الكِرْمِلي (أَنَسْتاس) Al-Kirmili (Anastas-) راهب كرملي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الكِرْمِلي (أَنَسْتاس) Al-Kirmili (Anastas-) راهب كرملي

    كرملي (انستاس) Al-Kirmili (Anastas-) - Al-Kirmili (Anastas-)
    الكِرْمِلي (أَنَسْتاس -)

    (1866-1947م)



    الأب أنستاس ماري الكرملي من أشهر الرهبان الكرمليين في العصر الحديث، عالم، لغوي، مؤرخ، أديب. اسمه الأصلي بطرس بن جبرائيل يوسف عواد. ولد في بغداد لأب لبناني الأصل، وأم بغدادية، كان والده قد نزح إلى بغداد سنة 1850، واستقر فيها. تلقى بطرس دراسته الابتدائية في مدرسة «الآباء الكرمليين» ببغداد، حيث أنهى أيضاً دراسته الثانوية في مدرسـة «الاتفاق الكاثوليكي» سـنة 1882.

    درّس اللغة العربية وهو شاب في مدرسة «الآباء الكرمليين» مدة قصيرة، ثم غادر بغداد إلى بيروت؛ ليكمل فيها دراسة آداب اللغة الفرنسية، ويتعلّم اللغتين اللاتينية واليونانية، وكان في الوقت نفسه يدرّس اللغة العربية هناك. ومن بيروت سافر إلى بلجيكا، وانتمى إلى الرهبانية الكرملية في دير شفرمون Chèvremont قرب لييج Liège وكان ذلك سنة 1887. ومن بلجيكا سافر سنة 1889 إلى مونبلييا في فرنسا؛ ليدرس هناك الفلسفة واللاهوت. وفي سنة 1894 رُسِم قسيساً باسم «أنستاس ماري الكرملي».

    وقد حقق أمنية من أمنياته الغالية بزيارته إسبانيا سنة 1894، وتجوله في بلاد الأندلس وتملّيه آثارها، ومنها عاد إلى بغداد، واستقر فيها، ووُلِّيَ إدارة مدرسة «الآباء الكرمليين» أربع سنوات، وعلّم فيها اللغتين: العربية والفرنسية. وكان الكرملي شغوفاً باللغة العربية منذ صغره، فنشأ محباً لها، وانكبَّ على دراستها بشوق ونهم حتى أصبح فيها من اللامعين. وقد نفاه العثمانيون الأتراك في الحرب العالمية الأولى إلى مدينة قيصرية في الأناضول لتعصبه للغة العربية، فبقي هناك في منفاه سنة وعشرة أشهر (1914-1916)، ومن ثم أعيد إلى بغداد، وأشرف على جريدة «العرب» السياسية نحو سنة. زار معظم البلاد العربية؛ وبعض الأقطار الأوربية أكثر من مرة.

    كان يتقن اللغات الفرنسية واللاتينية واليونانية والفارسية إتقاناً جيداً، كما كان يُلمُّ ببعض اللغات الأخرى كالإنكليزية والإسبانية والإيطالية؛ إلى جانب إلمامه ببعض اللغات الشرقية كالسريانية والعبرية والحبشية والصابئية والتركية. كان الأب أنستاس يتمتع بقلب طيب، وطويّة نقية، وتواضع جم، وبساطة في حياته، وكان يدأب على القراءة والتأليف، كما كان يجيب عن كل رسالة تصل إليه. وكان يأخذ بيد الناشئة، ويشجعهم، كما كان يذهب إلى وجوب التمسك بالفصحى، ويرى أن العربية قوام العروبة. وكان ينشر بعض مقالاته باسمه الصريح؛ وبعضها الآخر غفلاً من التوقيع، أو بتواقيع مستعارة، أو باسم بعض تلاميذه، وكان يفعل ذلك؛ لئلا يُحرج رؤساءه الدينيين الذين لا يسمحون له بنشرها في صحف ومجلات لا يرضون عنها. وكان له مجلس أسبوعي، يُعقد يوم الجمعة، يبدأ الساعة الثامنة صباحاً، وينفضّ الساعة الثانية عشرة وقت غداء الرهبان في الدير، يرتاده أصدقاؤه من أدباء وعلماء وصحفيين وأطباء، وغيرهم، فيتحادثون في كل شيء ما عدا الدين والسياسة.

    وكانت له مراسلات مع مشاهير عصره من العلماء والأدباء والمستشرقين منهم: شكيب أرسلان ومحمود شكري الآلوسي وغيرهما، وكانت له مناظرات لغوية سببّت له خصومات؛ لأن تعصبه للعربية كان يخرج به أحياناً عن حدود المناظرة إلى المخاشنة.

    كان للأب أنستاس خزانة كتب تضم نحواً من عشرين ألف مجلد، فيها أمهات المراجع من كل ألوان الثقافة؛ تملأ خمس غرف من مبنى الدير، وحين احتله الجنود العثمانيون أحرقوا كثيراً من كتب تلك الخزانة؛ ليصطلوا بنارها، ولكن الكرملي رممها وجددها، واشترى بديلاً من الكتب التي أحرقت. وفي سنة 1949 أهدى الدير الخزانة إلى «مديرية الآثار العامة العراقية» وكان مجموعها /7335/ كتاباً، المخطوط منها /1335/ كتاباً والمطبوع /6000/ كتاب.

    كان للأب أنستاس الكرملي إنتاج غزير متنوع طبع بعضه، ومازال بعضه مخطوطاً. وقد أخذ نتاجه أشكالاً كثيرة: المعاجم والكتب والمراسلات والمناظرات، والمقالات -وهي الغالبة- والتحقيقات، وإصدار المجلات، والإشراف على بعضها. وأهم إنتاجه معجم لغوي؛ سماه «المساعد» وأنفق كثيراً من سني عمره في تأليفه، وقد طبعت أجزاءً منه وزارة الثقافة ببغداد بتحقيق كوركيس عواد وعبد الحميد العلوجي، وكتاب «اللغة العربية: نشوؤها، ونموّها واكتهالها» وكتاب «شعراء بغداد وكتّابها» ورسالة في «النقود وعلم النميّات». وقد حقق كتباً قديمة منها «كتاب العين» للخليل بن أحمد، وكتاب «الإكليل» للهمداني. أما المراسلات والمناظرات فكانت مع مشاهير عصره من أدباء وعلماء وباحثين، ومع بعض المستشرقين، وكانت المقالات تنشر في مجلات ذاك العصر، وخاصة المجلات التي يصدرها أو يشرف عليها، كمجلة «لغة العرب» التي أصدرها من عام 1911 حتى عام 1914م، وتوقفت في هذه السنة، التي نُفي فيها ثم عاد فأصدرها عام 1927 حتى 1933، وموضوعاتها على الأغلب لغوية.

    ومجلة «دار السلام» الأسبوعية التي صدرت سنة 1918، واستمرت حتى سنة 1922، وكان ما يُنشر فيها من أبحاث متنوعاً في التاريخ والأدب والسياسة. وقد ترجم بعض مِن إنتاجه إلى الألمانية والفرنسية والإنكليزية والروسية.

    علمه الواسع، واطلاعه الغزير ونشاطه المستمر جعل منه عضواً مراسلاً في المجمع العلمي العربي بدمشق (مجمع اللغة العربية اليوم)، وعضواً في مجمع اللغة العربية الملكي بالقاهرة، وعضواً في «لجنة التأليف والترجمة والنشر العراقية» وعضواً في «مجمع المشرقيات الألماني».

    تُوفِّي الأب أنستاس في بغداد، ودفن فيها.

    تقوم نظرته في نشوء اللغة على: «أن الكلم وُضعت في أول أمرها على هجاء (مَقْطَع) واحد: متحرك فساكن؛ محاكاة لأصوات الطبيعة، ثم فُئِّمتْ، وزيد فيها حرف أو أكثر في الصدر أو القلب أو الطرف، فتصرف فيها المتكلمون تصرفاً، يختلف باختلاف البلاد والقبائل والبيئات والأهوية، فكان لكل زيادة أو حذف، أو قلب، أو إبدال، أو صيغة معنىً، أو غاية، أو فكرة دون أختها، ثم جاء الاستعمال فأقرها مع الزمن على ما أوحته إليهم الطبيعة، أو ساقهم إليه الاستقراء، والتتبع الدقيق، وفي كل ذلك من الأسرار والغوامض الآخذة بالألباب ما تجلت لها بعد ذلك تجلياً بديعاً، استقرت على سنن وأصول، وأحكام ثابتة لن تتزعزع، يذكرها علماء العربية في مطاوي مباحثهم».

    وبمقارنة اللغة العربية، أم اللغات و«مفتاح اللغات» - حسب تعبيره - مع اللغات الأخرى «يظهر ظهوراً واضحاً بارزاً أن أصول الهيلينية والأصول المُضَريّة متفقة. وهذا أمر غريب، ولسوء الحظ، لم ينبّه عليه أحد، لذهاب أغلب أرباب اللغة أن لا مناسبة بين لغتنا ولغتهم». أما الجديد الذي كشف عنه، والإبداع الذي يفخر به فهو «كل كلمة ذات هجاء (مقطع) واحد وهجائين (مقطعين) في الرومية أو اليونانية ولم تكن من أصل منحوت، بل من وضع أصيل أو توقيفي؛ فلابد من أن يكون لها مقابل في لغتنا المضرية». ويبرهن على ذلك بألفاظ مقارنة كثيرة. ويقول: إن المستشرقين يحاربون هذا المنحى؛ «لأنهم لا يريدون أن يقيموا أدنى صلة بين العربية وسائر اللغات اليافثية، ولا أدنى مناسبة بينهم وبين الناطقين بالضاد»، كما أن غيرهم ممن ينطقون العربية يحاربون ذلك.

    الوليد طالب
يعمل...
X