الموت
Alamut - Alamut
أَلَموت
أَلموت Alamut قلعة تقع في رودبار من إقليم الديلم من توابع قزوين في إيران. وهي إلى الشمال على مسافة 1 كم من بلدة غازرجان عند خط العرض 36 درجة و26 دقيقة شمالاً، وعلى خط الطول 50 درجة و35 دقيقة شرقاً مُكْتَنَفةً بين سلسلتي جبال البرز. وفي منطقة القلعة نهر شاه رود يتفرع راوياً مساحات واسعة. ولهذا اعتنى سكان المنطقة بالزراعة، ولاسيما الأرز.
وقد ذاع صيت هذه القلعة لمّا استولى عليها حسن الصبَّاح[ر] أحد زعماء الإسماعيلية النزارية سنة 483هـ/1090م، واتخذها قاعدة لدعوته. وأما تفسير اسمها فتذكر المصادر أن أحد ملوك الديلم كان يتصيّد في تلك المنطقة، وأطلق عُقاباً حطَّ على صخرة عظيمة تجثم على رأس شِعْبٍ ضيق، وأدرك الملك أهمية الموقع فأشاد القلعة فيه، ودَعَاها «أَلُه أموخت»، ومعناه تعليم العقاب في اللغة المحلية، وترد في المصادر العربية «عش العقاب». واعترى الاسم بعض تحريف حتى صار «أَلَموت».
القلعة
تنهض القلعة فوق صخرة علوها مئة متر على ارتفاع يزيد على ألفي متر فوق سطح البحر في موقع حصين عزيز المنال. وهي تتحكّم بواد مزروع مغلق يحمل اسمها، طوله نحو 50كم، ولا يزيد عرضه في أوسع نقاطه على 5كم. وينتهي الداخل إلى القلعة عبر ممر لولبي صاعد. وقد شُيدت القلعة على مراحل، وأعيد بناؤها غيرما مرّة، وتوالى عليها الدُّعاة العلويُّون زماناً.
اختلفت الروايات في طريقة استيلاء حسن الصبّاح على القلعة، فذُكِرَ أنَّه أرسل نفراً من الدعاة إلى القرى المجاورة لها، ثم تسلَّلَ بعضهم إليها وتزلَّفَ إلى ساكنيها. ولمّا حاول بعضهم استمالة صاحب القلعة المهدي العلوي إلى الدعوة، تظاهر بالقبول، ثمّ أخرج مَنْ انتسب إلى حسن الصبّاح إلى الوادي المتاخم، وغَلَّقَ الأبواب دونهم، غير أنّه ارتدّ فأَدْخَلَ نفراً منهم. وجاء حسن الصبّاح متخفّياً فقبع بجوار القلعة حيناً إلى أَنْ رفع إليها بالحبال سراً، واستفحل أمرُه فيها وأَكْرَهَ صاحب القلعة على ترْكِها بعد أن وضع بين يديه ثلاثة آلاف قطعة ذهبية ثمناً لذلك.
أقام حسن الصبّاح في حِصْنِه أَلَمَوت خمسة وثلاثين عاماً لم يخرج منها قط. وقد اعتنى بتحصين مراقيها ومعارجها، وجعل الرصاص في مداميكها، وجصَّص جدرانها، وساق قناة ماء من نهر شاه رود إلى سفحها، وأجرى الماء حول نصف محيطها في خندق منقور في الصخر، وصنع أحواضاً واسعة لادّخار الماء، وأخرى ملأها خمراً وعسلاً. ومن طريف ما ذكره عطا الملك الجويني أنه لما سقطت القلعة في يد هولاكو سنة 654هـ ونُهِبَتْ خزائنُها غطس بعضهم في حوض عسل فلم يبلغ قاعه. ولمّا أراد هولاكو هَدْمَ القلعة حشد لذلك الجند والسُّخْرَة، فلم يعمل المعول فيها، مِمّا اضطرَّهم إلى إحراق سقوفها، ومباشرة الهدم من الأعلى، ولم يكن لهم ذلك في زمنٍ قصيرٍ.
الدولة
ظلت ألموت عاصمة دولة أقامها حسن الصباح وعرفت باسم «الدعوة الجديدة» حتى سقوطها بيد هولاكو سنة 654هـ، وكان أصحابها كلما وجدوا قلعة مهمة أو مكاناً مناسباً سعوا إلى السيطرة عليه وإقامة قلعة فيه، حتى غدت دولتهم في زمن قصير متسعة الأرجاء مرهوبة الجانب، وإن لم يكن لها أراض متصلة أو حدود واضحة. وقد زادت قلاعها على الخمسين قلعة في إيران وحدها. ومن قلاعها لَمَسر وآله نشين (عش العقاب) وميمون دز وفيروزكوه وكردكوه وسمنكوه وشاه دز (أصبهان) ولال وزون وقاين وخالنجان وغيرها. وقد مارست ألموت نفوذاً سياسياً كبيراً على جميع البلاد التي جاورت قلاعها، ووصل دعاتها إلى العراق وبلاد الشام، وكانت لهم في جبال البهراء الساحلية في الشام دويلة شبه مستقلة عرفت باسم بلاد الدعوة، وحصونها مصياف والقدموس والعليقة والمنيقة والكهف والخوابي والرصافة.
كان الاغتيال السياسي المنظم من الوسائل الأساسية التي انفردت بها دولة الدعوة الجديدة لترسيخ نفوذها وسطوتها، وكانت له قواعده ورجاله الذين عرفوا باسم الفداوية (الفدائيين) أو الحشيشية. وهو أول تنظيم من نوعه عرفه العالم، مع أن الاغتيال ذاته لم يكن بالأمر المستجد. وكان الفداوية ينتقون بعناية تامة ويتخفون تحت مظاهر شتى. وأول ظهور لهم كان في أواخر عهد السلطان ملكشاه. ثم اتسع نطاق عملهم في الاضطرابات التي رافقت تولي بركياروق زمام السلطة، فارتكبت مجازر عدة استهدفت كل من حامت حوله الشبهة بانتمائه إلى الإسماعيلية من جهة، وكل من تشدد في محاربتهم من جهة أخرى. واغتيل الكثير من الحكام والأمراء والقضاة، وبولغ في وصف نشاطهم إلى درجة أن نسبت كل جريمة علنية إلى الحشيشية وإن لم يكن لهم يد فيها، غير أن هذا الأمر منحهم نوعاً من النفوذ كان له أثره، حتى غدا أسلوبهم هذا مدرسة لها تلاميذها، وكان لهم منظمة يحسب حسابها، وربما أعارت خدماتها حكاماً آخرين ارتبطت مصالحها بمصالحهم.
بعد أن استقر الأمر للسلطان السلجوقي غياث الدين محمد بن ملكشاه (476-511هـ) تحول أمر الدعوة الجديدة من المد إلى الجزر، فاستولى السلطان على قلعة شاه دز قرب أصبهان سنة 500هـ/1107م، وتعرضت ألموت إلى خطر ماحق نتيجة حصار طويل لم يرفع إلا بوفاة السلطان.
ولما مات حسن الصبّاح سنة 518هـ/1124م حل محله في الزعامة داعية ديلمي اسمه بُزُرك أُميّد الرودباري، كان قد استولى على قلعة لمسر القريبة من ألموت سنة 495هـ/1102م وظل حاكماً عليها، واختاره حسن الصباح كبيراً للدعاة خلفاً له مع ثلاثة آخرين، ولم يدّع أي من هؤلاء الإمامة لنفسه. وفي عهد بزرك هذا حافظت الدولة على مكانتها ووقفت في وجه الهجمات المتلاحقة التي تعرضت لها وتوسع أنصارها في عمليات الاغتيال. واهتم بُزُرك أميّد ببناء القلاع على نهج سلفه، فأعاد بناء قلعة لمسر وزينها بالحدائق، وشيد قلعة ميمون دز القريبة منها (520هـ/1126م) وجعلها حاضرته، وتوفي فيها سنة 532هـ/1138م، وخلفه ابنه محمد الذي سار على نهج سابقيه في المذهب مع الالتزام التام بالشعائر الإسلامية، وكانت مدة حكمه خمساً وعشرين سنة. وفي عهده وطد أصحاب الدعوة الجديدة أقدامهم في بعض قلاع جبال البهراء، وبلغت الدولة أقصى اتساع لها.
ولما توفي محمد بن بُزرك سنة 557هـ/1162م خلفه ابنه حسن، وكان طموحاً شديد الهوس بالدعوة فأعلن نفسه بعد سنتين من الحكم خليفة للإمام مطلق الصلاحية، ثم ادعى أنه الإمام الظاهر وأنه من نسل نزار، وزعم أن يوم البعث قريب فأعفى أتباعه من أحكام الشريعة كلها، غير أن بعض معارضيه اغتالوه سنة 561هـ/1166م، وتمكن ابنه الشاب نور الدين محمد بن حسن من أن يحسم الأمر لمصلحته، فقضى على قتلة أبيه وكل من اتصل بهم، وسار على نهج والده في ادعاء الإمامة وأنه من صلب نزار، ولم يتخلل عهده الطويل الذي استمر ستاً وأربعين سنة سوى بعض الاضطرابات. وفي زمنه قويت شوكة النزارية الحشيشية في سورية بزعامة راشد الدين سنان الذي سلك سلوكاً مستقلاً عن ألموت، وكانت له جولات ومهادنات مع صلاح الدين والصليبيين. وبعد وفاة سنان هذا سنة 589هـ/1193م عادت هيمنة ألموت على بلاد الدعوة كلها.
خلف محمد بن الحسن ابنه حسن جلال الدين سنة 607هـ/1210م. فأنكر سيرة أبيه وجده، وأعلن نفسه مسلماً سنياً، وأمر أتباعه بالعودة إلى الشريعة الإسلامية فأطاعوه، وكاتب الخليفة الناصر العباسي وشاه خوارزم وملوك العراق وأكد خضوعه لخليفة المسلمين فشاركت قواته جيوش الخليفة، وتزوج من أميرات سنيات حملت واحدة منهن الإمام التالي، وتوفي حسن جلال الدين بعد حكم دام عشر سنين، وخلفه ابنه محمد علاء الدين سنة 618هـ/1221م، وكان صغير السن في التاسعة من عمره، فلم يقيّض له أن ينشأ تنشئة سنية راسخة، ولم يتشدد في تطبيق أحكام الشريعة مع بقاء مراسيم أبيه نافذة، غير أن العداء الذي ذر قرنه بين حكام ألموت من جهة وشاهات خوارزم ومن بعدهم المغول من جهة أخرى زعزع استقرار الدولة وآل بها إلى السقوط، وزاد في ضعفها أن علاء الدين كان سوداوي المزاج كثير الوساوس فاسداً فخافه الأقربون وتجنبته الحاشية، وحقد عليه ابنه خورشاه، فاغتاله أحد رجال بلاطه في أواخر شوال سنة 653هـ/1225م وتولى ابنه خورشاه محمود ركن الدين الحكم من بعده، فاستهل حكمه بالعودة إلى الشريعة الإسلامية ومحاولة السير على نهج جده حسن، وأطاعه أتباعه في إيران وفي سورية، ولكن القدر لم يمهله، إذ كان المغول قد اكتسحوا منذ عهد أبيه معظم المناطق المجاورة. وحاول ركن الدين مهادنتهم ودفعهم عن قلاعه فلم يفلح، إذ أبى هولاكو إلا أن يقدم ركن الدين خضوعه شخصياً، وأن يسلم قلاعه جميعها. وأذعن ركن الدين بعد مماطلة ونزل من قلعة ميمون دز مستسلماً من دون قيد أو شرط في آخر شوال 654هـ/1256م. واستسلمت بقية قلاع الدعوة الواحدة تلو الأخرى، ولم تستعص منها سوى ألموت ولمسَّر وكردكوه فحاصرتها جيوش المغول، ومن ثم سقطت ألموت، بعد أن أمّن هولاكو من فيها، ثم استباحها جنده، وأمر بها فأحرقت ودكت إلى الأرض. وقاومت لمسر سنة أخرى إلى أن سقطت أواخر سنة 655هـ/1258م، أما الثالثة فظلت مستعصية بضع سنين. وكان استعصاء هاتين القلعتين من أسباب هلاك ركن الدين وذويه وكل من لاذ به. غير أن إفناء الإسماعيلية النزارية في إيران لم يكن تاماً على ما يذكر الجويني، إذ يدعي أتباع الطائفة أن ابناً صغيراً لركن الدين نجا من القتل فخلفه إماماً وعاش مستتراً ليخرج من نسله سلسلة من الأئمة كان آخرهم آغاخان محمد ثم حفيده كريم الدين علي خان الإمام الحالي. كذلك ظل بعض الحشيشية ناشطين زمناً وتمكنوا سنة 673هـ/1275م من العودة إلى ألموت لمدة قصيرة ليخرجوا منها إلى الأبد. أما القلعة فقد أعيد ترميمها جزئياً في العهد الصفوي واستعملت سجناً للعاصين على الدولة ثم أهملت وأصابها الخراب من جديد، ولم يبق منها سوى رسوم أسوارها وبعض مبانيها.
لم يكن اهتمام أصحاب ألموت قاصراً على نشر الدعوة والصراع مع مناهضيهم، بل كانت قلاعهم مراكز إشعاع ثقافي له شأنه، وضمت مكتباتها مجموعات ضخمة من الكتب في مختلف العلوم والآداب والشريعة. وأقيمت فيها مراصد فلكية حوت الكثير من آلات الرصد، وعمل في تلك القلاع علماء من أطباء وفلكيين ومؤرخين على جانب من الشهرة جَنَت بلاد فارس ثمار أعمالهم في العهد المغولي، ولعل أشهرهم العالم الفلكي نصير الدين الطوسي الذي سكن ألموت عشية سقوطها بيد المغول، ثم التحق بخدمة هولاكو. ويذكر الجويني أن نصير الدين أقنع هولاكو بضرورة الحفاظ على مكتبة القلعة لما فيها من كنوز، فعهد بها إليه وانتقى منها من المصاحف والكتب النفيسة وآلات الرصد والاسطرلابات المنوعة الشيء الكثير، ومن جملة ما انتخب كتاب «الجيلان والديلم» الذي أُلف لفخر الدولة البويهي ولم يعرف كاتبه، ويعد هذا الكتاب في نظر الدارسين مرجعاً فريداً عن تاريخ المنطقة. أما بقية كتب القلعة فأحرقت.
حكام ألموت من الإسماعيلية النزارية وسنوات حكمهم
1 ـ الحسن الصبّاح الحميري 483- 518هـ/1090- 1124م
2 ـ بزرك أميّد 518- 532هـ/1124-1138م
3 ـ محمد بن بزرك 532-557هـ/1138- 1162م
4 ـ حسن بن محمد 557- 561هـ/1162- 1166م
5 ـ محمد الأعلى بن حسن 561-607هـ/1166-1210م
6 ـ جلال الدين حسن بن محمد 607- 618هـ/1210- 1221م
7 ـ علاء الدين محمد ين حسن 618-653هـ/1221- 1255م
8 ـ ركن الدين خورشاه محمود بن محمد 653- 654هـ/1255- 1256م
9 ـ شمس الدين محمد بن محمود (؟).
ـ نقلت الإمامة من ألموت إلى أذربيجان 654- 710هـ/1256- 1317م.
محمد وليد الجلاد
Alamut - Alamut
أَلَموت
أَلموت Alamut قلعة تقع في رودبار من إقليم الديلم من توابع قزوين في إيران. وهي إلى الشمال على مسافة 1 كم من بلدة غازرجان عند خط العرض 36 درجة و26 دقيقة شمالاً، وعلى خط الطول 50 درجة و35 دقيقة شرقاً مُكْتَنَفةً بين سلسلتي جبال البرز. وفي منطقة القلعة نهر شاه رود يتفرع راوياً مساحات واسعة. ولهذا اعتنى سكان المنطقة بالزراعة، ولاسيما الأرز.
|
موقع قلعة ألموت والقلاع المجاورة لها |
القلعة
تنهض القلعة فوق صخرة علوها مئة متر على ارتفاع يزيد على ألفي متر فوق سطح البحر في موقع حصين عزيز المنال. وهي تتحكّم بواد مزروع مغلق يحمل اسمها، طوله نحو 50كم، ولا يزيد عرضه في أوسع نقاطه على 5كم. وينتهي الداخل إلى القلعة عبر ممر لولبي صاعد. وقد شُيدت القلعة على مراحل، وأعيد بناؤها غيرما مرّة، وتوالى عليها الدُّعاة العلويُّون زماناً.
اختلفت الروايات في طريقة استيلاء حسن الصبّاح على القلعة، فذُكِرَ أنَّه أرسل نفراً من الدعاة إلى القرى المجاورة لها، ثم تسلَّلَ بعضهم إليها وتزلَّفَ إلى ساكنيها. ولمّا حاول بعضهم استمالة صاحب القلعة المهدي العلوي إلى الدعوة، تظاهر بالقبول، ثمّ أخرج مَنْ انتسب إلى حسن الصبّاح إلى الوادي المتاخم، وغَلَّقَ الأبواب دونهم، غير أنّه ارتدّ فأَدْخَلَ نفراً منهم. وجاء حسن الصبّاح متخفّياً فقبع بجوار القلعة حيناً إلى أَنْ رفع إليها بالحبال سراً، واستفحل أمرُه فيها وأَكْرَهَ صاحب القلعة على ترْكِها بعد أن وضع بين يديه ثلاثة آلاف قطعة ذهبية ثمناً لذلك.
أقام حسن الصبّاح في حِصْنِه أَلَمَوت خمسة وثلاثين عاماً لم يخرج منها قط. وقد اعتنى بتحصين مراقيها ومعارجها، وجعل الرصاص في مداميكها، وجصَّص جدرانها، وساق قناة ماء من نهر شاه رود إلى سفحها، وأجرى الماء حول نصف محيطها في خندق منقور في الصخر، وصنع أحواضاً واسعة لادّخار الماء، وأخرى ملأها خمراً وعسلاً. ومن طريف ما ذكره عطا الملك الجويني أنه لما سقطت القلعة في يد هولاكو سنة 654هـ ونُهِبَتْ خزائنُها غطس بعضهم في حوض عسل فلم يبلغ قاعه. ولمّا أراد هولاكو هَدْمَ القلعة حشد لذلك الجند والسُّخْرَة، فلم يعمل المعول فيها، مِمّا اضطرَّهم إلى إحراق سقوفها، ومباشرة الهدم من الأعلى، ولم يكن لهم ذلك في زمنٍ قصيرٍ.
الدولة
ظلت ألموت عاصمة دولة أقامها حسن الصباح وعرفت باسم «الدعوة الجديدة» حتى سقوطها بيد هولاكو سنة 654هـ، وكان أصحابها كلما وجدوا قلعة مهمة أو مكاناً مناسباً سعوا إلى السيطرة عليه وإقامة قلعة فيه، حتى غدت دولتهم في زمن قصير متسعة الأرجاء مرهوبة الجانب، وإن لم يكن لها أراض متصلة أو حدود واضحة. وقد زادت قلاعها على الخمسين قلعة في إيران وحدها. ومن قلاعها لَمَسر وآله نشين (عش العقاب) وميمون دز وفيروزكوه وكردكوه وسمنكوه وشاه دز (أصبهان) ولال وزون وقاين وخالنجان وغيرها. وقد مارست ألموت نفوذاً سياسياً كبيراً على جميع البلاد التي جاورت قلاعها، ووصل دعاتها إلى العراق وبلاد الشام، وكانت لهم في جبال البهراء الساحلية في الشام دويلة شبه مستقلة عرفت باسم بلاد الدعوة، وحصونها مصياف والقدموس والعليقة والمنيقة والكهف والخوابي والرصافة.
|
موقع مدينة ألموت |
بعد أن استقر الأمر للسلطان السلجوقي غياث الدين محمد بن ملكشاه (476-511هـ) تحول أمر الدعوة الجديدة من المد إلى الجزر، فاستولى السلطان على قلعة شاه دز قرب أصبهان سنة 500هـ/1107م، وتعرضت ألموت إلى خطر ماحق نتيجة حصار طويل لم يرفع إلا بوفاة السلطان.
ولما مات حسن الصبّاح سنة 518هـ/1124م حل محله في الزعامة داعية ديلمي اسمه بُزُرك أُميّد الرودباري، كان قد استولى على قلعة لمسر القريبة من ألموت سنة 495هـ/1102م وظل حاكماً عليها، واختاره حسن الصباح كبيراً للدعاة خلفاً له مع ثلاثة آخرين، ولم يدّع أي من هؤلاء الإمامة لنفسه. وفي عهد بزرك هذا حافظت الدولة على مكانتها ووقفت في وجه الهجمات المتلاحقة التي تعرضت لها وتوسع أنصارها في عمليات الاغتيال. واهتم بُزُرك أميّد ببناء القلاع على نهج سلفه، فأعاد بناء قلعة لمسر وزينها بالحدائق، وشيد قلعة ميمون دز القريبة منها (520هـ/1126م) وجعلها حاضرته، وتوفي فيها سنة 532هـ/1138م، وخلفه ابنه محمد الذي سار على نهج سابقيه في المذهب مع الالتزام التام بالشعائر الإسلامية، وكانت مدة حكمه خمساً وعشرين سنة. وفي عهده وطد أصحاب الدعوة الجديدة أقدامهم في بعض قلاع جبال البهراء، وبلغت الدولة أقصى اتساع لها.
ولما توفي محمد بن بُزرك سنة 557هـ/1162م خلفه ابنه حسن، وكان طموحاً شديد الهوس بالدعوة فأعلن نفسه بعد سنتين من الحكم خليفة للإمام مطلق الصلاحية، ثم ادعى أنه الإمام الظاهر وأنه من نسل نزار، وزعم أن يوم البعث قريب فأعفى أتباعه من أحكام الشريعة كلها، غير أن بعض معارضيه اغتالوه سنة 561هـ/1166م، وتمكن ابنه الشاب نور الدين محمد بن حسن من أن يحسم الأمر لمصلحته، فقضى على قتلة أبيه وكل من اتصل بهم، وسار على نهج والده في ادعاء الإمامة وأنه من صلب نزار، ولم يتخلل عهده الطويل الذي استمر ستاً وأربعين سنة سوى بعض الاضطرابات. وفي زمنه قويت شوكة النزارية الحشيشية في سورية بزعامة راشد الدين سنان الذي سلك سلوكاً مستقلاً عن ألموت، وكانت له جولات ومهادنات مع صلاح الدين والصليبيين. وبعد وفاة سنان هذا سنة 589هـ/1193م عادت هيمنة ألموت على بلاد الدعوة كلها.
خلف محمد بن الحسن ابنه حسن جلال الدين سنة 607هـ/1210م. فأنكر سيرة أبيه وجده، وأعلن نفسه مسلماً سنياً، وأمر أتباعه بالعودة إلى الشريعة الإسلامية فأطاعوه، وكاتب الخليفة الناصر العباسي وشاه خوارزم وملوك العراق وأكد خضوعه لخليفة المسلمين فشاركت قواته جيوش الخليفة، وتزوج من أميرات سنيات حملت واحدة منهن الإمام التالي، وتوفي حسن جلال الدين بعد حكم دام عشر سنين، وخلفه ابنه محمد علاء الدين سنة 618هـ/1221م، وكان صغير السن في التاسعة من عمره، فلم يقيّض له أن ينشأ تنشئة سنية راسخة، ولم يتشدد في تطبيق أحكام الشريعة مع بقاء مراسيم أبيه نافذة، غير أن العداء الذي ذر قرنه بين حكام ألموت من جهة وشاهات خوارزم ومن بعدهم المغول من جهة أخرى زعزع استقرار الدولة وآل بها إلى السقوط، وزاد في ضعفها أن علاء الدين كان سوداوي المزاج كثير الوساوس فاسداً فخافه الأقربون وتجنبته الحاشية، وحقد عليه ابنه خورشاه، فاغتاله أحد رجال بلاطه في أواخر شوال سنة 653هـ/1225م وتولى ابنه خورشاه محمود ركن الدين الحكم من بعده، فاستهل حكمه بالعودة إلى الشريعة الإسلامية ومحاولة السير على نهج جده حسن، وأطاعه أتباعه في إيران وفي سورية، ولكن القدر لم يمهله، إذ كان المغول قد اكتسحوا منذ عهد أبيه معظم المناطق المجاورة. وحاول ركن الدين مهادنتهم ودفعهم عن قلاعه فلم يفلح، إذ أبى هولاكو إلا أن يقدم ركن الدين خضوعه شخصياً، وأن يسلم قلاعه جميعها. وأذعن ركن الدين بعد مماطلة ونزل من قلعة ميمون دز مستسلماً من دون قيد أو شرط في آخر شوال 654هـ/1256م. واستسلمت بقية قلاع الدعوة الواحدة تلو الأخرى، ولم تستعص منها سوى ألموت ولمسَّر وكردكوه فحاصرتها جيوش المغول، ومن ثم سقطت ألموت، بعد أن أمّن هولاكو من فيها، ثم استباحها جنده، وأمر بها فأحرقت ودكت إلى الأرض. وقاومت لمسر سنة أخرى إلى أن سقطت أواخر سنة 655هـ/1258م، أما الثالثة فظلت مستعصية بضع سنين. وكان استعصاء هاتين القلعتين من أسباب هلاك ركن الدين وذويه وكل من لاذ به. غير أن إفناء الإسماعيلية النزارية في إيران لم يكن تاماً على ما يذكر الجويني، إذ يدعي أتباع الطائفة أن ابناً صغيراً لركن الدين نجا من القتل فخلفه إماماً وعاش مستتراً ليخرج من نسله سلسلة من الأئمة كان آخرهم آغاخان محمد ثم حفيده كريم الدين علي خان الإمام الحالي. كذلك ظل بعض الحشيشية ناشطين زمناً وتمكنوا سنة 673هـ/1275م من العودة إلى ألموت لمدة قصيرة ليخرجوا منها إلى الأبد. أما القلعة فقد أعيد ترميمها جزئياً في العهد الصفوي واستعملت سجناً للعاصين على الدولة ثم أهملت وأصابها الخراب من جديد، ولم يبق منها سوى رسوم أسوارها وبعض مبانيها.
لم يكن اهتمام أصحاب ألموت قاصراً على نشر الدعوة والصراع مع مناهضيهم، بل كانت قلاعهم مراكز إشعاع ثقافي له شأنه، وضمت مكتباتها مجموعات ضخمة من الكتب في مختلف العلوم والآداب والشريعة. وأقيمت فيها مراصد فلكية حوت الكثير من آلات الرصد، وعمل في تلك القلاع علماء من أطباء وفلكيين ومؤرخين على جانب من الشهرة جَنَت بلاد فارس ثمار أعمالهم في العهد المغولي، ولعل أشهرهم العالم الفلكي نصير الدين الطوسي الذي سكن ألموت عشية سقوطها بيد المغول، ثم التحق بخدمة هولاكو. ويذكر الجويني أن نصير الدين أقنع هولاكو بضرورة الحفاظ على مكتبة القلعة لما فيها من كنوز، فعهد بها إليه وانتقى منها من المصاحف والكتب النفيسة وآلات الرصد والاسطرلابات المنوعة الشيء الكثير، ومن جملة ما انتخب كتاب «الجيلان والديلم» الذي أُلف لفخر الدولة البويهي ولم يعرف كاتبه، ويعد هذا الكتاب في نظر الدارسين مرجعاً فريداً عن تاريخ المنطقة. أما بقية كتب القلعة فأحرقت.
حكام ألموت من الإسماعيلية النزارية وسنوات حكمهم
1 ـ الحسن الصبّاح الحميري 483- 518هـ/1090- 1124م
2 ـ بزرك أميّد 518- 532هـ/1124-1138م
3 ـ محمد بن بزرك 532-557هـ/1138- 1162م
4 ـ حسن بن محمد 557- 561هـ/1162- 1166م
5 ـ محمد الأعلى بن حسن 561-607هـ/1166-1210م
6 ـ جلال الدين حسن بن محمد 607- 618هـ/1210- 1221م
7 ـ علاء الدين محمد ين حسن 618-653هـ/1221- 1255م
8 ـ ركن الدين خورشاه محمود بن محمد 653- 654هـ/1255- 1256م
9 ـ شمس الدين محمد بن محمود (؟).
ـ نقلت الإمامة من ألموت إلى أذربيجان 654- 710هـ/1256- 1317م.
محمد وليد الجلاد