كان التأمين التجاري أول صيغ التأمين، خاصةً ما يتعلق بشحن البضائع، بسبب فقدان البضائع أو تعرضها للسرقة من قبل اللصوص والقراصنة. تضمنت أساليب التأمين البدائية إما مشاركة الخسائر أو تحميلها على المُقرضين أو المستثمرين في البعثات التجارية. كان النقل عبر الممرات المائية أكثر وسائل النقل استخدامًا لألف عامٍ، ولكن كانت القوارب المُحمّلة بالبضائع غالبًا ما تتحطم في الأنهار عند عبورها الشلالات والمنحدرات.
وكان يصل ما يكفي من البضائع ليبقى النقل المائي أكثر جدوى اقتصادية من النقل البري، ولكن أدرك مرسلوا البضائع أنَّه بإمكان الحظ السيئ تدميرهم ماليًا. لذلك كانت أولى وسائل تخفيض مخاطرة الشاحن هي مشاركة المخاطرة بين جميع الشاحنين.
قبل 3000 عام قبل الميلاد، تشارك التجار الصينيون مخاطرة الخسارة بينهم عند نقل البضائع عبر الأنهار الصينية الخطيرة، كما تشارك التجار المخاطرة في بابل وسومر بهدف تجنُّب الخسائر الكبيرة التي تحدث عند سرقة أو قرصنة سفن الشحن.
كانت إحدى طرق تخفيض المخاطرة تحميل جزء منها -على الأقل- على مقرضي الأموال.
سمحت شريعة حمورابي العظيمة بتحميل التجار المخاطرة على المقرضين، ففي حال فقدان التجار بضائعهم يُعفون من القروض التي اقترضوها من المقرضين.
سمح الفينيقيون واليونانيون لأصحاب السفن والتجار بتعهد إما السفينة أو البضائع كضمان للقرض، أي كان بإمكانهم الحصول على القرض أو التمتع بمعدل فائدة أقل.
قرر بعض المقرضين افتراض مخاطرة أعلى مقابل زيادة معدل الفائدة وإعفاء المقترضين من ديونهم في حال فقدان السفينة أو البضائع.
واستُخدِمت مصطلحات تخصصية لوصف هذه القروض، وكانت تُسمَّى القروض رهن المَركَب bottomry loans عندما تكون السفينة هي الضمان وعُرِفَت أيضًا بقروض القاع، والقروض برهن الشحنة respondentia loans عندما تكون البضائع هي الضمان.
أحيانًا، لم تتضمن مشاركة المخاطرة النقود، مثل مجتمعات الأميش التي لم تتشارك الأموال بل تشاركت الجهد، مثل مشاركة أبناء المجتمع وتقديمهم المساعدة في إعادة بناء حظيرة أحد الأفراد في حال احتراقها.
لا شك أن مشاركة الجهد في مجتمع بسيط مثل مجتمع الأميش أسهل بكثير، إذ يمتلك الكثير من الناس المقدرات ذاتها فيما يخصُّ بناء الأبنية التي يحتاجونها في حياتهم. ولكن، وفي مجتمعات أكثر تعقيدًا، فإن مشاركة الأموال طريقة أكثر سهولةً وعمليةً.
عام 1200 قبل الميلاد، بدأ التجار الفينيقيون بتحميل جزء من المخاطرة على داعمي بعض الرحلات، فقد كان الداعمون يربحون في حال نجاح الرحلة، أو يخسرون استثمارهم في حال فقدان البضائع في البحر، سواء أكان فقدانها ناجمًا عن الكوارث الطبيعية أو القراصنة.
مقابل تمويل الرحلة والتأكيد على دفع المستحقات في حال نجاحها، سمح القانون الفينيقي للمقرضين بمصادرة سفينة التاجر في حال الامتناع عن الدفع. عُرف هذا النوع من التأمين بقروض القاع، ومن المرجح أن سبب التسمية كان لأن بدن السفينة كان يُسمَّى القاع حينها.
وبسبب حاجة الرحلات التجارية إلى موارد أساسية، واعتماد ثروات هذه الحضارات القديمة على التجارة اعتمادًا كبيرًا، تضمنت التسويات حول حوض المتوسط وآسيا قوانين قروض القاع بحلول عام 400 قبل الميلاد.
شركات التأمين
التأمين البحري أقدم فروع التأمين المعاصر، وينحدر من تجار لومبارد في إيطاليا في القرن الثالث عشر، ومنها انتشرت حول أوروبا وبعدها إلى إنكلترا. هيمن البريطانيون على التجارة البحرية والتأمين البحري كليًا في القرن التاسع عشر وجزئيًا في القرن العشرين.
لويدز لندن Lloyd’s of London
لأنها كانت مركز التجارة عالميًّا، كانت بريطانيا العظمى المكان الطبيعي لتطور التأمين البحري، وكانت لويدز لندن إحدى أكبر المؤمِّنين على الرحلات.
كانت تُعقَد اتفاقيات التأمين من قِبَل الأفراد وليس الشركات، فكان ينشر صاحب السفينة أو التاجر ورقة تتضمن معلومات حول سفينة الشحن ووجهتها وأيَّة معلومة أخرى متعلقة بالرحلة.
وبعدها يكتب الأشخاص المستعدون على تحمل جزء من المخاطرة أسماءهم تحت وصف المخاطرة وبنود الاتفاق.
كانت الكتابة تحت بنود الاتفاق والمخاطرة سبب بروز تسمية المكتتب underwriter، وهو من يرفض المخاطرة أو يوافق عليها.
في معظم الحالات، ناقشت مجموعة المكتتبين البنودَ في مقاهي لندن.
كان إدوارد لويد مالك مقهى في لندن، المقهى الذي أصبح المكان الرئيسي لاجتماع المكتتبين، وأصبح لاحقًا لويدز لندن.
تشريع التأمين
لم تتمكن شركات التأمين في البداية من احتساب نسبة الأموال من احتياطاتها التي يجب تجميدها من أجل دفع المستحقات المترتبة على الشركة.
إضافة إلى عدم مقدرة العديد من الناس الذين اشتروا وثيقة تأمين على الحياة على الاستمرار بدفع أقساط التأمين، ما أدى إلى بيعهم وثائقهم لأناس آخرين، ما شكَّل مخاطرةً أخلاقية، لأنه من الممكن أن يحفز ذلك مشتري الوثائق إلى قتل الأشخاص المؤمِّنين على حياتهم، خاصة في حال أصبحت الأقساط باهظة وعاش المؤمَّن على حياتهم فترة طويلة.
نجح إليزور رايت في إقناع السلطة التشريعية في ماساشوستس بسن قوانين تُقدِّر حجم المبالغ التي يلزم على شركات التأمين على الحياة تجميدها من أجل دفع المستحقات.
وأقنعهم أيضًا عام 1861 بإصدار قانون عدم سقوط حق فرض تضمين العقود قيمة للتنازل عن العقد، كي لا يخسر الناس جميع الأقساط التي دفعوها في حال عدم المقدرة على الاستمرار بدفع الأقساط.
طوَّر رايت أيضًا جداول تأمين اكتوارية وصيغةً رياضية سمَّاها صيغة التراكم، واحتسب باستخدامها الأقساط التي يجب أن تحصل عليها شركات التأمين لمنح وثيقة تأمين وتستفيد منها.
ومع بداية الولايات بتشريع شركات التأمين، أصبح قانون التأمين أحادي النشاط، تحديدًا في ولاية نيويورك التي أصدرت قاعدة أبليتون عام 1901، التي ألزمت شركات التأمين العاملة في نيويورك بمتابعة مستلزمات نشاطها الأحادي. أي لم يسمح لشركة التأمين سوى بالعمل وفق خط تأمين واحد، التأمين ضد الحرائق أو التأمين على الصحة والحياة أو التأمين ضد الحوادث. وكان سبب هذا القانون تقييد انتشار المخاطرة بين الشركات.
كان تحديد الملاءة المالية لشركات التأمين أحد أهم مكونات تشريع التأمين، لأن عدم تحديد ملاءة شركة التأمين قد يضع الكثير من الأعمال والأفراد الذين يعتمدون على التأمين أمام مشكلة كبيرة، ما كان أيضًا سببًا آخر لإلزام الشركات بأحادية النشاط.
وعند إفلاس شركات التأمين، أصبح من الأسهل حصر سبب إفلاس شركة التأمين أحادية النشاط من إفلاس شركة تأمين متعددة الأنشطة، بسبب قلة عدد العوامل التي يجب احتسابها.
وتفيد أحادية النشاط أيضًا في أن الشركة المتخصصة بنوع واحد تصبح أكثر خبرة في مجالها ويزيد حجم الإحصائيات الدقيقة بحوزتها.
في أواخر أربعينيات القرن الماضي، بدأت الولايات بالسماح لشركات التأمين متعددة النشاط بتأمين الممتلكات والتأمين ضد الحوادث.
ظهر جدل قانوني حول ما إذا كانت الحكومة الفيدرالية أم الولايات تمتلك الصلاحيات القضائية الدستورية لتشريع شركات التأمين، وبعد إصدار عدة قوانين مختلفة، أصدرت الحكومة الفيدرالية مرسوم مكاران-فيرغسون عام 1945 الذي أعاد تشريع التأمين إلى سلطة الولايات، ولكن تحت رقابة فيدرالية.
بدايات التأمين المعاصر
في القرنين التاسع عشر والعشرين، ازداد تعقيد المجتمع والصناعة، ما فسح المجال أمام صيغ أخرى للتأمين.
مثلًا، ظهر أول عقد تأمين سيارة عام 1897.
كان أول ظهور للتأمين ضد الحوادث في منتصف القرن التاسع عشر، مُقدِّمًا التأمين ضد الحوادث للمسافرين عبر القطارات، وكتبت شركة تأمين المسافرين أول بوليصة تأمين لها عام 1864.
وكانت انفجارات المراجل شائعةً أيضًا آنذاك، فبدأت الشركات بتقديم تأمين المرجل عام 1886، وظهر بعده تأمين مسؤولية صاحب العمل في العام ذاته. وظهر تأمين المصاعد وتأمين المسؤولية المدنية عام 1889.
بدأ التأمين الصحي بالظهور في القرن العشرين، خاصةً لأن الرعاية الصحية أصبحت أكثر تخصصًا وتكلفةً.
ومع زيادة استخدام الصناعات والمعامل للآلات، ازدادت إصابات العمال في أثناء العمل، ما فسح المجال لظهور تعويض العمال عام 1910.
وفي القرن العشرين أيضًا، ظهرت العديد من برامج التأمين الاجتماعية، مثل قانون الضمان الاجتماعي عام 1935 وقانون الرعاية الصحية Medicare عام 1965.
لاحقًا، وبهدف زيادة المنافسة، سُمِحَ لشركات أخرى ليست شركات تأمين (مثل المصارف) بتقديم عقود التأمين.
مزيج الخدمات المالية
قبل القرن العشرين، اقتصرت معظم الخدمات المالية على التأمين والعمليات المصرفية.
ولكن في البداية، كان مجالا الخدمات المالية هذين منفصلين بشدة، على الأرجح لأن الإدارة المربحة كانت أمرًا بالغ الصعوبة دون التكنولوجيا المعاصرة التي نراها اليوم.
عُدِّلَ قانون العمل المصرفي عام 1916 ليسمح للمصارف التي تقع في البلدات التي لا يتجاوز تعداد سكانها 5000 نسمة ببيع عقود التأمين.
أفلست مصارف عديدة بعد انهيار سوق الأسهم عام 1929، ما أدى إلى إفلاس أعمال أخرى عديدة.
وللحد من انتشار العدوى، أصدر الكونغرس قانون جلاس ستيجال عام 1933، الذي منع الأعمال من امتلاك أي مزيج من المصارف أو شركات التأمين أو سمسرة الأوراق المالية.
أخيرًا، وفي عام 1999، سمح قانون تحديث الخدمات المالية-FSMA (الذي يُعرَف أيضًا بقانون غرام ليتش بليلي-GLBA) للأعمال بامتلاك 3 فئات مختلفة من الخدمات المالية، وضعت المحكمة العليا في الولايات المتحدة السلطة على الأنشطة التأمينية للمصارف الفيدرالية بحوزة مكتب مراقب العملة-OCC، ولم تضعها بحوزة مشرعي التأمين في الولاية.
وقبل قانون تحديث الخدمات المالية، سُمِحَ لشركات التأمين بإنشاء مؤسسات الادخار أو الاستحواذ عليها، وشرَّع تلك المؤسسات مكتب الإشراف على الادخار-OTS.
ولكن في أثناء أزمة الركود الكبير 2007-2009، انتُقِدَت بشدة القرارات المتقاطعة لمكتب الإشراف على الادخار ومكتب مراقب العملة، ولأن القانون سمح للمصارف باختيار المشرع الأكثر تساهلًا، ما أدى إلى منافسة في تسهيل التشريع بين الوكالات الفيدرالية.
ألغى قانون دود فرانك لإصلاح وول ستريت وحماية المستهلك عام 2010 مكتبَ الإشراف على الادخار، ونقلَ سلطة تشريع مؤسسات الادخار إلى مكتب مراقب العملة، بينما شرَّع الاحتياطي الفيدرالي الشركات المالية القابضة.
سببت الشروط الإضافية التي فرضتها هذه التطورات الجديدة (مثل المتطلبات الرأسمالية والتشريعات التي تحد من الدمج ومنع أنشطة أخرى) تلاشي الاتحاد بين التأمين والادخار.
وتراجع الاتحاد بين العملي المصرفي والتأمين في أوروبا أيضًا عندما تكبدت المصارف الأوروبية خسائر كبيرة بسبب الركود الكبير.
وكان يصل ما يكفي من البضائع ليبقى النقل المائي أكثر جدوى اقتصادية من النقل البري، ولكن أدرك مرسلوا البضائع أنَّه بإمكان الحظ السيئ تدميرهم ماليًا. لذلك كانت أولى وسائل تخفيض مخاطرة الشاحن هي مشاركة المخاطرة بين جميع الشاحنين.
قبل 3000 عام قبل الميلاد، تشارك التجار الصينيون مخاطرة الخسارة بينهم عند نقل البضائع عبر الأنهار الصينية الخطيرة، كما تشارك التجار المخاطرة في بابل وسومر بهدف تجنُّب الخسائر الكبيرة التي تحدث عند سرقة أو قرصنة سفن الشحن.
كانت إحدى طرق تخفيض المخاطرة تحميل جزء منها -على الأقل- على مقرضي الأموال.
سمحت شريعة حمورابي العظيمة بتحميل التجار المخاطرة على المقرضين، ففي حال فقدان التجار بضائعهم يُعفون من القروض التي اقترضوها من المقرضين.
سمح الفينيقيون واليونانيون لأصحاب السفن والتجار بتعهد إما السفينة أو البضائع كضمان للقرض، أي كان بإمكانهم الحصول على القرض أو التمتع بمعدل فائدة أقل.
قرر بعض المقرضين افتراض مخاطرة أعلى مقابل زيادة معدل الفائدة وإعفاء المقترضين من ديونهم في حال فقدان السفينة أو البضائع.
واستُخدِمت مصطلحات تخصصية لوصف هذه القروض، وكانت تُسمَّى القروض رهن المَركَب bottomry loans عندما تكون السفينة هي الضمان وعُرِفَت أيضًا بقروض القاع، والقروض برهن الشحنة respondentia loans عندما تكون البضائع هي الضمان.
أحيانًا، لم تتضمن مشاركة المخاطرة النقود، مثل مجتمعات الأميش التي لم تتشارك الأموال بل تشاركت الجهد، مثل مشاركة أبناء المجتمع وتقديمهم المساعدة في إعادة بناء حظيرة أحد الأفراد في حال احتراقها.
لا شك أن مشاركة الجهد في مجتمع بسيط مثل مجتمع الأميش أسهل بكثير، إذ يمتلك الكثير من الناس المقدرات ذاتها فيما يخصُّ بناء الأبنية التي يحتاجونها في حياتهم. ولكن، وفي مجتمعات أكثر تعقيدًا، فإن مشاركة الأموال طريقة أكثر سهولةً وعمليةً.
عام 1200 قبل الميلاد، بدأ التجار الفينيقيون بتحميل جزء من المخاطرة على داعمي بعض الرحلات، فقد كان الداعمون يربحون في حال نجاح الرحلة، أو يخسرون استثمارهم في حال فقدان البضائع في البحر، سواء أكان فقدانها ناجمًا عن الكوارث الطبيعية أو القراصنة.
مقابل تمويل الرحلة والتأكيد على دفع المستحقات في حال نجاحها، سمح القانون الفينيقي للمقرضين بمصادرة سفينة التاجر في حال الامتناع عن الدفع. عُرف هذا النوع من التأمين بقروض القاع، ومن المرجح أن سبب التسمية كان لأن بدن السفينة كان يُسمَّى القاع حينها.
وبسبب حاجة الرحلات التجارية إلى موارد أساسية، واعتماد ثروات هذه الحضارات القديمة على التجارة اعتمادًا كبيرًا، تضمنت التسويات حول حوض المتوسط وآسيا قوانين قروض القاع بحلول عام 400 قبل الميلاد.
شركات التأمين
التأمين البحري أقدم فروع التأمين المعاصر، وينحدر من تجار لومبارد في إيطاليا في القرن الثالث عشر، ومنها انتشرت حول أوروبا وبعدها إلى إنكلترا. هيمن البريطانيون على التجارة البحرية والتأمين البحري كليًا في القرن التاسع عشر وجزئيًا في القرن العشرين.
لويدز لندن Lloyd’s of London
لأنها كانت مركز التجارة عالميًّا، كانت بريطانيا العظمى المكان الطبيعي لتطور التأمين البحري، وكانت لويدز لندن إحدى أكبر المؤمِّنين على الرحلات.
كانت تُعقَد اتفاقيات التأمين من قِبَل الأفراد وليس الشركات، فكان ينشر صاحب السفينة أو التاجر ورقة تتضمن معلومات حول سفينة الشحن ووجهتها وأيَّة معلومة أخرى متعلقة بالرحلة.
وبعدها يكتب الأشخاص المستعدون على تحمل جزء من المخاطرة أسماءهم تحت وصف المخاطرة وبنود الاتفاق.
كانت الكتابة تحت بنود الاتفاق والمخاطرة سبب بروز تسمية المكتتب underwriter، وهو من يرفض المخاطرة أو يوافق عليها.
في معظم الحالات، ناقشت مجموعة المكتتبين البنودَ في مقاهي لندن.
كان إدوارد لويد مالك مقهى في لندن، المقهى الذي أصبح المكان الرئيسي لاجتماع المكتتبين، وأصبح لاحقًا لويدز لندن.
تشريع التأمين
لم تتمكن شركات التأمين في البداية من احتساب نسبة الأموال من احتياطاتها التي يجب تجميدها من أجل دفع المستحقات المترتبة على الشركة.
إضافة إلى عدم مقدرة العديد من الناس الذين اشتروا وثيقة تأمين على الحياة على الاستمرار بدفع أقساط التأمين، ما أدى إلى بيعهم وثائقهم لأناس آخرين، ما شكَّل مخاطرةً أخلاقية، لأنه من الممكن أن يحفز ذلك مشتري الوثائق إلى قتل الأشخاص المؤمِّنين على حياتهم، خاصة في حال أصبحت الأقساط باهظة وعاش المؤمَّن على حياتهم فترة طويلة.
نجح إليزور رايت في إقناع السلطة التشريعية في ماساشوستس بسن قوانين تُقدِّر حجم المبالغ التي يلزم على شركات التأمين على الحياة تجميدها من أجل دفع المستحقات.
وأقنعهم أيضًا عام 1861 بإصدار قانون عدم سقوط حق فرض تضمين العقود قيمة للتنازل عن العقد، كي لا يخسر الناس جميع الأقساط التي دفعوها في حال عدم المقدرة على الاستمرار بدفع الأقساط.
طوَّر رايت أيضًا جداول تأمين اكتوارية وصيغةً رياضية سمَّاها صيغة التراكم، واحتسب باستخدامها الأقساط التي يجب أن تحصل عليها شركات التأمين لمنح وثيقة تأمين وتستفيد منها.
ومع بداية الولايات بتشريع شركات التأمين، أصبح قانون التأمين أحادي النشاط، تحديدًا في ولاية نيويورك التي أصدرت قاعدة أبليتون عام 1901، التي ألزمت شركات التأمين العاملة في نيويورك بمتابعة مستلزمات نشاطها الأحادي. أي لم يسمح لشركة التأمين سوى بالعمل وفق خط تأمين واحد، التأمين ضد الحرائق أو التأمين على الصحة والحياة أو التأمين ضد الحوادث. وكان سبب هذا القانون تقييد انتشار المخاطرة بين الشركات.
كان تحديد الملاءة المالية لشركات التأمين أحد أهم مكونات تشريع التأمين، لأن عدم تحديد ملاءة شركة التأمين قد يضع الكثير من الأعمال والأفراد الذين يعتمدون على التأمين أمام مشكلة كبيرة، ما كان أيضًا سببًا آخر لإلزام الشركات بأحادية النشاط.
وعند إفلاس شركات التأمين، أصبح من الأسهل حصر سبب إفلاس شركة التأمين أحادية النشاط من إفلاس شركة تأمين متعددة الأنشطة، بسبب قلة عدد العوامل التي يجب احتسابها.
وتفيد أحادية النشاط أيضًا في أن الشركة المتخصصة بنوع واحد تصبح أكثر خبرة في مجالها ويزيد حجم الإحصائيات الدقيقة بحوزتها.
في أواخر أربعينيات القرن الماضي، بدأت الولايات بالسماح لشركات التأمين متعددة النشاط بتأمين الممتلكات والتأمين ضد الحوادث.
ظهر جدل قانوني حول ما إذا كانت الحكومة الفيدرالية أم الولايات تمتلك الصلاحيات القضائية الدستورية لتشريع شركات التأمين، وبعد إصدار عدة قوانين مختلفة، أصدرت الحكومة الفيدرالية مرسوم مكاران-فيرغسون عام 1945 الذي أعاد تشريع التأمين إلى سلطة الولايات، ولكن تحت رقابة فيدرالية.
بدايات التأمين المعاصر
في القرنين التاسع عشر والعشرين، ازداد تعقيد المجتمع والصناعة، ما فسح المجال أمام صيغ أخرى للتأمين.
مثلًا، ظهر أول عقد تأمين سيارة عام 1897.
كان أول ظهور للتأمين ضد الحوادث في منتصف القرن التاسع عشر، مُقدِّمًا التأمين ضد الحوادث للمسافرين عبر القطارات، وكتبت شركة تأمين المسافرين أول بوليصة تأمين لها عام 1864.
وكانت انفجارات المراجل شائعةً أيضًا آنذاك، فبدأت الشركات بتقديم تأمين المرجل عام 1886، وظهر بعده تأمين مسؤولية صاحب العمل في العام ذاته. وظهر تأمين المصاعد وتأمين المسؤولية المدنية عام 1889.
بدأ التأمين الصحي بالظهور في القرن العشرين، خاصةً لأن الرعاية الصحية أصبحت أكثر تخصصًا وتكلفةً.
ومع زيادة استخدام الصناعات والمعامل للآلات، ازدادت إصابات العمال في أثناء العمل، ما فسح المجال لظهور تعويض العمال عام 1910.
وفي القرن العشرين أيضًا، ظهرت العديد من برامج التأمين الاجتماعية، مثل قانون الضمان الاجتماعي عام 1935 وقانون الرعاية الصحية Medicare عام 1965.
لاحقًا، وبهدف زيادة المنافسة، سُمِحَ لشركات أخرى ليست شركات تأمين (مثل المصارف) بتقديم عقود التأمين.
مزيج الخدمات المالية
قبل القرن العشرين، اقتصرت معظم الخدمات المالية على التأمين والعمليات المصرفية.
ولكن في البداية، كان مجالا الخدمات المالية هذين منفصلين بشدة، على الأرجح لأن الإدارة المربحة كانت أمرًا بالغ الصعوبة دون التكنولوجيا المعاصرة التي نراها اليوم.
عُدِّلَ قانون العمل المصرفي عام 1916 ليسمح للمصارف التي تقع في البلدات التي لا يتجاوز تعداد سكانها 5000 نسمة ببيع عقود التأمين.
أفلست مصارف عديدة بعد انهيار سوق الأسهم عام 1929، ما أدى إلى إفلاس أعمال أخرى عديدة.
وللحد من انتشار العدوى، أصدر الكونغرس قانون جلاس ستيجال عام 1933، الذي منع الأعمال من امتلاك أي مزيج من المصارف أو شركات التأمين أو سمسرة الأوراق المالية.
أخيرًا، وفي عام 1999، سمح قانون تحديث الخدمات المالية-FSMA (الذي يُعرَف أيضًا بقانون غرام ليتش بليلي-GLBA) للأعمال بامتلاك 3 فئات مختلفة من الخدمات المالية، وضعت المحكمة العليا في الولايات المتحدة السلطة على الأنشطة التأمينية للمصارف الفيدرالية بحوزة مكتب مراقب العملة-OCC، ولم تضعها بحوزة مشرعي التأمين في الولاية.
وقبل قانون تحديث الخدمات المالية، سُمِحَ لشركات التأمين بإنشاء مؤسسات الادخار أو الاستحواذ عليها، وشرَّع تلك المؤسسات مكتب الإشراف على الادخار-OTS.
ولكن في أثناء أزمة الركود الكبير 2007-2009، انتُقِدَت بشدة القرارات المتقاطعة لمكتب الإشراف على الادخار ومكتب مراقب العملة، ولأن القانون سمح للمصارف باختيار المشرع الأكثر تساهلًا، ما أدى إلى منافسة في تسهيل التشريع بين الوكالات الفيدرالية.
ألغى قانون دود فرانك لإصلاح وول ستريت وحماية المستهلك عام 2010 مكتبَ الإشراف على الادخار، ونقلَ سلطة تشريع مؤسسات الادخار إلى مكتب مراقب العملة، بينما شرَّع الاحتياطي الفيدرالي الشركات المالية القابضة.
سببت الشروط الإضافية التي فرضتها هذه التطورات الجديدة (مثل المتطلبات الرأسمالية والتشريعات التي تحد من الدمج ومنع أنشطة أخرى) تلاشي الاتحاد بين التأمين والادخار.
وتراجع الاتحاد بين العملي المصرفي والتأمين في أوروبا أيضًا عندما تكبدت المصارف الأوروبية خسائر كبيرة بسبب الركود الكبير.