حسين عبد الكريم يؤسس للغة روائية جديدة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حسين عبد الكريم يؤسس للغة روائية جديدة

    حسين عبد الكريم يؤسس للغة روائية جديدة




    سنوات غربة طويلة لاتقاس زمناً فحسب, بل تجارب وانتصارات ونجاحات وربما انهزامات، سنوات قضاها الأديب حسين عبد الكريم في مدينة دمشق وأحجارها ومعاملها ودخانها،




    سنوات طويلة كأنها ما كانت، فمازال عبد الكريم يتنفس هواء الضيعة، يستظل بفيء شجرة التوت الحنونة الخيّرة، ويتبادل الحب والمودة والعشق والحيرة والكره أحياناً مع أبناء قريته خلال تأبينه لملوك الازدهار .
    للأديب روايات عدة ومجموعات قصصية معظمها تحولت إلى مسلسلات تلفزيونية أو إذاعية، غلب عليها طابع فكري ولغوي واحد متجذر في نفسه كما جذور شجرة التوت في الأرض، فقد اختار من الكلمات والتعابير أقربها إلى المنطق والشعر والفلسفة مازجاً بين المحسوس والملموس.. الحبّ لديه امتحان هناك الناجح والراسب وهناك من درجاته أعلى من غيره، ولم يكن القصد بالحب علاقة العشق بين محبين اثنين فقط بل تجاوز هذه الحدود الضيقة إلى حب الأم والأخ والأرض والشجر والزهر، حب احترام الآخر وتقديره بالأخص القامات أو من يوصفون في الغالب أعمدة البيت وأركانه، لغة جديدة على الأدب السوري تقترب بعض الشيء من أسلوب جبران خليل جبران لكنها كما قوّت النص أضعفته نظراً لإسراف وإغراق عبد الكريم في استخدامها لدرجة أنها باتت تشبه وإلى حد كبير حكايا ما قبل النوم التي ترويها الجدات لأحفادهن وما يخترعن من ألفاظ وصفات لتصبح أقرب إلى الهدهدات .

    لغة صوفية

    نقاط قوة تقابلها نقاط قوة فاللغة الصوفية التي اتبعها حسين عبد الكريم لم تجعله رهين الأحداث أو عنصراً فاعلاً بها أي لم يقحم ذاته في النص – والحديث دوماً عن روايتي شجرة التوت وتأبين ملوك الازدهار- لكنه أخذ على عاتقه وظيفة المراقب الحيادي صفة لم يلتزم بها كثيراً في كلتا الروايتين، حيث إنّ حبّه الكبير لكلّ أبناء قريته لم يمنعه من الانزلاق والانحياز لشخصية من دون أخرى سواء من حيث الاعتناء بمظهرها الأدبي أو من حيث الدور الذي تؤديه، فمن الملاحظ أنّ شخصيات تظهر في بداية الرواية على أنها أساسية لنتفاجأ لاحقاً بغيابها عن أحداث مهمة كان من المفترض أن تكون لاعباً أساسياً فيها ..

    النهايات المفتوحة

    هو مايبرع به حسين عبد الكريم ويتميّز، حيث يترك للقارئ مهمة أو لربما متعة اختيار الخاتمة التي يريد ويبني لكل شخصية مستقبلها الذي يراه مناسباً والذي يليق بها, إن تحدثنا عن روايته شجرة التوت الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب- دمشق عام 2002 نلاحظ وجود شخصيات كثيرة ومتعددة ولكل روايتها وتشعباتها نذكر مثلاً «شياله» الفتاة الجميلة التي يحبها «عبدو» الشاعر ويحول سفره دون الارتباط بها للتزوج ممن لاتهوى، زواج ينتهي بالطلاق، فتغادر قريتها إلى قرية قريبتها «سبهة التنورية» وهناك يقع في حبها «يوسف الدكاني»، تنتهي الرواية ولانعرف نهاية هذا الحب والعشق الصامت الذي صار حديث القرية كلّها ولاسيما بعد الأخبار التي نقلها أسعد عن عبدو الشاعر وعن عودته من السفر ومع إعجاب أبي يوسف بجمالها وأنوثتها وهو الحكيم المبجل الذي شكل رمز الخير الوحيد في القرية، كذلك سمر الفتاة اليافعة المجتهدة العاشقة لابن قريتها سلمان والتي تهرب من عذاب والدها إلى حضن فتى بالكاد يستطيع إطعامها ولتهرب من جديد وتعود إلى حبها القديم الجديد وإلى قريتها وشجرة التوت الغالية على قلبها كما كل أبناء القرية حيث تحل ضيفة على أحد جيرانهم، لتعيش في حيرة من أمرها فيما إذا كان سلمان سيقبل بها بعد زواجها الفاشل، والأهم هل ترضى أمه التي لم تقصر في لوك سيرتها كما كل نساء القرية, قصة لا نهاية لها إنما اتفاق ضمني بين عاشقين فقط .
    ورغم قلة الشخصيات والأحداث في روايته «تأبين ملوك الازدهار» إلا أنّ نهايتها متشابهة تماماً مع نهاية شجرة التوت، حيث لا زواج, لا حب مكتملاً كما إنه لاوجود للموت الذي قصد به انعدام العادات والتقاليد والأخلاق طيبة فهي مازالت حيّة في شخصياته وروايته مع العلم أنها انقرضت واقعياً منذ زمن ماجعل العنوان مبتعداً كل البعد عن مضمون الرواية.. إضافةً إلى أنّ إسراف الأديب حسين عبد الكريم في لغته التي اعتمدها ومبالغته في وصف شخصياته كان على حساب الحدث الذي جاء بسيطاً مقتصراً على التذكير بمزايا الخالة وعاداتها وحبها لأفراد أسرتها وكرمها وتعلقها بأرضها مع حالة حب أشبه بالرمزية وهي بالمجمل حكايات غير معروفة النهاية، مع العلم أنّ الحبكة الجيدة والانتقال السلس بين الأحداث والشخصيات غطت على الكثير من التساؤلات وربما الملل الذي قد يقع فيه القارئ من جراء نوع كهذا من اللغة التي ابتكرها وأبدع فيها الأديب حسين عبد الكريم وهو صاحب التاريخ الصحفي والروائي العتيق .

    شخصيات مزدوجة

    تعد شخصيات الأديب حسين عبد الكريم من الشخصيات المزدوجة والمركّبة، نراها بسيطة تارةً وقوية راسخة في الأذهان تارةً أخرى، فالحكيمة فيها عرضة للجهل أما القوية منها فوجدناها في مواقف كثيرة ضعيفة خانعة، مثالنا ابن الأحمد في رواية شجرة التوت أب جبار بخيل متوحش لايقدر أحد من أبنائه من التنفس بوجوده، مقابل كل هذه الصفات نجده وقد عفا عن ابنته سمر التي هربت وتزوجت من دون علمه، لتهرب مرة أخرى لكن إلى قريتها ومن ثم إلى بيت أبيها، هذا الأب القاسي استقبل ابنته وكأن شيئاً لم يكن، كذلك الأمر بالنسبة لأبي يوسف الرجل الحكيم الذي يعيش بنسيم شجرة التوت والطّيور التي تسكنها لا يتوقع القارئ أن تغادر شخصية كهذه القرية تحت ضغط الأبناء الذين ظهروا فجأةً ليكون مصير داره - رمز الخير- الهدم واقتلاع شجرة الاقتصاص من شجرة التوت، مايعني موت القرية بالكامل تقريباً وزوال مؤشر الحياة، مايعني أن التأبين وجب في «قرية التوت» لا في «ملوك الازدهار» ذاك أن ملوك الازدهار مهما بلغ الموت منهم هناك قدرة على العودة دوماً ..

    الحب أولاً

    الحب أولاً وأخيراً أو لعله الولاء والإخلاص ما يناشدنا ويدعونا إليه الأديب حسين عبد الكريم في مسيرته الروائية وتحديداً في الروايتين سابقتي الذكر والدراسة، الإخلاص لبيئة كانت ولاتزال الأصل والأساس المتين للمجتمع السوري التي يؤمن بها ويؤمن بأبنائها وبحبهم واندفاعهم للحياة بعد كلّ عسرٍ، لقد تابع الحب من كل جوانبه وبكل حيثياته كطفل يستكشف الأشياء لأول مرّة فيشعر بلذة الاكتشاف وزهوة الانتصار ..

    في سطور

    ابن قرية من قرى جبلة الغنية بطبيعتها، من مواليد 1964، يحمل إجازة في الأدب العربي في جامعة دمشق، عمل في الصحافة السورية لفترة طويلة وشارك في العديد من الأماسي الأدبية، من مؤلفاته الصادرة، «ظل السفر الآخر وهو ديوان شعر صدر عام 1988، البساتين رواية أعدت مسلسلاً إذاعياً وتلفزيونياً، لايتسع لغير الخوف قصص إصدار 1996, إضافة إلى أعمال قيد النشر والرواية والسيناريو نذكر منها إمضاءات نساء، زمن اللجوء العاطفي، تعتيق الأشواق والأوطان »..




    التعديل الأخير تم بواسطة Najwa Mahmod; الساعة 08-25-2023, 12:13 AM.
يعمل...
X