تقلبات سعر صرف العملة نتيجة طبيعية لتعويم سعر الصرف الذي يمثل مبدأ معظم الاقتصادات الكبرى. تؤثر عوامل كثيرة في سعر الصرف، ومنها أداء الاقتصاد الوطني وتوقعات التضخم وفروقات أسعار الفائدة وتدفق رأس المال وغيرها من العوامل. يتحدد سعر صرف العملة عادةً حسب قوة بنية الاقتصاد أو ضعفها، ولذلك قد يتقلب سعر صرف العملة كثيرًا.
الآثار العميقة للعملات
لا يتابع معظم الناس سعر صرف العملة لأنهم نادرًا ما يحتاجون إليه في تعاملاتهم، إذ يجري المواطن تعاملاته اليومية باستخدام عملته الوطنية ولا يهتم بسعر الصرف إلا عند التعاملات الاستثنائية مثل السياحة أو السفر أو المدفوعات الخارجية أو التحويلات العابرة للحدود.
يُفضل المسافرون حول العالم أن تكون عملاتهم المحلية مرتفعة الثمن لتقل تكاليف سفرهم إلى الدول الأوروبية.
ولكن من سلبيات العملة القوية أنها تضغط على الاقتصاد الوطني وتعيق نموه على المدى الطويل، إذ تسبب ضعف قدرة الصناعات المحلية على المنافسة في الأسواق الدولية، ما يؤدي إلى فقدان آلاف العمال لوظائفهم.
قد يُفضِّل البعض العملة القوية، ولكن العملة الضعيفة أفضل اقتصاديًا للدولة.
تُعد قيمة العملة في أسواق الصرف الأجنبية مفتاحًا أساسيًا لرسم السياسة النقدية في المصرف المركزي، وقد يؤثر سعر صرف العملة -على نحو مباشر أو غير مباشر- في معدل الفائدة الذي تدفعه على رهنك العقاري وعوائد محفظتك الاستثمارية وأفق فرص العمل المتاحة لك وحتى أسعار السلع في بقالية الحي.
أثر العملة في الاقتصاد
يؤثر مستوى العملة مباشرةً في الاقتصاد في الجوانب التالية:
1- تجارة السلع:
أي في صادرات وواردات الدولة.
عمومًا، تزيد العملة الرخيصة ثمن الواردات وتحفز الصادرات لأنها تجعلها أرخص ثمنًا بالنسبة للمستهلكين الخارجيين، أي بمرور الزمن ستؤثر قيمة العملة في الفائض أو العجز التجاري للدولة.
وعلى سبيل المثال، لنفترض وجود مصدِّر أمريكي يبيع الكراسي بسعر 10$ للكرسي الواحد لمستورد في أوروبا، ويبلغ سعر الصرف 1.25$ لكل 1€، أي أن التكلفة لدى المستورد الأوروبي تبلغ 8€ للكرسي.
إذا انخفض سعر صرف الدولار ليبلغ 2.5$ لكل 1€، عندها يصبح سعر الكرسي بالنسبة للمستورد الأوروبي (في حال لم يتغير السعر بالدولار) يساوي 4€.
أي أن الدولار الضعيف أفضل للصادرات، فهو يزيد من منافستها السعرية في الأسواق الخارجية.
بالمقابل، تضعف العملة القوية من المقدرة التنافسية للصادرات وتجعل الواردات أرخص ثمنًا ما يؤدي إلى زيادة حجم العجز التجاري وانخفاض سعر الصرف وفق آلية مصححة لذاتها.
ولكن العملة القوية قد تؤذي الصناعات التصديرية بشدة قبل أن تعود للانخفاض الطبيعي.
2- النمو الاقتصادي:
المعادلة الأساسية لحساب الناتج المحلي الإجمالي:
GDP=C+I+G+(X−M)
C = الاستهلاك أو الإنفاق الاستهلاكي، ويمثل المكون الأكبر في الاقتصاد.
I = الاستثمار الرأسمالي، من قِبَل الأعمال أو العائلات.
G = الإنفاق الحكومي.
(X−M) = الصادرات – الواردات، أو صافي الصادرات.
توضح هذه المعادلة أنه كلما كبر حجم صافي الصادرات كبر حجم الناتج الإجمالي للدولة. أي يوجد ارتباط عكسي بين صافي الصادرات وقوة العملة المحلية.
3- تدفقات رأس المال:
يميل رأس المال الأجنبي إلى التدفق باتجاه الدول ذات الحكومات القوية والاقتصادات النشطة والعملات المستقرة، أي أن العملة المستقرة ضرورية للدولة لاستقطاب رأس المال من المستثمرين الأجانب، وتُبعد احتمالية تكبد خسائر ناجمة عن انخفاض سعر الصرف هؤلاء المستثمرين.
يوجد نوعان من تدفقات رأس المال، الأول الاستثمار الأجنبي المباشر، وهو شراء المستثمرين الأجانب حصصًا في شركات موجودة مسبقًا أو بناء منشآت جديدة في الدولة المستقبلة لرأس المال، ويُعد مصدرًا أساسيًا للتمويل في الاقتصادات الصاعدة مثل الهند والصين.
والثاني استثمار المحافظ الأجنبية، أي العمليات التي يجريها المستثمرون الأجانب من شراء وبيع وتداول للأوراق المالية في الدولة المستقبلة.
تفضل الحكومات النوع الأول عادةً، لأن عوائد استثمار المحافظ الأجنبية تعد أموال مضاربة تغادر البلاد بسرعة عندما تسوء الظروف.
قد يؤدي أي حدث سلبي (مثل تدهور قيمة العملة) إلى هروب رأس المال من الدولة.
4- التضخم:
قد يؤدي تخفيض قيمة العملة إلى ما يسمى التضخم المستورد (تضخم أسعار الواردات) في الدول المستوردة الأساسية.
مثلًا، قد يؤدي انخفاض قيمة العملة المحلية بنسبة 20% إلى زيادة تكلفة المستوردات بنسبة 25% أي سترتفع أسعار السلع المستوردة بنسبة 25% لتعود إلى مستوى سعرها الأساسي.
5- معدلات الفائدة:
أسعار الصرف بالغة الأهمية عند رسم المصرف المركزي سياسته النقدية.
في سبتمبر 2012، صرح مارك كارني حاكم مصرف كندا المركزي إن المصرف يأخذ بالحسبان استمرارية قوة الدولار الكندي عند إعداد السياسة النقدية، وقال كارني إن قوة الدولار الكندي ساعدت على نجاح سياستهم النقدية على طول الزمن.
تضغط العملة المحلية القوية على الاقتصاد، ولها أثر مشابه للسياسة النقدية الانكماشية (مثل معدلات الفائدة المرتفعة). إضافة إلى ذلك، فإن تشديد السياسة النقدية الانكماشية في فترة قوة العملة المحلية سيؤدي إلى تفاقم المشكلة، إذ يجذب ذلك أموال المضاربة من المستثمرين الأجانب الذين يبحثون عن استثمارات أعلى مردودًا، وبهذا تزداد قوة العملة المحلية أكثر.
أمثلة على الأثر العالمي للعملات
سوق العملات الأجنبية واحد من أنشط الأسواق وأكبرها تداولًا في العالم، إذ يتجاوز حجم التداول فيه أسواق الأسهم بكثير ويصل إلى أكثر من 5 ترليون دولارًا يوميًا.
لا تتصدر أسواق العملات عناوين الأخبار رغم مستويات التداول الهائلة يوميًا، ولكن في بعض الأحيان تواجه أسعار العملات انعطافات حادة يصل صداها إلى كافة أنحاء العالم، ومن الأمثلة على ذلك:
1- الأزمة الآسيوية 1997-1998:
الأزمة المالية الآسيوية خير مثال على الدمار الذي يسببه تدهور سعر الصرف، إذ بدأت هذه الأزمة بانخفاض سعر البات (عملة تايلاند) صيف عام 1997.
انخفض سعر البات بسبب تعرضه لهجوم مضاربة حاد، ما أرغم المصرف المركزي التايلندي على التخلي عن تثبيت سعر صرف العملة بالدولار الأمريكي وإقرار تعويم العملة.
انتشرت عدوى العملة بين الدول المجاورة، مثل إندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية، ما أدى إلى انكماش حاد في هذه الاقتصادات مع سقوط أسواق الأسهم وانتشار إعلانات الإفلاس.
2- اليوان الصيني المقدر بأقل من قيمته الحقيقية:
بين عامي 1995 و2005، ثبتت الصين قيمة عملتها بسعر صرف يبلغ 8.2 رينمينبي لكل دولار، ما غذَّى قوتها التصديرية الهائلة وسط اتهام الشركاء التجاريين للصين بأنها تخفض قيمة عملتها وتقمعها عن قصد.
عام 2005، استجابت الصين لشكاوى الولايات المتحدة والدول الأخرى، وأفسحت المجال لقيمة عملتها بالارتفاع إلى 6 رينمينبي لكل دولار بحلول عام 2013.
3- تذبذب قيمة الين الياباني من عام 2008 إلى منتصف عام 2013:
كان الين الياباني أحد أكثر عملات العالم تقلبًا بين 2008 و2013. وبسبب سياسة اليابان بجعل الحد الأدنى لمعدلات الفائدة معدومًا، فضل التجار الين الياباني لتجارة مناقلة العملة، فاقترضوا بالين دون فائدة على القرض واستثمروا أموالهم عبر الحدود في ممتلكات أعلى إيرادًا.
ولكن مع بروز أزمة الائتمان العالمي عام 2008، ارتفعت قيمة الين بشدة بسبب إقبال أعداد كبيرة من المستثمرين على شرائه لسداد القروض المقدرة بالين، ونتج عن ذلك ارتفاع سعر صرف الين بنسبة 25% أمام الدولار الأمريكي في الأشهر الخمسة الأخيرة من عام 2008.
عام 2013، كشف رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي عن خطط التحفيز المالي والنقدي التي عُرفَت باسم آبينوميكس، وأدت هذه الخطط إلى انخفاض قيمة الين بنسبة 16% في غضون الأشهر الخمسة الأولى من العام.
4- مخاوف اليورو 2010-2012:
أدت المخاوف من إخراج الدول الغارقة في الديون (التي تتضمن اليونان والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا) من الاتحاد الأوروبي إلى انخفاض قيمة اليورو بنسبة 20%، إذ حدد سعر الصرف بقيمة 1.51$ لكل يورو في ديسبمر 2009 ليبلغ قيمة 1.19$ لكل يورو بحلول يونيو 2010.
استعاد اليورو قوته في العام التالي ولكن ذلك لم يدم طويلًا بسبب تجدد المخاوف من تفكك الاتحاد الأوروبي ما أدى إلى انخفاض قيمة اليورو بنسبة 19% في الفترة الواقعة بين مايو 2011 ويوليو 2012.
كيف يستفيد المستثمر؟
إليك بعض النصائح حول الاستفادة من تقلبات أسعار الصرف:
1- الاستثمار العابر للحدود:
عند توقع انخفاض الدولار الأمريكي ينبغي على المستثمرين في الولايات المتحدة الاستثمار في أسواق خارجية قوية لأن مكاسب العملات الأجنبية ستعزز من عوائدهم.
إذا درسنا مؤشر سوق البورصة الكندي S&P/TSX Composite Index بين عامي 2000 و2010 وقارناه مع مؤشر S&P 500 الذي كان مسطحًا في تلك الفترة، سنجد أن المؤشر الكندي حقق عوائد بنسبة 72% بالدولار الكندي.
أما بالنسبة للمستثمرين الأمريكيين الذين اشتروا الأسهم الكندية بالدولار الأمريكي، فقد حققوا عائدًا بنسبة 137% أي بنسبة 9% سنويًا، وذلك بسبب الارتفاع الحاد في قيمة الدولار الكندي.
2- الاستثمار في الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات:
توجد في الولايات المتحدة الكثير من الشركات المتعددة الجنسيات التي تحصل على جزء كبير من العوائد والإيرادات في الدول الأجنبية.
ويعزز انخفاض قيمة الدولار الأمريكي عوائد هذه الشركات، وكذلك ينجم عن انخفاضه ارتفاع في أسعار الأسهم.
3- تجنب الاقتراض بمعدل فائدة منخفض في دول أجنبية:
باعتراف الجميع، لم يعد هذا الأمر مشكلة منذ عام 2000 الذي بدأت فيه معدلات الفائدة في الولايات المتحدة الانخفاض بمعدلات قياسية.
ولكنها ستعود للارتفاع يومًا ما، وعند حدوث ذلك يجب على المستثمرين الذين اقترضوا بمعدلات فائدة منخفضة في دول أجنبية أن يتذكروا أولئك الذين عانوا لسداد القروض بالين الياباني عام 2008.
والعبرة من القصة: لا تقترض بعملة أجنبية في حال وجود احتمالية لارتفاع قيمتها، خصوصًا إذا كنت لا تستطيع التحوط ضد مخاطر سعر الصرف أو لا تعرف كيف تفعل ذلك.
4- التحوط ضد مخاطر العملة:
قد تؤثر تقلبات أسعار الصرف في استثماراتك كثيرًا، خاصةً إذا كنت مكشوفًا أمام تحركات أسواق العملات.
ولكن توجد خيارات عديدة للتحوط ضد مخاطر العملة، مثل العقود المستقبلية والعقود الآجلة وخيارات عقود العملات وصناديق الاستثمار المتداولة مثل إف إكس إي (Invesco Euro CurrencyShares Euro Trust (FXE أو إف إكس واي (CurrencyShares Japanese Yen Trust (FXY))، عليك التفكير بهذه الخيارات لضمان أمانك أكثر.
الخلاصة
تؤثر تحركات أسعار الصرف كثيرًا في الاقتصاد المحلي والعالمي.
عندما يكون الدولار الأمريكي ضعيفًا يستطيع المستثمرون استغلال هذه النقطة بالاستثمار عبر الحدود أو في الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات، لأن تقلبات العملة قد تشكل خطرًا في حال كان المستثمر مكشوفًا أمام تحركات أسواق تداول العملات، لذا يجب عليه التحوط باستخدام أدوات التحوط المتعددة.
الآثار العميقة للعملات
لا يتابع معظم الناس سعر صرف العملة لأنهم نادرًا ما يحتاجون إليه في تعاملاتهم، إذ يجري المواطن تعاملاته اليومية باستخدام عملته الوطنية ولا يهتم بسعر الصرف إلا عند التعاملات الاستثنائية مثل السياحة أو السفر أو المدفوعات الخارجية أو التحويلات العابرة للحدود.
يُفضل المسافرون حول العالم أن تكون عملاتهم المحلية مرتفعة الثمن لتقل تكاليف سفرهم إلى الدول الأوروبية.
ولكن من سلبيات العملة القوية أنها تضغط على الاقتصاد الوطني وتعيق نموه على المدى الطويل، إذ تسبب ضعف قدرة الصناعات المحلية على المنافسة في الأسواق الدولية، ما يؤدي إلى فقدان آلاف العمال لوظائفهم.
قد يُفضِّل البعض العملة القوية، ولكن العملة الضعيفة أفضل اقتصاديًا للدولة.
تُعد قيمة العملة في أسواق الصرف الأجنبية مفتاحًا أساسيًا لرسم السياسة النقدية في المصرف المركزي، وقد يؤثر سعر صرف العملة -على نحو مباشر أو غير مباشر- في معدل الفائدة الذي تدفعه على رهنك العقاري وعوائد محفظتك الاستثمارية وأفق فرص العمل المتاحة لك وحتى أسعار السلع في بقالية الحي.
أثر العملة في الاقتصاد
يؤثر مستوى العملة مباشرةً في الاقتصاد في الجوانب التالية:
1- تجارة السلع:
أي في صادرات وواردات الدولة.
عمومًا، تزيد العملة الرخيصة ثمن الواردات وتحفز الصادرات لأنها تجعلها أرخص ثمنًا بالنسبة للمستهلكين الخارجيين، أي بمرور الزمن ستؤثر قيمة العملة في الفائض أو العجز التجاري للدولة.
وعلى سبيل المثال، لنفترض وجود مصدِّر أمريكي يبيع الكراسي بسعر 10$ للكرسي الواحد لمستورد في أوروبا، ويبلغ سعر الصرف 1.25$ لكل 1€، أي أن التكلفة لدى المستورد الأوروبي تبلغ 8€ للكرسي.
إذا انخفض سعر صرف الدولار ليبلغ 2.5$ لكل 1€، عندها يصبح سعر الكرسي بالنسبة للمستورد الأوروبي (في حال لم يتغير السعر بالدولار) يساوي 4€.
أي أن الدولار الضعيف أفضل للصادرات، فهو يزيد من منافستها السعرية في الأسواق الخارجية.
بالمقابل، تضعف العملة القوية من المقدرة التنافسية للصادرات وتجعل الواردات أرخص ثمنًا ما يؤدي إلى زيادة حجم العجز التجاري وانخفاض سعر الصرف وفق آلية مصححة لذاتها.
ولكن العملة القوية قد تؤذي الصناعات التصديرية بشدة قبل أن تعود للانخفاض الطبيعي.
2- النمو الاقتصادي:
المعادلة الأساسية لحساب الناتج المحلي الإجمالي:
GDP=C+I+G+(X−M)
C = الاستهلاك أو الإنفاق الاستهلاكي، ويمثل المكون الأكبر في الاقتصاد.
I = الاستثمار الرأسمالي، من قِبَل الأعمال أو العائلات.
G = الإنفاق الحكومي.
(X−M) = الصادرات – الواردات، أو صافي الصادرات.
توضح هذه المعادلة أنه كلما كبر حجم صافي الصادرات كبر حجم الناتج الإجمالي للدولة. أي يوجد ارتباط عكسي بين صافي الصادرات وقوة العملة المحلية.
3- تدفقات رأس المال:
يميل رأس المال الأجنبي إلى التدفق باتجاه الدول ذات الحكومات القوية والاقتصادات النشطة والعملات المستقرة، أي أن العملة المستقرة ضرورية للدولة لاستقطاب رأس المال من المستثمرين الأجانب، وتُبعد احتمالية تكبد خسائر ناجمة عن انخفاض سعر الصرف هؤلاء المستثمرين.
يوجد نوعان من تدفقات رأس المال، الأول الاستثمار الأجنبي المباشر، وهو شراء المستثمرين الأجانب حصصًا في شركات موجودة مسبقًا أو بناء منشآت جديدة في الدولة المستقبلة لرأس المال، ويُعد مصدرًا أساسيًا للتمويل في الاقتصادات الصاعدة مثل الهند والصين.
والثاني استثمار المحافظ الأجنبية، أي العمليات التي يجريها المستثمرون الأجانب من شراء وبيع وتداول للأوراق المالية في الدولة المستقبلة.
تفضل الحكومات النوع الأول عادةً، لأن عوائد استثمار المحافظ الأجنبية تعد أموال مضاربة تغادر البلاد بسرعة عندما تسوء الظروف.
قد يؤدي أي حدث سلبي (مثل تدهور قيمة العملة) إلى هروب رأس المال من الدولة.
4- التضخم:
قد يؤدي تخفيض قيمة العملة إلى ما يسمى التضخم المستورد (تضخم أسعار الواردات) في الدول المستوردة الأساسية.
مثلًا، قد يؤدي انخفاض قيمة العملة المحلية بنسبة 20% إلى زيادة تكلفة المستوردات بنسبة 25% أي سترتفع أسعار السلع المستوردة بنسبة 25% لتعود إلى مستوى سعرها الأساسي.
5- معدلات الفائدة:
أسعار الصرف بالغة الأهمية عند رسم المصرف المركزي سياسته النقدية.
في سبتمبر 2012، صرح مارك كارني حاكم مصرف كندا المركزي إن المصرف يأخذ بالحسبان استمرارية قوة الدولار الكندي عند إعداد السياسة النقدية، وقال كارني إن قوة الدولار الكندي ساعدت على نجاح سياستهم النقدية على طول الزمن.
تضغط العملة المحلية القوية على الاقتصاد، ولها أثر مشابه للسياسة النقدية الانكماشية (مثل معدلات الفائدة المرتفعة). إضافة إلى ذلك، فإن تشديد السياسة النقدية الانكماشية في فترة قوة العملة المحلية سيؤدي إلى تفاقم المشكلة، إذ يجذب ذلك أموال المضاربة من المستثمرين الأجانب الذين يبحثون عن استثمارات أعلى مردودًا، وبهذا تزداد قوة العملة المحلية أكثر.
أمثلة على الأثر العالمي للعملات
سوق العملات الأجنبية واحد من أنشط الأسواق وأكبرها تداولًا في العالم، إذ يتجاوز حجم التداول فيه أسواق الأسهم بكثير ويصل إلى أكثر من 5 ترليون دولارًا يوميًا.
لا تتصدر أسواق العملات عناوين الأخبار رغم مستويات التداول الهائلة يوميًا، ولكن في بعض الأحيان تواجه أسعار العملات انعطافات حادة يصل صداها إلى كافة أنحاء العالم، ومن الأمثلة على ذلك:
1- الأزمة الآسيوية 1997-1998:
الأزمة المالية الآسيوية خير مثال على الدمار الذي يسببه تدهور سعر الصرف، إذ بدأت هذه الأزمة بانخفاض سعر البات (عملة تايلاند) صيف عام 1997.
انخفض سعر البات بسبب تعرضه لهجوم مضاربة حاد، ما أرغم المصرف المركزي التايلندي على التخلي عن تثبيت سعر صرف العملة بالدولار الأمريكي وإقرار تعويم العملة.
انتشرت عدوى العملة بين الدول المجاورة، مثل إندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية، ما أدى إلى انكماش حاد في هذه الاقتصادات مع سقوط أسواق الأسهم وانتشار إعلانات الإفلاس.
2- اليوان الصيني المقدر بأقل من قيمته الحقيقية:
بين عامي 1995 و2005، ثبتت الصين قيمة عملتها بسعر صرف يبلغ 8.2 رينمينبي لكل دولار، ما غذَّى قوتها التصديرية الهائلة وسط اتهام الشركاء التجاريين للصين بأنها تخفض قيمة عملتها وتقمعها عن قصد.
عام 2005، استجابت الصين لشكاوى الولايات المتحدة والدول الأخرى، وأفسحت المجال لقيمة عملتها بالارتفاع إلى 6 رينمينبي لكل دولار بحلول عام 2013.
3- تذبذب قيمة الين الياباني من عام 2008 إلى منتصف عام 2013:
كان الين الياباني أحد أكثر عملات العالم تقلبًا بين 2008 و2013. وبسبب سياسة اليابان بجعل الحد الأدنى لمعدلات الفائدة معدومًا، فضل التجار الين الياباني لتجارة مناقلة العملة، فاقترضوا بالين دون فائدة على القرض واستثمروا أموالهم عبر الحدود في ممتلكات أعلى إيرادًا.
ولكن مع بروز أزمة الائتمان العالمي عام 2008، ارتفعت قيمة الين بشدة بسبب إقبال أعداد كبيرة من المستثمرين على شرائه لسداد القروض المقدرة بالين، ونتج عن ذلك ارتفاع سعر صرف الين بنسبة 25% أمام الدولار الأمريكي في الأشهر الخمسة الأخيرة من عام 2008.
عام 2013، كشف رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي عن خطط التحفيز المالي والنقدي التي عُرفَت باسم آبينوميكس، وأدت هذه الخطط إلى انخفاض قيمة الين بنسبة 16% في غضون الأشهر الخمسة الأولى من العام.
4- مخاوف اليورو 2010-2012:
أدت المخاوف من إخراج الدول الغارقة في الديون (التي تتضمن اليونان والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا) من الاتحاد الأوروبي إلى انخفاض قيمة اليورو بنسبة 20%، إذ حدد سعر الصرف بقيمة 1.51$ لكل يورو في ديسبمر 2009 ليبلغ قيمة 1.19$ لكل يورو بحلول يونيو 2010.
استعاد اليورو قوته في العام التالي ولكن ذلك لم يدم طويلًا بسبب تجدد المخاوف من تفكك الاتحاد الأوروبي ما أدى إلى انخفاض قيمة اليورو بنسبة 19% في الفترة الواقعة بين مايو 2011 ويوليو 2012.
كيف يستفيد المستثمر؟
إليك بعض النصائح حول الاستفادة من تقلبات أسعار الصرف:
1- الاستثمار العابر للحدود:
عند توقع انخفاض الدولار الأمريكي ينبغي على المستثمرين في الولايات المتحدة الاستثمار في أسواق خارجية قوية لأن مكاسب العملات الأجنبية ستعزز من عوائدهم.
إذا درسنا مؤشر سوق البورصة الكندي S&P/TSX Composite Index بين عامي 2000 و2010 وقارناه مع مؤشر S&P 500 الذي كان مسطحًا في تلك الفترة، سنجد أن المؤشر الكندي حقق عوائد بنسبة 72% بالدولار الكندي.
أما بالنسبة للمستثمرين الأمريكيين الذين اشتروا الأسهم الكندية بالدولار الأمريكي، فقد حققوا عائدًا بنسبة 137% أي بنسبة 9% سنويًا، وذلك بسبب الارتفاع الحاد في قيمة الدولار الكندي.
2- الاستثمار في الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات:
توجد في الولايات المتحدة الكثير من الشركات المتعددة الجنسيات التي تحصل على جزء كبير من العوائد والإيرادات في الدول الأجنبية.
ويعزز انخفاض قيمة الدولار الأمريكي عوائد هذه الشركات، وكذلك ينجم عن انخفاضه ارتفاع في أسعار الأسهم.
3- تجنب الاقتراض بمعدل فائدة منخفض في دول أجنبية:
باعتراف الجميع، لم يعد هذا الأمر مشكلة منذ عام 2000 الذي بدأت فيه معدلات الفائدة في الولايات المتحدة الانخفاض بمعدلات قياسية.
ولكنها ستعود للارتفاع يومًا ما، وعند حدوث ذلك يجب على المستثمرين الذين اقترضوا بمعدلات فائدة منخفضة في دول أجنبية أن يتذكروا أولئك الذين عانوا لسداد القروض بالين الياباني عام 2008.
والعبرة من القصة: لا تقترض بعملة أجنبية في حال وجود احتمالية لارتفاع قيمتها، خصوصًا إذا كنت لا تستطيع التحوط ضد مخاطر سعر الصرف أو لا تعرف كيف تفعل ذلك.
4- التحوط ضد مخاطر العملة:
قد تؤثر تقلبات أسعار الصرف في استثماراتك كثيرًا، خاصةً إذا كنت مكشوفًا أمام تحركات أسواق العملات.
ولكن توجد خيارات عديدة للتحوط ضد مخاطر العملة، مثل العقود المستقبلية والعقود الآجلة وخيارات عقود العملات وصناديق الاستثمار المتداولة مثل إف إكس إي (Invesco Euro CurrencyShares Euro Trust (FXE أو إف إكس واي (CurrencyShares Japanese Yen Trust (FXY))، عليك التفكير بهذه الخيارات لضمان أمانك أكثر.
الخلاصة
تؤثر تحركات أسعار الصرف كثيرًا في الاقتصاد المحلي والعالمي.
عندما يكون الدولار الأمريكي ضعيفًا يستطيع المستثمرون استغلال هذه النقطة بالاستثمار عبر الحدود أو في الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات، لأن تقلبات العملة قد تشكل خطرًا في حال كان المستثمر مكشوفًا أمام تحركات أسواق تداول العملات، لذا يجب عليه التحوط باستخدام أدوات التحوط المتعددة.