عصابات نيويورك Gangs of New York
استحوذت فكرة إخراج فيلم ( عصابات نيويورك ) على المخرج " مارتن سكورسيزي " لمدى عشرين عاماً حتى أخرج هذا الفيلم الملحمي عن مرحلة عصيبة في تاريخ أمريكا ، التي كان مسرحها مدينة نيويورك ، و قد كتب السيناريو له : " گاي كوكس " و " ستيڤن زيليان " و " كينيث لونير گان " ، أستناداً الى كتابٍ صدر عام 1927 بذات العنوان ( عصابات نيويورك ) للكاتب " هربرت أسبري " ، و فيه يؤرخ لأعمال الشغب التي اندلعت في ( مانهاتن ) ــ تحديداً ــ قلب نيويورك ، و ذلك في العام 1862 ، ولكن جذور هذا النزاع تعود الى العام 1846 .
كان النزاعُ في بدايته ذا طابع ديني طائفي ، حين اندلع بين الكاثوليك و الپروتستانت ، و تحول الى أعمال عنف ، ثم نحى منحىً عرقياً ، فحصل الهجوم من قِبل المهاجرين البيض ( ذوي الأصول الإيرلندية ) على السود الذين حرّرهم الرئيس " إبرام لِنكن " ( ابراهام لنكولن ) من العبودية ، فراحوا يزاحمون البيض على فرص العمل ، ثم نحتْ أعمالُ العنف منحىً سياسياً حين حصل التمرد على قانون التجنيد الذي أصدره الرئيس خلال فترة الحرب الأهلية الأمريكية ( بين الشمال و الجنوب ) و التي استمرت أربع سنوات ( 1861 ــ 1865 ) .
كانت نيويورك ، ذلك الوقت ، تزدحم بعناصر مجتمع هو خليطٌ من المهاجرين و العبيد و الحرفيين متعددي الأعراق و العاهرات و القوادين و قراصنة الأنهار و اللصوص و المقامرين و السِكّيرين و المشردين و النشالين و القتلة و الشاذين .... لكن الصراع بدأ عام 1846 بين فريقين حول أحقية السيادة على منطقة ( النقاط الخمس Fivepoints ) : فريق الإتحاد الپروتستانتي لسكان المدينة الأصليين يقوده الجزار " بـِل " ( دانييل دي لويس ) و فريق المهاجرين الإيرلنديين الكاثوليك بقياد القس " فالون " ( ليام نيسون ) الذي يموت ، في صراع دموي ، علي يد الجزار " بِـِل " فيحتفظ إبنه " أمستردام " ( ليوناردو دي كابريو ) بسكينه لتكون أداته ــ عام 1862 ــ في الإنتقام من الجزار قاتل أبيه .
منذ أن إطلع " سكورسيزي " ــ عام 1970 ــ على كتاب المؤلف " هربرت أسبري " ، بات منشغلاً بتاريخ ( عصابات نيويورك ) ، فقد وجد فيها مادة غنية لخلق خيال سينمائي ، و طوال عشرين عاماً إشتغل ذهنياً على تحويل هذا الخيال الى شريط ، حتى تحقق له ذلك عام 2002 . ذلك أن موضوع العصابات هو الموضوع السينمائي الأثير لدى " سكورسيزي " .
يمثل هذا الفيلم التعاونَ الأول بين المخرج " مارتن سكورسيزي " و " ليوناردو دي كابريو " ، لتلحقه أفلامٌ أخرى مثل : ( الطيار ) ، ( المغادرون ) ، ( جزيرة الصراع ) ، ( ذئب وول ستريت ) .. و أخيراً ( قتلة زهرة القمر ــ إنتاج 2023 ) . و في هذا الفيلم ( عصابات نيويورك ) يكرس " دي كابريو " عبقريته في التمثيل التلقائي العفوي كما أثبت ذلك منذ صباه ، ولكن الإختبار الأصعب لـ " دي كابريو " في هذا الفيلم كونه يخوض تجربة تمثيل أمام المخرج المتمرس المتميز " مارتن سكورسيزي " و بمحاذاة ممثل عبقري لا يضاهى .. من نمط " دانييل دي لويس " .
هذا الفيلم ، يختلف إخراجاً و تمثيلاً ، عن محتوى الألبوم السينمائي للمخرج " سكورسيزي " و بطليه : " دي لويس " و " دي كابريو " . ولكننا في النهاية أمام ثلاثة عباقرة قدموا لنا فيلماً ملحمياً كان يستحق " سكورسيزي " الأوسكار عنه كأفضل مخرج ، ولكننا نعرف أن حظوظ هذا المخرج مع هذه الجائزة ليست على ما يُرام . غير أن " سكورسيزي " وثق سينمائياً ــ ولو خيالياً ــ طبيعة الحياة الإجتماعية ، السياسية ، الديموغرافية لما كانت عليه أمريكا ، نهاية القرن التاسع عشر ، قبل أن تكون .. كما هي اليوم ، و قبل أن تتسيد عصابات المافيا في القرن العشرين .
فيلمٌ يستحق أكثر من مشاهدة .
هادي ياسين
استحوذت فكرة إخراج فيلم ( عصابات نيويورك ) على المخرج " مارتن سكورسيزي " لمدى عشرين عاماً حتى أخرج هذا الفيلم الملحمي عن مرحلة عصيبة في تاريخ أمريكا ، التي كان مسرحها مدينة نيويورك ، و قد كتب السيناريو له : " گاي كوكس " و " ستيڤن زيليان " و " كينيث لونير گان " ، أستناداً الى كتابٍ صدر عام 1927 بذات العنوان ( عصابات نيويورك ) للكاتب " هربرت أسبري " ، و فيه يؤرخ لأعمال الشغب التي اندلعت في ( مانهاتن ) ــ تحديداً ــ قلب نيويورك ، و ذلك في العام 1862 ، ولكن جذور هذا النزاع تعود الى العام 1846 .
كان النزاعُ في بدايته ذا طابع ديني طائفي ، حين اندلع بين الكاثوليك و الپروتستانت ، و تحول الى أعمال عنف ، ثم نحى منحىً عرقياً ، فحصل الهجوم من قِبل المهاجرين البيض ( ذوي الأصول الإيرلندية ) على السود الذين حرّرهم الرئيس " إبرام لِنكن " ( ابراهام لنكولن ) من العبودية ، فراحوا يزاحمون البيض على فرص العمل ، ثم نحتْ أعمالُ العنف منحىً سياسياً حين حصل التمرد على قانون التجنيد الذي أصدره الرئيس خلال فترة الحرب الأهلية الأمريكية ( بين الشمال و الجنوب ) و التي استمرت أربع سنوات ( 1861 ــ 1865 ) .
كانت نيويورك ، ذلك الوقت ، تزدحم بعناصر مجتمع هو خليطٌ من المهاجرين و العبيد و الحرفيين متعددي الأعراق و العاهرات و القوادين و قراصنة الأنهار و اللصوص و المقامرين و السِكّيرين و المشردين و النشالين و القتلة و الشاذين .... لكن الصراع بدأ عام 1846 بين فريقين حول أحقية السيادة على منطقة ( النقاط الخمس Fivepoints ) : فريق الإتحاد الپروتستانتي لسكان المدينة الأصليين يقوده الجزار " بـِل " ( دانييل دي لويس ) و فريق المهاجرين الإيرلنديين الكاثوليك بقياد القس " فالون " ( ليام نيسون ) الذي يموت ، في صراع دموي ، علي يد الجزار " بِـِل " فيحتفظ إبنه " أمستردام " ( ليوناردو دي كابريو ) بسكينه لتكون أداته ــ عام 1862 ــ في الإنتقام من الجزار قاتل أبيه .
منذ أن إطلع " سكورسيزي " ــ عام 1970 ــ على كتاب المؤلف " هربرت أسبري " ، بات منشغلاً بتاريخ ( عصابات نيويورك ) ، فقد وجد فيها مادة غنية لخلق خيال سينمائي ، و طوال عشرين عاماً إشتغل ذهنياً على تحويل هذا الخيال الى شريط ، حتى تحقق له ذلك عام 2002 . ذلك أن موضوع العصابات هو الموضوع السينمائي الأثير لدى " سكورسيزي " .
يمثل هذا الفيلم التعاونَ الأول بين المخرج " مارتن سكورسيزي " و " ليوناردو دي كابريو " ، لتلحقه أفلامٌ أخرى مثل : ( الطيار ) ، ( المغادرون ) ، ( جزيرة الصراع ) ، ( ذئب وول ستريت ) .. و أخيراً ( قتلة زهرة القمر ــ إنتاج 2023 ) . و في هذا الفيلم ( عصابات نيويورك ) يكرس " دي كابريو " عبقريته في التمثيل التلقائي العفوي كما أثبت ذلك منذ صباه ، ولكن الإختبار الأصعب لـ " دي كابريو " في هذا الفيلم كونه يخوض تجربة تمثيل أمام المخرج المتمرس المتميز " مارتن سكورسيزي " و بمحاذاة ممثل عبقري لا يضاهى .. من نمط " دانييل دي لويس " .
هذا الفيلم ، يختلف إخراجاً و تمثيلاً ، عن محتوى الألبوم السينمائي للمخرج " سكورسيزي " و بطليه : " دي لويس " و " دي كابريو " . ولكننا في النهاية أمام ثلاثة عباقرة قدموا لنا فيلماً ملحمياً كان يستحق " سكورسيزي " الأوسكار عنه كأفضل مخرج ، ولكننا نعرف أن حظوظ هذا المخرج مع هذه الجائزة ليست على ما يُرام . غير أن " سكورسيزي " وثق سينمائياً ــ ولو خيالياً ــ طبيعة الحياة الإجتماعية ، السياسية ، الديموغرافية لما كانت عليه أمريكا ، نهاية القرن التاسع عشر ، قبل أن تكون .. كما هي اليوم ، و قبل أن تتسيد عصابات المافيا في القرن العشرين .
فيلمٌ يستحق أكثر من مشاهدة .
هادي ياسين