أفــــامــيـــا ... الأسطورة التي أبدعها الإنسان ودمرتها سطوة الطبيعة
.
وسط المروج الخضراء وفي مراعي سهل الغاب الشاسعة وعلى هضبة قليلة الارتفاع تقبع مدينة أفاميا، المدينة الأثرية التي أبدعها الإنسان وتكاثرت عليها كوارث الطبيعة. في قلب تلك المراعي تولد الأسطورة ويمتزج سحر الطبيعة بسحر التاريخ وبفن العمارة.
.
بعد انتصار الاسكندر المقدوني على الملك الفارسي داريوس الثالث في معركة ابسوس عام 333 قبل الميلاد أصبحت مركز الحامية المقدونية وكان اسمها (بيلا) وبعد موت اسكندر آلت المدينة مع الجزء الشرقي من الامبراطورية الى أحد قواده (سلوقس نيكاتور) الذي بنى عند سفح الأكروبول القديم على الهضبة مدينة عظيمة أسماها أباميا على اسم زوجته الفارسية الأصل ....
لم يكن يري سلوقس نيكاتور أن مدينته السحرية الرائعة ستظل جوهرة ترصع تاج الزمن بعد أكثر من ألفي عام مخلدة اسم زوجته الحسناء...
اكتشف موقع افاميا (المدينة الأثرية) لأول مرة عام 1846 على يد العالم الأوربي طومسون بعد أن اعتقد سابقاً ولعصور طويلة أنها في موقع مدينة حماه الحالية... وإذ هي على بعد 30 كم الى الشمال من حماه!
ثم توالت فيها الاكتشافات الأثرية وتتالت عليها حملات التنقيب العالمية إلى أن ظهر الجزء الكبير من أسوارها ومعالمها الأثرية التي دلت على تعاقب حضارات عديدة عليها والتي أبرزت مكانة هذه المدينة الأثرية التي لم تنل حقها من الدراسة والاهتمام...
سكنت أفاميا منذ بداية تحول الانسان الى حياة الاستقرار والزراعة، في الألف التاسع قبل الميلاد... عثر فيها على نقوش أكادية ومصرية تعود للقرن الثالث والثاني قبل الميلاد، مر فيها الأكاديون والفراعنة والسلوقيون ومن بعدهم الرومان والبيزنطيون وغيرهم من أبناء الشعوب القديمة التي سكنت شرقي المتوسط خلال حقب التاريخ المختلفة...
ولامتيازات كثيرة تمتعت بها أفاميا، كانت دوما مطمعا لسيطرة الحضارة الأقوى في المنطقة... فكانت دوما على أجندة التاجر والجندي وطالب العلم والمعرفة.
.
تقع افاميا في محافظة حماه الى الشمال من مركز المدينة على تلة قريبة جدا من مجرى نهر العاصي (حوالي 100 متر)... موقع المدينة استراتيجي بكل معنى الكلمة، عسكريا وتجاريا واقتصاديا ويتحكم بطرق القوافل المتجهة الى أنطاكية واللاذقية خضعت أفاميا للحكم الروماني بعد أن تمكن القائد الروماني الأكبر (بومباريوس) أن ينهي حكم السلوقيين عام 64 ميلادي واستيلائه على سوريا وتسميتها اقليما رومانيا، فدخل مدينة أفاميا وأمر بهدم قلعتها لكنه جعلها القاعدة الثانية لولاية سوريا.
.
ومع بداية العهد البيزنطي نعمت أفاميا مع غيرها من المدن السورية بالسكينة والطمأنينة لمدة تزيد على مئة وأربعين عاما حتى يقال أن عدد سكانها بلغ في بداية الميلاد حوالي نصف مليون نسمة... إلى أن تعرضت لكوارث عديدة منها غارات الفرس العنيفة (كسرى انوشروان وكسرى ابرويز الثاني) ومن جهة أخرى توالت على مدن بلاد الشام عدة زلازل مدمرة متتابعة في أعوام 526-528-543-551-577-589-599 ميلادي وكانت أفاميا من أكثر هذه المدن تقويضا وهدما ودمارا حيث غدت أطلالا باكية وبقايا منتناثرة...
وفي عهد يزيد بن معاوية الأموي جعلت أفامية مع قـنسرين ومنبج وأنطاكية وفصلت عن حمص وفي مطلع العصر العباسي أصبحت من العواصم المعترف بها. وفي مطلع القرن الرابع الهجري تنقلت بين أيدي العباسيين والاخشيديين والحمدانيين
طبعا ما تبقى بعد رحيل الزلازل عنها بالاضافة لما ظهر بعد ازاحة تلال كاملة من التراب عن المدينة هو في الغالب العمارة الرومانية، فمعالم المدينة اليوم هي بقايا مدينة رومانية... فأكثر آثارها المكتشفة والبادية للعيان تعود للعهدين الروماني والبيزنطي، وهي تتميز بأسوارها الطويلة وشارعها الرئيسي الطويل الذي يبلغ حوالي 2 كيلومتر بعرض 37 مترا وتحيط به أعمدة محززة بشكل لولبي. وتدل لوحات الفسيفساء التي وجدت فيها على أهمية أوابدها وجمال أرضيتها
يحيط بالمدينة القديمة سور ضخم بطول 7 كم أي بمساحة داخلية تقارب 230 هكتار وهو مدعم بحوالي 100 برج... يعود بناء السور الى العصر اليوناني وتمت اضافة بعض الابراج في العهد الروماني ايضاً والقوس الوحيد الباقي إلى الآن هو باب أنطاكية والذي يسمى الآن القنطرة وهو قوس كبير له ثلاث فتحات وهو مربوط بابراج داعمة له وبجدران عريضة.
تضم مدينة أفامية القديمة كل مرافق الحياة الضرورية للحياة المتطورة في ذلك العصر، كما ضمت المدينة كل المباني الحيوية التي اعتادت المدن الرومانية احتواءها مثل المسرح والمعابد والأبنية الحكومية وشبكة الشوارع الشطرنجية.
وشارع الأعمدة، الشارع الهائل الذي يشطر المدينة الى نصفين ويمتد لمسافة 2 كم يصل بين البابين الشمالي والجنوبي وبعرض يصل الى 37 مترا بعدد من الأعمدة بلغ 1200 عمود يجعللان نقطة النظر لامتناهية ويبدو ان المعماريون في افاميا تغلبوا على هذه النقطة بوضع أعمدة في مجموعة نقاط وسطية وتسمى كل مصطبة عليها عمود بـ (تيترابيل) وتكون بنفس الوقت نقطة توزيع للشوارع الفرعية (الدوارات في وقتنا الحاضر)
هذا الشارع كان شارعاً تجاريا، يحوي العديد من المحال التجارية على طرفيه لبيع البضائع المتنوعة والتي كان أغلبها لبيع الأقمشة السورية القديمة كما توجد بعض الحانات لبيع الخمور على الشارع الرئيسي بالاضافة لزخرفات كثيرة لأوراق العنب أو الكروم المختلفة والتي كانت تدل على مرحلة عبادة الاله (باخوس) اله الخمر والكروم ...
في منتصف المسافة تقريبا من الشارع الرئيسي ينتصب عمود تذكاري يصل ارتفاعه نحو 14 مترا على قاعدة مثلثية الشكل يتخلله شبكة من الطرقات الثانوية... أرضية الشارع الرئيسي مرصوفة بالحجر الكلسي ويمتد الرصف خارج المدينة باتجاهات المدن الكبرى الأخرى ...
وقرب البوابة الشمالية شرقي الشارع الرئيسي يرى الزائر أطلال الحمام الروماني الذي يعود بناؤه الى العام 116 ميلادي ... اكتشف فيه قاعتان كبيرتان يمكن التعرف من مخططهما ومن النظام التسخين فيهما الى أن هذا الحمام كان يحوي اقساما باردة واقساما حارة فهناك قسم للتعرق وقسم آخر للمغطس يحوي مغاطس جانبية للتدفئة تمر بها ابخرة الماء وهي مصنوعة من الآجر ولاتزال حنية هذا القسم محفوظة تماما بنوافذها العالية.
أما تصريف المياه فقد وجد معماريو أفاميا حلا له باحداث شبكة قساطل وأنابيب تحت أرضية الحمام وبالتالي تحت أرضية كافة شوارع أفاميا وجعلوا كذلك الشوارع ذات انحناءات بسيطة في الجانبين لتسهيل تصريف مياه الأمطار وعدم تجمعها في منتصف الطريق. وتبدو أجزاء كبيرة من شبكة الأنابيب الفخارية ظاهرة ومكشوفة في القسم الشمالي من المدينة الأثرية .
الأغورا ومعبد الاله زيوس :
==============
الأغورا ساحة واسعة يونانية طولها 150 مترا وعرضها 45 مترا وتتألف من ستة أعمدة تخرج من (كأس أكنتثا) وهو نبات اتخذت اوراقه نموذجا للنحت التزينني في الطراز الكورنثي وترتكز على قواعد عالية ... والى الغرب من الطريق كان يقع معبد زيوس ولم يبق منه الآن إلا كتلة الأساسات الهائلة بعد أن دمره المسيحيون بعد انتشار المسيحية ويظهر وكانه يهيمن على المدينة بأكملها بأبعاده الهائلة من أعلى نقطة في المدينة .
قصر الحاكم:
======
أو (التريكلينوس) يقع على بعد 400 متر من شارع الاعمدة وهو مؤلف من ساحة معمدة حولها ثلاث قاعات كبيرة فخمة وتنتهي بحنية وهي انحناء في جدار الغرفة كان مخصصا لوضع (اله البيت) أو المعبد وكان لها درج جميل يقود الى قاعات في الطابق الأعلى وقد اكتشفت قطع فسيفساء في هذا المبنى تمثل الصيد والرعي والحرب
عند وداعك لأفاميا لن تنس ان تلقي نظرة الوداع على مسرحها الفريد في حجمه انه على مرتفع صخري مواجه للقلعة (الأكروبول) ويعتبر من أضخم المسارح الرومانية على الاطلاق يرقى تاريخه الى عامي 161-168 ميلادية وقد اسهم انحدار الارض نحو وادي الغاب في تأمين الميل اللازم للمسرح المدرج وتتجلى أهمية المسرح ايضا بعرض منصته التي تبلغ 145 مترا ويستمتع المشاهد المتربع على المدرجات العليا بخلفية طبيعية رائعة للمسرحية فعلى امتداد نظره يمتد سهل الغاب وفوقه قلعة المضيق التي تربض على مرتفع يطل عليه.
ومن بين المقابر والمتاجر والحانات تظهر النصب التذكارية لأشراف المدينة وقادتها وجندها... خالدين طالما خلد الحجر... وتنصت قليلأ... فتهمس بأذنيك أعمدتها المحلزنة فتسمع صدى عمره ألفي عام... ويفقد الزمن معناه أمام سؤال لايأتي من فراغ... هل يكفي أن نزيل التراب عن آثار أفاميا حتى تعود الى الحياة وينصفها التاريخ؟
=AZUaf23ggu830Ccrac-R5dvyMCZhIq9h25_ON0uwytpfA0fM9S23G407vuNVvTqSklVL6 mI1ZPF8tFV3LaRFpclprByd9wFNRCQdfea3QnQPI8RaP3yBB8C WGrNo33eXmceMLw763NLMJ3z0cgGGRYOzx017g10gNggMefEFM AN-8_E0mZP6VMJN3bp3alcJbGs&__tn__=*bH-R]
=AZUaf23ggu830Ccrac-R5dvyMCZhIq9h25_ON0uwytpfA0fM9S23G407vuNVvTqSklVL6 mI1ZPF8tFV3LaRFpclprByd9wFNRCQdfea3QnQPI8RaP3yBB8C WGrNo33eXmceMLw763NLMJ3z0cgGGRYOzx017g10gNggMefEFM AN-8_E0mZP6VMJN3bp3alcJbGs&__tn__=*bH-R]
=AZUaf23ggu830Ccrac-R5dvyMCZhIq9h25_ON0uwytpfA0fM9S23G407vuNVvTqSklVL6 mI1ZPF8tFV3LaRFpclprByd9wFNRCQdfea3QnQPI8RaP3yBB8C WGrNo33eXmceMLw763NLMJ3z0cgGGRYOzx017g10gNggMefEFM AN-8_E0mZP6VMJN3bp3alcJbGs&__tn__=*bH-R]
=AZUaf23ggu830Ccrac-R5dvyMCZhIq9h25_ON0uwytpfA0fM9S23G407vuNVvTqSklVL6 mI1ZPF8tFV3LaRFpclprByd9wFNRCQdfea3QnQPI8RaP3yBB8C WGrNo33eXmceMLw763NLMJ3z0cgGGRYOzx017g10gNggMefEFM AN-8_E0mZP6VMJN3bp3alcJbGs&__tn__=*bH-R]
=AZUaf23ggu830Ccrac-R5dvyMCZhIq9h25_ON0uwytpfA0fM9S23G407vuNVvTqSklVL6 mI1ZPF8tFV3LaRFpclprByd9wFNRCQdfea3QnQPI8RaP3yBB8C WGrNo33eXmceMLw763NLMJ3z0cgGGRYOzx017g10gNggMefEFM AN-8_E0mZP6VMJN3bp3alcJbGs&__tn__=*bH-R]