القياس التربوي
معنى القياس التربوي
القياس بمفهومه العام؛ عملية يتم بوساطتها التعبير عن خصائص الأشياء والظواهر بأعداد وفق شروط معينة، ووحدات محددة وواضحة. ويشير إلى مجموعة من الإجراءات التي تتضمن تحديد ما يجب قياسه وترجمته إلى معلومات عددية أو بيانات رقمية يسهل وصفها بدقة أو بمستوى مقبول من الدقة.
عندما تؤخذ العملية التربوية في المؤسسات التربوية المختلفة موضوعاً للقياس والتقويم، فإن أي طرف فيها يمكن أن يكون موضوعاً له أيضاً، ويكون الغرض من القيام بهذه العملية معرفة مدى أو مستوى ما تحقق من الأهداف الموضوعة للعملية التربوية. يكون بناء المؤسسة التربوية في حالات موضوعاً للقياس، كما يكون المعلم في حالات أخرى، ويكون الطالب في حالات ثالثة، كما ينطبق الأمر ذاته على النظام الإداري والمدرسي، وعلى الأنشطة التعليمية المختلفة، ومثل ذلك يندرج على الأهداف التربوية التي تسعى هذه المؤسسات إلى تحقيقها لدى المتعلمين من حيث أنها انعكاس لأهداف التربية العامة التي ينشدها المجتمع.
عندما يتعامل المعلم مع تحصيل الطلبة ويسعى إلى تقدير مستوياتهم التحصيلية، يستخدم في ذلك مصطلح «القياس التربوي»، في حين يتم استخدام مصطلح «القياس النفسي» عندما يسعى لتقدير سماتهم وخصائصهم الشخصية وانفعالاتهم وميولهم وذكائهم واتجاهاتهم. أما حين يتعامل مع صفات من مثل الطول والوزن والقدرة البصرية والسمعية، فيتم استخدام مصطلح «القياس الفيزيائي أو المادي».
العلاقة بين القياس التربوي والتقويم التربوي
يرد مصطلح «التقويم والقياس» في معظم الأدبيات التي تتحدث في مجال الاختبارات والمقاييس بعضهما مع بعض، ويبدو للوهلة الأولى أنهما مصطلحان مترادفان، ويمكن استخدام الواحد بديلاً للآخر. ولكن هذا الأمر لا ينفي ضرورة التمييز بينهما، ولذلك لابدَّ من الوقوف وتفحص هذين المفهومين.
هناك أكثر من اتجاه لبيان الفرق بين القياس والتقويم، فمنهم من يذكر أن عملية القياس تقوم على التقدير الكمي للسمة المقاسة لدى الفرد، ولا تتخطى عملية القياس أكثر من تحويل السمة إلى كم معين. أمَّا التقويم فيسعى إلى تحويل الدرجة التي تنتج من عملية القياس إلى تقدير أو حكم قيمي، وبهذا الشكل نجد أن عملية التقويم تأتي بعد عملية القياس.
وهناك اتجاه آخر، يرى أن عملية التقويم هي أعم وأشمل من عملية القياس، فالقياس هو جزء من عملية التقويم. وتتم عملية التقويم بإجراء القياس وإطلاق الحكم ثم تأتي عملية التصويب، وبعدها عملية قياس أخرى للتأكد من حدوث التصويب، أو التعديل. والعملية ككل تسمى تقويماً.
وهناك من يرى أن القياس والتقويم عمليتان مترادفتان، إذ يمكن استخدام أحدهما مكان الآخر. فلو قيل التقويم التربوي أو القياس التربوي، أو قياس التحصيل وتقويم التحصيل، فإن ذلك يشير إلى العملية ذاتها.
إذا أُخذ بمبدأ التمييز بين المصطلحين كان من اللازم التمييز بين أدوات القياس التربوي التي تقدم بيانات كمية كالاختبارات والاستبانات والروائز، وبين أدوات التقويم التربوي التي تقدم معلومات نوعية كالمقابلة والسجلات القصصية والتراكمية.
المقياس في القياس التربوي
المقاييس المستخدمة في القياس التربوي متعددة ومتنوعة، فالأساس الذي ينطلق منه بناؤها يرتبط بالأثر الذي تحدثه عملية التربية في المتعلم من تغيير في سلوكه أو تعلمه، ومن ثم فإن القاعدة عند إعداد المقاييس التربوية التحصيلية إعطاء قيمة كمية محددة لاستجابات الطالب أو المتعلم عن أسئلة أو بنود محددة، يتوقع أن تصدر عنه بنتيجة ما استطاع تحصيله أو تعلمه، وأن تعكس مستوى هذا التحصيل. ولعل الأمر هو ذاته عند وضع الأدوات لقياس أو لتقويم المنهاج وأداء المعلم.
عادة يتألف المقياس التربوي من عدد من الأسئلة أو البنود أو المهمات. إنها تسمى أسئلة لأنها تُطرح على المتعلم المفحوص ليجيب عنها؛ وهي بنود لأن كلاً منها عبارة أو فقرة لها شكل متكامل مفهوم المعنى، وهي مَهمَة لأنها أمور من نوع ما يُكلف المفحوص القيام به.
وعادة ما تؤُخذ هذه الأسئلة والبنود والمهمات من مجموعة واسعة من الأنشطة التي يزاولها المتعلم أو يمكن أن يزاولها، في إطار ما حصلّه عن طريق تعلّمه وخبراته في المؤسسة التعليمية.
توضع بعض المقاييس التربوية التحصيلية من قبل المعلم، وبعضها الآخر يوضع من قبل الإدارة التربوية المحلية أو الوطنية، وبعضها الآخر يكون نتيجة جهد علماء متخصصين في ميدان القياس والتقويم في مجال تربوي محدد.
ويعتمد بعض هذه المقاييس على اللغة المكتوبة أو المقروءة أو المسموعة، وبعضها يعتمد على الأداء والمهارات اليدوية أو العملية. بعضها يكون إنشائياً مقالياً يتطلّب الشرح والتأليف في الإجابة، وبعضها يكون موضوعياً لا يتطلب من المفحوص إلا وضع إشارة أو ذكر عدد محدود من الكلمات. بعضها يكون من مستوى رفيع من الدقة والموضوعية والعلمية، في حين لا يكون ذلك في مقاييس أخرى.
تطبيقات القياس التربوي في الحياة
لم يكن القياس التربوي في يوم من الأيام غاية بحد ذاته، بل هو وسيلة يُعتمد على نتائجها عند اتخاذ قرار ما يتعلق بفرد أو جماعة، سواء داخل المؤسسة التربوية أم خارجها. ويمكن تحديد أنواع القرارات المتخذة فيها بما يأتي:
1ـ القرارات التدريسية:
من الوظائف المهمة للقياس التربوي توجيه القرارات اليومية والأسبوعية والفصلية للمعلم حول ما يجب تعليمه للمتعلّم وما يلزم تدريسه إياه، أو تدريبه عليه، فالامتحانات المتكررة تمكنه من معرفة مقدار تقدم المتعلم نحو الهدف التعليمي المرجو، والدرجة التي يحصل عليها متعلم ما في امتحان ما، تساعد على التنبؤ بما سيكون عليه في المستقبل سواء إذا ما تلقى تعليماً معيناً أم لم يتلق. كما تساعد على اتخاذ قرار بشأن تعديل وضعه الدراسي وضرورة إخضاعه لتعليم من نوع خاص، أو تحديد مجال الدراسة أو العمل الذي يناسب قدراته وإمكاناته.
2ـ القرارات المتعلقة بالمناهج:
من القرارات التي يُعتمد في اتخاذها على نتائج القياس قرارات تتعلق ببيان مدى فاعلية المنهاج، وخطط تدريسه ووسائله في تحقيق الأهداف المتوخاة ومدى إكساب المنهج القيم والاتجاهات والمهارات والحقائق التي تساعد على إعداد المتعلمين وتنميتهم جسدياً وعقلياً واجتماعياً وانفعالياً وروحياً.
فإذا ما تبيَّن عدم تحقيق الأهداف التعليمية، أو عدم مناسبة المنهاج بعناصره كلها، أو بأجزاء منه لخصائص المتعلمين وإمكاناتهم، أو لوحظ انخفاض مستوى التعليم بين الطلبة في مجتمع ما، كان ذلك كله الأساس في اتخاذ قرار بتعديل المناهج وطرائق التدريس أو البقاء عليها. ومتخذ القرار بشأن تعديل المنهاج أو تطويره إنما يفعل ذلك بناءً على نتائج قياس مستوى تحصيل المتعلمين، أو بناءً على نقاط الضعف التي يلاحظها المعلمون في أثناء تدريسهم للمنهاج.
3ـ القرارات المتعلقة بالمعلم:
تتخذ مجموعة من القرارات بشأن المعلم، ومعرفة مدى تحقيقه للأهداف التربوية، وامتلاكه للكفايات التعليمية سواء أكانت كفايات أداء وتعليم أم كفايات مراقبة وتنظيم. ويكون من المهم في هذه الحالة الحصول على معلومات حول عمله في المؤسسة وحول أدائه، وتحديد مواطن القوة والضعف لديه؛ وذلك استناداً إلى عينات أدائه في مواقف مختلفة، ومقارنة ذلك مع الأداء النموذجي الذي اتفق عليه الخبراء والمختصون. وبناءً على هذه المعلومات يتم اتخاذ القرارات اللازمة بشأنه من جهة ذوي القرار التربوي. فقد يتجه القرار نحو مكافأة ما أو ترقية معينة أو ضرورة مروره بدورات تدريبية تلزمه لتحسن مستوى أدائه. ويحدث في حالات أن يتجه القرار لإعفائه من العملية التربوية وتحويله إلى عمل آخر.
4ـ البحث العلمي:
لايقتصر الأمر في الاعتماد على القياس في القرارات العملية التطبيقية بل إنه الأساس أيضاً في مجال البحث العلمي والدراسات النظرية التي توسع دائرة فهم السلوك البشري وديناميته وتنظيمه ومعرفة المزيد عنه، وكثيراً ما يلجأ الباحث إلى استخدام الاختبارات أو أدوات القياس الأخرى في جمع البيانات المتعلقة بالفرضيات، وفي ضوء هذه البيانات يصوغ الباحث القرارات المتعلقة بصحة هذه الفرضيات العلمية التي تناولتها الدراسة أو خطئها.
وعند استعراض خطوات البحث العلمي نجد القياس في معظم خطواته بدءاً من تحديد المشكلة وانتهاءً بتحليل النتائج وتعميمها. إضافة إلى ذلك فإن نتائج قياس مستويات المتعلمين وخصائصهم لاتستخدم من أجل تعرف الواقع فحسب، وإنما هي معطيات للبحوث، تساعد على اقتراح الحلول واتخاذ القرارات المناسبة، لتحسين الأداء.
ومن جهة ثانية، فقد تكون أدوات القياس هي ذاتها مجال البحث أو موضوعه، في حال الرغبة بتعييرها أو بنائها.
5ـ قرارات التخطيط العام لتطور المجتمع:
يحتاج التخطيط التنموي الفعال إلى دراسة حاجة المجتمع لليد العاملة في مجالات الحياة كلها، وتحديد ما يلزم من الكوادر الأكاديمية والمهنية، وتحديد كل أنواع العمل التي ينبغي أن يزاولها أفراد المجتمع لتقديم إسهامات في تلبية حاجاتهم المختلفة. وفي جملة ما يقتضيه هذا الأمر تحديد نوع القدرات والمؤهلات اللازمة في كل عمل ليكون العمل فعالاً، وهذا يعني ضرورة الكشف عن الأفراد الذين يحملون القدرات والمؤهلات اللازمة باستخدام أدوات القياس المناسبة. وتكون القاعدة البشرية الأساسية في ذلك الطلبة والمتعلمين في المؤسسات التربوية المختلفة، حيث يتم تحديد مقدار ما يمتلكونه من القدرات والإمكانات ثم العمل على إعدادهم تحصيلياً وعلمياً وتدريبياً لمزاولة ما يُنتظر منهم في مجالات العمل المتاحة في المجتمع. ويبدو أن القياس هو الإجراء المشترك في كل خطوات التخطيط، فهو الأساس في تقصي حاجات المجتمع، وفي معرفة ما يحتاجه كل عمل من إمكانات وقدرات، وفي الكشف عما يمتلكه الأفراد من إمكانات، وفي معرفة ما وصلوا إليه نتيجة التعليم والتدريب.
6ـ قياس التعلم:
توفر المؤسسة التعليمية شروطاً لتعلّم المتعلّم ونموه بما يتضمنه المنهاج من معارف ومعلومات وتطبيقات. وهي في عملها هذا تهتم على نحو كبير بقياس ما تم تحصيله للمتعلم وتقويمه، ويكون قياس تعلمه أو قياس تحصيله وسيلتها الأساسية في ذلك. وهي في هذا الجانب تحاول الإجابة عن سؤالين أحدهما خاص بها، هو «ما الذي يجب أن يتعلمه المتعلم؟» والثاني خاص بالمتعلم وهو «ما ذا يجب أن أتعلم؟». فالأول يرتبط بما تقدمه من شروط مناسبة للتعلم، والثاني خاص بما ينتظر أن يتعلمه المتعلم وفقاً لما يمتلكه من قدرات وإمكانات وميول. ويعني ذلك أن قياس تحصيل المتعلم وتقويمه يكشف عن مستوى ما حصله المتعلم مما عملت المؤسسة التربوية على تعليمه إياه.
المؤشرات النوعية لقياس التعلم
لتحقيق أهداف العملية التعليمية لا يمكن أن يكتفي كل معلم بتغيير طرائق تدريسه وتقويمه لتحسين عملية تعلم الطلبة. فما يقوم به في أثناء التدريس هو عملية واحدة من عمليات عديدة تحدث في المؤسسة التربوية؛ فنشاطه الصفي مرتبط بما يتعرض له الطالب من خبرات خارج حدود القاعة الدرسية، ومن هذه الخبرات الأنشطة اللاصفية، واجتيازه لاختبارات التحصيل المختلفة، وغير ذلك من العوامل الأخرى.
وبالتالي فلابدّ لتطوير عملية تعلم الطلبة وتحسين نوعية ناتج التعلم، من البدء في عملية التحسين على مستوى المناهج بمعناها الواسع وبكل ما تضمه من عناصر. إن ربط عمليات التحسين بعضها ببعض من خلال تقويمها المستمر سيؤدي حتماً إلى تغيير نوعي في الناتج التعليمي. ويطلق على هذه العملية مسمى عملية تقويم مخرجات التعلم أو التقويم المرتكز على تعلم الطلبة والتي تعني «عملية ربط ومناقشة المعلومات التي يتم جمعها من أكثر من مصدر لتطوير فهم عميق لما يعرفه ويفهمه الطالب ويستطيع أن يقوم به، بالمعرفة التي تعلمها كنتيجة للخبرات التربوية التي مر بها، وتكتمل العملية عندما تستخدم النتائج (المخرجات) لتحسين عملية التعلم اللاحق».
وتضم عملية تقويم مخرجات التعلم الخطوات الآتية:
1ـ تحديد عبارات نتاج التعلم المقصودة: يجب أن تصف العبارات ما نريد للطلبة أن يعرفوه وأن يفهموه، ويكونوا قادرين على تطبيقه بعد التعلم. ومن المهم أن تحدد نتاجات التعلم على مستوى المناهج، وعلى مستوى المرحلة التعليمية الواحدة، وعلى مستوى المراحل التعليمية الأخرى، وتكون مترابطة مع بعضها البعض.
2ـ تحديد أدوات القياس والتقويم الملائمة: وهذا يعني أن عملية تطوير أو اختيار أدوات لقياس نتائج التعلم وتقويمه تتطلب وضوحاً فيما نريد قياسه وتقويمه. أي لابد أن يكون ناتج التعلم واضحاً قبل الشروع في قياسه وتقويمه.
3ـ تطوير خبرات تؤدي إلى نتائج التعلم المقصودة: إن عملية تقويم نتائج التعلم تتطلب من المعلمين التأكد أن الطلبة يتعرضون من خلال المناهج لخبرات متعلقة بنتائج التعلم. فتحقيق الطلبة لنتائج التعلم المقصود مرتبط بتعرضهم لخبرات مرتبطة بذلك. وهذا معناه ضرورة دراسة المناهج بشكل متكامل وتحديد أيها المسؤول عن تعليمهم مهارة معينة، وأيها المسؤول عن تعليمهم معارف ومعلومات محددة.
4ـ استخدام نتائج القياس والتقويم في تحسين تعلّم الطلبة: وتتلخص الخطوة الرابعة في استخدام نتائج القياس والتقويم في تحسين تعلم الطلبة، ومناقشتها بين المعلمين مع بعضهم، ومع أصحاب القرار التربوي، ومع المتعلمين أنفسهم وبين الطلاب وبين أعضاء هيئة التدريس أنفسهم. وسوف تتضح من خلال المناقشات الأمور التي تحتاج إلى تطوير على المستويات كافة.
إن تحقيق النوعية في المؤسسة التربوية ليس عملاً صعباً، ولكنه يحتاج إلى رؤية واضحة للتطوير من قبل جميع العاملين فيها من أعضاء تدريس وإداريين. فجزء من المشكلات القائمة في المؤسسات التربوية يمكن تلخيصها أن أعضاء هيئة التدريس والإداريين وأصحاب القرار التربوي لايعملون معاً كفريق عمل لتحقيق أهداف المؤسسة التربوية، ولا يعطون أهمية لعملية قياس مخرجات النظام التربوي وتقويمها على المستويات كافة (المنهاج، المؤسسة التربوية، المرحلة التربوية)، ولايستخدمون البيانات التي تجمع باستمرار داخل المؤسسات التربوية لتطوير عمليات النظام التربوي في كل مرحلة تعليمية، وعليهم أن يحسنوا التفكير في تغيير الثقافة السائدة في المؤسسات التربوية لتصبح ثقافة داعمة للنوعية ولمبادئها، إضافة إلى تغيير طريقة التفكير حول عملها ككل لتحقيق الأهداف المرجوة. فمبادئ النوعية ترتبط بفلسفة المؤسسة الخاصة، وبثقافتها التي تستخدم أدوات علمية لقياس نتاجات التعلّم، وتعتمد الآليات الإدارية المنظمة، وتحقق التعاون من الجميع لتحقيق رسالة المؤسسة.
إيمان عز
معنى القياس التربوي
القياس بمفهومه العام؛ عملية يتم بوساطتها التعبير عن خصائص الأشياء والظواهر بأعداد وفق شروط معينة، ووحدات محددة وواضحة. ويشير إلى مجموعة من الإجراءات التي تتضمن تحديد ما يجب قياسه وترجمته إلى معلومات عددية أو بيانات رقمية يسهل وصفها بدقة أو بمستوى مقبول من الدقة.
عندما تؤخذ العملية التربوية في المؤسسات التربوية المختلفة موضوعاً للقياس والتقويم، فإن أي طرف فيها يمكن أن يكون موضوعاً له أيضاً، ويكون الغرض من القيام بهذه العملية معرفة مدى أو مستوى ما تحقق من الأهداف الموضوعة للعملية التربوية. يكون بناء المؤسسة التربوية في حالات موضوعاً للقياس، كما يكون المعلم في حالات أخرى، ويكون الطالب في حالات ثالثة، كما ينطبق الأمر ذاته على النظام الإداري والمدرسي، وعلى الأنشطة التعليمية المختلفة، ومثل ذلك يندرج على الأهداف التربوية التي تسعى هذه المؤسسات إلى تحقيقها لدى المتعلمين من حيث أنها انعكاس لأهداف التربية العامة التي ينشدها المجتمع.
عندما يتعامل المعلم مع تحصيل الطلبة ويسعى إلى تقدير مستوياتهم التحصيلية، يستخدم في ذلك مصطلح «القياس التربوي»، في حين يتم استخدام مصطلح «القياس النفسي» عندما يسعى لتقدير سماتهم وخصائصهم الشخصية وانفعالاتهم وميولهم وذكائهم واتجاهاتهم. أما حين يتعامل مع صفات من مثل الطول والوزن والقدرة البصرية والسمعية، فيتم استخدام مصطلح «القياس الفيزيائي أو المادي».
العلاقة بين القياس التربوي والتقويم التربوي
يرد مصطلح «التقويم والقياس» في معظم الأدبيات التي تتحدث في مجال الاختبارات والمقاييس بعضهما مع بعض، ويبدو للوهلة الأولى أنهما مصطلحان مترادفان، ويمكن استخدام الواحد بديلاً للآخر. ولكن هذا الأمر لا ينفي ضرورة التمييز بينهما، ولذلك لابدَّ من الوقوف وتفحص هذين المفهومين.
هناك أكثر من اتجاه لبيان الفرق بين القياس والتقويم، فمنهم من يذكر أن عملية القياس تقوم على التقدير الكمي للسمة المقاسة لدى الفرد، ولا تتخطى عملية القياس أكثر من تحويل السمة إلى كم معين. أمَّا التقويم فيسعى إلى تحويل الدرجة التي تنتج من عملية القياس إلى تقدير أو حكم قيمي، وبهذا الشكل نجد أن عملية التقويم تأتي بعد عملية القياس.
وهناك اتجاه آخر، يرى أن عملية التقويم هي أعم وأشمل من عملية القياس، فالقياس هو جزء من عملية التقويم. وتتم عملية التقويم بإجراء القياس وإطلاق الحكم ثم تأتي عملية التصويب، وبعدها عملية قياس أخرى للتأكد من حدوث التصويب، أو التعديل. والعملية ككل تسمى تقويماً.
وهناك من يرى أن القياس والتقويم عمليتان مترادفتان، إذ يمكن استخدام أحدهما مكان الآخر. فلو قيل التقويم التربوي أو القياس التربوي، أو قياس التحصيل وتقويم التحصيل، فإن ذلك يشير إلى العملية ذاتها.
إذا أُخذ بمبدأ التمييز بين المصطلحين كان من اللازم التمييز بين أدوات القياس التربوي التي تقدم بيانات كمية كالاختبارات والاستبانات والروائز، وبين أدوات التقويم التربوي التي تقدم معلومات نوعية كالمقابلة والسجلات القصصية والتراكمية.
المقياس في القياس التربوي
المقاييس المستخدمة في القياس التربوي متعددة ومتنوعة، فالأساس الذي ينطلق منه بناؤها يرتبط بالأثر الذي تحدثه عملية التربية في المتعلم من تغيير في سلوكه أو تعلمه، ومن ثم فإن القاعدة عند إعداد المقاييس التربوية التحصيلية إعطاء قيمة كمية محددة لاستجابات الطالب أو المتعلم عن أسئلة أو بنود محددة، يتوقع أن تصدر عنه بنتيجة ما استطاع تحصيله أو تعلمه، وأن تعكس مستوى هذا التحصيل. ولعل الأمر هو ذاته عند وضع الأدوات لقياس أو لتقويم المنهاج وأداء المعلم.
عادة يتألف المقياس التربوي من عدد من الأسئلة أو البنود أو المهمات. إنها تسمى أسئلة لأنها تُطرح على المتعلم المفحوص ليجيب عنها؛ وهي بنود لأن كلاً منها عبارة أو فقرة لها شكل متكامل مفهوم المعنى، وهي مَهمَة لأنها أمور من نوع ما يُكلف المفحوص القيام به.
وعادة ما تؤُخذ هذه الأسئلة والبنود والمهمات من مجموعة واسعة من الأنشطة التي يزاولها المتعلم أو يمكن أن يزاولها، في إطار ما حصلّه عن طريق تعلّمه وخبراته في المؤسسة التعليمية.
توضع بعض المقاييس التربوية التحصيلية من قبل المعلم، وبعضها الآخر يوضع من قبل الإدارة التربوية المحلية أو الوطنية، وبعضها الآخر يكون نتيجة جهد علماء متخصصين في ميدان القياس والتقويم في مجال تربوي محدد.
ويعتمد بعض هذه المقاييس على اللغة المكتوبة أو المقروءة أو المسموعة، وبعضها يعتمد على الأداء والمهارات اليدوية أو العملية. بعضها يكون إنشائياً مقالياً يتطلّب الشرح والتأليف في الإجابة، وبعضها يكون موضوعياً لا يتطلب من المفحوص إلا وضع إشارة أو ذكر عدد محدود من الكلمات. بعضها يكون من مستوى رفيع من الدقة والموضوعية والعلمية، في حين لا يكون ذلك في مقاييس أخرى.
تطبيقات القياس التربوي في الحياة
لم يكن القياس التربوي في يوم من الأيام غاية بحد ذاته، بل هو وسيلة يُعتمد على نتائجها عند اتخاذ قرار ما يتعلق بفرد أو جماعة، سواء داخل المؤسسة التربوية أم خارجها. ويمكن تحديد أنواع القرارات المتخذة فيها بما يأتي:
1ـ القرارات التدريسية:
من الوظائف المهمة للقياس التربوي توجيه القرارات اليومية والأسبوعية والفصلية للمعلم حول ما يجب تعليمه للمتعلّم وما يلزم تدريسه إياه، أو تدريبه عليه، فالامتحانات المتكررة تمكنه من معرفة مقدار تقدم المتعلم نحو الهدف التعليمي المرجو، والدرجة التي يحصل عليها متعلم ما في امتحان ما، تساعد على التنبؤ بما سيكون عليه في المستقبل سواء إذا ما تلقى تعليماً معيناً أم لم يتلق. كما تساعد على اتخاذ قرار بشأن تعديل وضعه الدراسي وضرورة إخضاعه لتعليم من نوع خاص، أو تحديد مجال الدراسة أو العمل الذي يناسب قدراته وإمكاناته.
2ـ القرارات المتعلقة بالمناهج:
من القرارات التي يُعتمد في اتخاذها على نتائج القياس قرارات تتعلق ببيان مدى فاعلية المنهاج، وخطط تدريسه ووسائله في تحقيق الأهداف المتوخاة ومدى إكساب المنهج القيم والاتجاهات والمهارات والحقائق التي تساعد على إعداد المتعلمين وتنميتهم جسدياً وعقلياً واجتماعياً وانفعالياً وروحياً.
فإذا ما تبيَّن عدم تحقيق الأهداف التعليمية، أو عدم مناسبة المنهاج بعناصره كلها، أو بأجزاء منه لخصائص المتعلمين وإمكاناتهم، أو لوحظ انخفاض مستوى التعليم بين الطلبة في مجتمع ما، كان ذلك كله الأساس في اتخاذ قرار بتعديل المناهج وطرائق التدريس أو البقاء عليها. ومتخذ القرار بشأن تعديل المنهاج أو تطويره إنما يفعل ذلك بناءً على نتائج قياس مستوى تحصيل المتعلمين، أو بناءً على نقاط الضعف التي يلاحظها المعلمون في أثناء تدريسهم للمنهاج.
3ـ القرارات المتعلقة بالمعلم:
تتخذ مجموعة من القرارات بشأن المعلم، ومعرفة مدى تحقيقه للأهداف التربوية، وامتلاكه للكفايات التعليمية سواء أكانت كفايات أداء وتعليم أم كفايات مراقبة وتنظيم. ويكون من المهم في هذه الحالة الحصول على معلومات حول عمله في المؤسسة وحول أدائه، وتحديد مواطن القوة والضعف لديه؛ وذلك استناداً إلى عينات أدائه في مواقف مختلفة، ومقارنة ذلك مع الأداء النموذجي الذي اتفق عليه الخبراء والمختصون. وبناءً على هذه المعلومات يتم اتخاذ القرارات اللازمة بشأنه من جهة ذوي القرار التربوي. فقد يتجه القرار نحو مكافأة ما أو ترقية معينة أو ضرورة مروره بدورات تدريبية تلزمه لتحسن مستوى أدائه. ويحدث في حالات أن يتجه القرار لإعفائه من العملية التربوية وتحويله إلى عمل آخر.
4ـ البحث العلمي:
لايقتصر الأمر في الاعتماد على القياس في القرارات العملية التطبيقية بل إنه الأساس أيضاً في مجال البحث العلمي والدراسات النظرية التي توسع دائرة فهم السلوك البشري وديناميته وتنظيمه ومعرفة المزيد عنه، وكثيراً ما يلجأ الباحث إلى استخدام الاختبارات أو أدوات القياس الأخرى في جمع البيانات المتعلقة بالفرضيات، وفي ضوء هذه البيانات يصوغ الباحث القرارات المتعلقة بصحة هذه الفرضيات العلمية التي تناولتها الدراسة أو خطئها.
وعند استعراض خطوات البحث العلمي نجد القياس في معظم خطواته بدءاً من تحديد المشكلة وانتهاءً بتحليل النتائج وتعميمها. إضافة إلى ذلك فإن نتائج قياس مستويات المتعلمين وخصائصهم لاتستخدم من أجل تعرف الواقع فحسب، وإنما هي معطيات للبحوث، تساعد على اقتراح الحلول واتخاذ القرارات المناسبة، لتحسين الأداء.
ومن جهة ثانية، فقد تكون أدوات القياس هي ذاتها مجال البحث أو موضوعه، في حال الرغبة بتعييرها أو بنائها.
5ـ قرارات التخطيط العام لتطور المجتمع:
يحتاج التخطيط التنموي الفعال إلى دراسة حاجة المجتمع لليد العاملة في مجالات الحياة كلها، وتحديد ما يلزم من الكوادر الأكاديمية والمهنية، وتحديد كل أنواع العمل التي ينبغي أن يزاولها أفراد المجتمع لتقديم إسهامات في تلبية حاجاتهم المختلفة. وفي جملة ما يقتضيه هذا الأمر تحديد نوع القدرات والمؤهلات اللازمة في كل عمل ليكون العمل فعالاً، وهذا يعني ضرورة الكشف عن الأفراد الذين يحملون القدرات والمؤهلات اللازمة باستخدام أدوات القياس المناسبة. وتكون القاعدة البشرية الأساسية في ذلك الطلبة والمتعلمين في المؤسسات التربوية المختلفة، حيث يتم تحديد مقدار ما يمتلكونه من القدرات والإمكانات ثم العمل على إعدادهم تحصيلياً وعلمياً وتدريبياً لمزاولة ما يُنتظر منهم في مجالات العمل المتاحة في المجتمع. ويبدو أن القياس هو الإجراء المشترك في كل خطوات التخطيط، فهو الأساس في تقصي حاجات المجتمع، وفي معرفة ما يحتاجه كل عمل من إمكانات وقدرات، وفي الكشف عما يمتلكه الأفراد من إمكانات، وفي معرفة ما وصلوا إليه نتيجة التعليم والتدريب.
6ـ قياس التعلم:
توفر المؤسسة التعليمية شروطاً لتعلّم المتعلّم ونموه بما يتضمنه المنهاج من معارف ومعلومات وتطبيقات. وهي في عملها هذا تهتم على نحو كبير بقياس ما تم تحصيله للمتعلم وتقويمه، ويكون قياس تعلمه أو قياس تحصيله وسيلتها الأساسية في ذلك. وهي في هذا الجانب تحاول الإجابة عن سؤالين أحدهما خاص بها، هو «ما الذي يجب أن يتعلمه المتعلم؟» والثاني خاص بالمتعلم وهو «ما ذا يجب أن أتعلم؟». فالأول يرتبط بما تقدمه من شروط مناسبة للتعلم، والثاني خاص بما ينتظر أن يتعلمه المتعلم وفقاً لما يمتلكه من قدرات وإمكانات وميول. ويعني ذلك أن قياس تحصيل المتعلم وتقويمه يكشف عن مستوى ما حصله المتعلم مما عملت المؤسسة التربوية على تعليمه إياه.
المؤشرات النوعية لقياس التعلم
لتحقيق أهداف العملية التعليمية لا يمكن أن يكتفي كل معلم بتغيير طرائق تدريسه وتقويمه لتحسين عملية تعلم الطلبة. فما يقوم به في أثناء التدريس هو عملية واحدة من عمليات عديدة تحدث في المؤسسة التربوية؛ فنشاطه الصفي مرتبط بما يتعرض له الطالب من خبرات خارج حدود القاعة الدرسية، ومن هذه الخبرات الأنشطة اللاصفية، واجتيازه لاختبارات التحصيل المختلفة، وغير ذلك من العوامل الأخرى.
وبالتالي فلابدّ لتطوير عملية تعلم الطلبة وتحسين نوعية ناتج التعلم، من البدء في عملية التحسين على مستوى المناهج بمعناها الواسع وبكل ما تضمه من عناصر. إن ربط عمليات التحسين بعضها ببعض من خلال تقويمها المستمر سيؤدي حتماً إلى تغيير نوعي في الناتج التعليمي. ويطلق على هذه العملية مسمى عملية تقويم مخرجات التعلم أو التقويم المرتكز على تعلم الطلبة والتي تعني «عملية ربط ومناقشة المعلومات التي يتم جمعها من أكثر من مصدر لتطوير فهم عميق لما يعرفه ويفهمه الطالب ويستطيع أن يقوم به، بالمعرفة التي تعلمها كنتيجة للخبرات التربوية التي مر بها، وتكتمل العملية عندما تستخدم النتائج (المخرجات) لتحسين عملية التعلم اللاحق».
وتضم عملية تقويم مخرجات التعلم الخطوات الآتية:
1ـ تحديد عبارات نتاج التعلم المقصودة: يجب أن تصف العبارات ما نريد للطلبة أن يعرفوه وأن يفهموه، ويكونوا قادرين على تطبيقه بعد التعلم. ومن المهم أن تحدد نتاجات التعلم على مستوى المناهج، وعلى مستوى المرحلة التعليمية الواحدة، وعلى مستوى المراحل التعليمية الأخرى، وتكون مترابطة مع بعضها البعض.
2ـ تحديد أدوات القياس والتقويم الملائمة: وهذا يعني أن عملية تطوير أو اختيار أدوات لقياس نتائج التعلم وتقويمه تتطلب وضوحاً فيما نريد قياسه وتقويمه. أي لابد أن يكون ناتج التعلم واضحاً قبل الشروع في قياسه وتقويمه.
3ـ تطوير خبرات تؤدي إلى نتائج التعلم المقصودة: إن عملية تقويم نتائج التعلم تتطلب من المعلمين التأكد أن الطلبة يتعرضون من خلال المناهج لخبرات متعلقة بنتائج التعلم. فتحقيق الطلبة لنتائج التعلم المقصود مرتبط بتعرضهم لخبرات مرتبطة بذلك. وهذا معناه ضرورة دراسة المناهج بشكل متكامل وتحديد أيها المسؤول عن تعليمهم مهارة معينة، وأيها المسؤول عن تعليمهم معارف ومعلومات محددة.
4ـ استخدام نتائج القياس والتقويم في تحسين تعلّم الطلبة: وتتلخص الخطوة الرابعة في استخدام نتائج القياس والتقويم في تحسين تعلم الطلبة، ومناقشتها بين المعلمين مع بعضهم، ومع أصحاب القرار التربوي، ومع المتعلمين أنفسهم وبين الطلاب وبين أعضاء هيئة التدريس أنفسهم. وسوف تتضح من خلال المناقشات الأمور التي تحتاج إلى تطوير على المستويات كافة.
إن تحقيق النوعية في المؤسسة التربوية ليس عملاً صعباً، ولكنه يحتاج إلى رؤية واضحة للتطوير من قبل جميع العاملين فيها من أعضاء تدريس وإداريين. فجزء من المشكلات القائمة في المؤسسات التربوية يمكن تلخيصها أن أعضاء هيئة التدريس والإداريين وأصحاب القرار التربوي لايعملون معاً كفريق عمل لتحقيق أهداف المؤسسة التربوية، ولا يعطون أهمية لعملية قياس مخرجات النظام التربوي وتقويمها على المستويات كافة (المنهاج، المؤسسة التربوية، المرحلة التربوية)، ولايستخدمون البيانات التي تجمع باستمرار داخل المؤسسات التربوية لتطوير عمليات النظام التربوي في كل مرحلة تعليمية، وعليهم أن يحسنوا التفكير في تغيير الثقافة السائدة في المؤسسات التربوية لتصبح ثقافة داعمة للنوعية ولمبادئها، إضافة إلى تغيير طريقة التفكير حول عملها ككل لتحقيق الأهداف المرجوة. فمبادئ النوعية ترتبط بفلسفة المؤسسة الخاصة، وبثقافتها التي تستخدم أدوات علمية لقياس نتاجات التعلّم، وتعتمد الآليات الإدارية المنظمة، وتحقق التعاون من الجميع لتحقيق رسالة المؤسسة.
إيمان عز