قفز الطلب العالمي على الدولار الأمريكي نتيجة قرار الصين ترك عملتها تهبط أمامه. وفي الهند، اشترى المستثمرون الدولار لأنه استثمار آمن، وكان ذلك على حساب الروبيّة التي هوت قيمتها مقابل الدولار إلى أدنى مستوى في عامين، واستمر الوضع هكذا خلال النصف الثاني من عام 2015.

    اضطربت أيضًا أسواق السندات الهندية نتيجة زيادة المخاطر المرتبطة بالأسواق الناشئة التي ترتبت على القرار الصيني. كل ذلك أطلق عنان مزيد من الهبوط في قيمة الروبيّة.

    يساعد التراجع في قيمة الروبية عادةً الأعمال المحلية في الهند عبر جعل منتجاتها أقل تكلفة. غير إن سياق ضعف اليوان وتباطؤ الطلب في الصين، يزيح تأثير تنافسية الروبية علاوة على التنافس بين الدولتين في مجالات كثيرة مثل النسيج والملابس والكيماويات والتعدين. لذا فإن ضعف اليوان ضغط على هوامش الربح لدى المصدرين في الهند نتيجة التنافسية الشديدة. وزادت قدرة المنتجين في الصين على إغراق السوق الهندية بالسلع.

    كان قرار بنك الشعب تخفيض قيمة اليوان قد أعطى إشارة إلى المستثمرين بأن الطلب الصيني على النفط سيستمر في التراجع، لذا تراجع خام برنت بنسبة 20% بعد ذلك القرار. بالنسبة إلى الهند، يعني انخفاض سعر النفط دولارًا واحدًا تراجع فاتورة استيراد هذه المادة بمقدار مليار دولار. وفر ذلك على الهند 139 مليار دولار في نهاية عام 2015.
    اتهامات التلاعب بالعملة


    بصورة عامة، تراجعت قيمة اليوان أمام الدولار الأميركي بين عامي 2015 و2019. وفي 5 أغسطس عام 2019 أعلنت وزارة الخزانة الأميركية رسميًا أن الصين دولة متلاعبة بالعملة، وهو أمر لم تفعله منذ عام 1984. لكنها عادت ورفعت التصنيف عن الصين في بدايات 2020. وبحسب ستيفين منوتشين، وزير الخزانة الأميركي في حينه: «تعهدت الصين بالامتناع عن تخفيض قيمة العملة بغرض المنافسة، مع تعزيز الشفافية والمساءلة».
    الخلاصة


    كان التبرير الرئيسي لتخفيض الصين قيمة عملتها هو ارتفاع قيمة الدولار الأميركي. وتضمنت الأسباب الأخرى رغبة البلد في التحول نحو الاستهلاك المحلي وبناء اقتصاد قائم على الخدمات.

    استمرت المخاوف من خفض لاحق لقيمة اليوان مدة سنة أخرى، لكنها تلاشت عندما ازدادت قوة الاقتصاد الصيني واحتياطي العملات الأجنبية فيها عام 2017.

    ومن تداعيات هذا القرار، توتر العلاقة مع الولايات المتحدة، ووصم الصين بصفة دولة متلاعبة بالعملة لفترة وجيزة.
يعمل...
X